سنوات السينما

- الليلة الأخيرة (1963)
- كمال الشيخ سيد التشويق والدراما النفسية
لم ينظر نقاد السينما إلى معظم مخرجي مصر بعين الباحث عن الخصائص الفنية. هو الموضوع العام وسينما المؤلف وقضايا الشغل على التجارب الواقعية أو الذاتية، مما أخذ بناصية معظم الكتابات حول بعض أبرز مخرجي السينما المصرية أمثال صلاح أبو سيف ويوسف شاهين وكمال الشيخ وعاطف الطيب وسواهم.
كمال الشيخ من النوع الذي يؤثر الصمت في منحاه السينمائي. يترك الفيلم يتحدّث عن نفسه ولا يحاول فرض الرؤية ولا التدخل في السياق لبث المعاني بل يدع الدلالات تنبع من الفيلم على نحو تلقائي، مفضلاً الاهتمام باللغة السينمائية كتأليف تقني وبصري. وهو ليس على خطأ في هذا.
يبدأ كمال الشيخ فيلمه الممتاز هذا بتعليق صوتي من قِبل بطلة الفيلم نادية / فوزية (فاتن حمامة). مع الكلمات الأولى كل شيء يبدو سعيداً. تقول إنه اليوم الأفضل في حياتها لأنه يوم زواجها ممن تحب. وأن عليها أن تنهض من فراشها صباح هذا اليوم وتطرد الكسل فهناك الكثير مما يجب أن تنجزه اليوم استعداداً لحفلة العرس. لكن هذه السعادة تنتهي بعد قليل لتكتشف أنها ليست من اعتقدت وأن محيطها الذي تعيش فيه هو محيط جديد جدّاً عليها. بداية، هي ليست فقط متزوّجة، بل أيضاً لديها ابنة شابّة على وشك الزواج. وهي تعيش في بيت لا تعرفه ومع رجل غريب عليها يدّعي بأنه زوجها. ما الذي حدث؟
كمال الشيخ لم يُلقّب بهيتشكوك مصر من فراغ. لكن التعقيد البوليسي والغموض والتشويق ليست العناصر الوحيدة التي جعلت كمال الشيخ مخرج التشويق العربي الأول. هناك أيضاً نوعية معظم قصص أفلامه في ذلك الحين. تلك اليد القابضة على مسار الأمور بحيث إن الحكاية تضع سريعاً مسافات واسعة بينها وبين المنتشر من الأفلام بينما لا تزال مصرية فعليا بشخصياتها وحكاياتها وطروحاتها.
سنعرف، تبعاً للسيناريو الذي وضعه يوسف السباعي (وهناك الكثير من المقالات حول السيناريوهات التي وضعها نجيب محفوظ لكن ليس هناك مقالات حول تلك التي وضعها يوسف السباعي لسبب ما) أن بطلة الفيلم هي نادية، حسب اعتقادها وفوزية حسب تأكيد زوجها (محمود مرسي) الذي يكشف لها عن وثائق تؤكد أنها نادية هي شقيقتها الراحلة. لكن، وكما تقول لاحقاً، إن لم تكن هي في القبر فمن تكون تلك التي في القبر؟ ليس السؤال بسيطاً والسيناريو مبني على محاولة فك حلقات من اللغز الواحد. هل هي مجنونة؟ هل هي فعلاً نادية كما تدّعي وليست فوزية كما يدّعي زوجها؟ وإذا كانت على حق فلماذا يريد زوجها إيهامها بأنها شقيقتها وليست هي؟ والأزمة هي أن نادية ليس عندها أي دليل وفي إحدى مراحل أزمتها تصدّق أنها فوزية ولو لحين. لكن بمعونة الطبيب (أحمد مظهر) الذي تثيره حالتها غير الواضحة تكتشف الحقيقة التي لا داعي لتكرارها هنا لمن يود اكتشاف هذا الفيلم من جديد.
كمال الشيخ كان «خواجة» بين المخرجين العاملين من دون خجل. لم يكن يؤمن كثيراً بالسينمات التعبيرية ولا الذاتية ولا الواقعية، بل بنى فيلموغرافيا رائعة من الأفلام المنتمية إلى عالم حيادي في كل شيء إلا لجهة إحكام العناصر الفنية ممارساً ما آمن به هيتشكوك من أنه لا شيء على الإطلاق يجب أن يدخل بين الفيلم وبين مشاهديه. على هذا الأساس، تشاهد «الليلة الأخيرة» مستمتعاً بسلاسته وبأجوائه وبخلوّه من الافتعال وبتصويره (أبيض / أسود لعبد الحليم نصر) ومونتاجه (لسعيد الشيخ) وبتمثيله. والتمثيل يعكس روح فترة كان الممثل يحترم نفسه باحترام الشخصية التي يؤديها. بمعاملتها من دون ابتذال وبالانصياع كاملاً للميزانسين الذي يمارسه المخرج. فاتن حمامة هنا مدهشة بقوّة تشخيصها. تبقى فاتن وتختلف عن فاتن في الوقت نفسه٠