شعراء العراق «أمراء البيانات»

ظاهرة ارتبطت بالتحولات السياسية والعسكرية والانقلابية

نازك الملائكة  -  فاضل العزاوي
نازك الملائكة - فاضل العزاوي
TT

شعراء العراق «أمراء البيانات»

نازك الملائكة  -  فاضل العزاوي
نازك الملائكة - فاضل العزاوي

لستُ مغالياً إذا قلتُ إن الشعراء العراقيين، ومنذ النصف الثاني من القرن العشرين، كتبوا بياناتٍ شعرية، لم يكتبها أي من الشعراء العرب كماً ونوعاً، بل إن بعض الشعراء العراقيين كتبوا بيانات شعرية أكثر من كتابة قصائدهم.
لقد أصبحت قضية البيانات ملازمة لحركة الأجيال العراقية، وعلى وجه التحديد مع بزوغ حركة الحداثة في العراق، فقد صرح أكثر من ناقدٍ بأن مقدمة نازك الملائكة لديوانها «شظايا ورماد» 1949 هي البيان الشعري الأول الذي كتب في العراق، وكما يذكر جهاد فاضل بأن هذه المقدمة كانت «أحد أبلغ الاحتجاجات بوجه الخليل بن أحمد الفراهيدي وبحوره وأوزانه وقوافيه، وهي بالتالي وثيقة من وثائق الحداثة العربية الساعية إلى بناء شعرية عربية جديدة. ولا يتردد كثيرون في إضفاء صفة الريادة على هذه المقدمة، واعتبار التاريخ الذي كُتبت فيه، والذي تذكره الشاعرة في خاتمتها: 1949 - 2 - 3 تاريخاً فاصلاً بين مرحلتين».
لهذا تُعدُ أوَلَ بيانٍ شعري تضمن مجمل أفكارها، وتصوراتها، حول القصيدة، وشكواها من قيود القافية التي تشبهها بالأغلال، التي قيدت حركة النص الشعري، وبهذا فإن تلك المقدمة تمثل البيان التأسيسي الأول لحركة الشعر الحر، لأنها اشتملت على محاور مهمة تنبئ عن وعي مبكرٍ لنازك الملائكة مقارنة بزميليها السياب والبياتي.
ثم توالت البيانات الشعرية، ولا ننكر أثر أندريه بريتون في بيانيه السورياليين المدافعين عن الحركة السوريالية بباريس 1924 و1929، حيث شكل مادة مغرية للكتابة، ولتوثيق الأفكار المغايرة، خصوصاً في مرحلة التحولات الشكلية والجوهرية، فإن تلك المرحلة استدعت أنْ يكتب الشعراء بأنفسهم - ولأنفسهم في كثير من المرات - ما يرونه من تحول وإضافة على المستوى الإبداعي.
ولكن المهم، كما أظن، أن البيانات الشعرية في العراق قد ارتبطت بالبيانات السياسية والعسكرية والانقلابية، وأخذت بمزاج تلك البيانات، وتكهربت بفكرتها الانقلابية، ذلك أن العراق، وبعد النصف الثاني من القرن العشرين، اعتاد شعبه أنْ يسمعَ عبر المذياع الوحيد، أو عبر صحفه الورقية - في تلك الأيام - «بيان رقم واحد»، وقد اشتهر هذا المصطلح «بيان رقم واحد»، الذي يعني أنَّ مجموعة من العسكر قد سيطروا على مبنى الإذاعة والقصر، وقلبوا نظام الحكم، وصار متعارفاً على أن من يُصدر «البيان الأول» سيُمسك زمام الأمور، وسيقلب الطاولة على رؤوس السياسيين.
وما أكثر تناسل هذه البيانات في العراق، فمن بيان بكر صدقي إلى بيان رشيد عالي الكيلاني، مروراً بالبيان الأشهر لعبد الكريم قاسم، وانتهاء حقبة الملكية، إلى بيان عبد السلام عارف والقضاء على عبد الكريم قاسم، إلى بيان حزب البعث في 1968 والقضاء على الحقبة العارفية، ومن ثم توالت البيانات العراقية سياسية وعسكرية.
إن هذه البيانات، كما أزعم، تركت أثرها في نفوس المثقفين العراقيين، فظنوا أنَّ من يُصدر بياناً شعرياً سيهيمن على الساحة الثقافية، وسيقلب الطاولة على رؤوس زملائه الشعراء، وهذه الفكرة السياسية تسربت بوعي أو دون وعي إلى الوسط الثقافي، وأصبحت عادة طبيعية أنْ يُصدر الشعراء مجموعاتٍ أو منفردين بياناتهم الشعرية.
