رؤى واسعة وإمكانات محدودة للمنتدى الإقليمي للاتحاد من أجل المتوسط

موغيريني: وظيفته ليست إيجاد حلول للأزمات والحروب

الأمين العام الجديد للاتحاد ناصر كامل يشارك في المنتدى الإقليمي الوزاري الثالث للاتحاد من أجل المتوسط (إ.ب.أ)
الأمين العام الجديد للاتحاد ناصر كامل يشارك في المنتدى الإقليمي الوزاري الثالث للاتحاد من أجل المتوسط (إ.ب.أ)
TT

رؤى واسعة وإمكانات محدودة للمنتدى الإقليمي للاتحاد من أجل المتوسط

الأمين العام الجديد للاتحاد ناصر كامل يشارك في المنتدى الإقليمي الوزاري الثالث للاتحاد من أجل المتوسط (إ.ب.أ)
الأمين العام الجديد للاتحاد ناصر كامل يشارك في المنتدى الإقليمي الوزاري الثالث للاتحاد من أجل المتوسط (إ.ب.أ)

استضافت مدينة برشلونة الإسبانية، أول من أمس، المنتدى الإقليمي الوزاري الثالث للاتحاد من أجل المتوسط الذي حضره ممثلو 43 دولة عضواٌ، بينهم وزراء خارجية خمسة بلدان عربية (مصر، الأردن، المغرب، فلسطين وموريتانيا) وأمين عام الجامعة العربية و6 بلدان أوروبية (إسبانيا، اليونان، مالطا، قبرص، النمسا وألبانيا)، إضافة إلى ممثلين عن الاتحاد الأوروبي (المفوضية والرئاسة) ومنظمات دولية أخرى. وللمرة الأولى شارك الأمين العام الجديد للاتحاد ناصر كامل في هذا الاجتماع الرئيسي للبلدان الأعضاء الذي جاء بمناسبة العيد العاشر لانطلاقته في عام 2008. وجرى الاجتماع تحت الرئاسة المشتركة للاتحاد الأوروبي ممثلة بنائبة رئيس المفوضية و«وزيرة» خارجية أوروبا فيدريكا موغيريني وأيمن الصفدي وزير خارجية الأردن.
المنتدى وفر فرصة مهمة للنظر فيما حققه الاتحاد من أجل المتوسط في السنوات العشر الماضية وما لم يحققه. وفي حين ترغب فرنسا في إعادة النظر في صيغته وهي لهذا الغرض سوف تدعو لقمة متوسطية بداية الصيف المقبل في مدينة مرسيليا، إلا أن مستوى تمثيلها كان منخفضاً للغاية وكانت أيضاً هذه حال إيطاليا وألمانيا، بينما حضر وزير خارجية إسبانيا جوزيف بوريل.
رغم العثرات والعقبات، ما زال الاتحاد من أجل المتوسط بنية قائمة، بل إن موغيريني اعتبرت أنه «فضاء ومحفل استثنائي» للحوار بين الاتحاد الأوروبي والعالم المتوسطي حول الأمن والاستقرار والتنمية الإنسانية والاندماج الاقتصادي، مضيفة أن «أهداف الطرفين ورؤاهما مشتركة». وذهب الصفدي في الاتجاه عينه ليؤكد أن الاتحاد «يمثل آلية مشتركة لمواجهة التحديات من أجل أجنده للأمن والسلام وتخطي الأزمات»، إضافة إلى ما يمكن أن يقوم به في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.
في هذا السياق، عرض أمين عام الاتحاد «إنجازاته» في السنوات العشر الماضية رغم الصعوبات التي عانى منها بسبب النزاع الفلسطيني ــ الإسرائيلي أو بسبب تتمات «الربيع العربي» واندلاع الحروب والأزمات على الضفتين الجنوبية والشرقية للمتوسط. ومن إنجازات الاتحاد إطلاق جامعتين متخصصتين في مدينة فاس المغربية وفي العاصمة السلوفانية، وتسهيل ولادة 800 شركة متوسطة وصغرى وتوفير التأهيل المهني وتبادل الخبرات وتمكين الشباب والمرأة من الدخول إلى سوق العمل، إضافة إلى المشروع الرئيسي الذي وصل إلى مراحله الأخيرة وهو مصنع لتحلية مياه البحر في غزة لتوفير المياه لنحو مليوني مواطن فلسطيني. وللإشارة، فإن مؤتمر مواز عقد إلى جانب المنتدى وكرس لمبادرة الاتحاد المسماة «مبادرة المتوسط من أجل العمالة» وقد ضم العشرات من الاختصاصيين وأصحاب العلاقة للبحث فيما أنجز على هذا الصعيد وتبادل الخبرات والتجارب.
