الروائي المغربي عبد الكريم جويطي: الرواية صارت «حمار الإبداع»

قال إن كل ما يتمناه الكاتب هو أن يذكره القراء ولو بنص واحد

عبد الكريم جويطي
عبد الكريم جويطي
TT

الروائي المغربي عبد الكريم جويطي: الرواية صارت «حمار الإبداع»

عبد الكريم جويطي
عبد الكريم جويطي

في هذا الحوار، يتأسف الكاتب المغربي عبد الكريم جويطي على واقع الثقافة والمثقفين في بلده، فهو يرى أنه «لا مكان للمثقف في مغرب اليوم، ولا أحد يريد سماع صوته».
واعتبر جويطي أن «الإقبال على الرواية كتابة وقراءة لا يعني أنها انتصرت، في العالم العربي، على الشعر»، مبرراً وجهة نظره، بقوله إن «الذات العربية تتذوق الشعر أكثر من الرواية وتتفاعل مع الغنائية أكثر من التحليل».
وفيما يلي نص الحوار:

> حققت رواية «المغاربة» حضوراً قوياً، مغربياً وعربياً. ألا تتخوف من أن تكون حالتها شبيهة بـ«الخبز الحافي» لمحمد شكري و«موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح، بحيث تغطي على سابق ولاحق أعمالك، فيقترن اسمك بها دون باقي الإبداعات؟
- الكاتب لا يتحكم في قدر نصوصه. ما إن يخرج النص من بين يديه حتى يختط لنفسه مساراً خاصاً. قد تنال رواية ما اهتماماً كبيراً وتتعدد طبعاتها ويواكبها النقد، وقد لا ينتبه أحد لنص عميق ومجدد. كتبت كل نصوصي بالإخلاص نفسه والجهد أيضاً. وأعتز بها جميعاً، خصوصاً رواية «كتيبة الخراب» التي هناك من يفضلها على رواية «المغاربة». تكتب آلاف النصوص، وكل ما يتمناه الكاتب هو أن يذكره القراء ولو بنص واحد. ما يقتل الكاتب هو النسيان والتجاهل. أتمنى أن تصمد رواية «المغاربة» وألا يكون الاهتمام بها عابراً، وأن تجد فيها الأجيال القادمة ما هو جدير بالقراءة. منذ بدأت الكتابة وأنا أطور مشروعي بصبر وعناء، ومع كل نص جديد أغنم مساحة جديدة في الخيال واللغة. بإمكاني أن أكتب أفضل مما كتبت، ولن أسمح لرواية «المغاربة» بأن تغتالني.
> عبر مسؤولون وسياسيون مغاربة عن إعجابهم برواية «المغاربة». هل يمكن أن يغير عمل أدبي في أداء وطريقة اشتغال مسؤول أو سياسي في البلد؟
- يعاب على الفاعل السياسي الحالي، بصفة عامة، خلو خطابه من مرجعية ثقافية. نادراً ما تتم الإحالة على كتاب في نقاش سياسي. نادراً ما يستشهد سياسي بقول أو فكرة لكاتب أو مفكر. هذه إحدى مظاهر تهافت الخطاب السياسي ولوكه الفراغ. نعم، قرأ البعض منهم «المغاربة»، وأسعدني ذلك، لأن واقع المغاربة لا يوجد في الحواري والأزقة، بل يوجد، أيضاً، في النصوص المتخيلة: في الرواية والقصة والمسرح والسينما والفنون التشكيلية. يوجد في تعبيرات المغاربة عما يقلقهم ويشغل بالهم. على الحياة السياسية في المغرب أن تلد سياسيين لهم مرجعية ثقافية رصينة ولهم معرفة بتاريخ المغرب وصيرورته الحضارية، مع اطلاع على ما يجري في العالم من أفكار. كانت لنا نماذج من هؤلاء في الماضي البعيد والقريب. في الحركة الوطنية وفي اليسار بمختلف تلويناته، لكننا صرنا نفتقدها اليوم.
