تعليق تسليم الوقود إلى غزة يضاعف معاناة سكان القطاع

بعد موجة العنف الجديدة التي شهدتها الأراضي الفلسطينية أول من أمس، أصبح قرار إسرائيل تعليق تسليم الوقود إلى غزة يثير شكوكا كثيرة حيال اتفاق يهدف إلى تخفيف معاناة الفلسطينيين وتهدئة التوتر.
وتتضمن الصفقة التي توسطت فيها الأمم المتحدة وتدعمها واشنطن وإسرائيل، وغيرها من الدول، تأمين آلاف الليترات من الوقود، وتسليمها عبر إسرائيل إلى غزة بشاحنات لتغذية التيار الكهربائي، تحت إشراف الأمم المتحدة. لكن بعد المواجهات التي وقعت قرب حدود القطاع مع إسرائيل، أول من أمس، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان وقفا لتسليم شحنات الوقود لقطاع غزة بشكل فوري، مشيرا إلى «محاولة خطيرة لاقتحام الحدود ومهاجمة الجنود».
وتمّ التوصل إلى الصفقة دون موافقة السُلطة الفلسطينية المعترف بها رسميا، ومع ذلك فقد اعتبر دبلوماسيون أن هذه الصفقة «تعد الأولى من نوعها لغزة، التي تسيطر عليها حركة حماس». لكن هذا الاتفاق يثير، حسب عدد من الملاحظين، تساؤلات عدة عما إذا كان الرئيس محمود عباس يتعرض للتهميش بشكل تدريجي، على اعتبار أن السلطة الفلسطينية كانت باستمرار هي المحاور الوحيد لمعظم القوى الدولية.
وحسب تقرير بثته وكالة الصحافة الفرنسية أمس، فإن السلطة الفلسطينية باتت تخشى من اعتراف المجتمع الدولي بسيطرة حركة حماس على غزة، من خلال عقد اتفاقات معها، في حين تعمل واشنطن على خطة سلام من الممكن أن تسعى من خلالها إلى المزيد من الفصل بين غزة والضفة الغربية، ما يقضي على الآمال الضئيلة في حل الدولتين. وفيما أعلن مسؤول كبير الخميس أن السلطة لن تعمل بعد الآن مع مبعوث الأمم المتحدة نيكولاي ملادينوف، الوسيط في هذا الاتفاق، قالت مصادر دبلوماسية والأمم المتحدة إنهم بذلوا جهودا كبيرة لإقناع عباس بالموافقة على صفقة الوقود. وفي نهاية المطاف تم اتخاذ قرار بالالتفاف عليه.
يقول دبلوماسي لوكالة الصحافة الفرنسية، تحفظ على ذكر اسمه، إن «الاعتبارات الإنسانية أكثر أهمية من العلاقة مع السلطة الفلسطينية». إلا أن الأمم المتحدة والأطراف الأخرى تؤكد أنها تسعى فقط إلى تحسين الوضع الإنساني البائس في القطاع، في ظل حصار إسرائيلي منذ عقد من الزمن. فيما يتهم مسؤولون السلطة ببذل القليل من الجهود لتخفيف معاناة سكان قطاع غزة خلال العقد الماضي، بحجة أن عباس اتخذ إجراءات عقابية ضد القطاع. كما أن أبو مازن لم يقم منذ سيطرة «حماس» على غزة عام 2007 بزيارة القطاع، في ظل فشل جولات عدة من المصالحة.
وفي هذا السياق أعرب دبلوماسيون غربيون عن خشيتهم من أن يتخذ عباس إجراءات جديدة، أو حتى يقرر قطع بعض العلاقات مع القوى الدولية. وقد حذر دبلوماسي في القدس قائلا إنه «من الممكن أن ينتهي بنا الاختيار بين العمل مع السلطة الفلسطينية، والتخفيف من الأوضاع الإنسانية في غزة».
وفي مقابلة نادرة مؤخرا، حض يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة، القوى العالمية على العمل مع الحركة لتخفيف المعاناة عن القطاع.
ومن جهتها، تسعى مصر والأمم المتحدة للتوصل إلى اتفاق، تنهي بموجبه «حماس» موجة الاحتجاجات مقابل تخفيف الحصار الإسرائيلي الخانق. لكن عباس يعارض مثل هذا الاتفاق، معتبرا أن ذلك يعني اعترافا من الأمم المتحدة بسيطرة «حماس» على غزة، ويريد تحقيق المصالحة مع حماس قبل أي عملية إغاثة رئيسية في غزة.
ومنذ الثلاثاء الماضي، دخلت شاحنات تحمل ستّ صهاريج تنقل 450 ألف لتر من الوقود المخصّص لمحطة توليد الكهرباء في غزة، مع خطط للوصول إلى 15 شاحنة في اليوم.
وفيما أشاد المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات بالاتفاق، قالت مصادر دبلوماسية والأمم المتحدة إنهم بذلوا جهودا كبيرة لإقناع عباس بالموافقة على صفقة الوقود.
يأتي ذلك بعد عقد من الإحباط المتزايد إزاء فشل المصالحة، بينما تزداد الأوضاع الإنسانية تدهورا في غزة، خاصة بعد أن فرض عباس عقوبات على القطاع، شملت كذلك خفض رواتب موظفي القطاع العام لممارسة ضغوط على حركة حماس.
وكان عضو اللجنة التنفيذية في منظّمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني قد قال الخميس إن مهندس الاتفاق ملادينوف «لم يعد مقبولاً» لدى الحكومة الفلسطينية، متهما إياه بـ«تجاوز دوره». ومن جهته، قال هيو لوفات من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية لوكالة الصحافة الفرنسية «هناك نوع من جنون الارتياب الشديد في رام الله من أن تكون مبادرة الأمم المتحدة جزءا من مؤامرة أوسع نطاقا، بين إسرائيل والولايات المتحدة والأمم المتحدة، وذلك لإقامة دولة مصغرة في غزة، وتهميش عباس»، مشددا على أنه «ليست هناك رغبة في أوروبا لتهميش السلطة الفلسطينية، ولكن هناك اعتراف بأنها تخلق العراقيل أمام تحسين الأوضاع في غزة».
في غضون ذلك، يؤكد الكثير من الدبلوماسيين الغربيين أنهم سيواصلون العمل مع السلطة الفلسطينية من أجل اتفاقات أوسع نطاقاً.