العقوبات الأميركية الإضافية على إيران «اختبار» لفعالية التدابير الأوروبية

الخارجية الفرنسية: ما نقوم به تأكيد للسيادة الاقتصادية لأوروبا

العقوبات الأميركية الإضافية على إيران «اختبار» لفعالية التدابير الأوروبية
TT

العقوبات الأميركية الإضافية على إيران «اختبار» لفعالية التدابير الأوروبية

العقوبات الأميركية الإضافية على إيران «اختبار» لفعالية التدابير الأوروبية

بعد 15 يوما، تدخل السلة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران حيز التنفيذ.
ووفق الخبراء، فإن هذه السلة التي تتناول قطاعات الطاقة والبنوك والتأمين ستكون أكثر إيلاما للاقتصاد الإيراني الذي يعتمد بنسبة تزيد على 85 في المائة على عائداته من مبيعات النفط والغاز. فضلا عن ذلك، فإن واشنطن التي خرجت من الاتفاق النووي في مايو (أيار) الماضي وفرضت سلة أولى من العقوبات في أغسطس (آب) تسعى إلى حرمان إيران من البقاء داخل النظام المالي العالمي ومنعها من استخدام العملة الأميركية «الدولار» والتعامل مع شركات التأمين العالمية.
والحال أن البدء بتنفيذ هذه العقوبات، خصوصا تلك التي تسمى «ثانوية» أو عابرة للحدود أي التي تتناول الشركات غير الأميركية والعمليات التجارية خارج الأراضي الأميركية ستكون بمثابة «اختبار حقيقي» للأوروبيين ولفعالية التدابير التي عمدوا إلى اتخاذها منذ الربيع الماضي للالتفاف على العقوبات وتمكين الشركات الأوروبية «وحتى غير الأوروبية» من الاستمرار في التعاطي مع طهران. وتشير الأدبيات الأوروبية إلى أمرين: الأول، أن الغرض مما يقومون به هو تمكين إيران من الاستمرار في الاستفادة مما يوفره لها الاتفاق النووي لحثها على البقاء داخله ومنعها من العودة إلى تخصيب اليورانيوم بدرجات أعلى مما يتيحه الاتفاق. والثاني، مساعدة الرئيس حسن روحاني للوقوف بوجه التيار المتشدد داخل إيران الذي يدفع باتجاه الخروج. لكن ثمة هدفا ثالثا قوامه إيجاد الظروف لتستمر الشركات الأوروبية في الاستفادة من السوق الإيرانية ومن العقود المبرمة أو تلك يمكن أن تبرم معها.
حتى اليوم، ما زال الموقف الرسمي الإيراني يقول بأن طهران ستبقى ملتزمة بالاتفاق، «ما دامت تجد فيه مصلحتها الوطنية»، أي ما دامت مستمرة في تصدير نفطها والتعامل التجاري والاقتصادي مع الخارج بما في ذلك مع الأوروبيين. والحال أن الأرقام المتوافرة تفيد بأن الصادرات النفطية لإيران منتصف أغسطس تراجعت بحوالي مليون برميل/يوم عما كانت عليه في شهر أبريل (نيسان)، وذلك قبل ثلاثة أشهر من انطلاق العقوبات الجديدة. ويتوقع الخبراء أن تتراجع أكثر فأكثر في الأشهر القادمة، الأمر الذي حفز طهران لاقتراح نفطها بأسعار هي الأدنى منذ 14 عاما، لا بل إنها وعدت زبائنها في آسيا وتحديدا الصين والهند، وهما أكبر مستوردين لنفطها، بتخفيضات إضافية، سعيا منها لتأمين أسواق. وبينما كانت حصة البلدين تصل إلى نصف الصادرات الإيرانية في الربيع الماضي، ارتفعت هذه الحصة إلى النصف في الصيف الذي تبعه. بيد أن الملاحظ أن مشتريات الهند تراجعت كثيرا في الأشهر الأخيرة، كذلك فعلت اليابان زبون النفط الإيراني الثالث. بالمقابل، حافظت الصين وهي الزبون الأول، على مستوى مشترياتها «أكثر من 730 ألف برميل/يوم». أما في أوروبا، فإن زبائن إيران هم إسبانيا وإيطاليا وتركيا. وخلاصة هذه الأرقام أن مستقبل المبيعات الإيرانية وأيضا الاتفاق النووي مرهون إلى حد كبير بأربع دول آسيوية هي الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية. والدولتان الأولى والثانية قالتا إنهما ستستمران في شراء النفط الإيراني وكذلك فعلت تركيا. أما اليابان وكوريا الجنوبية فإن وضعهما مختلف تماما بسبب قوة التأثير الأميركي عليهما لأسباب استراتيجية وسياسية واقتصادية وبالتالي من الصعب الجزم بما سيكون عليه موقفهما.
