الثورة الهادئة لأوناي إيمري تؤتي ثمارها في آرسنال

شهد نادي آرسنال تغييراً هائلاً تحت قيادة المدير الفني الإسباني أوناي إيمري الذي تولى قيادة الفريق خلفاً للفرنسي آرسين فينغر.
يقول حارس مرمى آرسنال بيتر تشيك: «لقد بدأنا من الصفر مع المدير الفني الجديد»، واتفق الظهير الأيمن للفريق هيكتور بيليرين مع تصريحات تشيك قائلاً: «أشعر كأنني ألعب في نادٍ جديد».
ويبدو أن الشيء الوحيد الذي بقي في آرسنال من عصر فينغر هو جدران النادي فقط! ومن المؤكد أن إيمري ليس من نوعية المديرين الفنيين الذين يُحدثون ثورات هائلة في الأماكن التي يعملون بها، لكن من الواضح أيضاً أن هناك تناقضاً واضحاً بين شخصيته وطريقة عمله بالمقارنة بشخصية وطريقة عمل فينغر، وهو ما جعل الأمر يبدو كأن إيمري قد أحدث ثورة هائلة في آرسنال فور توليه قيادة الفريق.
وأصبح هناك اختلاف كبير في كل شيء داخل النادي، من حيث التدريبات والاستعداد للمباريات والتواصل والعقلية وطريقة العمل على تطوير قدرات وإمكانيات اللاعبين.
والأهم من ذلك أنه أصبح هناك شعور جيد داخل غرفة خلع الملابس. ونعلم جميعاً ما الذي كان سيحدث لو خسر آرسنال أول مباراتين له في بداية الموسم تحت قيادة فينغر، لكن عندما خسر الفريق مباراتين متتاليتين تحت قيادة إيمري -أمام مانشستر سيتي وتشيلسي- لم يكن هناك أي شعور بالذعر والقلق داخل النادي.
وبالمثل، عندما حقق المدفعجية الفوز في 9 مباريات متتالية في جميع البطولات لم نرَ الجميع يهرع لوصف إيمري بأنه أفضل مدير فني في العالم! لقد أصبح هناك قدر كبير من التوازن والتفاؤل الهادئ، وربما يكون ذلك نتيجة لردود الفعل المبالغ فيها خلال الجزء الأخير من ولاية فينغر.
لم يتمكن الناس حتى الآن من تكوين انطباع واضح حول إيمري، خصوصاً أنه لا يقول أي شيء في مؤتمراته الصحافية، وبالتالي لا يعطيهم فرصة للحكم على شخصيته، التي لا تزال مجهولة للكثيرين ممن يشعرون بأنه يفعل كل شيء وفق حسابات دقيقة للغاية. ويحاول الناس الآن اكتشاف شخصيته وطريقة عمله، لكنه في هذه الأثناء يعمل في صمت ويبذل قصارى جهده من أجل الفريق.
هذا هو ما يفعله إيمري دائماً منذ أول عمل له في مجال التدريب عندما تولى قيادة نادي لوركا ديبورتيفا في دوري الدرجة الثانية في إسبانيا في موسم 2004-2005. وقال إيمري ذات مرة: «لست من نوعية المديرين الفنيين الذين يقومون بتمرينات بسيطة في التدريبات ثم يطلب من اللاعبين العودة للمنزل لتناول وجبة الغداء».
وأضاف: «كنت لاعباً في دوري الدرجة الثانية، وكان يتعين عليّ العمل بكل قوة. دائماً ما أقول للاعبين: سوف نسقط في اللحظة التي نتوقف فيها عن العمل الجاد وعن تخصيص ساعات لهذا العمل».
ولا يكتفي إيمري بالعمل الجاد فحسب، لكنه يهتمّ بأدق التفاصيل للدرجة التي تجعله دائماً ما يجري التدريب الأخير في اليوم السابق للمباراة في نفس توقيت المباراة، أو في أقرب وقت ممكن لانطلاق المباراة إذا كانت ستُلعب ليلاً. وقبل المباريات التي يخوضها الفريق على ملعبه، يُجري إيمري التدريب الأخير في اليوم السابق للمباراة على ملعب الإمارات.
وتتسم الحصص التدريبية لإيمري بالتركيز على الجوانب الخططية والتكتيكية بقدر أكبر مما كان يحدث في ولاية فينغر، كما يعمل جاهداً على تعليم لاعبيه كيفية الاعتماد على الضغط العالي على الفريق المنافس كوحدة واحدة وبشكل جماعي.
وتتلخص الفكرة التي يعتمد عليها إيمري في أن يجعل لاعبيه يحفظون مهامهم الخططية داخل الملعب عن ظهر قلب ويعرفوا الخيارات المتاحة أمامهم وأعينهم مغلقة. إنه يريد أن «يخلق تفوقاً» لفريقه داخل الملعب، أو بعبارة أخرى يريد أن يكون فريقه متفوقاً من الناحية العددية بلاعب في أماكن محددة داخل الملعب، وبالتالي فإنه يحب اللاعبين الذين يجيدون اللعب في أكثر من مركز.
ويمكن الجزم بأن آرسنال تحت قيادة إيمري لن يلجأ أبداً إلى الكرات الطويلة، لأنه يفضل دائماً بناء الهجمات من الخلف للأمام ويعتمد دائماً على وجود هيكل واضح للفريق. ولذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل اللاعبون الذين لا يبذلون الجهد الكافي داخل الملعب ولا يتسم أداؤهم بالثبات مثل آرون رامزي يناسبون طريقة عمل إيمري؟ وللإجابة عن هذا السؤال يجب أن نعرف أن آرسنال قد سحب عرضه لتمديد عقد اللاعب!
