ديون مصر للبيع...بأقل سعر

القاهرة تسعى لتغيير تركيبة الدين من حيث آجال الاستحقاق وسط أزمة الأسواق الناشئة

محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر يتحدث مع وزير المالية محمد معيط بشأن التنسيق بين السياسة النقدية والمالية («الشرق الأوسط»)
محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر يتحدث مع وزير المالية محمد معيط بشأن التنسيق بين السياسة النقدية والمالية («الشرق الأوسط»)
TT

ديون مصر للبيع...بأقل سعر

محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر يتحدث مع وزير المالية محمد معيط بشأن التنسيق بين السياسة النقدية والمالية («الشرق الأوسط»)
محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر يتحدث مع وزير المالية محمد معيط بشأن التنسيق بين السياسة النقدية والمالية («الشرق الأوسط»)

تضر أسعار الفائدة المرتفعة، بالموازنة العامة، المترنحة أساسا، وبميزان المدفوعات وبمناخ الاستثمار بوجه عام، لكن لتمويل عجز الموازنة كان لا بد من الحفاظ على المستثمرين الأجانب بالفائدة المرتفعة، ومع وزيادة الضغط على الموازنة خفض البنك المركزي المصري أسعار الفائدة مرتين خلال العام الحالي، لكن المتغيرات العالمية في الأسواق الناشئة، أجبرت «المركزي» على تثبيت الفائدة المرتفعة، في آخر اجتماعاته الشهر الماضي.
فبعد أن كانت المتغيرات الخطرة على الاقتصاد المصري محلية بالكاد (التضخم وتوفير الدولار وجذب استثمارات وخفض عجز الموازنة) انضم متغيران عالميان للتأثير بشكل مباشر في صنع القرار الاقتصادي، تمثلا في ارتفاع أسعار النفط، وأزمة الأسواق الناشئة، التي قرر معها المستثمرون الأجانب بدء موجة تخارج.
يتحرك اقتصاد مصر في دائرة مغلقة، عبارة عن عدة مؤشرات، بعضها يكمل الآخر وبعضها متعارض، فعندما تحاول أن تحقق معادلة توفير الدولار بتعويم الجنيه، يرتفع الدين العام بشكل مطرد، ويصل التضخم في الأسعار لمستويات قياسية، ومع رفع الفائدة لجذب استثمارات أجنبية لزيادة احتياطي النقد الأجنبي، يزيد عجز الموازنة وخدمة الدين الخارجي، وعندما بدأ البنك المركزي تخفيض الفائدة للسيطرة على عجز الموازنة، ظهرت أزمة الأسواق الناشئة، في وقت تحاول فيه مصر إعادة هيكلة الديون.
أحمد شمس رئيس قطاع البحوث بالمجموعة المالية هيرميس، يرى أن بقاء أسعار الفائدة مرتفعة يرفع من تكلفة خدمة الدين ويصّعب من الإجراءات المتبعة لتقليل العجز في الموازنة، «لكنها من جهة أخرى ضرورة في المدى القصير للحفاظ على السيولة الدولارية ولاستقرار سعر الصرف، خاصة مع ارتفاع أسعار البترول مؤخراً وما قد يتبعها من عودة مستوى التضخم للارتفاع».
بلغ التضخم السنوي لأسعار المستهلكين بالمدن 16 في المائة في سبتمبر (أيلول) الماضي من 14.2 في المائة في أغسطس (آب). وفقا للجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء. ووفقاً لخطة وزارة المالية، عدم تحميل الأجيال القادمة عبء الديون الحالية، بدأت تغيير آجال استحقاق الديون أولاً كخطوة أولى، ومن ثم تخفيضها كنسبة للناتج المحلي.
وتعد الوزارة برنامج إصلاح هيكلي للاقتصاد يستهدف خفض الدين العام إلى 70 في المائة خلال أربع سنوات من مستواه الحالي. وتستهدف خفض الدين الخارجي إلى ما دون الـ80 مليار دولار بحلول 2021، من 92.64 مليار دولار في نهاية يونيو (حزيران) الماضي. وفقا لوزير المالية محمد معيط.