من هذه الزاوية، تبدو مطالب إيران من الدول الأوروبية بأن تعوض لها النقص المتأتي من العقوبات الأميركية، وفق مصدر رسمي فرنسي، «غير واقعية» بسبب الحجم المحدود «قبل العقوبات للواردات النفطية الأوروبية» من جهة وبسبب خوف الشركات من العقوبات الأميركية. وفي أي حال، فإن الشركات الأوروبية الكبرى مثل توتال النفطية وإيرباص للطيران وبيجو-سيتروين لتصنيع السيارات وسي جي إم للنقل البحري وسيمنز الألمانية وعشرات غيرها لم تنتظر حلول شهر نوفمبر (تشرين الثاني) للخروج من السوق الإيرانية رغم ما فعله الاتحاد الأوروبي من إعادة تفعيل قانون حماية شركاته من العقوبات يعود للعام 1996.
أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي وعلى هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقفت فدريكا موغيريني «وزيرة» الخارجية الأوروبية إلى جانب وزير خارجية إيران محمد جواد ظرف لتعلن إنشاء ما يمكن تسميته «صندوق الاستحقاقات المشترك» «SPV» بالإنجليزية. وهدف الصندوق بالطبع هو محاولة الالتفاف على العقوبات الأميركية على الشركات الأوروبية عن طريق إيجاد ما يشبه «غرفة المقاصة»، بحيث تودع فيه أموال مبيعات النفط الإيراني التي لن تتم بالدولار ومنه تدفع قيمة البضائع للشركات التي تصدر إلى إيران. وما ابتدعه الأوروبيون شبيه بما كانت تفعله إيران سابقا، حيث كانت تبادل النفط بالذهب ما يعيد هذه العمليات إلى زمن المقايضة البدائي.
وأول من أمس، سئلت الخارجية الفرنسية عن الجدوى الفعلية لهذا الصندوق إزاء تشكيك أميركي بفعاليته، وكان رد الناطقة باسمها أن الأوروبيين يعملون في الوقت الحاضر «من أجل تسهيل العمليات التجارية مع إيران للشركات التي ترغب في المحافظة على علاقات معها مع احترام القوانين الأوروبية». وأضافت الخارجية الفرنسية أن الغرض الأبعد هو «إيجاد وسيلة تكفل المحافظة على السيادة الاقتصادية لأوروبا بحيث تتم حماية هذه الشركات مستقبلا من العقوبات غير المشروعة العابرة للحدود»، في إشارة للعقوبات الأميركية على إيران.
هل ستنجح أوروبا في تحقيق أهدافها المعلنة، أي دفع شركاتها للاستمرار في التعاطي مع إيران رغم التهديدات الأميركية؟
تقول المصادر الفرنسية إن الحكومات الأوروبية «ليست من يقرر عن الشركات الخاصة» التي تتصرف بوحي مصالحها ومن خلال ميزان الربح والخسارة. ولذا، فإن كبرياتها التي يعول عليها الاقتصاد الإيراني خرجت غالبيتها في وقت مبكر من إيران بسبب حضورها في السوق الأميركية وإمكانية تعرضها لعقوبات رادعة في حال خالفت الإجراءات والقوانين الأميركية. من هنا، فإن من سيستفيد من الحماية القانونية الأوروبية ومن «الصندوق» المشار إليه هي الشركات الوسطى والصغرى التي ليست هدف طهران الساعية إلى تحديث اقتصادها وأولويتها الرئيسية قطاع النفط والغاز إضافة إلى البحث عن الشراكات الصناعية... ولذا، فإن هناك العديد من علامات الاستفهام التي تفرض نفسها، وأولها المسار الذي ستسلكه السلطات الإيرانية في الأسابيع والأشهر القادمة عندما سترى أن ما تطالب به وتصر عليه، «أي تأمين مصلحتها الوطنية من الاتفاق النووي»، ليس هدفا سهل المنال.