من بين البلدان الأوروبية كافة، تبدو إسبانيا الأكثر انخراطاً في دفع المشروع المتوسطي. وقال وزير خارجيتها، إن الاتحاد «يهم ما لا يقل عن 700 مليون شخص» يعيشون في بلدانه، وبالتالي يتعين توفير «انطلاقة جديدة له» بعد أن عرف مرحلة من السبات بسبب أزمات الشرق الأوسط. ومن مؤشرات ضعف الاتحاد، المستوى المنخفض للتبادل البيني بين بلدان الجنوب الذي لا يتخطى نسبة واحد في المائة، بينما التبادل بين الضفتين يقف عند حدود الـ9 في المائة. وهذه النسب تتعين مقارنتها بنسبة 90 في المائة من المبادلات الأوروبية التي تتم بين البلدان الأوروبية نفسها. وأشار الوزير الإسباني إلى «الاختلالات» المعروفة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية بين جناحي الاتحاد. ورغم ذلك، دعا بوريل إلى التمسك بالاتحاد وحث الطرف الأووربي على الاستمرار في العمل المشترك «رغم صعوبة المرحلة».
الواقع، أن كثيرين هم الذين يرون أنه «لم يكن على مستوى الآمال» التي علقت عليه خصوصاً في المجال السياسي، والدليل على ذلك ما تعرفه خاصرتاه الجنوبية والشرقية من حروب وأزمات عناوينها سوريا وليبيا والإرهاب والهجرات المكثفة باتجاه الشواطئ الأوروبية. والرد على ذلك جاء على لسان موغيريني التي قالت إن إيجاد الحلول للحروب والأزمات «ليست من اختصاص الاتحاد». لكنه يلعب في هذا السياق دوراً بشكل غير مباشر، بمعنى أنه، من جهة، يشكل «محفلاً للحوار السياسي والنقاش البنّاء للموضوعات المتصلة بتعزيز الاستقرار في المنطقة». ومن جهة ثانية، فإنه يعمل للاستقرار من خلال السعي للارتقاء بالمستوى المعيشي والتنمية البشرية أكان ذلك عبر التعليم والتأهيل العلمي والوظيفي والتدريب والتوظيف. بيد أن لوزير خارجية الأردن الذي تتقاسم بلاده دور الرئاسة المشتركة مع الاتحاد الأوروبي رأياً متمايزاً. فهو يؤكد، من جانب، أن المجتمعين من على ضفتي المتوسط «راغبون في العمل معاً» لتحقيق أهداف هذه المنظمة الإقليمية التي تضم 43 دولة. ومن جانب آخر، يعتبر أن ما يتعين التركيز عليه هو «معالجة جذور الأزمات» السياسية والاقتصادية التي تنهش المنطقة، وأن المعالجة الاقتصادية وحدها لا تكفي. وفيما يشبه قرع ناقوس الخطر، أشار الصفدي إلى «التداخل بين ضفتي المتوسط في السلم والازدهار». وفي نظره، أن التقدم الاقتصادي وحده «لا يأتي بالحلول للأزمات ولا يحول دون العنف». ونقل صورة قاتمة، لكنها واقعية لما تعاني منه المنطقة: ففي فلسطين: «الوضع يدفع إلى اليأس» وفي سوريا «مأساة متواصلة منذ سبع سنوات» وفي ليبيا ثمة «حاجة إلى حل شامل متكامل»، إضافة إلى ملفات الهجرة والبيئة والإرهاب والتنمية والعمالة.
المعضلة تكمن في أن الجميع متفقون على تشخيص الوضع الذي يبدو لكثيرين كارثياً. والجميع متفقون على ما يتعين القيام. لكن ما بين التشخيص والنظر في الحلول والانتقال إلى العمل بها مسافات ضوئية لا يقدر الاتحاد على اجتيازها. لذا؛ فإن رعاته يستبدلون الطموحات الأولية بإطلاق مشروعات عملية للتعاون الإقليمي يمكن السير بها رغم العراقيل والصعوبات بانتظار أن يتغير السياق ومعه الظروف.



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».