نتنياهو يتهم رئيس منظمة «بتسيلم» بالخيانة بعد دعوته مجلس الأمن إلى إنهاء الاحتلال

المندوب الدائم لإسرائيل في الأمم المتحدة يصرخ في وجهه بالعبرية: «أنت عميل»

المدير العام لمنظمة «بتسيلم» أثناء حديثه أمام مجلس الأمن (إ.ب.أ)
المدير العام لمنظمة «بتسيلم» أثناء حديثه أمام مجلس الأمن (إ.ب.أ)
TT

نتنياهو يتهم رئيس منظمة «بتسيلم» بالخيانة بعد دعوته مجلس الأمن إلى إنهاء الاحتلال

المدير العام لمنظمة «بتسيلم» أثناء حديثه أمام مجلس الأمن (إ.ب.أ)
المدير العام لمنظمة «بتسيلم» أثناء حديثه أمام مجلس الأمن (إ.ب.أ)

يتعرض المدير العام لمنظمة «بتسيلم» (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة)، المحامي حجاي إلعاد، لضغوط شديدة وتحريض، بسبب خطابه أمام مجلس الأمن الدولي في نيويورك، أول من أمس الخميس، الذي طالب فيه بخطوات عملية لحمل حكومة إسرائيل على إنهاء الاحتلال ووقف عملية «دوس» الشعب الفلسطيني. وقد وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على رأس المحرضين، ووصف حضور وخطاب إلعاد بمثابة خيانة وطنية وخدمة للعدو.
وكان حجاي إلعاد قد ظهر أمام مجلس الأمن، في الجلسة التقليدية التي تلتئم مرة كل ثلاثة شهور لبحث الأوضاع في الشرق الأوسط، وذلك بدعوة من بوليفيا التي تتولى رئاسته حالياً، ولا تقيم علاقات دبلوماسية مع تل أبيب. فقال: «تتكلمون كثيراً ضد الاحتلال وموبقاته، وقد حان الآن وقت الفعل». وقال: «من الصّعب جداً، إن لم يكن مستحيلاً، أن أنقل لكم الصّورة الكاملة للإهانة والغضب والألم التي يحسّها شعب تُسلب منه حقوق الإنسان طيلة أكثر من خمسين سنة. يصعب هنا في هذه القاعات التعبير بصيغ تنقل بدقّة معنى الحياة المُستباحة التي يعيشها الفلسطينيون. ولكن مهما كان صعباً وصف ذلك فإن المشقّة الحقيقيّة هي في المعيشة التي لا تُطاق، حيث المجابهة مستمرّة على نحو يوميّ: الكفاح من أجل العيش ورعاية أسرة وتنمية مجتمع في مثل هذه الظروف».
وأشار إلعاد إلى خطابه السابق أمام المجلس، قبل سنتين، ليصف حياة الفلسطينيين وتنكيل إسرائيل بهم خلالهما: «منذ خطابي الأخير قُتل 317 فلسطينياً على يد قوات الأمن الإسرائيلية، وقُتل 13 إسرائيلياً على يد فلسطينيين. هدمت إسرائيل 294 منزلاً فلسطينياً، وواصلت حملات الاعتقالات اليوميّة بما في ذلك اعتقال القاصرين. وخرب المستوطنون الإسرائيليون الحقول الفلسطينية وأبادوا آلاف أشجار الزيتون وشجيرات الكرمة، وواصلت قوات الأمن الإسرائيلية اقتحاماتها العشوائية لمنازل الفلسطينيين في دُجى الليل أحياناُ، حيث تُفزع الأطفال من نومهم لكي تسجل أسماءهم وتلتقط صوراً لهم. وأيضاً خلال السنتين الأخيرتين خسر الفلسطينيون آلاف الساعات في طوابير الانتظار على حواجز التفتيش ومن دون أي سبب. وهكذا يواصل الاحتلال مسيرته الروتينية دون عائق».
ولفت إلى أن «هذا الواقع يُوصف في معظم الأحيان بعبارة (الوضع القائم) رغم أنّه لا شيء قائم ولا ثابت في هذا الواقع. إنها عملية محسوبة ومقصودة لتجزئة الشعب وتفتيت أرضه وشرذمة حياته: فصل غزة عن الضفة الغربية، وفصل الضفة الغربية عن القدس الشرقية، وتشظية بقية أراضي الضفة الغربية إلى جيوب منفصلة، وإنشاء جدار يعزل القدس عن بقية أراضي الضفة الغربية. ما يتبقى في نهاية المطاف قطع منفصلة من الأسهل التحكم بها».