لقد كان فينغر يعطي أولوية لتعبير اللاعبين عن أنفسهم بحرية داخل الملعب، وكانت الانتقادات المعتادة التي توجَّه إليه هو أنه لا يعطي أهمية للفرق المنافسة.
لقد كان فينغر يهتم في المقام الأول والأخير بما يتعين على فريقه القيام به وليس على ما يقوم به الفريق المنافس، وكان يلعب بطريقة آرسنال المعتادة. لقد كان فينغر مقتنعاً دائماً بأن هذه الطريقة سوف تنجح في نهاية المطاف، لكنها فشلت ولم يجد البديل المناسب لها.
أما إيمري فيتميز بأنه أكثر مرونة، وقد أثبت خلال الأسابيع الأولى للموسم الحالي من الدوري الإنجليزي الممتاز أنه قادر على مساعدة فريقه على تغيير مجريات اللقاء حتى لو بدأ بشكل سيئ، وخير دليل على ذلك المباراة التي فاز فيها آرسنال على إيفرتون بهدفين دون رد قبل أسبوعين، حيث ظهر آرسنال بشكل سيئ للغاية في الشوط الأول وكان من الممكن أن يخرج من هذا الشوط مهزوماً لولا تألق حارسه بيتر تشيك الذي أنقذ أكثر من فرصة محققة وساعد الفريق على الخروج بنتيجة سلبية في الشوط الأول.
وبين شوطي المباراة أجرى إيمري بعض التغييرات التي أتت بثمارها. وقال المدير الفني الإسباني: «كنا نتمركز بشكل أفضل في الوضع الهجومي وساعد بعضنا بعضاً بشكل أفضل». وكانت الانتقادات التي وُجهت إلى إيمري تتمثل في عدم قدرته على التفوق على الفريق المنافس منذ البداية، لكن هذه الانتقادات تحمل في طياتها إشادة بإيمري، لأن بداية الفريق بشكل سيئ ثم النجاح في العودة إلى مجريات اللقاء والتفوق في شوط المباراة الثاني وتحقيق الفوز في نهاية المطاف يعني أن إيمري يقرأ المباريات بشكل جيد، وهذه في الحقيقة إحدى نقاط قوته.
وتشير الإحصائيات إلى أن آرسنال أحرز 14 هدفاً من الـ19 هدفاً التي أحرزها في الدوري الإنجليزي الممتاز في الشوط الثاني من المباريات.
ويمكن القول إن إيمري شخص دقيق للغاية يهتم بأدق التفاصيل، كما أنه يضع الخطة التي سيلعب بها فريقه بناءً على نقاط القوة والضعف في الفريق المنافس، ويعتمد في ذلك على تحليل المباريات بالفيديو، ويبدأ الاستعداد للمباراة الجديدة بشرح لمدة ساعة لأداء فريقه في المباراة السابقة.
ويستخدم إيمري شاشة كبيرة لشرح كل خطأ من الأخطاء التي ارتكبها لاعبوه في المباريات السابقة، كما يركز أيضاً على إبراز النقاط الإيجابية لفريقه. ويشرح إيمري للاعبيه الخيارات التي اتخذوها في المباريات السابقة ولماذا يكون هذا الخيار أفضل من ذاك، حيث يقول لهم: «لو مررت الكرة هنا فسوف تفتح مساحة في هذه المنطقة، كما أن زميلك كان يقف في هذا المكان من أجل أن تمرّر له، وهكذا».
وبعد نهاية المباراة، يحصل اللاعبون على الإحصائيات الخاصة بأدائهم في المباراة، كما يعقد إيمري جلسة فيديو للاعبين لمدة ساعة لإخبارهم بكل المعلومات اللازمة عن الفريق المنافس ونقاط القوة والضعف به.
وفي الأندية التي كان يعمل بها في السابق، كان إيمري هو من يقوم بإعداد مقاطع الفيديو بنفسه. وقال المدير الفني الإسباني في عام 2015 عندما كان يتولى تدريب نادي إشبيلية: «في كل مباراة نلعبها، ربما أقضي نحو 12 ساعة في العمل على مقاطع الفيديو وحدها. ويتعين على اللاعبين أن يفهموا في ساعة واحدة كل ما رأيته أنت خلال 12 ساعة». وقال اللاعب الإسباني خواكين، الذي لعب تحت قيادة إيمري في فالنسيا: «لقد أعدّ العديد من مقاطع الفيديو عن الطريقة التي أركض بها داخل الملعب. إنه مهووس بكرة القدم».
وقد طلب إيمري أن يتناول جميع لاعبي الفريق وجبة الغداء معاً، وأشار إلى أن بابه مفتوح دائماً لأي لاعب يريد أن يتحدث معه، وأنه سيتحدث في كل شيء «بوضوح». وعلاوة على ذلك، طلب إيمري من النادي أن يُجري فحوصات دم منتظمة لجميع اللاعبين وإخبارهم بالنتائج بالتفصيل.
ورغم كل ذلك، تظل النتائج التي يحققها الفريق داخل الملعب هي المعيار الوحيد للنجاح، لكنّ إيمري لديه قوة دفع هائلة على جميع الأصعدة، وبدأ عمله الدؤوب يؤتي ثماره بالفعل.