غير أن نائب الرئيس التنفيذي لشركة إتش سي للأوراق المالية والاستثمار محمد متولي، يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «خفض حجم الدين للناتج المحلي هدف منطقي ولكن في ظل ارتفاع أسعار الفائدة على الدين وارتفاع تكلفة الدين كنسبة من الميزانية، وهو أمر يبعث على القلق، يصبح وضع خطة متوازية لخفض تكلفة الدين أمراً حتمياً». لكنه يضيف: «قد يكون وضع هدف بألا تزيد خدمة الدين عن 15 في المائة من حجم الميزانية خلال 4 سنوات أمراً منطقياً أيضاً».
وحسب البيان المالي لموازنة 2018 / 2019، من المستهدف أن يصل عجز الموازنة العامة للدولة 8.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وأن تصل تكاليف خدمة الدين 31.4 في المائة من المصروفات العامة.
- إلغاء عطاءات بيع أذون خزانة للتمويل
وصفت رضوى السويفي رئيس قسم البحوث ببنك الاستثمار فاروس، إدارة الإصلاح الاقتصادي في البلاد في ظل التقلبات الحالية في الأسواق الناشئة بـ«المعادلة الصعبة»، نظراً للضغوط التي نتجت عن تلك الأزمة وتؤثر بدورها على مصر.
ونظرا لخفض عجز الموازنة من خلال تخفيض قيمة خدمة الدين، بدأت وزارة المالية بإلغاء عطاءات لبيع أذون خزانة (أدوات الدين قصيرة الأجل لأقل من عام) نظرا لارتفاع الفائدة المطلوبة والتي اقتربت من 20 في المائة، ورغم أن وزير المالية قال وقتها إنه ليس هناك ما يجبر الوزارة على قبول فوائد مرتفعة في عطاءات أدوات الدين، وتشديده على أن إلغاء العطاءات بسبب ارتفاع العائد يثبت قدرة الحكومة على طرح أدوات دين سيادية حسبما تحتاج، دون قبول أي معدل فائدة يطلبه المستثمرون، فإن الوزارة باعت مؤخرا (في عطاء الاثنين الماضي) سندات خزانة لأجل 5 و10 سنوات بقيمة 1.25 مليار جنيه، على الرغم من الارتفاع المستمر للعائد والذي بلغ متوسطه لأجل 5 سنوات 18.41 في المائة، و18.37 في المائة لأجل 10 سنوات، وفقا لما أظهرته بيانات البنك المركزي المصري.
وأوضحت رضوى السويفي لـ«الشرق الأوسط» أنه نظراً للاحتياجات التمويلية قصيرة الآجل لمصر وارتفاع الفائدة في الأسواق الناشئة «عادت وزارة المالية لبيع عطاءات أذون خزانة بأسعار فائدة مقاربة لنفس الأسعار التي رفضتها في وقت سابق».
بنك الكويت الوطني أكد في مذكرة بحثية أنَّ تكلفة الاقتراض ارتفعت بصورة كبيرة على الحكومة المصرية، الأمر الذي دفعها لإلغاء عدد من العطاءات للسندات طويلة الأجل قبل قبولها الإعادة مرة أخرى.
وأوضح أن الفائدة على الأجلين 3 و7 سنوات جاءت متماثلة إلى حد كبير؛ نتيجة رفض جميع العروض للسندات أجل 7 سنوات الأعلى من الفائدة المدفوعة على 3 سنوات، مما يفسر تقارب مستويات العوائد رغم فجوة أجل الاستحقاق.
وأرجع ذلك إلى رغبة مزدوجة من الحكومة والمستثمرين في عدم ضخ اكتتابات طويلة الأجل، مشيراً إلى أنه بالتوازي مع ذلك، تسعى الحكومة لطرح سندات بالعملات الأجنبية في الأسواق الدولية، وتجهز لبعثة ترويجية إلى آسيا وأوروبا لاستكشاف فرص الدين المصري، وهو الأمر الذي حال نجاحه سيخفض متوسط الفوائد على الدين الحكومي.
تستهدف الحكومة الوصول بمتوسط سعر الفائدة على أدوات الدين الحكومية في موازنة 2018 - 2019 الحالية إلى نحو 14.7 في المائة، مقارنة مع 18.5 في المائة في السنة المالية 2017 - 2018 التي انتهت في 30 يونيو الماضي.
وتبلغ احتياجات مصر التمويلية في موازنة 2018 - 2019 نحو 714.6 مليار جنيه، منها 511.2 مليار في شكل أدوات دين محلية والباقي تمويلات خارجية من إصدار سندات وقرض صندوق النقد الدولي.