وأكد أن «لا شيء من هذا يجري عشوائياً. إنها سياسة منهجية. اثنان من أكثر الأمثلة وضوحاً مؤخراً: ممارسات إسرائيل في مواجهة احتجاجات غزة الأخيرة والمخططات التي وضعتها لخان الأحمر التجمّع البدوي الفلسطيني. أكثر من 200 شخص لا يفصلهم عن القدس سوى بضعة كيلومترات يعيشون في منطقة عزمت إسرائيل على تقليص الوجود الفلسطيني فيها لأجل توسيع المستوطنات».
ووصف إلعاد قطاع غزة بـ«السجن المفتوح». وتطرق إلى مظاهرات «مسيرات العودة»، مشدداً على أنه «خرج نزلاء السجن في الأشهر الستة الماضية محتجين على أوضاعهم بعد أن عانوا طيلة أكثر من 10 سنوات تحت وطأة حصار تفرضه إسرائيل، حصار أدى إلى انهيار اقتصاد القطاع وارتفاع حادّ في معدلات البطالة وتلوّث مياه الشرب وتناقص إمدادات الطاقة الكهربائية، وفي نهاية المطاف أدى إلى حالة يأس عميق. منذ الـ30 من شهر مارس (آذار) الماضي، جُرح أكثر من 5 آلاف فلسطيني بنيران إسرائيلية، وقُتل أكثر من 170، بينهم 31 قاصراً ومنهم أطفال صغار: مجدي السطري وياسر أبو النجا وناصر مصبح قُتلوا ولمّا يتجاوز أي منهم الـ11 من عمره. وكما في حالة خان الأحمر قررت محكمة العدل العليا في إسرائيل أن سياسات إسرائيل تجاه قطاع غزة (قانونيّة) في عدّة قضايا مختلفة منها شرعنة بعض أبعاد الحصار وشرعنة تعليمات إطلاق النار التي تبيح للقناصة الإسرائيليين مواصلة قنص المتظاهرين داخل القطاع من بعيد».
وتحدث إلعاد حول سعي حكومة اليمين المتطرف الحالية في إسرائيل إلى قمع المنظمات الحقوقية التي تناضل ضد هذه الممارسات، فقال إن «المساعي الحثيثة لسن القوانين ضد منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية يلازمها جنباً إلى جنب المساواة بين رفض الاحتلال والخيانة. تصريحات حكومة إسرائيل قبَيل انعقاد جلسة مجلس الأمن اليوم هي مثال آخر مؤسف على روح العصر. ولذلك أتوجّه إلى رئيس الحكومة نتنياهو لأقول له التالي: لن تستطيع إسكاتنا أبداً لا نحن ولا آلاف الإسرائيليين الذين يرفضون الوضع القائم على الفوقية والاضطهاد، ويصرون على مستقبل قوامه المساواة والحرية وحقوق الإنسان. أنا لست خائناً ولست بطلاً أيضاً. الأبطال هم الفلسطينيّون الذين يتحملون هذا الاحتلال بشجاعة ومثابرة، الصامدون على أرضهم رغم علمهم أن وصول الجرافات مسألة وقت فقط».
وقد انفلت المندوب الدائم لإسرائيل في الأمم المتحدة، داني دنون، خلال الكلمة، وصاح به قائلاً بالغة العبرية: «سيد إلعاد. أنت مواطن دولة إسرائيل يقدم خدمة لأعدائنا. إنهم يستخدمونك ضدنا. إن جنود الجيش الإسرائيلي الذين تتهمهم إنما يدافعون عنك. فاخجل من نفسك. إنك عميل». ثم هاجم بوليفيا، التي تدوس حقوق الإنسان.
وفي تل أبيب، هاجم نتنياهو بشدة أقوال إلعاد قائلاً «إنه ألقى كلمة حافلة بالأكاذيب في محاولة لمساعدة أعداء إسرائيل، في الوقت الذي يتأهب فيها جنودنا للدفاع عن أمن الدولة». وأضاف أن «تصرفات منظمة (بتسيلم) تنطوي على العار والشنار، وما هي إلا سحابة عابرة في تاريخ شعبنا».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.