ثم وجدتُ عاملاً آخر، أظنه لا يقل أهمية عن العامل السياسي، وهو عمر أولئك الشعراء، ذلك أني لم أجد شاعراً تجاوز الثلاثين عاماً، وكتب بياناً شعرياً إلا نادراً، ذلك أن معظم من كتبوا بياناتهم الشعرية لا تتجاوز أعمارهم الخامسة والعشرين، ما عدا الشاعر علي الطائي، حيث تجاوز الخمسين عاماً، وبقي يصدر بين مدة وأخرى بيانه الشعري.
ماذا تعني هذه الظاهرة؟ تعني أنَّ هناك تغافلاً نقدياً مبرراً عن هؤلاء، لأنهم ما زالوا في بداياتهم، وبعضهم لم يصدر عملاً شعرياً واحداً - على الأقل - ولم تنضج رؤاهم حتى يكتب عنهم النقاد، فماذا يفعل هؤلاء الشباب؟ يتبادلون الأدوار مع النقاد، حيث يقومون بدور الناقد والمحلل للفكرة والرؤية والنص، لذلك نجد المبالغات العالية في تلك البيانات، حيث إنهم يكتبون بحسٍ شبابي مندفعٍ، وبوعي نقدي وثقافي بسيط، فجلُ تلك البيانات تحاول أنْ تبدل شكل العالم، لا طريقة التعبير فقط، إنما هم أنبياء صغار يحاولون أنْ يفتتوا الأفكار المتخثرة، ويقلبوا العالم وفق رؤاهم، أو كما يقول الشاعر فاضل العزاوي إنه «لا يحطم الأصنام وحدها، وإنما ينسف المعبد كله، حتى لا تكون ثمة أصنامٌ جديدة ترتقي الدكة القديمة».
ولكنهم ما إنْ عبروا عتبة الشباب حتى بدأوا يخجلون، أو يهربون مما كتبوه سابقاً، رغم أن ما كتبوه شكل محطة جدل في تلك المرحلة، وحتى هذه اللحظة، فهذا بيان الستينيين، أو ما يسمى «بيان 69»، الذي وقع عليه فاضل العزاوي وسامي مهدي وفوزي كريم وخالد علي مصطفى، تجد بدايته تتحدث عن تغيير العالم، من خلال النص، وهي كلها أفكار شعرية، لا يحتملها الفكر النقدي، إذ لا توجد فكرة واضحة للتطبيق، بعد ذلك ظهر بيان «القصيدة اليومية» (خزعل الماجدي، وعبد الحسين صنكور، وغزاي درع الطائي)، ومن ثم توالت البيانات؛ بيان شعراء قصيدة النثر، وبيان «الرؤية الآن» (فرج الحطاب وجمال الحلاق)، بعد ذلك أصدر محمد غازي الأخرس بياناً شعرياً، وبعد ذلك أصدرت جماعة «قصيدة شعر» بياناً شعرياً عام 2002، ومن ثم اختلفوا فيما بينهم، لتتشقق تلك البيانات إلى بيانات فرعية، حيث تأخذ كل مجموعة زاوية نظر مختلفة، وتبدأ بإصدار بيانها، ولا أظن أن مجموعة من الأدباء الذين أصدروا بيانات شعرية، ووقعوا عليها، ظلوا بتماسكهم على الإطلاق.
الآن اختفت تماماً ظاهرة البيانات الشعرية، ربما لضمور الحركات الشعرية والمدارس الأدبية، التي تكفلت بنمط من الكتابة، وهو البيان، أو ربما لأننا افتقدنا في السياسة شيئاً اسمه «بيان رقم واحد» فنسي الشعراء هذا النوع من الكتابة، رغم أني وجدت مجموعة جديدة من الشعراء الشباب، وبهذه الأيام، أصدروا مجلة شعرية اسمها «مسقى» تعنى بالشعر اليوم، وقد قرأت افتتاحية العدد الأول نهاية 2017 للشاعر محمود جمعة، فما وجدتُه إلا بياناً شعرياً ينتمي لتلك الحقبة من الصراعات الأدبية التي نفتقدها الآن.
فهل بإمكان هؤلاء الفتية أن يكونوا جزءاً من مناخ الجدل الثقافي الذي أسهم في إنعاش الوسط الثقافي سابقاً وحالياً؟



«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
TT

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

أسدل مهرجان «القاهرة السينمائي الدولي» الستار على دورته الـ45 في حفل أُقيم، الجمعة، بإعلان جوائز المسابقات المتنوّعة التي تضمّنها. وحصدت دول رومانيا وروسيا والبرازيل «الأهرامات الثلاثة» الذهبية والفضية والبرونزية في المسابقة الدولية.

