سوء التخزين يكبد الاقتصاد السعودي خسائر تقدر بـ640 مليار دولار خلال ثلاثة عقود

شركات التأمين تخسر 15 في المائة وتتهدد بزيادة تكلفة البوليصة

جانب من مستودعات في أحد الموانئ السعودية ({الشرق الأوسط})
جانب من مستودعات في أحد الموانئ السعودية ({الشرق الأوسط})
TT

سوء التخزين يكبد الاقتصاد السعودي خسائر تقدر بـ640 مليار دولار خلال ثلاثة عقود

جانب من مستودعات في أحد الموانئ السعودية ({الشرق الأوسط})
جانب من مستودعات في أحد الموانئ السعودية ({الشرق الأوسط})

قدر معنيون في حديث لـ«الشرق الأوسط»، الخسائر التي تكبدها الاقتصاد السعودي؛ بسبب سوء تخزين مستودعات السلع والبضائع على اختلافها، وذلك لغياب معايير السلامة الدولية عنها بـ640 مليار دولار على مدى الثلاثة عقود الأخيرة.
وكشف رجال أعمال عن أن بعض شركات التأمين، أخذت تهدد الشركات والمؤسسات بزيادة تعريفة تكلفة بوليصة التأمين الخاصة بها، في حال عدم التزامها بمعايير السلامة من التلف والحرائق والسرقة المعروفة دوليا، في ظل توقعات بأن يصل حجم سوق التأمين عام 2015 ما يقارب 34 مليار ريال (تسعة مليارات دولار).
فيما أكد الدكتور مراد زريقات - خبير في مجال تأمين - لـ«الشرق الأوسط»، تزايد الخسائر في أعمال المستودعات خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، في المنطقة الغربية من السعودية، مبينا أنه ثبت من خلال التحقيق وجود حرائق مفتعلة، فيما ما زالت البقية قيد التحقيق، مما دفع شركات إعادة التأمين إلى إعادة النظر في تنفيذ اتفاقياتها مع بعض شركات التأمين، خصوصا تأمين المستودعات.
وقال زريقات: «هناك ما يقارب أكثر من نصف السوق المحلية، يرفض تأمين المستودعات وحده، وفي حال تأمينه، فإن هناك شركات تأمين وضعت شروطا للمستودعات؛ بسبب الخسائر المتراكمة التي تعرضت لها مؤخرا من هذه المستودعات التي لم تلتزم بمعايير السلامة المتعارف عليها دوليا».
ولفت الخبير في مجال التأمين إلى أن تأمين المركبات والتأمين الطبي يشكل في الأعوام الأخيرة 75 في المائة من حفيظة التأمين لشركات التأمين، بينما فقط 25 في المائة هو المتبقي لتأمين المنتجات الأخرى، بما فيها الممتلكات، وهي 15 في المائة، مبينا أن خسائر التأمين قد تصل إلى 15 في المائة من خسائر الممتلكات، ومن ضمنها الأحداث التي تحدث في المستودعات، منوها بأن هناك شروطا قياسية، لا بد لرجال الأعمال وأصحاب المستودعات والمعارض التجارية من الالتزام بها، وأنها معايير شبه قياسية في العالم كله؛ لأن النصوص التأمينية أو القانونية لوثائق تأمين الممتلكات ووثائق تأمين الحريق شبه موحدة على مستوى العالم.
وكشف أن هناك من يتعمد عدم الالتزام بهذه المعايير من أصحاب بعض المستودعات، لكي تصبح لديهم مطالبات تجاه شركات التأمين، نتيجة أن بعض المواد والسلع غير صالحة للاستعمال وفي طريقهم لتكبد خسائر، وجزء من البضاعة المؤمن عليها أو افتعال البضاعة بفعل الحريق، ومنهم من لم يلتزم بهذه المعايير؛ نتيجة الإهمال، أو نتيجة مشكلات بين الموظفين وأصحاب الأعمال، من أطراف عدة من أصحاب المستودعات والموظفين لعدم الخبرة.
وأضاف أن هذه المعايير تستلزم تخزين البضائع على ارتفاع لا يقل عن 15 - 20 سنتيمترا عن أرضية المستودع، والتخزين على حمالات خشبية ومعدنية، بعيدا عن الأرض، ولا بد من مسافات بين الخطوط التخزينية، أو الصفوف البضائع، أو ما يسمى «خط النار»، بحيث إنه إذا اشتعل حريق، تكون هناك صعوبة في انتقاله من صف إلى آخر لتقليل الخسائر.
والمعيار الثالث - وفق زريقات - هو أن تكون هناك جدران داخلية مفصولة عن الجدران الخارجية؛ لمنع الحريق، والمعيار الرابع أن تكون أسقف المستودعات على شكل منحنى أو أسطح غير مستوية حتى لا يجمع أمطارا، وتصبح هناك خسائر نتيجة الفيضانات، فيما يستلزم المعيار أن تكون أرضية المستودع مرتفعة عن السطح الخارجي للأرض حتى لا تدخل مياه الأمطار.
ويستلزم المعيار السادس التقيد بتعليمات الدفاع المدني، من وجود طفايات من أنواع عدة، سواء حريق على المدى القصير، أو المدى المتوسط، أو المدى البعيد، ووجود رشاشات مياه، وجهاز إنذار ضد الحرائق والدخان، في حين يعني المعيار السابع معايير التمييز بين التخزين الفوري أو لمدة ثلاثة أشهر، أو ستة أشهر، أو سنة بين الشركات المصنعة لمعدات إيقاف الحرائق وشبيهاتها، سواء طفايات، أو رشاشات، وتوفير خزانات مياه.
كما تستدعي المعايير - وفق زريقات - ضرورة تدريب الموظفين على استخدام هذه الطفايات، وتشديد معايير رخصة الدفاع المدني، وكذلك الجرد المتواصل للبضاعة، وتوفير المستندات المحاسبية التي تثبت سلامة وضع السلع من الحريق والسرقة والأخطار الأخرى، مشددا على ضرورة الالتزام بمعايير تأمينية تنفذها شركات التأمين مع أصحاب المستودعات.
