سياسيون تونسيون يحذرون من عودة مسلسل العنف والاغتيالات

بعد أن بلغت الأزمة الاقتصادية والسياسية ذروتها

TT

سياسيون تونسيون يحذرون من عودة مسلسل العنف والاغتيالات

بعد أن كشفت تقارير الحكومة التونسية استفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تمر بها البلاد منذ أعوام، خرج وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي عن صمته، ليحمل السياسيين مسؤولية تردي العمل السياسي، ومقتل عدد من العسكريين الأبرياء بسبب إرباك العمليات الإرهابية، وقال إن الشعب سوف يحاسبهم بشدة بسبب إخفاقاتهم المتكررة، وقد تزامنت هذه التصريحات مع تحذيرات أطلقها عدد من السياسيين من احتمال عودة مسلسل العنف والاغتيالات.
وتباينت ردود الأفعال على هذه التصريحات، خصوصاً أن صاحبها شخصية سياسية مخضرمة، عرفت بعلاقاتها الطيبة مع السياسيين من كل التيارات، وباعتذارها مراراً عن تسلم رئاسة الحكومة، فضلاً عن توليها حقائب حكومية كثيرة في عهد زين العابدين بن علي، ثم بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011. ولذلك تساءل البعض إن كان الأمر يتعلق بمجرد تصريح سياسي عابر، أم أنه تحذير رسمي من رئيس المؤسسة العسكرية للسياسيين، خصوصاً مع بدء الاستعداد لانتخابات خريف 2019، الرئاسية والبرلمانية، والتحذيرات المتكررة من عودة العنف والاغتيالات.
وحاولت جل التعليقات توضيح أن المقصود من كلام وزير الدفاع حول اقتراب محاسبة الشعب للسياسيين الفاشلين هو أنه سيصوت ضدهم في الانتخابات المقبلة، وليس التهديد بالانتقام منهم عبر أعمال العنف، لكن بعض المعلقين والسياسيين اعتبروا تصريح وزير الدفاع تلويحاً بتدخل المؤسسة العسكرية لإنقاذ البلاد من الفوضى.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها التلويح بتدخل المؤسسة العسكرية لإنقاذ الوضع، إذا ما عمت الفوضى الأمنية، فقد سبق أن صدرت تحذيرات بهذا المعنى من قبل بعض البرلمانيين والسياسيين، الذين يلعبون أدواراً طلائعية منذ 8 أعوام، بينهم لطفي زيتون الوزير السابق في حكومة النهضة المستشار السياسي لرئيسها حالياً، والوزير السابق عبيد البريكي، الذي حذر رفقة بعض زعماء اليسار التونسي، أمثال البرلماني عمار عمروسية وزعيم الجبهة الشعبية حمة الهمامي، من سيناريو استفحال العنف وعودة الاغتيالات، ووصفوا المرحلة بأنها «خطيرة جداً على المستوى الأمني».
وفي المقابل، توالت التحذيرات من إقحام المؤسسة العسكرية في تجاذبات السياسيين التونسيين، التي حذر وزير الدفاع من مخاطرها، وفي مقدمتهم اللواء رشيد عمار رئيس الأركان في مرحلة الإطاحة بحكم الرئيس زين العابدين بن علي، والرجل القوي خلال الأعوام الثلاثة الأولى من مرحلة التعددية.
فقد حذر عمار قادة الأحزاب السياسية من مخاطر الانحراف عن العملية الانتخابية والمسار السياسي في إحداث تغيير حقيقي، ودعا إلى إبعاد المؤسسة العسكرية عن معارك المتصارعين على المواقع والمتورطين في المزايدات الكلامية. كما صدرت تحذيرات مماثلة عن عدد من السياسيين، بينهم قيادي حزب التيار الديمقراطي محمد الحامدي الناشط اليساري المرشح السابق للانتخابات الرئاسية، الذي وجه رسالة مفتوحة إلى وزير الدفاع الوطني، تحت عنوان «لا تزج بجيشنا في متاهات السياسة».
وفي سياق ذلك، رحب بعض كبار الضباط السابقين، وعدد من السياسيين والإعلاميين البارزين، بصيحة الفزع التي أطلقها وزير الدفاع الوطني، والتي حذر فيها السياسيين من التمادي في التجاذبات والصراعات الهامشية التي أضرت بمصالح الشعب، ودفعت بمئات الشبان نحو التطرف والإرهاب، وهو ما أدى بدوره إلى سقوط مزيد من العسكريين الأبرياء.
وكان من بين أبرز الذين ساندوا الزبيدي في تحذيراته رئيسُ الأركان الأسبق أمير اللواء محمد الصالح الحامدي، الذي قدم استقالته من منصبه بعد توالي العمليات الإرهابية التي استهدفت الجيش على الحدود التونسية - الجزائرية في 2014. كما خرج السياسي المخضرم رجب الحاجي عن صمته، ونشر مقالاً مطولاً دافع فيه عن مدنية الدولة، وأشاد بدور المؤسسة العسكرية في حماية الحدود، ومحاربة الإرهاب والتهريب، والدفاع.
وفي مقال مطول حمل عنوان «شكراً للوزير الزبيدي للقول الصادق»، حذر الحاجي القادة السياسيين من مخاطر تقديم مصالحهم الشخصية والحزبية والسياسية، في وقت تتدهور فيه كل المؤشرات المالية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، مبرزاً أن وزير الدفاع «كشف حقيقة كان الجميع يخفيها، عندما قال إن التجاذبات السياسية هي المسؤولة عن سقوط الشهداء، وعن الانحرافات»، كما حذر السياسيين من معاقبة الشعب لهم من خلال صناديق الاقتراع في الانتخابات المقبلة.
وفي حين ينتظر غالبية التونسيين انفراجاً يضع حداً لأزماتهم الاجتماعية والمالية والسياسية المتعاقبة، يراهن أنصار الحكومة والأغلبية البرلمانية على حدوث انفراج بعد المصادقة على مشروع موازنة الدولة للعام الجديد. لكن التخوفات تبدو كثيرة داخل أوساط رجال المال والأعمال، وقيادات النقابات العمالية، التي دعت إلى إضرابين عامين أواخر الشهر الحالي والشهر المقبل.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.