> عبرت رواية «المغاربة» عن «الهوية المركبة» للمغاربة. كيف تتعامل مع ثنائية دارجة - فصحى على صعيد الكتابة الروائية؟
- المسألة اللغوية في المغرب من القضايا الشائكة جداً، إن لم نحسن التعامل معها فسنزيد انقساماً آخر على الانقسامات الكبيرة التي نعاني منها. هناك تساكن وتلاقح بين العربية الفصحى والدارجة منذ قرون. كان لكل واحدة منهما مجالها، ولكل فرد نصيب منهما. وكان الانتقال بينهما يتم بيسر وسلاسة ما جعل المغاربة يبدعون. والإبداع، كما تعرف، هو أرقى ممارسة داخل لغة معينة، بالفصحى والدارجة، بل ابتدع المغاربة لغة ثالثة هي مزيج بين الفصحى والعامية نجد أبلغ نماذجها في «الملحون»، مثلاً. لم يحس المغاربة، في الماضي، بأن هناك معضلة لغوية ينبغي حلها. ماذا حدث اليوم؟ أعتقد أن ظاهر النقاش لغوي وعمقه سياسي. صار المغرب، منذ مدة غير يسيرة، يعيش تمفصلاً ضارياً بين مشروعين حضاريين وسياسيين؛ مشروع اللوبي الفرنكوفوني المتنفذ اقتصادياً وسياسياً ولغوياً، الذي يريد فصل المغرب ثقافياً ولغوياً عن امتداده الحضاري، ومشروع الإسلام السياسي بكل أشكاله الذي يرى أن المغرب جزء لا يتجزأ من الأمة ويسري عليه ما يسري على كل جزء فيها، ولهذا ينبغي قتل كل خصوصية لفائدة الوحدة. يمكنك العودة للنقاش الجاري، ستجد أن المسألة اللغوية ليست سوى مجال من مجالات صراع المشروعين. للأسف، الصوت الثالث ضعيف ولا يمتلك الوسائل والكتائب التي يمتلكها المشروعان المذكوران. حين كنت بصدد كتابة رواية «زغاريد الموت»، اشتغلت على الدارجة المحلية وفوجئت لكون معظم الكلمات التي تستعمل عربية أصيلة، يمكن العثور عليها في «لسان العرب». ومن يومها لا أتردد في استعمال كلمة دارجة حين أحس بأنها تفي بالغرض. تنتمي الدارجة لمجال الشفوي، وهو عالم قائم بذاته ولا علاقة له مع عالم اللغة المكتوبة. إن لم نفهم أن الشفوي شيء والمكتوب شيء، سنرتكب كوارث وفي أحسن الأحوال سيتمخض الجبل ويلد فأراً.
> تنطلق، في أغلب أعمالك، من البيئة المحلية. كيف تعيش هذا الاختيار في زمن العولمة والتكنولوجيات الحديثة؟
- لا يملك الكاتب إلا ما يعرف حقاً. والعالم يوجد أمام عتبة البيت. لم أسافر كثيراً كما تعرف. قضيت حياتي في الحيز نفسه الذي أدين له بكل شيء: لغتي خيالي ورؤيتي للعالم. أحس بأن حياة واحدة لا تكفي لأكتب كل ما يخطر ببالي. لا تعني العولمة الذوبان وفقدان الخصوصية. والأدب، عموماً، من المقاومين الكبار. ينتصر الأدب الحقيقي، دوماً، للمختلف والشاذ ويتصدى للآلية العمياء التي تحملها العولمة في أحشائها: جعل البشر سواسية، متساوين في كل شيء، وقتل المختلف لفائدة الشبيه. منذ رواية «ليل الشمس»، وأنا أكتب عن هذا الحيز الجغرافي الصغير الذي ولدت فيه، وأجد في كل مرة أنه يعيش التراجيديات الكبرى للبشرية.