من جهته، أكد عبد الله المليحي، رجل الأعمال وعضو مجلس الغرف السعودية، لـ«الشرق الأوسط»، أنه شركاته تسلمت بالفعل خطابا من الشركات التي تؤمن على مستودعات السلع والمنتجات، تفيد بأنها ستضطر إلى رفع تكلفة التأمين في البوليصة الخاصة به، ما لم تلتزم شركته بالمعايير المنصوص عليها دوليا في مسألة التخزين بالمستودعات.
وقال: «في الواقع، عملية التخطيط العمراني منذ بداية الثمانينات، والتي واكبت طفرة السوق السعودية، كانت غائبة، ولا تمتلك رؤية واضحة للتخطيط العمراني للتميز بين المناطق السكنية والصناعية والمستودعات، غير أنه مع مرور الوقت، بدأ النمو العمراني التوسع، وبرز سوء التخطيط؛ مما أدى إلى تلف سلع غذائية وطبية وقطع غيار سيارات».
وقدّر المليحي الخسائر التي تكبدها الاقتصاد السعودي؛ بسبب سوء تخزين مستودعات السلع والبضائع على اختلافها منذ عام 1980 وحتى الآن، بأكثر من 2.4 تريليون ريال (640 مليار دولار)، نظرا لغياب معايير السلامة الدولية عنها، مشيرا إلى أن المستودعات طيلة هذه الفترة كان تنفذ التخزين بشكل تقليدي، قبل أن تتجه البلاد إلى تطوير خدمة التخزين.
وأضاف: «الآن هناك توجه سعودي حقيقي لتطوير خدمات تخزين السلع لترتقي إلى المستوى العالمي؛ حيث نفذت وزارة الشؤون البلدية والقروية، وهي المسؤولة، الكثير من المشروعات على هذا النحو، في ظل التشديد في الاشتراطات على التراخيص بالنسبة للمستودعات، لتنظيم واضح وفق المعايير السلامة من الحرائق العالمية».
وزاد: «في المقابل هناك توجه من شركات التأمين لإعادة دراسة اتفاقياتها بتأمين المستودعات نسبة لمواجهة المخاطر من حرائق وعدم السلامة لزيادة نسبة التأمين أعلى مما هو متبع؛ لعدم وجود آليات السلامة، مقابل إصدارات زيادة في بوليصة البضائع المخزنة في حالة لا ترقى إلى معايير السلامة».
وأكد المليحي أن السوق كبيرة وتحتاج تطويرا مستمرا، وترقية التخزين، وإعادة النظر في المستودعات، وإخلاء المدن الصناعية إلى الخارج للحفاظ على سلامة البيئة، بالإضافة إلى المنظر العام للأحياء السكنية.
أما الدكتور زيادة السويدان مسؤول عن المدن الطبية بوزارة الصحة ورئيس شعبة معماريي المباني الصحية بالجمعية السعودية لعلوم العمران، فأكد أن جميع مستودعات الأدوية في المستشفيات تلتزم بالمعايير الدولية، والدفاع المدني المتعلق بالسلامة من التلف والحرائق.
وقال السويدان لـ«الشرق الأوسط»: «تعد المستودعات الطبية من الخدمات المساندة للمستشفيات، وتوزع إما بشكل يومي كالمستودعات الصغيرة المنتشرة في الأقسام، أو مستودعات أسبوعية تكون في العادة في القبو أو الدور الأرضي، أما المستودعات المركزية، التي تعنى بالثلاثة أشهر تكون خارج المبنى، وفي بعضها كالشؤون الصحية يكون لديها مستودعات لمدة عام أو ستة أشهر».
وأكد أن جميع هذه المستودعات تخضع لنظام ومعايير الدفاع المدني، مبينا أن الشؤون البلدية والقروية معنية بها، من حيث التوزيع الجغرافي، وتحديد الأماكن والمخططات، مبينا أن المستودعات تشكل عنصرا في المستشفيات؛ لأنها المشغل الرئيس لها، بحكم أنها تحتاج منتجات يومية من المواد المستهلكة، مشيرا إلى أن المستشفيات تشتمل على مستودعات داخلية موزعة بشكل يسهّل الخدمة.
وشدد على التزام المستودعات في المستشفيات بالمعايير الدولية، ومعايير الدفاع المدني في مجال السلامة، مبينا أن الأدوية تستلزم وجود التكييف الذي يتماشى مع المحيط البيئي والمناخي المنضبط؛ حيث تكون في درجة حرارة معيارية؛ لضمان عدم إتلافها.
وقال السويدان: «لا نتكبد خسائر، وليست لدينا مشكلات في التخزين كوزارة صحة، نحن في الشعبة يهمنا تصميم المباني، أما خدمة التشغيل في الصيانة فهي خارج مسؤولياتنا؛ ولكن عموما عدم الصيانة وسوء التهوية تفسدان بعض الأدوية، بالإضافة إلى طريقة التخزين نفسها التي لا بد من مراعاة أن الأدوية لها مدة صلاحية محددة». ولفت إلى أن توجه الوزارة يوجب التزام المستودعات بالمعايير المطلوبة، مبينا أن هناك تنسيقا وتكاملا بين الوزارة وشعبة معماريي المباني في قضايا التصميم فقط وليس التشغيل، والذي من مشكلاته سوء التوزيع الداخلي للأدوية، واستخدام الحرارة والصيانة.
وشدد على ضرورة أن تراعي المستودعات حجم المخزون، بحيث لا يكون كبيرا، وأن تكون لها أحجام وأشكال معينة، ومتوافقة مع المعايير المحددة في هذا الجانب، وفق توزيع المستودعات، سواء كان أسبوعيا أو شهريا، مشيرا إلى أنه في كل مستشفى مستودع رئيس لستة أشهر على الأقل، ولا تكون في المبنى الرئيس، وإنما تكون خارج المبنى لتقليل التكلفة.