يقول شمس، عن تغيير تركيبة الدين من حيث آجال الاستحقاق، إنه «نظرا لارتفاع تكلفة الإقراض للأجل القصير، فمنحني العائد في مصر معكوس، بمعنى أن تكلفة الإقراض للآجال الطويلة أقل من الآجال القصيرة لأسباب خاصة بالسيولة المحلية ومخاطر التضخم على الأجل القصير». مما استدعى وزارة المالية الموافقة على البيع بنفس أسعار الفائدة تقريبا التي رفضتها سابقاً.
وتوقعت السويفي أن تصل مدة إعادة هيكلة تركيبة الديون في مصر من حيث آجال الاستحقاق وانخفاض نسبه إجمالي الدين للناتج المحلي إلى «عامين أو ثلاثة أعوام»، حتى تظهر نتائجها في الاقتصاد، متوقعة «انعكاسها على المؤشرات المالية خلال عام 2020».
وارتفع متوسط أسعار الفائدة على أدوات الدين عن المعدلات المفترضة؛ حيث ناهزت الفائدة على أذون الخزانة 19 في المائة، في ضوء ما تشهده الساحة العالمية من هروب لرؤوس الأموال متأثرة بما تشهده تركيا والأرجنتين، وبالتزامن مع اتجاه الفيدرالي الأميركي إلى تبني سياسة نقدية أكثر انكماشية (الاستمرار في رفع الفائدة).
- تقسيم الديون
ارتفع إجمالي الدين الخارجي لمصر إلى 92.64 مليار دولار في نهاية يونيو الماضي، بزيادة 17.2 في المائة على أساس سنوي. حسبما صرح مصطفى مدبولي رئيس الوزراء المصري.
كان الدين الخارجي لمصر بلغ 79.02 مليار دولار في نهاية يونيو العام الماضي، وارتفع إلى 88.2 مليار في نهاية مارس (آذار) الماضي.
وبلغت نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي 37.2 في المائة في نهاية السنة المالية 2017 - 2018، التي انتهت في يونيو الماضي. وارتفاع نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي يمكن أن يكون عبئاً على الاحتياطي النقدي وعلى الموارد الخارجية للبلاد.
ويصل صافي الاحتياطيات الأجنبية لمصر 44.459 مليار دولار بنهاية سبتمبر الماضي، مواصلاً ارتفاعه للشهر الثالث والعشرين على التوالي.
والسنوات الثلاث الماضية، زاد الاعتماد على أدوات الدين قصيرة الأجل (محليا أو خارجيا) مع تحرير سعر الصرف وما تبعه من ارتفاع هائل في مستويات الفائدة وبالتالي تكلفة خدمة الدين. فقد ارتفعت نسبة أذون الخزانة من 31 في المائة من إجمالي الدين العام المحلي في يونيو عام 2015، إلى 38 في المائة من الدين العام المحلي في يونيو 2017، بمعدل نمو 22.5 في المائة، فيما زاد معدل نمو سندات الخزانة 9.4 في المائة خلال الفترة نفسها.
وعلى صعيد الدين الخارجي، تزايدت نسبة الديون قصيرة الأجل من 9 في المائة من إجمالي الدين الخارجي في يونيو عام 2010، إلى 16 في المائة بنهاية يونيو 2017.
وأرجع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، زيادة حجم الدين الخارجي إلى «توسع الدولة في الاقتراض من الخارج خلال الفترة الماضية من أجل سد الفجوة التمويلية وحل أزمة نقص العملة الأجنبية في السوق».
وينقسم الدين الخارجي لمصر إلى 28.42 مليار دولار قروض من مؤسسات التمويل الدولية والإقليمية و17.4 مليار ودائع من السعودية والإمارات والكويت و14.28 مليار دولار سندات. كما يشمل 10.37 مليار دولار قروض ثنائية و9.89 مليار قروض وتسهيلات متوسطة وطويلة الأجل و12.28 مليار دولار مديونية قصيرة الأجل.
ويصل إجمالي الدين العام المحلي لمصر، وفقا للبنك المركزي، 3.53 تريليون جنيه بنهاية مارس الماضي، أي ما يمثل 86.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 3.41 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ما كان يمثل 83.8 في المائة من الناتج المحلي.