> على ذكر الحيز الجغرافي الصغير والتراجيديات الكبرى للبشرية، وسعت، في رواية «المغاربة»، من الحيز الجغرافي لـ«محاكمة» بلد بناسه، ماضيه وحاضره. هل يمكن القول إن نجاح هذه الرواية يكمن في أن المغاربة رأوا حقيقتهم في مرآة عمل روائي؟
- لا أعرف لماذا ازدهرت في تاريخ المغرب الحضاري الرحلة والتصوف، مع أن علاقة كل واحد منهما بالمكان عابرة. البلد نفسه الذي أعطى ابن بطوطة وغيره أعطى متصوفة لا يستقرون في مكان. المغرب بلد السياحة في الأرض. لماذا علاقتنا بالمكان متوترة؟ لماذا نعيش تبرماً مزمناً في علاقتنا مع أمكنتنا؟ لقد حاولت أن أكتب رواية أرى فيها وجهي أنا بالأساس. كتبتها بصدق وجرأة. وقد أحس القراء المغاربة بهذا. وبكل صدق، لم أكن أتصور أبداً أن النص سيحوز المكانة والشهرة والإقبال الكبير الذي حظي به.
> هناك من يتحدث عن استسهال وإقبال زائد على كتابة الرواية ونشرها في العالم العربي، في غياب «الحد الأدنى من المعرفة والقدرة على فحص النتاج»...
- كما يقال عن الرجز «حمار الشعراء»، بالإمكان القول إن الرواية صارت «حمار الإبداع». هناك نزوح جماعي نحو الرواية وهذا يدل، في نظري، على الدخول المتأخر للثقافة العربية لأزمنة الحداثة التي قوامها صعود المدينة وذوبان القبيلة وسيطرة القيمة التبادلية على القيمة الاستعمالية وانتصار التشييء. غير أن هذا الدخول ما زال عسيراً ومتعثراً بحيث إن إنجازات التحديث تتم بنوع من التلفيق المحزن. والمثير للسخرية أنه سرعان ما تفقد المدينة العربية كل مكتسباتها وإنجازاتها، ولنا في حالات بيروت ودمشق وبغداد والقاهرة والدار البيضاء نماذج واضحة على قدرة القوى التي قتلتها الحداثة أن تنبعث من جديد وتحكم قبضتها على المدن من جديد. أفكر في القبيلة والمذهب والطائفة. تكتب الرواية العربية، اليوم، في واقع مضطرب، يعرف نكوصاً مهولاً نحو الماضي. وقد يتأتى تهافت بعض النصوص من عدم وضوح الرؤية لهذا الواقع المعقد جداً وعدم التسلح بالمعرفة اللازمة التي تقتضيها كتابة الرواية. قد يكتب الشعر وثقافة صاحبه هزيلة، أما الرواية فتتطلب مجهوداً معرفياً كبيراً. كبار كتاب الرواية كانوا دوماً قراء كباراً، لذا تجد في رواياتهم خيالاً، ولكنك تجد، أيضاً، معرفة بدواخل النفس البشرية وتأملات فلسفية وملاحظات يمكن إدراجها في الأنثروبولوجيا أو السوسيولوجيا. لا يعني الإقبال على الرواية كتابة وقراءة أنها انتصرت في العالم العربي على الشعر. ما زلت أعتقد أن الذات العربية تتذوق الشعر أكثر من الرواية وتتفاعل مع الغنائية أكثر من التحليل وترى نفسها في الملحمة ولا تراها في نثرية عوالم الرواية.
