إيدن هازارد يواجه خياراً مستحيلاً

ماذا كنت تفعل لو كنت مكانه؟ إذا وجدت نفسك لاعباً ينتمي للفئة الأولى في واحد من أغنى وأنجح الفرق على مستوى إنجلترا. وكنت تشارك في بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز وتدرك جيداً أن مدافعي الفرق المنافسة يرتعدون خوفاً كلما لمست الكرة. وقد فزت ببطولات وميداليات وجوائز فردية شتى ولك جمهور من المعجبين يحبونك حد العشق. كما أن الحياة في لندن جيدة. كما أنك لا تدري، فربما يشرعون يوماً في بناء تمثال لك في موضع بارز.
إلا أنه رغم كل ذلك، لا تزال عيناك تهيم هنا وهناك، وقد بدأت تساورك التساؤلات حول مدى طموح ناديك، ذلك أنه لم يسبق لك قط الفوز معه ببطولة دوري أبطال أوروبا، وينصحك الكثيرون بالرحيل عنه للانتقال إلى المستوى التالي من النجاح. ويرى هؤلاء أنه يتعين عليك المضي قدماً كي تنضم إلى فئة اللاعبين الصفوة.
وبالتالي، يتعين عليك عدم توقيع عقد جديد مع ناديك الحالي، وإنما السعي للانتقال لناد آخر. لقد داعب خيالك منذ الطفولة حلم اللعب في صفوف «ريـال مدريد»، والآن لديهم مساحة شاغرة لمهاجم نجم جديد. ويرى كثيرون أن الوقت الآن مناسب كي تمضي نحو الانتقال إلى النادي الإسباني وتسجيل أهداف في «الكلاسيكو» واقتناص جائزة «الكرة الذهبية» وتعزيز صورتك العامة على المستوى الرياضي. ماذا كنت ستفعل، إذن؟ لا تخدع نفسك: بالتأكيد كنت ستسعى للانتقال.
إلا أنه بالنسبة لإيدن هازارد يبدو الوضع معقداً، فاللاعب الأساسي في صفوف «تشيلسي» ليس بمقدوره حسم أمره واتخاذ قرار بعينه. اليوم، أمامه أقل من عامين في تعاقده مع «ستامفورد بريدج» ويدرك جيداً أن «ريـال مدريد»، بطل أوروبا المتوج، مهتم بضمه إلى صفوفه. ولم يخف اللاعب رغبته في اللعب لحساب النادي الإسباني ولو ليوم واحد، ويثير وضعه التعاقدي احتمالية أن يرحل عن «تشيلسي» الصيف المقبل. ومع أن هازارد من حقه التساؤل حول ما إذا كان ناديه الحالي قادرا على الارتقاء لمستوى طموحاته بعدما أخفق في التأهل لبطولة دوري أبطال أوروبا مرتين خلال السنوات الثلاث الأخيرة، لا يزال المهاجم البلجيكي عاجزاً عن تحديد المسار الذي سوف يتخذه قلبه نهاية الأمر. وتتمثل الخطوة المنطقية التالية في البحث عن محل إقامة داخل العاصمة الإسبانية.
جدير بالذكر أن هازارد سيتم عامه الـ28 في يناير (كانون الثاني) ويعي جيداً أنه ربما تكون هذه فرصته الأخيرة لضمان خطوة انتقال مبهرة. ومع هذا، بدا أن هناك صراعا مستعرا بداخله في وقت كان يناقش مستقبله في أعقاب فوز «تشيلسي» على «ساوثهامبتون»، في الجولة الثامنة في الدوري الإنجليزي. وقال هازارد: «في عقلي، أصحو أحياناً من النوم في الصباح وبداخلي رغبة في الرحيل. وأحياناً تراودني الرغبة في البقاء. إنه قرار صعب». وأضاف: «الأمر يتعلق أيضا بحلم تريد تحقيقه. مثلما قلت مرارا وتكرارا إذا غادرت سأكون سعيدا وأعرف أنني إذا بقيت في تشيلسي سأكون سعيدا».
من ناحية أخرى، من المؤكد أن غالبية زملاء هازارد سيواجهون صعوبة كبرى في رفض طلب من «ريـال مدريد» بالانضمام إلى صفوفه. في الواقع، هذا الأمر أصبح حقيقة من حقائق عالم كرة القدم اليوم. من ناحيته، وجد فيليبي كوتينيو نفسه في مثل هذا الموقف بداية عام 2018 ولم يتمكن «ليفربول» في إقناع اللاعب البرازيلي بتجاهل محاولات «برشلونة» ضمه إليه. وبالنسبة لكوتينيو، كان من المستحيل رفض فرصة اللعب في «كامب نو».