تصريحات ميتسوتاكيس تُعيد إشعال التوتر بين أثينا وأنقرة بعد أشهر من الهدوء

إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
TT

تصريحات ميتسوتاكيس تُعيد إشعال التوتر بين أثينا وأنقرة بعد أشهر من الهدوء

إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً ميتسوتاكيس خلال زيارته لأنقرة في مايو الماضي (الرئاسة التركية)

أشعل رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس توتراً جديداً مع تركيا، بعد أشهر من الهدوء تخللتها اجتماعات وزيارات متبادلة على مستويات رفيعة للبناء على الأجندة الإيجابية للحوار بين البلدين الجارين.

وأطلق ميتسوتاكيس، بشكل مفاجئ، تهديداً بالتدخل العسكري ضد تركيا في ظل عدم وجود إمكانية للتوصل إلى حل بشأن قضايا المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري.

تلويح بالحرب

نقلت وسائل إعلام تركية، السبت، عن ميتسوتاكيس قوله، خلال مؤتمر حول السياسة الخارجية عُقد في أثينا، إن «الجيش يمكن أن يتدخل مرة أخرى إذا لزم الأمر». وأضاف: «إذا لزم الأمر، فسيقوم جيشنا بتنشيط المنطقة الاقتصادية الخالصة. لقد شهدت أوقاتاً تدخّل فيها جيشنا في الماضي، وسنفعل ذلك مرة أخرى إذا لزم الأمر، لكنني آمل ألا يكون ذلك ضرورياً».

رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس (رويترز - أرشيفية)

ولفت رئيس الوزراء اليوناني إلى أنه يدرك أن وجهات نظر تركيا بشأن «الوطن الأزرق» (سيطرة تركيا على البحار التي تطل عليها) لم تتغير، وأن اليونان تحافظ على موقفها في هذه العملية. وقال ميتسوتاكيس: «في السنوات الأخيرة، زادت تركيا من نفوذها في شرق البحر المتوسط. قضية الخلاف الوحيدة بالنسبة لنا هي الجرف القاري في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط. إنها مسألة تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، وعلينا أن نحمي جرفنا القاري».

من ناحية أخرى، قال ميتسوتاكيس إن «هدفنا الوحيد هو إقامة دولة موحّدة في قبرص... قبرص موحّدة ذات منطقتين ومجتمعين (تركي ويوناني)، حيث لن تكون هناك جيوش احتلال (الجنود الأتراك في شمال قبرص)، ولن يكون هناك ضامنون عفا عليهم الزمن (الضمانة التركية)».

ولم يصدر عن تركيا رد على تصريحات ميتسوتاكيس حتى الآن.

خلافات مزمنة

تسود خلافات مزمنة بين البلدين الجارين العضوين في حلف شمال الأطلسي (ناتو) حول الجرف القاري، وتقسيم الموارد في شرق البحر المتوسط، فضلاً عن النزاعات حول جزر بحر إيجه.

وتسعى اليونان إلى توسيع مياهها الإقليمية إلى ما هو أبعد من 6 أميال، والوصول إلى 12 ميلاً، استناداً إلى «اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار» لعام 1982 التي ليست تركيا طرفاً فيها.