وعن التنسيق بين السياسة المالية والنقدية في البلاد، قال متولي إن «السياسة النقدية أصبحت الآن مقيدة بتطورات إقليمية ودولية لا يمكن تجاهلها ويترتب عليها إجراءات تؤثر على السياسة المالية». وأضاف: «من المتوقع أن نرى تباطؤاً في السياسة المالية التوسعية نتيجة السياسة النقدية الانكماشية وما تمثله من عبء ثقيل على ميزانية الدولة».
وأوضحت السويفي أن «نقطة توازن» هي ما تجمع السياسة النقدية والمالية في البلاد، في الوقت الحالي، نظراً لأن ارتفاع الفائدة يضغط على الموازنة، وانخفاض الفائدة يضغط على ميزان المدفوعات، وقد يُخرج السوق من التنافسية مع الأسواق الأخرى بالنسبة للاستثمارات في المحافظ المالية، وبالتالي «أتوقع ثبات أسعار الفائدة لوقت طويل قد يصل إلى عام، مع الأخذ في الاعتبار أزمة الأسواق الناشئة، والمعطيات المحلية».
- تقليل تكلفة التمويل ومخاطره
اتجاه المالية نحو أدوات الدين قصيرة الأجل يهدف إلى تحقيق أحد اعتبارات إدارة الدين العام والمتعلق بتقليل تكلفة التمويل، وهو أمر مطلوب مراعاته نظرا لانعكاس هذه التكلفة على مصروفات خدمة الدين في الموازنة العامة.
نائب الرئيس التنفيذي لشركة إتش سي محمد متولي، يقول هذا التغيير «تطور طبيعي ومنطقي في ظل حجم الدين والنسبة الكبيرة للديون قصيرة الأجل فيه مما يستوجب اتباع قواعد الإدارة الرشيدة للأصول والالتزامات بتنويع وإطالة آجال الاستحقاق».
وتوقعت رضوى السويفي نجاح خطة وزارة المالية في هيكلة الديون، نظراً لأن المستهدف في النمو أكبر من حجم الاحتياجات التمويلية التي تعتزم الحكومة الحصول عليها.
البيان المالي للموازنة العامة للعام المالي الحالي يشير إلى مخاطر ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكدا أن كل ارتفاع في معدل الفائدة بنسبة 1 في المائة يتسبب في ارتفاع عجز الموازنة بمقدار 4 - 5 مليار جنيه.
وأخطر ما يمثله الاعتماد على مصادر ديون قصيرة الأجل هو الحاجة إلى إيجاد مصادر تمويل سريعة لتسديد أقساط هذه الديون، خاصة في ظل تراجع النشاط الاقتصادي، الأمر الذي يزيد من أعباء الدين على صعيد الخدمة والسداد باللجوء إلى الاستدانة لسداد القروض.
لذلك جاءت أهمية مراعاة تركيبة الدين المحلي من حيث آجال الاستحقاق وأن يكون التمويل لأنشطة إنتاجية تستطيع تسديد أعباء الدين وخدمته في الأجل المناسب.
وقد صاحب الاعتماد على أدوات الدين قصيرة الأجل ارتفاع نسبة إجمالي الدين العام في مصر من 93.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في يونيو 2015 إلى 105.9 في المائة في مارس 2017، وكان جزء من الزيادة في الدين لتمويل أعباء ديون سابقة، مع ارتفاع خدمة الدين كنسبة من الناتج المحلي من 7.9 في المائة في موازنة 2014 / 2015 إلى 9.3 في المائة في موازنة 2017 / 2018.
- هروب الاستثمارات الأجنبية
خرج نحو 6.5 مليار دولار من مصر خلال 4 أشهر، مما ساهم في انخفاض قيمة استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية قصيرة الأجل، لتسجل 15.01 مليار دولار بنهاية يوليو (تموز) الماضي. وفقا لبيانات البنك المركزي المصري.
وتأتي تلك السحوبات لأول مرة منذ تعويم الجنيه في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2016، نتيجة الأزمة التي تواجه الأسواق الناشئة بسبب قوة الدولار والعقوبات الأميركية على تركيا، وتدهور الاقتصاد الأرجنتيني والفنزويلي.
ووفقا لتقرير البنك المركزي فقد سجلت استثمارات الأجانب في أذون الخزانة، ذروتها في مارس لتصل إلى 21.5 مليار دولار.
وتوقع معهد التمويل الدولي مؤخرا خروج نصف استثمارات الأجانب في محافظ الأوراق المالية بنهاية العام المالي الحالي لتسجل 9.5 مليار دولار مقابل 18.4 مليار دولار نهاية العام المالي الماضي.
