سنوات السينما

(1963) The Birds
هيتشكوك وثورة الطيور
في مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1961 أنجز الكاتب (البوليسي عادةً) إيفان هنتر، سيناريو فيلم «الطيور». في الثلاثين من الشهر ذاته بعث المخرج ألفرد هيتشكوك إلى الكاتب برسالة بثّه فيها ملاحظاته على السيناريو. فهو اعتبره طويلاً، خصوصاً في نصفه الأول، ويشكو ضعفاً في تطوّر شخصياته (خصوصاً شخصيتي بطليه). الرسالة مضت وانتقدت مشاهد اعتبرها هيتشكوك لا داعي لها. ليست أكثر من وصلات بين المشاهد، وهو أمر كان هيتشكوك يرفضه. «مشاهد لا شكل لها» كما كتب في رسالته إلى السيناريست. كان هنتر كتب أعمالاً مختلفة لهيتشكوك، لكن الأرجح هو أن الموضوع هنا (قصة حب مفاجئة في بلدة على ساحل كاليفورنيا الشمالي على خلفية هجوم مفاجئ لطيور النورس والغربان) كان أكبر من أن يستطيع هنتر، وآخرون، جعله صالحاً لفيلم هيتشكوكي.
الفيلم، بالنسبة إلى هيتشكوك، كان عليه أن يأتي مثيراً منذ البداية وإلى النهاية. الفيلم الذي يفشل في ذلك هو من خارج سرابه. التشويق عليه أن يكون منتشراً من البداية وإلى النهاية من دون تراجع. وإذا ما شاهدنا «الطيور» من جديد ندرك مقصد هيتشكوك بل مدرسته كلها. هنتر استجاب للملاحظات وغيّر في نصّه لكن هيتشكوك هو من أضاف تلك اللقطات المأخوذة للنورس وهي تقف قريبة تتطلع إلى بشر القرية كضحايا قريباً ما ستنقض عليهم من دون تبرير معروف.
يفتح المخرج على شارع في بلدة قريبة من سان فرانسيسكو والناس ينظرون إلى أعلى. هناك شيء يزعجها في سماء المدينة. ما الذي يمكن أن يكون؟ هي لا تدري، لكن المشاهد الذي يعرف عنوان الفيلم ينتظر من تلك الطيور أن تقْدم على شيء مريع. هو لا يعرف كنهه حقيقةً ولا توقيته ولا حتى أسبابه. بذور تلك اللقطة، حيث ينظر الناس إلى السماء متعجبين، موجودة في فيلم هيتشكوك الثاني عشر «جريمة» (1930) الذي هو تحفته الأولى (بدأه هيتشكوك بمشهد لساعة جدار وصرخة في عتمة الليل. نوافذ أحد المباني تُفتح يطل منها الناس ناظرين إلى مصدر الصوت الآتي من فوق رؤوسهم).
تدلف ميلاني (تيبي هدرن) إلى متجر لبيع الطيور وحين تخرج منه ومعها كنارين نشاهد المخرج ذاته يتوجه إلى المتجر ومعه كلبان صغيران. عالم أليف سينقلب على عقبيه عندما تبدأ تلك الطيور بالهجوم على المشاة. لكن ليس قبل أن يؤسس هيتشكوك لقصة حب حذرة بين ميلاني والبحار ميتش (رود تايلور). هذه القصّة ذاتها تحمل مشاعر غريبة، فالبحار كان على علاقة مع فتاة أخرى ما زالت تحبه، وميلاني تشعر بأنها تطفلت. الأكثر غرابة أن والدة ميتش (جسيكا تاندي) لا تزال القوّة التي تتحكم في حياة ابنها وتشلّ عاطفته. ميلاني تشعر هنا أيضاً أن عليها محاربة ذلك النفوذ.
هذه الحرب تقع عندما يتم حصار البيت من قِبل تلك الطيور الجانحة التي تريد التسلل إليه. والربط بين ما يحدث فوق السطح وعلى جوانب المنزل وبين ما يحدث في داخله نفسيٌّ مشدود الوتيرة ومليء بالتحليلات.
في الخارج، وقبل هذا المشهد، تطلق الطيور نقطة الهجوم وتنقضّ على نحو لا يمكن للبشر درأه. الضحايا تتساقط تحت هجوم ضارٍ. الطيور تبدو محمّلة بحب الانتقام والرغبة في تدمير الحياة البشرية. لا ينشغل المخرج بالسبب وهو لا يريد إيجاد المبررات العلمية (إذا ما توفرت)، بل خلق حالة خوف ينتقل من الشاشة إلى الصالة ومن الصالة إلى الشارع.