> ما مقياس نجاح عمل روائي، من وجهة نظرك؟ ومن له حق تقييمه والحكم عليه؟
- هناك نجاحات عابرة مثل الفقاعات، لا ينبغي التوقف عندها. وهناك نجاحات تقاوم الزمن، وهذا هو المطلوب. على النص الجيد أن يمتلك ما يتعذر سبره. حيز من السحر والغموض يتحدى الزمن، ومثلما قرأت أجيال بشغفٍ النص في الماضي تجد الأجيال الحالية والمستقبلية الشغف نفسه والمتعة أيضاً. يرى خوان غويتيسولو أن أفضل مقياس لقياس نجاح عمل معين هو تحريكه لرغبة دائمة في إعادة قراءته. النص الذي لا تعاد قراءته لا يعتد به. عموماً نشهد، حالياً، خفوت الصوت النقدي وسطوة وسائل التواصل الاجتماعي التي يملك فيها الكل حق الكلمة وحق تقويم النصوص. داخل اللغط يمكنك أن تجد رأياً حصيفاً، كما يمكنك أن تجد إعلاء لنص ركيك وجعله من الروائع.
> هل يُسهم تناسل جوائز الرواية العربية سلباً أم إيجاباً في تأكيد حضور وتطور الراوية العربية؟
- لا تناسلَ للجوائز في الحياة الثقافية العربية. الجوائز قليلة جداً. ففي فرنسا وحدها هناك أكثر من 400 جائزة تحتفي بالأدب في مختلف أشكاله. تبقى الجوائز من الآليات الكبرى للتعريف بأدب ما، وللتحفيز على القراءة. الكاتب الحقيقي يكتب لحاجة وجودية ولا يضع جائزة ما هدفاً له. ومثلما تجذب حلاوة جائزة ما نحلاً، فهي تجذب، أيضاً، أسراباً من الذباب. بقدر ما لعبت بعض الجوائز العربية دوراً مهماً في لفت الأنظار لنصوص معينة وفي تكريس الرواية جنساً مهيمناً في الأدب العربي، أثارت لغطاً كثيراً وجانبت الصواب في اختيار نصوص معينة. وهذا هو واقع الأدب وواقع عالم عربي مأزوم ومتخبط. جوائزنا تشبهنا، فيها كل أعطابنا وفيها بعض بوارق أمل.
> هناك من يتحدث عن تراجع دور المثقف المغربي، مقارنة بالستينات والسبعينات وحتى الثمانينات. كيف ترى وضع الثقافة والمثقفين ودرجة تأثيرهم في حاضر البلد، بشكل خاص؟
- سياق الستينات والسبعينات ليس هو السياق الحالي. كان المثقف، آنذاك، منخرطاً في مشروع الحركة الوطنية في شقها اليساري. وكان معظم الكتاب أعضاء فاعلين في الأحزاب السياسية، وكانت الثقافة أحد مجالات إدارة الصراع ضد السلطة. علماً أن هذه الأخيرة كانت عاجزة عن خلق تيار ثقافي مساند لها. الأمور تغيرت كثيراً. الأحزاب تآكلت من الداخل، ومعظمها لا مشروع له. تشابهت البرامج واللغة والمفاهيم المستعملة، وصرت تحس بأن السياسة في المغرب صارت تمارس دون مرجعية ثقافية. لا مكان للمثقف في مغرب اليوم، ولا أحد يريد سماع صوته. فقد ملأ مكانه التكنوقراطي الذي يقدم حلولاً آنية لمشكلات عويصة تتطلب بعد نظر. قد يحقق التكنوقراطي نجاحات، لكنها مؤقتة ومفعولها سريع الزوال.



القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
TT

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

عاماً بعد عام وبدأب وطموح كبيرين يُثبت معرض فن أبوظبي مكانه في خارطة المعارض الفنية العربية، وهذا العام احتفل بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم في مقره بجزيرة السعديات الملتفة برداء الفنون. التجول في أروقة المعرض الفني يحمل الكثير من المتعة البصرية والفنية، نعيد مشاهدة أعمال لفنانين كبار، ونكتشف أعمالاً لم نرها من قبل لفنانين آخرين، ونكتشف في وسط ذلك النجوم الصاعدة. ولم يختلف الوضع هذا العام بل أضاف أقساماً جديدة ليستكشف الزائر من خلالها أعمالاً فنية بعضها عتيق وبعضها حديث، من الأقسام الجديدة هناك «صالون مقتني الفنون» و«فن جريء، فن جديد» و«طريق الحرير، الهويات المتبادلة» إضافة إلى معرض منفصل من مجموعة فرجام عن الفن الحديث والتحرر من الاستعمار سنعود له لاحقاً.

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

صالون مقتني الفنون

يُعد إضافة مميزة لنسخة هذا العام، ويعرض المخطوطات والأسطرلابات والتحف التاريخية والكتب النادرة بتنظيم من روكسان زند. نطلق الجولة من غرفة أنيقة حملت جدرانها خريطة ضخمة أحاط بها من اليمين واليسار قطعتان مثبتتان على الحائط، ونقرأ أنها كانت تُستخدم لحمل العمامة في العهد العثماني، في كوات حائطية نرى أطباقاً من الخزف أحدها يعود للقرن الـ16، ويصور فارساً عربياً على صهوة جواده، وفي أخرى إبريق ذهبي اللون يعود للعهد العثماني. في جناح «شابيرو للكتب النادرة» من بريطانيا نرى نسخاً من مصاحف تاريخية مزخرفة ومذهبة بجمال وحرفة لا تتخطاها العين، ما يجذب الزائر هو أن الكتب والمصاحف كلها في متناول اليد مفتوحة الصفحات ومنتظمة في عرض جميل.

مصاحف أثرية (الشرق الأوسط)

تستعرض القائمة على العرض بعض القطع المميزة، وتقول: «إنها المرة الأولى التي نشارك فيها في معرض أبوظبي. نعرض بعض المخطوطات والكتب النادرة من متجرنا في لندن، منها صفحة من مصحف بالخط الحجازي يعود للقرن السابع، وبعض المصاحف المصغرة أحدها يعود للقرن الـ19». وعن الأسعار تقول إنها تتراوح ما بين آلاف الدولارات لبعض اللوحات التي تعود لعهد الحملة الفرنسية على مصر، أما المصاحف فتتراوح أسعارها حسب تاريخها ونسبة مالكيها السابقين، كمثال تشير إلى نسخة تعود لبلاد فارس في القرن الـ16 سعرها 335 ألف دولار، وصحائف من القرآن تتراوح أسعارها ما بين 20 و30 ألف دولار. هنا أكثر من مثال للمصاحف المصغرة منها مصحف مكتوب بدقة متناهية بالذهب على أوراق خضراء اللون مشكلة على نحو ورق الشجر، وبجانبه نرى مصحفاً مصغراً آخر محفوظاً في علبة ذهبية تتوسطها عدسة مكبرة. الكتابة دقيقة جداً، وهو ما يفسر وجود العدسة المكبرة، تقول: «هذا المصحف ليس مكتوباً باليد مثل المصاحف الأخرى هنا، بل مطبوع من قبل دار نشر في غلاسكو في عام 1900 باستخدام تقنية جديدة للطباعة الفوتوغرافية. ومثل هذا النوع من المصاحف المصغرة كانت تطبع لاستخدام الجنود البريطانيين المسلمين في الحرب العالمية الأولى، وكانوا يرتدونها معلقة في قلائد كتعويذة، يقدر سعر المصحف بـ3.5 ألف دولار أما المصحف على هيئة ورقة الشجر فيقدر سعره بـ40 ألف دولار.

مصحف مصغر مطبوع في غلاسكو عام 1900

نمر على «غاليري آري جان» الذي يعرض لوحات المستشرقين من القرن الـ19، ومنها أعمال جاك ماجوريل، ثم نصل إلى جناح «كتب دانيال كاروش النادرة» الذي يعرض مكتبة تضم أكثر من 500 ألبوم صور تحتوي على صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي الأوسع. هنا نرى مجموعة من الصور النادرة المكبرة معروضة على كامل الحائط، من ضمنها صور من الجزيرة العربية قديماً، بعضها لأشخاص مشهورين مثل الرحالة غيرترود بيل ولورانس العرب، وغيرها لأشخاص لا نعرف أسماءهم، نرى أيضاً صوراً للكعبة المكرمة وصوراً عامة لأشخاص يرتدون الزي العربي. في الصدارة مجموعة من المجلدات، يقول عنها المشرف على الجناح إنها المجموعة الكاملة التي تضم 33 ألف صورة من 350 ألبوماً، يقول: «إنَّ المجموعة تعود لسيدة من لندن تُدْعَى جيني ألزوث، وإنها جمعت الصور على مدى 25 إلى 30 عاماً. الشيء المثير للاهتمام في هذه المجموعة هو أنها تعبّر عن لمحات من الحياة اليومية في الجزيرة العربية التقطها زوار أوروبيون بريطانيون على مدار 130 عاماً».

صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي

يضيف محدثنا أن الصور لم تنشر من قبل، «نأمل أن تقدم هذه الصور سرداً لتاريخ المنطقة لم يوثقه أحد من قبل»، ويقدر سعرها بمبلغ 2 مليون دولار.

ولفت جناح دار «كسكينار - كنت آنتيكس» الأنظار إليه بمجسم لحصان وضع عليه سرج صُنع للسلطان العثماني سليم الثالث (1789-1807) ومزين بـ1036 شكلاً مذهباً، منها أكثر من 500 نجمة فضية، وكل نجمة يصل وزنها إلى 11 غراماً تقريباً، ويصل سعر السرج إلى 3 ملايين دولار.

«فن جريء، فن جديد»

«فن جريء، فن جديد»، بإشراف ميرنا عياد، يعيد عرض أعمال لفنانين مهمين كان لهم أدوار محورية في تاريخ الفن في المنطقة. من خلاله تستعرض صالات من تونس ومصر وفلسطين ولبنان والمملكة العربية السعودية وإيران وفرنسا، مجموعة ملهمة من أعمال الفن الحديث لفنانين وفنانات رواد من أوائل الستينات، وحتى أوائل الثمانينات»، وفي هذا الإطار نستمتع بنماذج رفيعة لرواد أمثال إنجي أفلاطون من مصر ونبيل نحاس من لبنان وسامي المرزوقي من السعودية وغيرهم. الأعمال المعروضة في هذا القسم لها ألق خاص فهي تعيد فنانين حفروا أسماءهم في تاريخ الفنون في بلادهم، وفي الوطن العربي بعضهم انحسرت عنه أضواء السوق الفنية، وأعادها العرض مرة أخرى لدائرة الضوء.

عمل للفنانة المصرية إنجي أفلاطون (الشرق الأوسط)

في «غاليري ون» نرى أعمالاً للفنانة الأردنية الفلسطينية نبيلة حلمي (1940-2011)، يصف موقع المتحف الوطني الأردني أسلوب الفنانة الراحلة بأنه خليط من «الكولاج والألوان المائية والحبر الصيني. تتميز أعمالها الزيتية بشفافية حالمة وعفوية، فيها تجريد تعبيري يتسم بالغموض والنضج الفني». نرى هنا نماذج لأعمالها، ونتحدث مع المشرف على القاعة عنها، يقول إنَّ الفنانة لها أعمال في متاحف عالمية وعربية، ولكنها قليلة في السوق التجارية. الفنانة الثانية هي إميلي فانوس عازر (فلسطينية، مواليد الرملة عام 1949)، ويعرض لها الغاليري أكثر من عمل منها بورتريه لامرأة تنظر إلى الأمام بينما عقدت ذراعيها أمامها، العمل يجبر الزائر على التوقف أمامه والتأمل فيما يمكن أن تخفيه تلك المرأة خلف نظرتها الواثقة والعزيمة التي تنبعث منها.

بورتريه للفنانة إميلي فانوس عازر (الشرق الأوسط)

من مصر يقدم «أوبونتو آرت غاليري» المشارك للمرة الأولى عدداً من أعمال الفنان المصري إيهاب شاكر (1933-2017)، المألوفة للعين، فالفنان له خطوط مميزة رأيناها في أعمال الكاريكاتير التي نشرها في الصحف المصرية. يقول المسؤول عن الغاليري إن شاكر انتقل للعمل في مسرح العرائس مع شقيقه ناجي شاكر قبل أن يسافر إلى فرنسا في عام 1968 حيث عمل في مجال أفلام الرسوم المتحركة، ونال عدداً من الجوائز عن أحد أفلامه. تلفتنا تعبيرات شاكر التي تحمل عناصر شعبية مصرية يقول عنها محدثنا إنَّها تبعث البهجة، ويشير إلى أن الحس الموسيقي يميز أعمال الفنان أيضاً، ويظهر ذلك في الوحدة والتناغم بين العناصر، ويؤكد أن «لديه خطوطاً مختلفة عن أي فنان آخر».