شهد المهرجان عرض 190 فيلماً من 72 دولة، كما استحدث مسابقات جديدة لأفلام «المسافة صفر»، و«أفضل فيلم أفريقي»، و«أفضل فيلم آسيوي»، إلى جانب مسابقته الدولية والبرامج الموازية.

وكما بدأ دورته بإعلان تضامنه مع لبنان وفلسطين، جاء ختامه مماثلاً، فكانت الفقرة الغنائية الوحيدة خلال الحفل لفرقة «وطن الفنون» القادمة من غزة مع صوت الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وهو يُلقي أبياتاً من قصيدته «على هذه الأرض ما يستحق الحياة».

وأكد رئيس المهرجان الفنان حسين فهمي، أنّ «الفنّ قادر على سرد حكايات لأشخاص يستحقون الحياة»، موجّهاً الشكر إلى وزير الثقافة الذي حضر حفلَي الافتتاح والختام، والوزارات التي أسهمت في إقامته، والرعاة الذين دعّموه. كما وجّه التحية إلى رجل الأعمال نجيب ساويرس، مؤسِّس مهرجان «الجونة» الذي حضر الحفل، لدعمه مهرجان «القاهرة» خلال رئاسة فهمي الأولى له.

المخرجة السعودية جواهر العامري وأسرة فيلمها «انصراف» (إدارة المهرجان)

وأثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعالياته؛ فقالت الناقدة ماجدة خير الله إنّ «عدم حضوره قد يشير إلى وقوع خلافات»، مؤكدةً أنّ «أي عمل جماعي يمكن أن يتعرّض لهذا الأمر». وتابعت لـ«الشرق الأوسط» أنّ «عصام زكريا ناقد كبير ومحترم، وقد أدّى واجبه كاملاً، وهناك دائماً مَن يتطلّعون إلى القفز على نجاح الآخرين، ويعملون على الإيقاع بين أطراف كل عمل ناجح». وعبَّرت الناقدة المصرية عن حزنها لذلك، متمنيةً أن تُسوَّى أي خلافات خصوصاً بعد تقديم المهرجان دورة ناجحة.

وفي مسابقته الدولية، فاز الفيلم الروماني «العام الجديد الذي لم يأتِ أبداً» بجائزة «الهرم الذهبي» لأفضل فيلم للمخرج والمنتج بوجدان موريشانو، كما فاز الفيلم الروسي «طوابع البريد» للمخرجة ناتاليا نزاروفا بجائزة «الهرم الفضي» لأفضل فيلم، وحصل الفيلم البرازيلي «مالو» للمخرج بيدرو فريري على جائزة «الهرم البرونزي» لأفضل عمل أول.

وأيضاً، حاز لي كانغ شنغ على جائزة أفضل ممثل عن دوره في الفيلم الأميركي «قصر الشمس الزرقاء»، والممثل الروسي ماكسيم ستويانوف عن فيلم «طوابع البريد». كما حصلت بطلة الفيلم عينه على شهادة تقدير، في حين تُوّجت يارا دي نوفايس بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في الفيلم البرازيلي «مالو»، وحصل الفيلم التركي «أيشا» على جائزة أفضل إسهام فنّي.

الفنانة كندة علوش شاركت في لجنة تحكيم أفلام «المسافة صفر» (إدارة المهرجان)

وأنصفت الجوائز كلاً من فلسطين ولبنان، ففاز الفيلم الفلسطيني «حالة عشق» بجائزتَي «أفضل فيلم» ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية»، ولجنة التحكيم الخاصة. وأعربت مخرجتاه منى خالدي وكارول منصور عن فخرهما بالجائزة التي أهدتاها إلى طواقم الإسعاف في غزة؛ إذ يوثّق الفيلم رحلة الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة داخل القطاع. ورغم اعتزازهما بالفوز، فإنهما أكدتا عدم شعورهما بالسعادة في ظلّ المجازر في فلسطين ولبنان.

