سنوات السينما: Identificazione di una Donna (1982)

Identificazione di una Donna (1982)
أنطونيوني يبحث في هوية المرأة

يلخص العنوان، «هوية امرأة»، بعض سينما المخرج الإيطالي مايكل أنجلو أنطونيوني التي كثيراً ما عكست رغبته، وأحياناً رغبة أبطاله الرجال، معرفة الذات الأنثوية والبحث عن ماهية المرأة أو بالتحديد هويتها. على عكس فدريكو فلليني، الباحث الساخر في الموضوع ذاته، لا يميل أنطونيوني إلى الفانتازيا ولا إلى التاريخ البعيد ولا يأتي بشخصيات مرسومة كاريكاتيرياً، ولو أنها معالجة بفن السخرية في أفضل حالاته. يتجنب أنطونيوني النماذج الحادة، وعوضاً عنها يقدم حالات ذاتية واجتماعية تعكس أعماقاً إنسانية. كل فرد من أفراد أنطونيوني الرئيسيين، أو ربما غير الرئيسيين أيضاً، هو حالة قائمة بذاتها وقابلة للتصديق.‬
«هوية امرأة»‫هو عمق ذلك البحث. بطله نيكولو (توماس ميليان) مخرج أفلام، وصديقته «مافي» (دانييلا سيلفريو) هي المرأة التي يبحث عنها بعدما افتقدها. موضوع فيلمه القادم هو المرأة المثالية، وهو يريد عبره تحديد ماهية المرأة. لكن كيف يمكن له تحقيق فيلم عن المرأة المثالية إذا لم يكن يعلم مواصفاتها؟ من دون وعي، وفي عناء بحثه عن صديقته (نعلم منذ البداية أنه قد طلق زوجته حديثاً) ثم في عناء محاولة التعرف عليها من جديد وقد التقاها، يخلط نيكولو بينها وبين الشخصية المثالية التي يبحث عنها ثم يفقد اهتمام صديقته من جديد فيعود إلى دائرة البحث المفرغة.‬
في النهاية، يقلع المخرج نيكولو عن هذه المحاولة ويقرر تحقيق فيلم خيالي - علمي. نفى أنطونيوني أن يكون فيلمه هذا من نوع السيرة الذاتية وضعها في شخص بطله أو من وجهة نظره. على ذلك، فإن محرك البحث ذاتي، كون أنطونيوني سبق له وأن طرحه في أفلامه السابقة مثل «كسوف» و«الليل» و«المغامرة» و«الصحراء الحمراء» و«تكبير صورة» (Blow - Up). ‬
الفارق بين أنطونيوني وبطله نيكولو، أن الأول ملتزم بسرد واقعي محدد واهتماماته هي ذاتها في معظم ما حققه من أفلام. أما نيكولو فيعيش عالماً غير واقعي. والمشهد الذي يبدي لنا ذلك الخيط غير الواقعي أكثر من غيره هو الذي نراه فيه يبحث عن صديقته في مشهد على طريق منقطعة وكثيفة الضباب تمنعه من الرؤيا.
في المشاجرة التي يتم بعضها في ذلك الجو المضطرب - وقد سيطر عليه أنطونيوني سيطرة تامة مصمماً تنفيذاً مناسباً تماماً للحالة الماثلة - تكتشف هي ونكتشف نحن معها أن نيكولو يستغل اقترابها منه في سبيل إيجاد الشكل النسائي المناسب لفيلمه. الشكل وليس الصميم. إنه يبحث عن المرأة المثالية ويواجه فكرة إزالة الحواجز بين المرأة المهتمة به والمرأة التي يريدها لفيلمه. بمعنى أن «مافي» أرادته لنفسها وليس من أجل أن يجد فيها المرأة - الصورة. بعد مافي يتعرف على إيدا (كرستين بوسون) المثيرة للاهتمام بدورها كونها تصبو لأن تصبح امرأة أخرى لكنها لا تدري أي امرأة تريد أن تصبح. هذه تكتشف أن نيكولو هو أقل استقراراً منها.
يرفض نيكولو أن يكون ضحية هذا الوضع، لكنه ضحية شاء أم أبى. في المشهد الأول نراه يعاني من آثار زواجه السابق عندما يحاول دخول شقته، فإذا بصفارة الإنذار التي وضعتها زوجته ضد اللصوص تنطلق لأنه أساء طريقة فتح الباب. إنه مشهد رمزي لا يقبل التأويل. لاحقاً يعاني من مطاردته لمافي ومحاولة التقرب منها ثم من إيدا التي تتركه لضياعه.‬
مثل «نقطة زابرسكي» و«المهنة: مخبر صحافي» وغيرها من أعمال أنطونيوني السابقة، فإن «هوية امرأة» فيلم عن محاولة رجل الخروج من ذاته بحثاً عن المرأة المناسبة في أكثر من رمز، ومثل تلك الأفلام الأخرى يرفع أنطونيوني الموضوع إلى مستوى الهاجس الشخصي في الوقت الذي يقدم فيلماً يدعو للتمعن مرة ويدعو للتمعن أكثر في كل مرة لاحقة.