المعهد يقول أيضا إن التراجع في تلك الاستثمارات قد يستمر حتى نهاية العام المالي 2020 لتنخفض إلى 6.2 مليار دولار، وإن ذلك سيكون بالتزامن مع زيادة طفيفة في التدفقات الداخلة من الاستثمار الأجنبي المباشر لتصل إلى 8.9 مليار دولار بنهاية العام بزيادة 600 مليون دولار على نهاية العام السابق.
وعن المخاطر التي قد تؤثر على مصر نتيجة أزمة الأسواق الناشئة، يقول متولي: «ارتفاع تكلفة إعادة التمويل بسبب ارتفاع سعر الفائدة على السندات الأميركية التي هي مرجع الأساس في تسعير الديون الجديدة لكل الدول والشركات»، وارتفاع تكلفة التمويل وانخفاض شهية المستثمرين الأجانب تجاه الأسواق الناشئة بوجه عام يزيد من عجز الحساب الجاري وقد يضع ضغوطا جديدة على سعر الفائدة وقيمة العملة».
ويضيف رئيس قطاع البحوث بالمجموعة المالية هيرميس، أحمد شمس، أن «أزمة الدين الخارجي للأسواق الناشئة أدت إلى هروب الاستثمارات الأجنبية من هذه الأسواق وانهيار لعملات تلك الدول»، موضحاً أن تأثير ذلك على مصر «يتلخص في استمرار أسعار الفائدة مرتفعة لوقت أطول مما كان متوقعا، وارتفاع تكلفة جزء من الدين الخارجي على مصر، حيث يزداد معامل المخاطرة مع خروج الأموال الساخنة في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار الفائدة على الدولار».
لكن شمس استبعد حدوث أزمة ديون في مصر، نتيجة تلك المعطيات، قائلا: «لا أعتقد بحدوث هذا (أزمة)، فالدين الخارجي لمصر رغم ارتفاعه مؤخراً (فإنه) ما زال في الحدود المقبولة (نحو 36 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) ونصفه تقريباً يأتي من مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بأسعار فائدة قليلة مقارنة بالدول التي اقترضت مباشرة من السوق».
كما استبعدت رضوى السويفي بلوغ حجم الديون في مصر حد الأزمة قائلة: «لا يوجد قلق في هذا الصدد»، مقارنة بالأسواق الناشئة المشابهة. موضحة أن «حجم الديون الخارجية لمصر كنسبة للناتج المحلي الإجمالي ما زالت في المناطق المقبولة والواقعية، خصوصا أن النسبة قصيرة الأجل لا تتعدى الـ20 في المائة».
بدأت مصر برنامج إصلاح اقتصادي، عام 2015، واتفقت مع صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 12 مليار دولار، يتطلب للحصول عليه إجراءات إصلاحية عنيفة، لكنه ركز أولاً على الإصلاح المالي، فيما يخص السياسة النقدية والمالية، لكن الإصلاح الاقتصادي المتمثل في هيكلة الجهاز الإداري للدولة وبنود الموازنة وزيادة الإنتاجية بالتركيز على الصناعة، ما زال المرحلة الأصعب. وعن نسبة عجز الموازنة ومستوى الدين في البلاد، يقول شمس إن «نسبة عجز الموازنة والتي نتوقعها في حدود الـ10 في المائة هذا العام ما زالت كبيرة مقارنة بمتوسط الأسواق الناشئة، وإن كانت قد تحسنت من 12 في المائة منذ عامين بعد برنامج الإصلاح المالي الذي اتبعته الحكومة».
تابع: «تستطيع الحكومة تمويل هذا العجز عن طريق السيولة المحلية وإن كان لهذا أثر سلبي على أسعار الفائدة والتمويل المتاح للقطاع الخاص».
إن التطورات التي تشهدها تكلفة الاقتراض الآن تستدعي من المالية مراجعة كافة مستهدفاتها فيما يخص عجز الموازنة والاحتياجات التمويلية، ودراسة كيف سيؤثر ذلك على أوجه الإنفاق المختلفة، خاصة وأن السنوات الثلاث الماضية قد شهدت تزايد نسبة مدفوعات خدمة الدين على حساب الإنفاق الاستثماري والأجور مما حمل السياسة المالية توجها انكماشيا، الأمر الذي يؤثر بدوره على أداء الاقتصاد الحقيقي.


