... وثلاثة شروط فرنسية لمشاركة ماكرون

TT

... وثلاثة شروط فرنسية لمشاركة ماكرون

الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى موسكو في شهر يوليو (تموز) الماضي بمناسبة نهائيات كأس العالم لكرة القدم، ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين على هامشها، تدعو باريس لإيجاد «آلية تنسيق» بين مجموعة آستانة، التي تضم روسيا وإيران وتركيا، وما يسمى «المجموعة الغربية»، المشكلة في صيغتها الأخيرة من 7 دول، هي : الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والسعودية والأردن ومصر، انطلاقاً من مبدأ أن الخروج من الحرب في سوريا لن يتحقق ما لم تتفق الأطراف الخارجية المؤثرة في ما بينها على صيغة الحل، ودفع السوريين إلى القبول به.
ونبع الاقتراح الفرنسي من حالة الطريق المسدودة التي وصلت إليها الوساطة الأممية، ممثلة بالمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا. وجاء مقترح القمة الرباعية الذي أعلن عنه بداية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ليكون بمعنى ما «استجابة» لمطلب باريس، وحدد إردوغان التاسع من سبتمبر (أيلول) الماضي موعداً للقمة الموعودة، إلا أن المستشارة الألمانية تحفظت علناً على المشاركة فيها لعدم اقتناعها بجدواها، ولأن وضع محافظة إدلب والمناطق اللصيقة بها كان يلفه الغموض، متأرجحاً بين التصعيد والتهدئة.
وتقول المصادر الفرنسية إن الوضع اليوم «تغير»، والقمة الرباعية المقترحة يمكن أن تكون «مفيدة»، لأن الجميع «يستشعر الحاجة» لاجتماع رفيع المستوى تستضيفه إسطنبول في 27 أكتوبر الحالي، بيد أن باريس لديها شروط، وهي تعتبر أنها اليوم في وضع يسمح لها بالتمسك بها. والسبب في ذلك، كما تشرح المصادر الفرنسية، أن الطرف الروسي الذي كان له الفضل الأول في تغيير المعطيات العسكرية الميدانية، وتمكين النظام من استعادة السيطرة على نحو 65 في المائة من الأراضي السورية، وصل إلى خلاصة مفادها أن الانتصارات العسكرية «لا تكفي ليفرض الحلول السياسية، كما يتصورها». يضاف إلى ذلك أن الضغوط التي مورست على روسيا على المستوى الدولي منعتها من السير بسيناريو الحسم العسكري في إدلب، الأمر الذي سهل التوصل في سوتشي إلى اتفاق حول إدلب بين بوتين وإردوغان في الـ17 من الشهر الماضي، بعد قمة ثلاثية فاشلة في طهران، قبل ذلك بـ10 أيام. وخلاصة باريس أن موسكو «لا تمتلك كل الأوراق»، وبالتالي يمكن التأثير عليها، وعلى صيغة الحل في سوريا.
وتقول المصادر الرئاسية الفرنسية، كما نقلت عنها وكالة الصحافة الفرنسية، إن الرئيس ماكرون وضع 3 شروط للمشاركة في القمة: الأول، ألا تحصل عملية عسكرية تستهدف إدلب، بحيث تدفع القمة إلى تثبيت وقف إطلاق النار، وتلافي كارثة إنسانية والتسبب بموجات من الهجرات. والثاني، أن تساهم القمة في إطلاق «مسار سياسي يضم الجميع»، وتكون باكورته تسهيل عملية تشكيل وإطلاق نشاطات اللجنة الدستورية التي جاءت المبادرة الخاصة بها من مجموعة آستانة، وبدفع من الرئيس بوتين. والثالث، الحصول على «التزام روسي واضح» بالحل السياسي. وكانت مصادر دبلوماسية فرنسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» قد اتهمت موسكو بـ«تعطيل» اللجنة الدستورية، والتواطؤ مع النظام في ذلك، والاستمرار بالتالي في محاولة فرض الحل العسكري، كما حصل في مناطق سورية أخرى.
وترى باريس، كما تقول مصادرها، أن مواقف تركيا باتت «أقرب» إلى مواقف «المجموعة المصغرة» منها إلى مواقف «مجموعة آستانة». وتضيف هذه المصادر أن ما يبرر صيغة القمة الرباعية أنه كان من الصعب الجمع بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران على طاولة واحدة، أو بين ممثلين عن طهران مع ممثلين عن الأطراف العربية. ومن هنا، يتعين النظر إلى أن باريس وبرلين يمثلان «المجموعة المصغرة»، وموسكو وأنقره مجموعة آستانة. وما يقوي مواقف الطرف الأول في القمة المرتقبة أن «الفراغ» الذي كان سيحدثه انسحاب الولايات المتحدة من سوريا قد زال، حيث إن واشنطن أخذت تربط بين انسحاب قواتها من سوريا ليس فقط بدحر «داعش» نهائياً، وإخراج القوات الإيرانية والميليشيات التي تدعمها، ولكن أيضاً بالتوصل إلى حل سياسي. يضاف إلى ذلك كله أن تركيا اليوم ترى، وفق باريس، «فائدة» في التقارب مجدداً مع الغرب، ومع واشنطن «من أجل تقوية موقفها بمواجهة موسكو». وأخيراً، فإن الغربيين ما زالوا يربطون مساهمتهم كدول، ومشاركة شركاتهم في عملية إعادة البناء في سوريا، بالحل السياسي، مما يوفر لهم ورقة ضغط أساسية في التفاوض مع موسكو لدفعها من أجل الضغط على النظام لقبول السير في حل سياسي رفضه حتى اليوم.
رغم هذه العوامل، تبقى باريس حذرة. لذا، فإن المصادر التي نقلت عنها وكالة الصحافة الفرنسية اعتبرت أن الصيغة الرباعية «غير المسبوقة» يمكن أن تكون «مفيدة» من أجل «ضمان أمن الشمال السوري لفترة أطول»، أي عملياً امتناع النظام وداعميه عن محاولة استعادته بالقوة، ومن أجل «دفع المناقشات الخاصة بالمسار السياسي قدماً». إنها توقعات وصفتها المصادر الفرنسية بـ«الواقعية»، مما يعني أنها محدودة نظراً لتعقيدات المسألة السورية، وتداخل اللاعبين الإقليميين والدوليين، وتضارب مصالحهم، ناهيك عن التحديات السورية الداخلية.ؤ



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.