إيران المركز المتخصص بنشر الفوضى في الشرق الأوسط

من التفاهم مع «القاعدة» إلى نشر «حرسها الثوري» وتمويله آيديولوجية التطرف والإرهاب

إيران المركز المتخصص بنشر الفوضى في الشرق الأوسط
TT

إيران المركز المتخصص بنشر الفوضى في الشرق الأوسط

إيران المركز المتخصص بنشر الفوضى في الشرق الأوسط

قبل بضعة أيام، وصف جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي، إيران بأنها «المصرف المركزي للإرهاب في العالم منذ عام 1979 حتى الساعة»، وحذر من أن «نظام الملالي» يشكل تهديداً لأوروبا والولايات المتحدة. والحقيقة أن بولتون لم يكن أول من استخدم هذا الوصف لإيران، إذ سبقته إليه الدكتورة كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة في إدارة جورج بوش الابن، التي اعتبرت إيران «البنك المركزي للإرهاب في مناطق مهمة في الشرق الأوسط، مثل لبنان والعراق، وهي بذلك سبقت بولتون في توضيح إرهاب إيران الشرق أوسطي، قبل أن يمضي في طريق أوروبا وبقية الدول الغربية».
كانت غالبية فعاليات الدورة الثالثة والسبعين من أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، عطفاً على الفعاليات الخاصة «متحدون ضد الإرهاب الإيراني»، مسوغاً لإعادة التطرق لدور إيران في تشجيع آيديولوجية التطرف، كما رأينا في الهجوم الأخير الذي استهدف عرضاً عسكرياً لـ«الحرس الثوري» في الأحواز.

«الحرس»... طريق الإرهاب
حين قدر للخميني نجاح ثورته الدينية، استشرف الرجل أن سبيله الأضمن لتصدير الثورة إلى الخارج يمر عبر قوة مسلحة تابعة له مباشرة، تحقق هدفين في آن معاً: الأول، حماية النظام الديني الجديد الحاكم. والثاني، شق الطريق الثوري إلى دول الجوار بدايةً، ثم بقية العالم تالياً. من هنا، نشأ «الحرس الثوري» الذي يبلغ عدده اليوم نحو 125 ألف مقاتل، ينتظمون في وحدات برية وبحرية وجوية، كما يقود الحرس ميليشيا «البسيج»، وهي قوة من المتطوعين «المخلصين» للثورة.
يعمل «الحرس الثوري» في الواقع على نشر آيديولوجية التطرف الإيرانية، لا عن طريق نشر فكر أو الترويج لمثال نظري، بل من خلال تدريب وتمويل «المنظمات الإرهابية» التي غالباً ما تجمع في صفوفها المتشددين والمتطرفين، دينياً ومذهبياً. ويجري التدريب بعيداً عن أعين العالم، قبل إعادتهم إلى مواطنهم الأصلية، ليغدوا أذرعاً لملالي طهران، وهو ما نراه اليوم في الحوثيين في اليمن، و«حماس» في الداخل الفلسطيني، و«حزب الله» في لبنان، وجماعة «الحشد الشعبي» في العراق.
لقد كان حلم الخميني أن يرى علم «ثورته» يرفرف فوق العواصم العربية كافة، من القاهرة إلى الرياض، ومن بغداد إلى دمشق، مروراً ببيروت، قبل أن يمتد إلى بقية أرجاء الأرض، تهيئة لـ«عودة الإمام الغائب».
وحقاً، تأكد ارتباط سلطات إيران الخمينية بالإرهاب في أسوأ صورها عام 1995، عندما نظم «الحرس الثوري» ما يمكن اعتباره «شبكة إرهابية عالمية» غير مسبوقة، جامعاً في مؤتمر غالبية الجماعات المتطرفة (يميناً ويساراً) حول العالم، مثل تنظيم «الجيش الأحمر الياباني»، و«الجيش السري الأرمني»، و«حزب العمال الكردستاني»، جنباً إلى جنب مع حزب «الدعوة» العراقي، و«حزب الله» اللبناني، وكان الغرض تهيئة الأجواء للسيطرة على مقدرات دول الخليج العربي، والشرق الأوسط بأسره، عبر تقديم المساعدات المسلحة لجماعات تتماهى مع رؤية «إيران الملالي»، إن جاز التعبير.