الاقتصاد الألماني يخشى «ضربة محتملة» من ترمب

ترام يسير في أحد شوارع مدينة هامبورغ الألمانية (د.ب.أ)
ترام يسير في أحد شوارع مدينة هامبورغ الألمانية (د.ب.أ)
TT

الاقتصاد الألماني يخشى «ضربة محتملة» من ترمب

ترام يسير في أحد شوارع مدينة هامبورغ الألمانية (د.ب.أ)
ترام يسير في أحد شوارع مدينة هامبورغ الألمانية (د.ب.أ)

قال رئيس البنك المركزي الألماني يواكيم ناغل، يوم الجمعة، إن اقتصاد ألمانيا سينكمش للعام الثاني على التوالي هذا العام، وسيكون تعافيه باهتاً، وربما يتفاقم بسبب حرب تجارية مع الولايات المتحدة.

وتعاني ألمانيا، أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، منذ سنوات، منذ أن فقد قطاعها الصناعي القوي القدرة على الوصول إلى الطاقة الروسية الرخيصة، وأيضاً مع تضاؤل ​​شهية الصين للصادرات الألمانية.

ومن المتوقع الآن أن يشهد الاقتصاد الألماني ركوداً خلال أشهر الشتاء ثم يتعافى بأبطأ وتيرة ممكنة؛ حيث سيكون الارتفاع المتوقع في الاستهلاك الخاص أقل ما كان مرتقباً، وقد يضعف سوق العمل أكثر وتتعافى استثمارات الأعمال ببطء.

وقال ناغل: «الاقتصاد الألماني لا يكافح فقط الرياح الاقتصادية المعاكسة المستمرة، ولكن أيضاً المشاكل البنيوية. كما تستجيب سوق العمل الآن بشكل ملحوظ للضعف المطول للنشاط الاقتصادي».

