معرض فني يعيد الحياة إلى «فندق صوفر الكبير»

البريطاني توم يونغ ينبش ذاكرة اللبنانيين

واجهة قصر صوفر في جبل لبنان (إ.ب.أ)
واجهة قصر صوفر في جبل لبنان (إ.ب.أ)
TT

معرض فني يعيد الحياة إلى «فندق صوفر الكبير»

واجهة قصر صوفر في جبل لبنان (إ.ب.أ)
واجهة قصر صوفر في جبل لبنان (إ.ب.أ)

يستمر فندق صوفر الكبير في استقبال زوّاره، الذين يتوافدون من كل المناطق اللبنانية حتّى الرابع عشر من الشهر الجاري، لمشاهدة المعرض الفني الذي يضم رسومات لمحطات مهمة من تاريخ الفندق بتوقيع الرسام البريطاني توم يونغ. الفندق الذي شيّد في عام 1892 يعد تحفة معمارية تعود ملكيتها لعائلة سرسق، وكان من أهم الفنادق في الشرق الأوسط في مطلع القرن العشرين.
يشير رودريغ كوكرون، أحد ورثة الفندق، حفيد ألفرد موسى سرسق، وابن إيفون سرسق في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنّه قرّر ترميم الطابق السفلي من المبنى التاريخي من أجل إعادة الحياة لهذا المكان المغلق منذ الحرب الأهلية، ولمنطقة صوفر التي تملك خاصية في تاريخ منطقة جبل لبنان. ويلفت كوكرون إلى أنّ مصاريف ترميم الفندق بأكمله باهظة، والعمل على مشاريع جديدة فيه، يهدف أيضاً إلى الحصول على الأموال من أجل استكمال ما يتبقى، غير أنّه يستبعد عودة المكان إلى فندق، بل من الممكن أن يتم تحويله إلى جامعة أو مستشفى أو مكان للاحتفال بالأعراس.
يعبّر كوكرون عن سعادته العارمة بنجاح المعرض، والجماهيرية الكبيرة التي يحصدها، ويعد بأنّه سيكون هناك الكثير من الحفلات والمناسبات الموسيقية والثقافية التي ستعيد الصرح الكبير إلى الخريطة السياحية في لبنان من جديد.
تشعر خلال حديثك مع الرسام البريطاني توم يونغ أنك تجلس مع أحد أبناء منطقة صوفر، خصوصاً مع إتقانه اللغة العربية، والشغف الكبير الذي يتحدث به عن المكان التاريخي.
يخبرنا توم بدايةً عن ولعه بالمباني التاريخية وكيفية تأثيرها على عمله، حيث كانت له مجموعة من النشاطات المشابهة في العاصمة اللبنانية بيروت، مثل بيت الزهر في رأس بيروت في عام 2014، وفيلا بارادبيس في عام 2015، ودار البستاني في مار مخايل، وغيرها. ويشير إلى أنّ علاقة صداقة تربطه برودريغ كوكرون، أحد مالكي فندق صوفر الكبير، الذي شاهد أعماله في بيروت، ووجّه إليه دعوة للقيام بذلك في هذا المكان الذي أغلق أبوابه منذ بداية الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1975.
40 لوحة يضمّها المعرض، إضافةً إلى محتويات قديمة نجت من النهب والسرقة والقصف تُعرض هنا لتعيد الحياة إلى هذا الفندق الذي ارتاده المشاهير والجنرالات، كذلك نجد وثائق وأوراق تمثل أرشيفاً تاريخياً. معظم الأعمال مستوحاة من الحياة التي دارت هنا أو في ذاك العصر الذهبي، من قصص حقيقية. نجد في لوحة نجوم الفن المصري الكبار بينهم عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وفريد الأطرش. في لوحة أخرى نرى أمين الريحاني، وفي لوحة غيرها جواً بهيجاً من الرقص والسهر والترف في ذلك الزمن الجميل، وكذلك نرى رجالات الاستقلال في لبنان في إحدى اللوحات المعروضة، وكذلك للممثل الكبير عمر الشريف في هذا المعرض حصة.
«أخذ الأمر بعض الوقت قبل العمل فعلياً على المعرض، بسبب ترميم المكان وتحضيره بالشكل المطلوب، حتّى يكون أيضاً آمناً لرواد المعرض». وعن سبب إصراره على الرسم داخل مكان المعرض الذي يحضّر له، يجيب: «أريد دوماً أن أستوحي من المكان، وحين أكون في داخله أشعر بأنني أنقل الصورة كما هي، والتأثير الكبير الذي يمكنه أن يحدث للوحاتي».
يلفت توم إلى أنّه يعرف المكان من زيارته الأولى للبنان في عام 2006، ولكنه دخله للمرة الأولى بعد الترميم، ليبدأ العمل على الرسومات داخل الفندق منذ فبراير (شباط) الماضي، حيث كان البرد يلفّ المكان، ويحيط بالمنطقة الجبلية، غير أنّ المتعة الكبيرة التي شعر بها كانت سبباً يزيده دفئاً وحماسة للمعرض الذي يحضّر له.
لم يكتفِ يونغ بذلك، بل عمل على قراءة العديد من الأعمال الأدبية عن الفندق، يذكر منها عمل لأمين الريحاني، إلى جانب تعاطيه وقربه من أهل صوفر الذين ساعدوه بقوّة في هذا النشاط، وكان لهم الفضل في جعله يتعرف عن كثب على تاريخ المنطقة بصورة عامة، والفندق بصورة خاصة.
وبهذا تعود الأضواء من جديد وبعد أكثر من 44 عاماً إلى فندق شهد على أهم المحطات التاريخية في لبنان، فكان مقر جمال باشا خلال الانتداب العثماني، وتمّ فيه أول اجتماع بين الفرنسيين والإنجليز في الحرب العالمية الثانية، والاجتماع العربي الذي انبثقت عنه اللجنة العربية العسكرية المشتركة عام 1944 والتي شكّلت النواة لقيام جامعة الدول العربية، ليس هذا فحسب ففندق صوفر كان محطة دائمة لأهم فناني القرن العشرين، أمثال أم كلثوم، وعمر الشريف، وصباح، ومحمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ، وليلى مراد، وغيرهم.