أما «ليفربول» فقد حصل على المال واستغله في ضم فيرجيل فان ديك ومضى حتى بلغ دور النهائي في بطولة دوري أبطال أوروبا. إلا أنه عندما كان ليونيل ميسي يضرب كالبرق صفوف «توتنهام هوتسبير» على أرض استاد «ويمبلي»، الأسبوع الماضي في دوري أبطال أوروبا، بدا من الصعب الاعتقاد بأن كوتينيو ساوره الندم على قراره بالرحيل عن «أنفيلد».
الملاحظ أنه في الغالب خاضت الأندية الإنجليزية معارك خاسرة فيما يتعلق بالاحتفاظ بأفضل لاعبيهم بمنأى عن أكبر ناديين بالدوري الإسباني. على سبيل المثال، كان كوتينيو يسير على خطى خافيير ماسكيرانو ولويس سواريز. وكان آرسين فينغر قد فقد تيري هنري وسسيك فابريغاس لصالح «برشلونة»، بينما رحل غاريث بيل ولوكا مودريتش عن صفوف «توتنهام هوتسبير» لحساب «بيرنابيو». ومنذ 10 سنوات فقط طلب السير أليكس فيرغسون من كريستيانو رونالدو منح «مانشستر يونايتد» موسماً واحداً إضافياً قبل الانضمام إلى «ريـال مدريد».
ومع هذا، لا يمكن القول بأن جميع اللاعبين يفكرون على النحو ذاته، فمثلاً هازارد الذي لا يمثله وكيل أعمال قوي ليس من النمط اللحوح، وإنما هو شخص هادئ وعاشق لأسرته وقد استقرت أطفاله بالفعل داخل إنجلترا. ويبدو في مظهره هادئ الطباع ويصبح في أسعد حالاته عندما يتألق داخل أرض الملعب. ويبدو مناسباً للغاية للعب مع مدرب يملك الحس الهجومي المميز لماوريسيو ساري. الملاحظ أن مهارات هازارد الإبداعية كثيراً ما تعرضت للخنق تحت قيادة كل من أنطونيو كونتي وجوزيه مورينيو، وهما مدربان يعتمدان على الهجمات المرتدة، لكنه تحرر على يد ساري، وسجل ثمانية أهداف خلال 10 مباريات له هذا الموسم.
ومع هذا، يبقى هناك شعور بأن هازارد لم يبلغ بعد الحد الأقصى الذي تسمح به إمكاناته ومواهبه. وقد شارك في الفوز ببطولتي دوري وبطولة كأس الاتحاد الإنجليزي وبطولة كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة وبطولة الدوري الأوروبي منذ انضمامه إلى «تشيلسي»، قادماً من «ليل» في صيف 2012. لكنه لم يتجاوز دور الـ16 ببطولة دوري أبطال أوروبا منذ عام 2014. وحتى ساري عدل من إشاداته بهازارد، مشيراً إلى أن الأخير يتعين عليه السعي لتسجيل 40 هدفاً بالموسم، فهل بدأ الخوف يتسلل إلى القلوب؟ أحياناً يجد الناس صعوبة في استكشاف حدود قدراتهم. وتساورهم الشكوك والمخاوف بخصوص تداعيات الفشل.
وبالتأكيد يمكن أن تتلاشى احتمالية الانتقال إلى «ريـال مدريد» إذا ما نجح الأخير في اقتناص نيمار من أيدي «باريس سان جيرمان»، الصيف المقبل. إلا أنه لن يكون الأمر مأساة إذا تخلى هازارد عن حلم طفولته. وماذا سيفعل حينها؟ ربما ليس أكثر مما يفعله اليوم: يمضي في حياته ويستمتع بها. وقال المهاجم عن هذا الأمر: «الوضع بالنسبة لي ليس أنني سأكون سعيداً إذا رحلت وسأكون تعيساً إذا بقيت». أحياناً يكون التحلي بروح إيجابية انتصارك الأكبر.
ويعتقد هازارد أنه ربما يحتاج للانضمام إلى ناد إسباني للتتويج بجائزة أفضل لاعب كرة قدم في العالم لكنه استبعد حدوث هذه الخطوة خلال فترة الانتقالات في يناير المقبل. وفي رده على سؤال بشأن حاجته للعب في إسبانيا للفوز بالكرة الذهبية التي تُمنح سنويا لأفضل لاعب في العالم قال هازارد مبتسما «ربما هذا سبب رغبتي في اللعب هناك».