مقالات ذات صلة

مصر تصدّر شحنة غاز طبيعي مسال إلى اليونان لصالح شركة «شل»

الاقتصاد سفينة «غازلوغ جيبرالتار» تحمل الغاز المسال من مجمع «إدكو للإسالة» متجهة إلى اليونان (وزارة البترول المصرية)

مصر تصدّر شحنة غاز طبيعي مسال إلى اليونان لصالح شركة «شل»

أعلنت وزارة البترول المصرية، السبت، تصدير شحنة جديدة من الغاز الطبيعي المسال، لصالح شركة «شل».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد حقل للغاز في الصحراء الغربية تابع لشركة بدر الدين (رئاسة الجمهورية)

مصر تعلن كشفاً جديداً للغاز بالصحراء الغربية

أعلنت وزارة البترول المصرية، السبت، عن تحقيق كشف جديد للغاز بمنطقة بالصحراء الغربية، بمعدل 16 مليون قدم مكعبة من الغاز و750 برميل متكثفات يومياً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد رئيس هيئة قناة السويس خلال استقباله المبعوث الإيطالي لمشروع الممر الاقتصادي الهند - الشرق الأوسط - أوروبا فرانسيسكو تالو (قناة السويس)

16 % زيادة في الملاحة بقناة السويس خلال شهر أكتوبر على أساس سنوي

قال رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، إن مؤشرات الملاحة بالقناة بدأت تتحسن مع عودة الهدوء إلى المنطقة، خلال شهر أكتوبر الماضي على أساس سنوي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد محطة تابعة لشركة «شيفرون» في تكساس (رويترز)

«شيفرون» تقترب من الحصول على الضوء الأخضر لتوسيع حقل «ليفياثان» الإسرائيلي للغاز

أعلنت شركة «شيفرون»، أنها تقترب من اتخاذ قرار استثماري نهائي بشأن الاستثمار في توسعة محتملة لحقل «ليفياثان» للغاز قبالة ساحل إسرائيل على البحر الأبيض المتوسط.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد أحد مشروعات «إعمار» في مصر (إكس)

«دله البركة» السعودية و«إعمار» تطلقان مشروعاً بالقاهرة باستثمارات 1.6 مليار دولار

وقّعت شركة «سملا وعلم الروم» للتنمية العمرانية، التابعة لشركة «دله البركة» السعودية، مع شركة «إعمار مصر»، اتفاقية شراكة لتطوير مشروع كبير بالقاهرة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

وزير السياحة السعودي: نستهدف سوقاً أوسع بعد التركيز على منتجعات فاخرة

منظر عام لمدينة الرياض خلال ساعة مبكرة من المساء (رويترز)
منظر عام لمدينة الرياض خلال ساعة مبكرة من المساء (رويترز)
TT

وزير السياحة السعودي: نستهدف سوقاً أوسع بعد التركيز على منتجعات فاخرة

منظر عام لمدينة الرياض خلال ساعة مبكرة من المساء (رويترز)
منظر عام لمدينة الرياض خلال ساعة مبكرة من المساء (رويترز)

قال وزير السياحة السعودي، أحمد الخطيب، إن المملكة تعمل على بناء خيارات سياحية للفئات المتوسطة وفوق المتوسطة، وتخطط لزيادة فرص الإقامة الفندقية للحجاج والمعتمرين بعد التركيز على تطوير منتجعات فاخرة بأسعار باهظة على مدى سنوات.