وهدّد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من قبل، مراراً، بالرد العسكري على اليونان إذا لم توقف «انتهاكاتها للمياه الإقليمية التركية»، وتسليح الجزر في بحر إيجه. وأجرت تركيا عمليات تنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط في عام 2020 تسبّبت في توتر شديد مع اليونان وقبرص، واستدعت تحذيراً وعقوبات رمزية من الاتحاد الأوروبي، قبل أن تتراجع تركيا وتسحب سفينة التنقيب «أوروتش رئيس» في صيف العام ذاته.

سفن حربية تركية رافقت سفينة التنقيب «أوروتش رئيس» خلال مهمتها في شرق المتوسط في 2020 (الدفاع التركية)

وتدخل حلف «الناتو» في الأزمة، واحتضن اجتماعات لبناء الثقة بين البلدين العضوين.

أجندة إيجابية وحوار

جاءت تصريحات رئيس الوزراء اليوناني، بعد أيام قليلة من تأكيد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في كلمة له خلال مناقشة البرلمان، الثلاثاء، موازنة الوزارة لعام 2025، أن تركيا ستواصل العمل مع اليونان في ضوء الأجندة الإيجابية للحوار.

وقال فيدان إننا «نواصل مبادراتنا لحماية حقوق الأقلية التركية في تراقيا الغربية، ونحمي بحزم حقوقنا ومصالحنا في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط، ​​سواء على الأرض أو في المفاوضات».

وعُقدت جولة جديدة من اجتماعات الحوار السياسي بين تركيا واليونان، في أثينا الأسبوع الماضي، برئاسة نائب وزير الخارجية لشؤون الاتحاد الأوروبي، محمد كمال بوزاي، ونظيرته اليونانية ألكسندرا بابادوبولو.

جولة من اجتماعات الحوار السياسي التركي - اليوناني في أثينا الأسبوع الماضي (الخارجية التركية)

وذكر بيان مشترك، صدر في ختام الاجتماع، أن الجانبين ناقشا مختلف جوانب العلاقات الثنائية، وقاما بتقييم التطورات والتوقعات الحالية؛ استعداداً للدورة السادسة لمجلس التعاون رفيع المستوى، التي ستُعقد في تركيا العام المقبل.

ولفت البيان إلى مناقشة قضايا إقليمية أيضاً خلال الاجتماع في إطار العلاقات التركية - الأوروبية والتطورات الأخيرة بالمنطقة.

وجاء الاجتماع بعد زيارة قام بها فيدان إلى أثينا في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أكد البلدان خلالها الاستمرار في تعزيز الحوار حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.

لا أرضية للتوافق

وقال ميتسوتاكيس، في مؤتمر صحافي عقده بعد القمة غير الرسمية للاتحاد الأوروبي في بودابست في 9 نوفمبر، إن الحفاظ على الاستقرار في العلاقات بين بلاده وتركيا سيكون في مصلحة شعبيهما.

وأشار إلى اجتماع غير رسمي عقده مع إردوغان في بودابست، مؤكداً أن هدف «التطبيع» يجب أن يكون الأساس في العلاقات بين البلدين، وتطرق كذلك إلى المحادثات بين وزيري خارجية تركيا واليونان، هاكان فيدان وجيورجوس جيرابيتريتيس، في أثنيا، قائلاً إنه جرى في أجواء إيجابية، لكنه لفت إلى عدم توفر «أرضية للتوافق بشأن القضايا الأساسية» بين البلدين.

وزير الخارجية اليوناني يصافح نظيره التركي في أثينا خلال نوفمبر الماضي (رويترز)

وسبق أن التقى إردوغان ميتسوتاكيس، في نيويورك على هامش مشاركتهما في أعمال الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكد أن تركيا واليونان يمكنهما اتخاذ خطوات حازمة نحو المستقبل على أساس حسن الجوار.

وزار ميتسوتاكيس تركيا، في مايو (أيار) الماضي، بعد 5 أشهر من زيارة إردوغان لأثينا في 7 ديسمبر (كانون الأول) 2023 التي شهدت عودة انعقاد مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين، بعدما أعلن إردوغان قبلها بأشهر إلغاء المجلس، مهدداً بالتدخل العسكري ضد اليونان بسبب تسليحها جزراً في بحر إيجه.