إيران و{الإخوان}
يضيق المجال للبحث في تأصيل العلاقة القديمة جداً بين آية الله الخميني ومؤسس جماعة الإخوان المسلمين، الذي عرف دوماً بلقب «المرشد العام». وكانت هناك صلات وجسور بين الإخوان وشيعة إيران. ولذا، كان من المثير أن يختار الخميني بعد نجاح ثورته لقب «المرشد»، ليصبح تميزاً له عمن دونه من الملالي وكبار رجال الدين. وحين نجحت ثورة الخميني، كان هناك في مصر رجل بعيد النظر، تأمل الغروب الإيراني الشاهنشاهي من بعيد، قائلاً إن الشرق الأوسط لن يبقى كما هو بعد وصول الخميني لحكم إيران، وقد صدقت رؤية الرجل بعد أقل من سنة.
كان يوم 6 أكتوبر (تشرين الأول) 1981 موعد العرض العسكري السنوي لاحتفالات القوات المسلحة المصرية بـ«انتصار أكتوبر 1973». في ذلك اليوم، قُتل الرئيس المصري أنور السادات برصاص أفراد جماعة إرهابية، ثمة من يزعم أنها خرجت من كنف الإخوان المسلمين. ولم تألو إيران جهداً في دعم الجماعات الإرهابية المتطرفة في مصر، بل قدمت للكثيرين منهم التدريب والعتاد والمال، واستقبلت الفارين منهم إلى الداخل الإيراني، بل وكنوع من أنواع المُكايدة السياسية، أطلقت على أحد شوارع طهران الكبرى اسم «خالد الإسلامبولي»، قاتل السادات.
والمثير أنه في الوقت الذي عملت فيه القيادات الإيرانية على دعم التطرف والإرهاب في مصر، كانت تقوم بإرهاب موازٍ في الداخل الإيراني. وكانت بداية «القصيدة الخمينية» يوم 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 1979، عندما اقتحم نحو 500 ناشط إيراني مجمع السفارة الأميركية في طهران، وأقدموا على احتجاز واسترهان 90 موظفاً وزائراً. وفي وقت لاحق، أفرجوا عن غير الأميركيين والنساء والأميركيات من أصل أفريقي، وتبقى 52 أميركياً ظلوا في الأسر كرهائن لمدة 444 يوماً.
والثابت أنه من خلال أعضاء الجماعات الإسلامية، التي كان في مقدمتها أيمن الظواهري ومصطفى حمزة وسيف العدل، نشأ ونما تنظيم القاعدة، وفي ما بعد أفرز «القاعدة» جماعات أكثر عنفاً وتطرفاً، تجسد أبرزها بـ«داعش».

علاقة «القاعدة» وطهران
في مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت، أشار تقرير وزارة الخارجية الأميركية السنوي عن الحرب ضد الإرهاب إلى أن إيران ما زالت تنشر الفوضى في الشرق الأوسط، عبر السماح لتنظيم القاعدة بالوجود على أراضيها. ومساء يوم صدور التقرير، كانت شبكة «فوكس نيوز» الإخبارية الأميركية، المعروفة بميولها اليمينية، والقريبة من البيت الأبيض، تؤكد في تقاريرها أن ما ذكرته الخارجية صحيح بالمطلق، وأن سلطات طهران لا تسمح فقط لـ«القاعدة» بتنفيذ عمليات دولية من داخل أراضيها، بل ما زالت غير مستعدة لمحاكمة أعضاء بارزين في التنظيم يقيمون على أراضيها، وكذلك رفضت الإفصاح عن أسماء من تعتقلهم من أعضاء «القاعدة». ولقد أطلع مصدر استخباراتي أميركي «فوكس نيوز» على أن «العلاقة اليوم بين الطرفين قائمة على الأمن والمال، بمعنى أن الطرفين، وإن كانا لا يتفقان بشكل دائم، فإن التنظيم بحاجة إلى ملاذ آمن، والإيرانيون من جانبهم يحصلون على حصة من عمليات تهريب المخدرات».
لكن هذا الوضع الحالي على أهميته لا يعبر عن الخلفية التاريخية لتلك العلاقة البعيدة، التي أماط عنها اللثام موقع «نيو أميركا» أخيراً، وكشف فيها عن وجود علاقات تعاون بين طهران و«القاعدة» على مدار سنوات، عملت عبرها طهران على تمكين التنظيم الإرهابي من أجل خدمة مصالحها. ولم تكن معلومات «نيو أميركا» إلا كشفاً عن بعض الوثائق السرية للغاية التي حصلت عليها «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي آيه) الأميركية، بعد الهجوم على المجمع الذي كان يأوي زعيم «القاعدة»، أسامة بن لادن، في بلدة آبوت آباد الباكستانية، عام 2011.
ومثير جداً ما تضمنته نحو ثلاثمائة وثيقة معروفة، مع أن هناك بشكل قاطع ما هو مغرق في السرية، ولم يُكشف عنه، ذلك أنه رغم عدم التوافق الآيديولوجي بين إيران و«القاعدة»، وانعدام الثقة بينهما، فإنهما بلورا رؤية براغماتية على أساس استراتيجي. والقصد أن أي تعاون قد تقدمه إيران للتنظيم سيكون مبنياً على أساس خدمة سياساتها الخارجية ضد الولايات المتحدة، التي وصفتها إحدى الوثائق بأنها تتسم بـ«خصومة حقيقية». وتقول الوثيقة المشار إليها إن «إيران مستعدة لتقديم دعم ومساعدة بالمال والسلاح وكل ما هو مطلوب»، وتضيف أن النظام الإيراني يجسد البراغماتية السياسية المبنية على أساس «الغاية تبرر الوسيلة».
أما تنظيم القاعدة، فمن جانبه اعتبر أن إيران اعتمدت في البداية سياسة مرنة حياله منذ نشوئه عام 1988. ولذلك، لم يجد أفراد التنظيم - بل حتى أفراد أسرة بن لادن - غضاضة في اللجوء إليها بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، وما تلاها من سقوط حكم طالبان.