وأوضح الخطيب، وفقاً لـ«رويترز»: «بدأنا ببناء وجهات سياحية فاخرة للمسافرين الأثرياء. وبدأنا بالفعل في بناء وجهات للطبقة الوسطى والطبقة الوسطى العليا».

وأضاف على هامش مؤتمر السياحة السنوي للأمم المتحدة الذي تستضيفه الرياض لأول مرة: «لن نتجاهل هذه الشريحة».

وزير السياحة أحمد الخطيب (الشرق الأوسط)

ويُعد جذب السياح ركيزة أساسية في خطة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان «رؤية 2030» لتنويع اقتصاد المملكة. وبموجب الخطة، تستهدف السعودية جذب 150 مليون سائح سنوياً بحلول عام 2030، ثلثهم على الأقل من الخارج.

ومع وجود منتجعات فاخرة على ساحل البحر الأحمر تصل أسعارها إلى نحو 2000 دولار لليلة الواحدة، تقل الخيارات في الوقت الراهن أمام المسافرين من ذوي الدخول المتوسطة.

وقال الخطيب إنه من المقرر افتتاح 10 منتجعات جديدة خلال الأشهر المقبلة في جزيرة شيبارة بالبحر الأحمر ستقدم «أسعاراً أقل بكثير» من الخيارات الحالية، دون أن يكشف عن أي أرقام.

ولا تزال السياحة الدينية في صميم الخطط الاقتصادية للمملكة.

وقال الخطيب إن السعودية تخطط لزيادة عدد الحجاج والمعتمرين إلى 30 مليوناً بحلول عام 2030، وذلك بفضل عشرات الآلاف من الغرف الفندقية الجديدة.

وتتطلع المملكة أيضاً إلى تشجيع مواطني المنطقة على القدوم إلى المملكة، بما في ذلك عبر خطة لطرح تأشيرة لدول مجلس التعاون الخليجي مشابهة لتأشيرة «شنغن». وأضاف الخطيب أن ذلك قد يُتاح «في عام 2026 أو 2027 بحد أقصى».


ترمب يتحدث عن الذكاء الاصطناعي والفقاعة المحتملة

ترمب يتحدث خلال اجتماع مع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في غرفة مجلس الوزراء في البيت الأبيض 7 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
ترمب يتحدث خلال اجتماع مع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في غرفة مجلس الوزراء في البيت الأبيض 7 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

ترمب يتحدث عن الذكاء الاصطناعي والفقاعة المحتملة

ترمب يتحدث خلال اجتماع مع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في غرفة مجلس الوزراء في البيت الأبيض 7 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
ترمب يتحدث خلال اجتماع مع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في غرفة مجلس الوزراء في البيت الأبيض 7 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

أكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه لا يشعر بالقلق من احتمال وجود فقاعة في الأسواق المالية تحيط بشركات الذكاء الاصطناعي.

وقال رداً على سؤال لوكالة الصحافة الفرنسية، حول هذا الموضوع خلال استقباله رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في البيت الأبيض: «أنا أحب الذكاء الاصطناعي وأعتقد أنه سيكون مفيداً جداً».

وأضاف: «نحن متقدمون على الصين ومتقدمون على العالم في مجال الذكاء الاصطناعي»، ما يشير إلى المنافسة الاقتصادية والجيوسياسية التي تغذي طفرة الاستثمارات في هذا القطاع.

وتأتي تصريحات ترمب في الوقت الذي أظهرت فيه بورصة نيويورك علامات ضعف في الأيام الأخيرة، حيث تفاعلت بحذر مع ارتفاع تقييمات شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي العملاقة.

ويشعر الخبراء بالقلق من ارتفاع بعض القيم السوقية لشركات عملاقة بشكل كبير وسريع، في ظل مخاوف متزايدة بشأن قدرتها على تحمل التكاليف الباهظة لسباق الذكاء الاصطناعي.

وتجلى هذا التوتر، الخميس، في ظل تصريحات مربكة لشركة «أوبن إيه آي» حول طلب محتمل للحصول على دعم حكومي، قبل أن يتم التراجع عنها لاحقاً.

والجمعة، انخفض مؤشر ناسداك الذي يضم شركات التكنولوجيا بنسبة 1.17 في المائة ومؤشر ستاندرد آند بورز 500 الأوسع نطاقاً بنسبة 0.62 في المائة ومؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 0.39 في المائة.