«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
TT

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)

وجدت دراسة جديدة، أجراها فريق من الباحثين في كلية الطب بجامعة نورث وسترن الأميركية، أن الأجزاء الأكثر تطوراً وتقدماً في الدماغ البشري الداعمة للتفاعلات الاجتماعية -تسمى بالشبكة المعرفية الاجتماعية- متصلة بجزء قديم من الدماغ يسمى اللوزة، وهي على اتصال باستمرار مع تلك الشبكة.

يشار إلى اللوزة تُعرف أيضاً باسم «دماغ السحلية»، ومن الأمثلة الكلاسيكية لنشاطها الاستجابة الفسيولوجية والعاطفية لشخص يرى أفعى؛ حيث يصاب بالذعر، ويشعر بتسارع ضربات القلب، وتعرّق راحة اليد.

لكن الباحثين قالوا إن اللوزة تفعل أشياء أخرى أكثر تأثيراً في حياتنا.

ومن ذلك ما نمر به أحياناً عند لقاء بعض الأصدقاء، فبعد لحظات من مغادرة لقاء مع الأصدقاء، يمتلئ دماغك فجأة بأفكار تتداخل معاً حول ما كان يُفكر فيه الآخرون عنك: «هل يعتقدون أنني تحدثت كثيراً؟»، «هل أزعجتهم نكاتي؟»، «هل كانوا يقضون وقتاً ممتعاً من غيري؟»، إنها مشاعر القلق والمخاوف نفسها، ولكن في إطار اجتماعي.

وهو ما علّق عليه رودريغو براغا، الأستاذ المساعد في علم الأعصاب بكلية فاينبرغ للطب، جامعة نورث وسترن، قائلاً: «نقضي كثيراً من الوقت في التساؤل، ما الذي يشعر به هذا الشخص، أو يفكر فيه؟ هل قلت شيئاً أزعجه؟».

وأوضح في بيان صحافي صادر الجمعة: «أن الأجزاء التي تسمح لنا بالقيام بذلك توجد في مناطق الدماغ البشري، التي توسعت مؤخراً عبر مسيرة تطورنا البشري. في الأساس، أنت تضع نفسك في عقل شخص آخر، وتستنتج ما يفكر فيه، في حين لا يمكنك معرفة ذلك حقّاً».

ووفق نتائج الدراسة الجديدة، التي نُشرت الجمعة في مجلة «ساينس أدفانسز»، فإن اللوزة الدماغية، بداخلها جزء محدد يُسمى النواة الوسطى، وهو مهم جدّاً للسلوكيات الاجتماعية.

كانت هذه الدراسة هي الأولى التي أظهرت أن النواة الوسطى للوزة الدماغية متصلة بمناطق الشبكة المعرفية الاجتماعية التي تشارك في التفكير في الآخرين.

لم يكن هذا ممكناً إلا بفضل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وهي تقنية تصوير دماغ غير جراحية، تقيس نشاط الدماغ من خلال اكتشاف التغيرات في مستويات الأكسجين في الدم.

وقد مكّنت هذه المسوحات عالية الدقة العلماء من رؤية تفاصيل الشبكة المعرفية الاجتماعية التي لم يتم اكتشافها مطلقاً في مسوحات الدماغ ذات الدقة المنخفضة.

ويساعد هذا الارتباط باللوزة الدماغية في تشكيل وظيفة الشبكة المعرفية الاجتماعية من خلال منحها إمكانية الوصول إلى دور اللوزة الدماغية في معالجة مشاعرنا ومخاوفنا عاطفياً.

قالت دونيسا إدموندز، مرشح الدكتوراه في علم الأعصاب بمختبر «براغا» في نورث وسترن: «من أكثر الأشياء إثارة هو أننا تمكنا من تحديد مناطق الشبكة التي لم نتمكن من رؤيتها من قبل».

وأضافت أن «القلق والاكتئاب ينطويان على فرط نشاط اللوزة الدماغية، الذي يمكن أن يسهم في الاستجابات العاطفية المفرطة وضعف التنظيم العاطفي».

وأوضحت: «من خلال معرفتنا بأن اللوزة الدماغية متصلة بمناطق أخرى من الدماغ، ربما بعضها أقرب إلى الجمجمة، ما يسهل معه استهدافها، يمكن لتقنيات التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة استهداف اللوزة الدماغية، ومن ثم الحد من هذا النشاط وإحداث تأثير إيجابي فيما يتعلق بالاستجابات المفرطة لمشاعر الخوف والقلق».