«تمزقات» لمنهل عيسى رسومات لريشة مزاجية

20 لوحة أكليريك تنقل التخبط بين الرحيل والجذور والتاريخ

لوحة «تمزق من طرفين» بريشة السوري منهل عيسى  -  من معرض «تمزقات» لمنهل عيسى في غاليري «إس في» وسط بيروت
لوحة «تمزق من طرفين» بريشة السوري منهل عيسى - من معرض «تمزقات» لمنهل عيسى في غاليري «إس في» وسط بيروت
TT

«تمزقات» لمنهل عيسى رسومات لريشة مزاجية

لوحة «تمزق من طرفين» بريشة السوري منهل عيسى  -  من معرض «تمزقات» لمنهل عيسى في غاليري «إس في» وسط بيروت
لوحة «تمزق من طرفين» بريشة السوري منهل عيسى - من معرض «تمزقات» لمنهل عيسى في غاليري «إس في» وسط بيروت

في ريشة حرة جمع فيها صاحبها الرسام الفرنسي السوري الأصل منهل عيسى ما تخزنه ذاكرته من مراحل الطفولة والنضج، يقام معرض «تمزقات» في غاليري «إس في» وسط بيروت. ففي نحو 20 لوحة من الأكليريك ينقل إلينا الفنان التشكيلي السوري تناقضات أحاسيس ومشاعر تعيشها ريشته. ولأنه يدرّس صناعة الفخار والرسم الغرافيكي وتقنية الرسم بالقلم الرصاص والحبر والأكليريك في جامعات باريسية إضافة إلى إجادته فن النحت، ترك منهل عيسى الحرية لريشته لتستضيف كل تلك الفنون على قماش اللوحات المرسومة مؤلفة قطعا فنية غامضة حينا وانسيابية وبريئة حينا آخر.
«إنها تمزقات جسدية ونفسية في آن يعيشها أي شخص تتضارب الأفكار في أعماقه. ولذلك تتنقل ريشتي بين الرحيل والجذور والتاريخ والحداثة والذكريات والحاضر. فطرفا النقيض هما أساس مواضيع لوحاتي التي تظهر التنازع الدائر بينها في فكر شخص واحد». يقول منهل عيسى في حديث لـ«الشرق الأوسط».
«الهروب من الفراغ» و«تمزق من طرفين» و«السقوط من أعلى» وغيرها تشكل أسماء لوحات الرسام السوري الأصل، فتبرز قوة التمزقات والصراعات التي قد تصيب أي شخص منا في مراحل مختلفة من حياته.
وفي مشهدية تتألف من ألوان فاتحة وقاتمة والضوء والعتمة والفراغ والامتلاء جمع منهل عيسى في مساحات لوحاته المزدحمة مرات والفارغة مرات أخرى، حالات الطفولة والقسوة والنضج واللامبالاة التي تصيب الشخص الممزق الأحاسيس.
«أستمتع في رسم لوحاتي لأني لا أخطط لها ولا أضعها في إطار معين. فقد يمكن أن أرسمها وهي على الأرض أو بواسطة عجلة سيارة فأنحتها بمزاج دون أن أتقيد بقوانين وقواعد الرسم المعروفة. وأستخدم السكين والمشحاف وغيرهما من الأدوات التي تخدم لوحتي». يوضح منهل عيسى في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط».
وضمن تعابير مجردة لها علاقة مباشرة بحالات نفسية مختلفة أو بحركة الشخص عندما يشعر بالتمزق، يزودنا الفنان التشكيلي بمفاتيح صغيرة تسمح لنا أن نستوعب الفكرة التي يرغب في إيصالها لنا.
ويجد منهل عيسى بأن الأكليريك مادة طيعة وذكية تتناغم مع أفكاره المنوعة ولذلك اختارها في معرضه الحالي «تمزقات». «إنها تساعدني في إدارة أناملي وريشتي بعفوية. كما أنها لا تضطرني إلى الانتظار طويلا كي تجف الألوان معها. فبإمكانها أن تلحق بفكرتي بسرعة فتصلني النتيجة التي أصبو إليها».
وبحسب الرسام السوري فعندما لا يحقق ما يرغب فيه في لوحة معينة فهو قادر على هدمها من أساسها. «هي وسيلة ممكنة أركن إليها في حال لاحظت أن اللوحة لا تحاكي فكرتي بالطريقة التي أريدها». يوضح منهل عيسى الذي علق على لوحة «بانسكي» التي دمرت نفسها ذاتيا خلال مزاد علني بعد أن بيعت بمليون دولار فيقول: «أعتقد أنها تحمل إشارتين في آن إذ يمكن أن يصب ذلك في الحرب الدائرة بين الأسواق الفنية والتجارية في عالم الفنون، كما يمكن أن تشكل وسيلة ربح أكبر لصاحبها إذا ما رغب في بيعها من جديد لأن دمارها لم يأت عليها كليا فأبقى على جزء منها».
ومنهل عيسى هو فنان فرنسي من أصل سوري حائز على شهادة رسم من جامعة دمشق وعلى دبلوم في النحت من مدرسة الفنون في مدينة فرساي الفرنسية. ويقيم في فرنسا منذ عام 2000 حيث يدرس في جامعتين في باريس مادة تقنية الرسم وغيرها من الفنون كالتصوير الفوتوغرافي والنحت.
ويستمر معرض «تمزقات» في غاليري «إس في» في منطقة الصيفي وسط بيروت حتى 31 الجاري وهو يقام بالتعاون مع شركة سوليدير وغاليري «هبة».



رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم
TT

رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم، الذي رحل، الأحد، بعد رحلة طويلة في هذه الحياة تجاوزت تسعة عقود، كان أبرزها توليه منصب أمين مدينة الرياض في بدايات سنوات الطفرة وحركة الإعمار التي شهدتها معظم المناطق السعودية، وسبقتها أعمال ومناصب أخرى لا تعتمد على الشهادات التي يحملها، بل تعتمد على قدرات ومهنية خاصة تؤهله لإدارة وإنجاز المهام الموكلة إليه.

ولد الراحل النعيم في مدينة عنيزة بمنطقة القصيم وسط السعودية عام 1930، والتحق بالكتاتيب وحلقات التعلم في المساجد قبل إقرار المدارس النظامية، وأظهر نبوغاً مبكراً في صغره، حيث تتداول قصة عن تفوقه، عندما أجرى معلمه العالم عبد الرحمن السعدي في مدرسته بأحد مساجد عنيزة مسابقة لحفظ نص لغوي أو فقهي، وخصص المعلم جائزة بمبلغ 100 ريال لمن يستطيع ذلك، وتمكن النعيم من بين الطلاب من فعل ذلك وحصل على المبلغ، وهو رقم كبير في وقته يعادل أجر عامل لمدة أشهر.

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم

توجه الشاب النعيم إلى مكة بوصفها محطة أولى بعد خروجه من عنيزة طلباً للرزق وتحسين الحال، لكنه لم يجد عملاً، فآثر الذهاب إلى المنطقة الشرقية من بلاده حيث تتواجد شركة «أرامكو» ومشاريعها الكبرى، وتوفّر فرص العمل برواتب مجزية، لكنه لم يذهب للشركة العملاقة مباشرة، والتمس عملاً في إحدى محطات الوقود، إلى أن وجد عملاً في مشروع خط التابلاين التابع لشركة «أرامكو» بمرتب مجز، وظل يعمل لمدة ثلاث سنوات ليعود إلى مسقط رأسه عنيزة ويعمل معلماً في إحدى مدارسها، ثم مراقباً في المعهد العلمي بها، وينتقل إلى جدة ليعمل وكيلاً للثانوية النموذجية فيها، وبعدها صدر قرار بتعيينه مديراً لمعهد المعلمين بالرياض، ثم مديراً للتعليم بنجد، وحدث كل ذلك وهو لا يحمل أي شهادة حتى الابتدائية، لكن ذلك اعتمد على قدراته ومهاراته الإدارية وثقافته العامة وقراءاته وكتاباته الصحافية.

الراحل عبد الله العلي النعيم عمل مديراً لمعهد المعلمين في الرياض

بعد هذه المحطات درس النعيم في المعهد العلمي السعودي، ثم في جامعة الملك سعود، وتخرج فيها، وتم تعيينه أميناً عاماً مساعداً بها، حيث أراد مواصلة دراسته في الخارج، لكن انتظرته مهام في الداخل.

وتعد محطته العملية في شركة الغاز والتصنيع الأهلية، المسؤولة عن تأمين الغاز للسكان في بلاده، إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم، بعد أن صدر قرار من مجلس الوزراء بإسناد مهمة إدارة الشركة إليه عام 1947، إبان أزمة الغاز الشهيرة؛ نظراً لضعف أداء الشركة، وتمكن الراحل من إجراء حلول عاجلة لحل هذه الأزمة، بمخاطبة وزارة الدفاع لتخصيص سيارة الجيش لشحن أسطوانات الغاز من مصدرها في المنطقة الشرقية، إلى فروع الشركة في مختلف أنحاء السعودية، وإيصالها للمستهلكين، إلى أن تم إجراء تنظيمات على بنية الشركة وأعمالها.

شركة الغاز والتصنيع الأهلية تعد إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض، وأقر مشاريع في هذا الخصوص، منها إنشاء 10 بلديات في أحياء متفرقة من الرياض، لتسهيل حصول الناس على تراخيص البناء والمحلات التجارية والخدمات البلدية. ويحسب للراحل إقراره المكتب التنسيقي المتعلق بمشروعات الكهرباء والمياه والهاتف لخدمة المنازل والمنشآت وإيصالها إليها، كما طرح أفكاراً لإنشاء طرق سريعة في أطراف وداخل العاصمة، تولت تنفيذها وزارة المواصلات آنذاك (النقل حالياً)، كما شارك في طرح مراكز اجتماعية في العاصمة، كان أبرزها مركز الملك سلمان الاجتماعي.

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض