«داعش» يبث الرعب في الرقة بعد عام على طرده منها

عنصر من الشرطة المحلية بالرقة يدقق في أوراق أحد المواطنين أمس (أ.ف.ب)
عنصر من الشرطة المحلية بالرقة يدقق في أوراق أحد المواطنين أمس (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يبث الرعب في الرقة بعد عام على طرده منها

عنصر من الشرطة المحلية بالرقة يدقق في أوراق أحد المواطنين أمس (أ.ف.ب)
عنصر من الشرطة المحلية بالرقة يدقق في أوراق أحد المواطنين أمس (أ.ف.ب)

لا يزال تنظيم «داعش»، بعد عام على طرده من مدينة الرقة في شمال سوريا، قادراً على بث الرعب في نفوس السكان. في مواجهة الاعتداءات التي تتكرر، تنتشر حواجز أمنية ودوريات لـ«قوات سوريا الديمقراطية» في كل شارع، تقوم بالتدقيق في الهويات وتعتمد إجراءات صارمة عند مداخل المرافق العامة، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من الرقة.
ويقول خالد درويش (40 عاماً)، أحد سكان المدينة: «لو لم يكن هناك خوف من عودة (داعش) إلى الرقة، لم نكن لنرى هذا الوجود العسكري الكثيف».
ويضيف الرجل، وهو والد لطفلين، أثناء وجوده قرب «دوار النعيم» الذي شهد على عقوبات وحشية نفذها التنظيم بحق كل من خالف أحكامه خلال سيطرته على المدينة: «لا نتمنى إلا الأمن والأمان، وأن نعيش بسلام لم ننعم به بعد».
قبل عام، تلقى تنظيم «داعش» أكبر هزائمه بخسارة معقله الأبرز في سوريا، على أيدي «قوات سوريا الديمقراطية» التي شنت هجوماً استمر نحو 4 أشهر بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، قبل أن تسيطر على محافظة الرقة.
وظن السكان حينها أن مدينتهم ستستعيد الأمان الذي نعمت به قبل اندلاع النزاع في سوريا، لكنهم يروون أن ذلك لم يحدث؛ إذ لا يزال عناصر من التنظيم يزرعون ويفجرون عبوات ناسفة وينفذون هجمات داخل المدينة.
ويوضح درويش: «نستفيق كل يوم على دوي عبوة أو تفجير أو هجوم، حتى أصبحنا نخشى إرسال أطفالنا إلى المدارس خوفاً من أن ينفجر لغم في أي لحظة».
وتنفجر بشكل شبه يومي في شوارع المدينة عبوات ناسفة، تستهدف، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، حواجز أمنية وآليات عسكرية وتوقع قتلى في صفوف المدنيين أحيانا.
ويتهم «المرصد» ومسؤولون محليون «خلايا نائمة» ترتبط بتنظيم داعش الذي تقلصت مساحات سيطرته خلال العام الأخير لتقتصر على مناطق محدودة أبرزها في محافظة دير الزور (شرق).
على مداخل المدينة كما في شوارعها، يتولى عناصر من قوات أمن محلية تابعة للمجلس المدني الذي يتولى إدارة الرقة، ومن «قوات سوريا الديمقراطية»، تفتيش الوافدين والعابرين والتدقيق في هوياتهم والسيارات والشاحنات المحملة بالبضائع وفحصها بأجهزة متخصصة.
وفي إطار الإجراءات الاحترازية، تُمنع النساء المنتقبات من الدخول إلى المؤسسات والمرافق العامة قبل الكشف عن وجوههن لموظفات مسؤولات عن التفتيش، خشية تسلل «جهاديين متنكرين».
وعاودت «قوات سوريا الديمقراطية» في الآونة الأخيرة تعزيز وجودها داخل الرقة لمعاونة قوات الأمن المحلية بعد ازدياد وتيرة الهجمات. وهي تسيّر دوريات وعربات مصفحة في كل أنحاء المدينة. ويمكن رؤية عناصرها ينظمون السير مدججين بأسلحتهم.
في محل لبيع المواد الغذائية في حي الدلي في وسط مدينة الرقة، لا يخفي أبو يونس (33 عاماً) هواجسه: «مصيرنا مجهول. في كل يوم، لا نعلم إذا ما كنا سنموت بعبوة ناسفة أم سنعود إلى البيت بسلام. لقد تعبنا من هذا الوضع».
ورغم الإجراءات الأمنية الاحترازية، فإن أبو يونس يعد أن «الأمان في المدينة معدوم». ويرى أن «العناصر على الحواجز غير مؤهلين... وهناك ثغرات كثيرة يتسلل منها عناصر (داعش) بسهولة إلى المدينة لتنفيذ الهجمات وتخويف السكان».
على الرغم من كل ذلك، فإن المدينة المدمرة والتي تفتقد إلى البنى التحتية، تشهد إلى حد كبير حركة طبيعية، وتفتح المحال التجارية أبوابها منذ ساعات الصباح. وتشهد الطرق والساحات العامة المحاطة بأبنية مدمرة جراء غارات التحالف، حركة سير نشطة.
داخل «حديقة الرشيد»، يلهو أطفال بالأراجيح على مرأى من أمهاتهم. على مقعد قريب، يستمع أحمد المحمد (28 عاماً) إلى أغان عبر هاتفه الجوال. ولا يتردد في التعبير عن خوفه من «وجود بعض عناصر (داعش)» في المدينة، مطالباً الأجهزة المعنية «بتشديد قبضتها الأمنية».
داخل مكتبه في حي المشلب، يحمّل القيادي في قوات الأمن الداخلي أحمد خلف «خلايا» تابعة للتنظيم مسؤولية توتير الأوضاع الأمنية في المدينة، مشيرا إلى أنه تتم مطاردتها. ويقول: «منذ فترة، ألقينا القبض على 4 عناصر، تم قتل اثنين منهم» متورطين في «تفجيرات وعبوات ناسفة وإرهاب المدينة».
ويعدّ القيادي ذو الشارب الأسود الكثّ أن «هدف (داعش) تخريب البلد وألا يجعلوا أحداً يرتاح».
في شارع تل أبيض، تقول نجلاء الأحمد (36 عاماً)، التي ترتدي عباءة بنية، وإلى جانبها طفلاها: «كابوس (داعش) يلاحقنا في كل مكان. كلما حاولنا أن نرتاح، تعود التفجيرات من جديد». وتضيف بحرقة: «الحرب أتعبتنا، أتعبت أطفالنا ودمرت مستقبلهم».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.