العراق ومخططات سليماني
خلال المؤتمر الذي عقد على هامش أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، الخاص بإيران، تحدث مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، مشدداً على سياسة واشنطن الصارمة تجاه إيران، فقال: «لن نسمح لخامنئي (المرشد الحالي) بتدمير دول الشرق الأوسط»، وتابع: «سنستهدف كبار المسؤولين الإيرانيين، ومن بينهم (الجنرال) قاسم سليماني، وسنواجه كل الخطط الشريرة التي ينفذها».
لماذا ذكر بولتون اسم سليماني، قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري»، بالاسم؟ ربما لأنه الرجل المسؤول عن إرهاب إيران في الشرق الأوسط، والعهدة هنا على الجنرال ديفيد بترايوس، قائد قوات التحالف الأميركي في العراق سابقاً، الذي أدلى في أبريل (نيسان) 2008 بشهادة أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي، أفاد فيها بتدفق أسلحة إيرانية متطورة إلى مسلحين شيعة في العراق.
والحقيقة أن سليماني هو الذي يمسك بزمام الأمور في العراق، نيابة عن إيران، ولقد وقع بعض من أبرز المسلحين الشيعة، وآخرين من القوة عينها، في أيدي القوات الأميركية. وفي ضوء استجوابهم، أمكن تقدير الموقف عن مدى وطبيعة أعمال الإرهاب الإيرانية على الأراضي العراقية.
وهنا، نشير إلى أنه في مرحلة ما، بعث سليماني برسالة إلى بترايوس، تولى نقلها قائد عراقي كبير، في الوقت الذي بدأت فيه القوات العراقية وقوات التحالف عملية «صولة الفرسان»... وهي المسعى المكثف لاستهداف مسلحي الشيعة العراقيين في بغداد والبصرة. وجاء في نص الرسالة ما يلي: «الجنرال بترايوس... ينبغي أن تعرف أنني قاسم سليماني، الشخص الذي يتحكم بالسياسة الإيرانية التي تختص بالعراق ولبنان وغزة وأفغانستان. وفي الواقع، فإن سفيرنا في بغداد عضو في (فيلق القدس)، ومن سيخلفه أيضاً عضو في (فيلق القدس)».

دعم {حزب الله}
أيضاً، يعترف سليماني، في رسالته لبترايوس، وبوضوح كامل، بأن الأيادي الإيرانية التي يقودها هي الفاعلة في تلك الدول (المذكورة آنفاً)، ما يعني أن المخطط الإرهابي الأصيل للخميني، وارتفاع أعلام الثورة الإيرانية، لم تكن مرويات تاريخية، بل أهداف استراتيجية حقيقية. ولعل واحداً من أفضل من تناولوا دور الإرهاب الإيراني ما بين لبنان وفلسطين المحتلة كان الدكتور ماثيو ليفيت، مدير برنامج «ستاين» للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، الذي يقول إنه من بين جميع الجماعات التي رعتها طهران خلال الأعوام الماضية، لا يوجد من هو أهم بالنسبة لإيران من «حزب الله»، الذي يحتفظ نشطاؤه بعلاقات وثيقة مع مسؤولي الاستخبارات الإيرانية وأعضاء «الحرس الثوري» الإيراني المنخرطين بعمق في أنشطة الصواريخ الباليستية والانتشار النووي والتسلح في البلاد.
وفي هذا السياق، فإن بعض أجهزة الاستخبارات الدولية تقدر أنه منذ صيف 2006، قدمت إيران لـ«حزب الله» أكثر من مليار دولار، في شكل مساعدات مباشرة. ولعل أكثر خطورة للإرهاب الإيراني هو نشره للإرهاب الآيديولوجي، إذ كانت إيران قادرة على التأثير على خلايا ونشطاء «حزب الله» الموزعين في جميع أنحاء العالم لتنفيذ هجمات خارج نطاق حدودها.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».