وفي وول ستريت طغى اللون الأحمر على جميع التداولات المتعلقة بشركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، حيث شهدت أسهم عملاق الرقائق «إنفيديا» و«برودكوم» و«مايكروسوفت» انخفاضاً.

واعتبر أرنو مورفيليز، المدير في شركة «أوزيس جيستيون»، أن القطاعات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي حظيت بتقييمات مرتفعة و«من الضروري أن تنكمش ويجني المستثمرون بعض الأرباح قبل العودة إلى المسار الصحيح».

وأشار باتريك أوهير، المحلل في «بريفينغ دوت كوم» إلى أن «السوق يحاول حالياً تحديد ما إذا كان هذا التراجع في الزخم مجرد عملية تدعيم مرتبطة بجني الأرباح، أم بداية تصحيح أكثر أهمية يتعلق بتقييم» بعض الشركات.

ومن المتوقع أن يصل الإنفاق العالمي على الذكاء الاصطناعي إلى نحو 1.5 تريليون دولار في عام 2025، وفقاً لشركة «غارتنر» الأميركية، ثم إلى أكثر من تريليوني دولار في عام 2026، وهو ما يمثل قرابة 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.


ألمانيا تدرس إعادة النظر في السياسة التجارية مع الصين

الحي المالي في فرانكفورت (رويترز)
الحي المالي في فرانكفورت (رويترز)
TT

ألمانيا تدرس إعادة النظر في السياسة التجارية مع الصين

الحي المالي في فرانكفورت (رويترز)
الحي المالي في فرانكفورت (رويترز)

تعتزم الحكومة الائتلافية في ألمانيا مراجعة سياساتها التجارية تجاه الصين، التي تتضمن الطاقة وواردات المواد الخام والاستثمارات الصينية في البنية التحتية الحيوية في ألمانيا، كما ستشكل لجنةٌ من الخبراء لتقديم توصياتها إلى البرلمان.

تأتي هذه الخطة بعد تصاعد التوتر التجاري في الآونة الأخيرة بين ثاني وثالث أكبر اقتصادين في العالم. ويشير مقترح قدمه المحافظون بزعامة المستشار فريدريش ميرتس وشركاؤهم في الائتلاف الحكومي من الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وفقاً لـ«رويترز»، إلى أن اللجنة ستُعنى بدرس «العلاقات التجارية ذات الصلة بالأمن بين ألمانيا والصين» وتقديم توصياتها للحكومة.

ومن المرجح اعتماد الاقتراح يوم الجمعة المقبل، وسيجري تشكيل اللجنة بعد ذلك بوقت قصير. ومن المقرر أن تضم اللجنة نحو 12 من الأكاديميين وأعضاء النقابات الممثلة لقطاع الصناعة وممثلين عن العمال وأعضاء من مراكز الأبحاث.

وعلى مدى عقود، تعتبر ألمانيا، الصين، وهي بين المُصدرين الرئيسيين، حليفاً وثيقاً في الدفاع عن النظام التجاري العالمي المفتوح الذي أدى إلى ازدهار قطاع الصناعة الألماني.

لكن سلسلة من العراقيل دفعت برلين إلى مراجعة هذا التوجه، ومن بينها فرض الصين قيوداً على صادرات المعادن الاستراتيجية، الذي شكل مخاطر جسيمة على قطاع تصنيع السيارات الحيوي في ألمانيا.

ومن المقرر أن تقدم اللجنة الجديدة توصياتها إلى البرلمان مرتين سنوياً.

وجاء في الاقتراح أن «الهدف من تشكيل اللجنة هو دراسة مدى الحاجة إلى تعديل قواعد التجارة الخارجية من منظور قانوني واقتصادي وسياسي». وستراقب اللجنة أيضاً العلاقات التجارية بين الدول الأخرى والصين.

وأرجأ وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول، الشهر الماضي، زيارة إلى الصين في اللحظة الأخيرة بعد أن أكدت بكين عقد اجتماع واحد فقط من بين الاجتماعات التي طلبها.

وانتقد فاديفول في السابق القيود التي فرضتها الصين على صادرات المعادن الاستراتيجية ودعم بكين الضمني لروسيا في الحرب التي تشنها على أوكرانيا.