ويتوقع البنك المركزي الألماني الآن انكماش الاقتصاد الألماني بنسبة 0.2 في المائة هذا العام، بعد أن توقع في يونيو (حزيران) توسعاً بنسبة 0.3 في المائة، بينما تم خفض توقعات النمو لعام 2025 إلى 0.2 في المائة من 1.1 في المائة سابقاً.

ولكن حتى هذه الأرقام قد تكون مفرطة في التفاؤل، كما حذر البنك، نظراً للتهديدات الناجمة عن الحمائية المتزايدة والصراعات الجيوسياسية وتأثير التغيير الهيكلي على الاقتصاد الألماني.

وأضاف البنك المركزي الألماني أن محاكاة الرسوم الجمركية المتزايدة المتوقعة من إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، تظهر أن الولايات المتحدة ستعاني من أكبر ضربة للنمو، ولكن ألمانيا ستخسر أيضاً ما بين 1.3 و1.4 في المائة من الناتج حتى عام 2027، وقد يرتفع التضخم أيضاً بسبب هذه التدابير.

وقال البنك المركزي الألماني إن التضخم سيرتفع بنسبة 0.1 إلى 0.2 في المائة سنوياً حتى عام 2027 بسبب سياسة الحماية التي ينتهجها ترمب، لكن نموذج المعهد الوطني للاقتصاد القياسي العالمي توقع انخفاضاً بنسبة 1.5 في المائة العام المقبل، و0.6 في المائة في عام 2026. وقال البنك المركزي الألماني: «المخاطر التي تهدد النمو الاقتصادي حالياً تميل إلى الجانب السلبي، والمخاطر التي تهدد التضخم تميل إلى الجانب الإيجابي»، مضيفاً أن الانتخابات الفيدرالية الألمانية في الأشهر المقبلة قد تغير التوقعات المالية.

وهذا الضعف المستمر هو أحد الأسباب الرئيسية وراء خفض البنك المركزي الأوروبي لأسعار الفائدة يوم الخميس، والتلميح إلى المزيد من التيسير في المستقبل، مع تراجع مخاوف التضخم إلى حد كبير وتحول التركيز نحو النمو.

لكن البنك المركزي الألماني ليس مستعداً بعد لإعلان الفوز في معركة التضخم؛ حيث قال يوم الجمعة إن تضخم أسعار المواد الغذائية قد يقفز، وإن تضخم الخدمات سيظل مرتفعاً، مما يبقي الزيادات في الأسعار أعلى من متوسط ​​منطقة اليورو.

وفي غضون ذلك، أظهرت البيانات يوم الجمعة تراجع الصادرات الألمانية على نحو ملحوظ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وأعلن مكتب الإحصاء الاتحادي في فيسبادن أن الصادرات انكمشت في أكتوبر بنسبة 2.8 في المائة مقارنة بسبتمبر (أيلول) السابق عليه، إلى 124.6 مليار يورو. كما انخفضت الصادرات بنفس النسبة على أساس سنوي.

وانخفضت الصادرات إلى الولايات المتحدة، أكبر سوق للصادرات الألمانية، بنسبة 14 في المائة على أساس شهري لتصل إلى 12.2 مليار يورو. وفي الوقت نفسه، انخفضت الصادرات الألمانية إلى الصين بنسبة 3.8 في المائة. وفي التجارة مع دول الاتحاد الأوروبي، انخفضت الصادرات الألمانية بنسبة 0.7 في المائة.

وكتب كبير الاقتصاديين في مصرف «في بي»، توماس جيتسل، أن بداية الربع الأخير من عام 2024 لا تبشر بالخير مع الانخفاض الذي سجلته الصادرات في أكتوبر الماضي، وأضاف: «حتى لو كان الانخفاض الكبير في الصادرات إلى الولايات المتحدة يتعلق على الأرجح بالطلبيات الكبيرة، فإن التراجع يعطي لمحة عما يمكن أن يحدث في حالة حدوث نزاعات جمركية كبيرة مع الولايات المتحدة».

وتسببت المنافسة المتزايدة في الأسواق العالمية من الصين، على سبيل المثال، فضلاً عن مشكلات هيكلية في الصناعة الألمانية، مثل ارتفاع تكاليف الطاقة والأعباء البيروقراطية الكثيرة، في إنهاك ألمانيا بوصفها دولة تصديرية لفترة طويلة. وكانت الصادرات قد انخفضت بالفعل في سبتمبر الماضي.

وانخفضت الواردات إلى ألمانيا بنسبة 0.1 في المائة في أكتوبر مقارنة بسبتمبر إلى 111.2 مليار يورو. وبالمقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي، كانت هناك زيادة بنسبة 1.7 في المائة. وكان الميزان التجاري إيجابياً عند 13.4 مليار يورو.