من أعمال الفنان إيهاب شاكر (الشرق الأوسط)

 

في «غاليري بركات» من بيروت نجد مجموعة من الأعمال المتنوعة ما بين اللوحات والمنحوتات الخشبية والبرونزية، يتحدث معنا صالح بركات مالك الغاليري عن الأعمال المعروضة، ويبدأ بالإشارة لعمل ضخم من البرونز للفنان معتصم الكبيسي يمثل أشخاصاً يتهامسون: «يعكس خلفيات المسرح السياسي، الكل يتهامس، وما لا يقال قد يكون أكثر أهمية مما يقال». للفنان جوزف الحوراني منحوتات خشبية تحمل كتابات بالخط العربي، تنتظم ببراعة، وتتضافر في تشكيلات خشبية مدهشة تجعلنا ندور حولها، ونحاول قراءة الجمل المكتوبة، ومنها «مصائب قوم عند قوم فوائد» و«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ». «عبقرية!» يصفها صالح بركات، ويتحدث عن الخط العربي ونقله للعالم المعاصر: «أنا اليوم يعنيني أن نحافظ على تراثنا بطريقة عصرية. نريد أن نأخذ تراثنا للمستقبل».

من أعمال الفنان العراقي سيروان باران (الشرق الأوسط)

ينتقل إلى عملين للفنان سروان بهما الكثير من الحركة، نرى أشخاصاً يتحركون في اتجاهات مختلفة، يحملون حقائب وأمتعة، ليست حركة مرحة بل متعجلة، يعلق: «الفنان لا يتحدث فقط عمّن يرحل، بل أيضاً عمّن يعود، حالات ذهاب وعودة وضياع».

 

الفن السعودي حاضر

عبر مشاركات في «غاليري أثر» و«غاليري حافظ» نرى عدداً من الأعمال الفنية السعودية المميزة، فيعرض «غاليري أثر» مجموعة من أعمال الفنانة المبدعة أسماء باهميم تفيض بالحيوانات الأسطورية وقصص من الخيال مرسومة على الورق الذي تصنعه الفنانة بيدها. للفنانة باهميم هنا مجموعتان جذابتان: «ملاحظات في الوقت» و«فانتازيا». تستكشف الأخيرة الفروق الدقيقة والتعقيدات في سرد القصص. وتتعمق «ملاحظات في الوقت»، وهي سلسلة أحدث، في الفولكلور العربي، وتفحص الأدوار الجنسانية في الحكايات التقليدية وتأثيرها اللاحق على الهوية الثقافية.

من أعمال الفنانة أسماء باهميم (الشرق الأوسط)

كما يقدم «أثر» عدداً من أعمال رامي فاروق الفنية وسلسلة للفنانة سارة عبدو بعنوان «الآن بعد أن فقدتك في أحلامي، أين نلتقي». أما «غاليري حافظ» فيقدم صالتين تتضمنان أعمال مجموعة من الفنانين المعاصرين والحديثين، فيقدم عدداً من أعمال الفنان سامي المرزوقي تتميز بألوانها وخطوطها التجريدية. وفي قسم الفن المعاصر يعرض أعمال الفنانة بشائر هوساوي، التي تستمد فنونها من بيئتها الغنية وذاكرتها البصرية العميقة، باستخدام مواد طبيعية مثل النخيل، وتعبر عن موضوعات مثل الانتماء، والحنين، والهوية الإنسانية المتغيرة. بجانبها يستعرض سليمان السالم أعماله التي تتعمق في الطبيعة الزائلة للوجود. باستخدام تقنيات الطباعة العدسية والفيديو ووسائط أخرى، تستكشف أعماله التفاعل بين الشعور والإدراك والتواصل الإنساني.