وكانت لجنة تحكيم «أفلام من المسافة صفر» التي ضمَّت المنتج غابي خوري، والناقد أحمد شوقي، والفنانة كندة علوش؛ قد منحت جوائز لـ3 أفلام. وأشارت كندة إلى أنّ «هذه الأفلام جاءت طازجة من غزة ومن قلب الحرب، معبِّرة عن معاناة الشعب الفلسطيني». وفازت أفلام «جلد ناعم» لخميس مشهراوي، و«خارج التغطية» لمحمد الشريف، و«يوم دراسي» لأحمد الدنف بجوائز مالية قدّمتها شركة أفلام «مصر العالمية». كما منح «اتحاد إذاعات وتلفزيونات دول منظمة التعاون الإسلامي»، برئاسة الإعلامي عمرو الليثي، جوائز مالية لأفضل 3 أفلام فلسطينية شاركت في المهرجان، فازت بها «أحلام كيلومتر مربع»، و«حالة عشق»، و«أحلام عابرة».

ليلى علوي على السجادة الحمراء في حفل الختام (إدارة المهرجان)

وحصد الفيلم اللبناني «أرزة» جائزتين لأفضل ممثلة لبطلته دياموند بو عبود، وأفضل سيناريو. فأكدت بو عبود تفاؤلها بالفوز في اليوم الذي يوافق عيد «الاستقلال اللبناني»، وأهدت الجائزة إلى أسرة الفيلم وعائلتها.

وفي مسابقة الأفلام القصيرة التي رأست لجنة تحكيمها المخرجة ساندرا نشأت، فاز الفيلم السعودي «انصراف» للمخرجة جواهر العامري بجائزة لجنة التحكيم الخاصة. وقالت جواهر، في كلمتها، إن المهرجان عزيز عليها، مؤكدة أنها في ظلّ فرحتها بالفوز لن تنسى «إخوتنا في فلسطين ولبنان والسودان». أما جائزة أفضل فيلم قصير فذهبت إلى الصيني «ديفيد»، وحاز الفيلم المصري «الأم والدب» على تنويه خاص.

كذلك فاز الفيلم المصري الطويل «دخل الربيع يضحك» من إخراج نهى عادل بـ4 جوائز؛ هي: «فيبرسي» لأفضل فيلم، وأفضل إسهام فنّي بالمسابقة الدولية، وأفضل مخرجة، وجائزة خاصة لبطلته رحاب عنان التي تخوض تجربتها الأولى ممثلةً بالفيلم. وذكرت مخرجته خلال تسلّمها الجوائز أنها الآن فقط تستطيع القول إنها مخرجة.

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

كما فاز الفيلم المصري «أبو زعبل 89» للمخرج بسام مرتضى بجائزة أفضل فيلم وثائقي طويل، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة، بالإضافة إلى تنويه خاص ضمن مسابقة «أسبوع النقاد». ووجَّه المخرج شكره إلى الفنان سيد رجب الذي شارك في الفيلم، قائلاً إنّ الجائزة الحقيقية هي في الالتفاف الكبير حول العمل. وأكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «النجاح الذي قُوبل به الفيلم في جميع عروضه بالمهرجان أذهلني»، وعَدّه تعويضاً عن فترة عمله الطويلة على الفيلم التي استغرقت 4 سنوات، مشيراً إلى قُرب عرضه تجارياً في الصالات. وحاز الممثل المغربي محمد خوي جائزة أفضل ممثل ضمن «آفاق السينما العربية» عن دوره في فيلم «المرجا الزرقا».

بدوره، يرى الناقد السعودي خالد ربيع أنّ الدورة 45 من «القاهرة السينمائي» تعكس السينما في أرقى عطائها، بفضل الجهود المكثَّفة لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا، وحضور الفنان حسين فهمي، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أنّ «الدورة حظيت بأفلام ستخلّد عناوينها، على غرار فيلم (هنا) لتوم هانكس، والفيلم الإيراني (كعكتي المفضلة)، و(أبو زعبل 89) الذي حقّق معادلة الوثائقي الجماهيري، وغيرها... وكذلك الندوات المتميّزة، والماستر كلاس الثريّة».