ملتقى دولي حول إعادة النظر في النموذج التنموي المغربي

TT

ملتقى دولي حول إعادة النظر في النموذج التنموي المغربي

أثارت تصريحات أدلى بها عبد اللطيف الجواهري، والي محافظ بنك المغرب، ردود فعل غاضبة من طرف مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف حقوق الإنسان والقيادي في حزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي يقود الحكومة المغربية.
وتحدث الجواهري خلال ملتقى دولي خُصص لمناقشة موضوع النموذج التنموي المغربي، نُظِّم خلال اليومين الماضيين في الصخيرات (جنوب الرباط)، حول ضرورة الحفاظ على التوازنات الاقتصادية الكبرى، محذراً من أن يؤدي بعض الإصلاحات إلى التضحية بها. كما حذر من انعكاس أي تفاقم في مستويات عجز الموازنة والمديونية على صورة المغرب لدى وكالات التنقيط والمؤسسات المالية الدولية، في تلميح إلى تلويح وكالة «ستاندرد أند بورز» أخيراً بتخفيض تنقيط المغرب إذا لم تتمكن الحكومة من التحكم في عجز الميزانية. وذكّر الجواهري بالوضعية الحرجة التي مرت بها البلاد خلال فترة تنفيذه برامج التقويم الهيكلي في الثمانينات من القرن الماضي، معبراً عن أمله ألا يعود المغرب إلى مثل تلك الفترة أبداً. كما دعا الجواهري إلى ضرورة ترتيب الأوليات في السياسات التنموية وربطها بالإمكانيات المتاحة، منتقداً الطابع الشمولي للبرامج الحكومية. ودعا إلى ضرورة وضع سياسات تستجيب لمطالب الطبقة الوسطى في مجالات التعليم والصحة والشغل والرفاه، مع إحداث شبكات للحماية الاجتماعية من أجل «المصالحة» مع هذه الفئة، مؤكداً ضرورة إعطاء الأولوية في هذا المجال لتخليق الحياة العامة ومحاربة الرشوة.
غير أن كلام الجواهري أثار الرميد، الذي كان يشارك في الجلسة الافتتاحية للملتقى نيابةً عن رئيس الحكومة، واعتبره موجَّهاً ضد الحكومة التي يرأسها حزبه. وقال الرميد في تعقيب على كلام الجواهري: «لا أريد أن يقال إن الجواهري يقرع الأجراس على مسامع الحكومة خلال هذا الملتقى». مبرزاً أنه «ليس في نية الحكومة ولا سياستها أن تعيد النظر في التوازنات الاقتصادية الكبرى في أي اتجاه يمكن أن يمس بها، بما يؤدي إلى المساس بالسيادة كما ذكرتم... وأنتم تعرفون أن العمل جارٍ على تقليص عجز الميزانية». وبخصوص انتقاد الجواهري للطابع الشمولي لبرامج الحكومات، رد الرميد قائلاً: «إن هذه الحكومة وضعت الأولويات... بكل رويّة وتبصر»، ووضعت الملفات الاجتماعية، خصوصاً التعليم والصحة، على رأس أولوياتها.
ورد الجواهري بأن كلامه لا يتعلق بحكومة معينة، لأن موضوع النموذج التنموي يتجاوز ولاية حكومة واحدة، مشيراً إلى أنه يتكلم من «الناحية التاريخية». وقال موجِّهاً كلامه إلى الرميد: «أنت تتكلم من موقع سياسي، وأنا لست سياسياً، أنا تقنيّ... والتقنيون لهم مقولة حول السياسيين تقول إن بُعد نظر السياسي لا يتجاوز 90 يوماً، مثل الكمبيالة التجارية، في حين أن ما هو اقتصادي ومالي يندرج في المدى المتوسط والطويل».
ومرة أخرى، أثار رد الجواهري حفيظة الرميد الذي أجاب غاضباً بأنه «إذا كان التقني يعتبر أن نظر السياسي 90 يوماً، فإن السياسي يعتبر نظر التقني لا يتجاوز أرنبة أنفه (مشيراً إلى أنفه)».
وأجمع المشاركون في الملتقى الدولي، الذي نُظِّم حول موضوع «إعادة النظر في النموذج التنموي المغربي لمواكبة التطورات التي يشهدها المغرب»، على ضرورة إيلاء الأولوية لبناء العنصر البشري، واستيعاب التطورات التي يفرضها التحول الرقمي واقتصاد المعرفة، وإدماج البعد الجهوي والترابي في الاستراتيجية التنموية المتوخاة، مع إيلاء الأهمية القصوى لآجال إنجاز المشاريع والبرامج التنموية، وقياس وقعها المباشر على حياة المواطنين. كما أكد المشاركون في الملتقى، الذي نظمته جمعية أعضاء المفتشية العامة لوزارة المالية بمركز محمد السادس للمؤتمرات بالصخيرات، وعرف مشاركة كبار المسؤولين في الحكومة والإدارة ورؤساء الأحزاب السياسية المغربية وخبراء وأكاديميين... أكدوا ضرورة إجراء تشخيص نزيه للتطور الذي حققه المغرب على مدى السنوات العشرين الماضية، بشكل يبرز الإنجازات دون بخسها ويسيطر على النواقص دون تضخيمها.
وقال فوزي لقجع، رئيس جمعية أعضاء المفتشية العامة لوزارة المالية، إن تنظيم هذا الملتقى يهدف إلى المساهمة في الحوار الوطني، الذي دعا إليه العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاباته، وعلى الخصوص في خطاب افتتاح البرلمان، والقرار الذي اتخذه العاهل المغربي بتكليف لجنة خاصة، مهمتها تجميع المساهمات خلال الأشهر الثلاثة المقبلة قصد وضع معالم مشروع النموذج التنموي الجديد، الذي سيؤطر السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية خلال السنوات المقبلة.
وأضاف لقجع أن الملتقى حول إعادة النظر في النموذج التنموي المغربي، الذي ينظم في دورته الثانية، يهدف إلى إشراك جميع الفعاليات الإدارية والسياسية ومن المجتمع المدني في «تشخيص جماعي للاختيارات المؤطرة للنموذج التنموي المغربي، ومدى قدرتها على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية»، وذلك من أجل اقتراح أفكار وبدائل يمكن أن تسهم في وضع معالم النموذج التنموي المنشود، الذي سيفتح للمغرب آفاقاً للنمو والتطور جديدة خلال العقدين المقبلين.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.