مقتل رابع أسير فلسطيني داخل السجون الإسرائيلية

سلطات الاحتلال تسن قوانين جديدة للتضييق على السجناء

TT

مقتل رابع أسير فلسطيني داخل السجون الإسرائيلية

للمرة الرابعة خلال سنة، أبلغت سلطات السجون الإسرائيلية عن مقتل أسير فلسطيني في سجونها، يدعى وسام عبد المجيد نايف شلالدة (28 عاماً)، من بلدة سعير في الخليل.
وجاء هذا الإعلان في وقت يستعد فيه جلعاد أردان، وزير الأمن الداخلي والمسؤول عن مصلحة السجون، لوضع إجراءات جديدة بهدف تشديد القبضة الحديدية على الأسرى، وسلبهم الكثير من الحقوق، التي أقرت لهم وفق القوانين الدولية، وبالاتفاق بين الأسرى وإدارات السجون.
وقال نادي الأسير الفلسطيني، أمس، إنه لا توجد معلومات دقيقة بشأن ظروف استشهاد الأسير شلالدة، سوى أنه كان في الآونة الأخيرة داخل معتقل «أيلون» في الرملة.
وكان شلالدة معتقلا في السجون الإسرائيلية منذ سنة 2015. بعد أن حكم عليه بالسّجن النافذ لسبع سنوات، قضى منها ثلاث سنوات، وهو متزوج وأب لأربعة أبناء.
وأكد نادي الأسير أن سلطات الاحتلال أبلغت عائلته صباح أمس بخبر استشهاده دون إعطائها أي تفاصيل، وطلبت منها التوجه إلى معهد الطب العدلي الحكومي «أبو كبير».
لكنه حمّل سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن استشهاد الشلالدة، معتبراً أن استمرار سلطات الاحتلال في جرائمها بحق الأسرى «هي مسؤولية المجتمع الدولي الذي يُمارس الصمت حيالها».
وأصبح الشلالدة رابع فلسطيني يتعرض للموت على يد القوات الإسرائيلية منذ مطلع العام الحالي. فمنذ شهر فبراير (شباط) قتل الشاب ياسين السراديح من أريحا بعد تعذيبه وإطلاق النار عليه من مسافة صفر عقب اعتقاله والاعتداء عليه، كما قتل الأسير عزيز عويسات من القدس في 19 من مايو (أيار) الماضي، بعد أن تعرض لعملية تعذيب على يد قوات «النحشون» داخل معتقلات الاحتلال، الأمر الذي تسبب في إصابته بجلطة لاحقاً، قبل أن يتم الإعلان عن استشهاده، إضافة إلى الشاب محمد زغلول الخطيب من رام الله، والذي استشهد نتيجة تعرضه للتعذيب أثناء عملية اعتقاله في 18 من سبتمبر (أيلول) الماضي، ليرتفع بذلك عدد «شهداء الحركة الأسيرة» منذ عام 1967 إلى 218 شهيداً حتى يومنا هذا.
لكن كل هذه الوقائع المؤلمة لم تردع اللجنة التي شكلها الوزير أردان، حيث أوصت بسلسلة إجراءات تسيء معاملة الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال، وهي الإجراءات التي اعتبرتها بعض الأوساط الإسرائيلية «تصعيدية ودراماتيكية»، لأنها تهدف إلى تقليص ظروف اعتقال الأسرى الفلسطينيين.
يذكر أنه سبق للوزير أردان أن أعلن في الـ13 من يونيو (حزيران) الماضي عن تشكيل لجنة لدراسة أوضاع الأسرى الفلسطينيين (الأمنيين). وحسب تعليمات الوزير نفسه، فقد عملت اللجنة منذ تشكيلها على دراسة أوضاع الأسرى الحالية داخل سجون الاحتلال، لتقدم توصيات تروم التضييق أكثر على الأسرى، وانتهاك المزيد من حقوقهم، ووضع طرق عمل لتقليص الامتيازات داخل سجونهم إلى الحد الأدنى.
وتتضمن التوصيات، التي كشفتها «شركة الأخبار» في القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، تقليص عدد الزيارات العائلية للأسرى الفلسطينيين للحد الأدنى، وإلغاء الفصل بين سجناء أسرى الفصائل المختلفة، حيث تم التركيز على احتجاز الأسرى داخل أجنحة مختلطة بهدف منع تجمع الأسرى المنتمين لذات الفصيل. كما أوصت اللجنة بمنع الأسرى من شراء منتجات اللحوم والأسماك والفاكهة، ومنتجات الخضار من خارج السجون، وإخلاء العنابر والمعتقلات والأقسام من أدوات المطبخ، ومنع الأسرى من طهي وجباتهم بأنفسهم، إضافة إلى تحديد نوعية القنوات التلفزيونية التي يسمح للأسرى بمتابعتها داخل سجون الاحتلال، وتقليص عددها.
ومن توصيات اللجنة أيضا إقفال مقاصف السجن (الكانتينا)، والتضييق على قيادات الحركة الأسيرة، وذلك بإلغاء منصب «الناطق باسم العنبر»، على أن يسمح فقط في بعض القضايا لممثل «الأسرى الأمنيين» بالتحدث نيابة عنهم.
وتعتبر هذه الإجراءات بمثابة إجهاض لعدد كبير من الحقوق، التي أحرزتها الحركة الأسيرة في إسرائيل عبر نضالات مريرة داخل السجون، بلغت حد الإضراب عن الطعام حتى الموت.
وكان آخر إضراب خاضته الحركة الأسيرة في أبريل (نيسان) عام 2017 من أجل حقوقهم الإنسانية، وقد سبقه 23 إضراباً جماعياً منذ عام 1967. وعشرات الإضرابات التي نفذت بشكل فردي أو جزئي.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.