حادثة سير أفقدتها قدرتها على الحركة، وألزمتها كرسياً متحركاً، لكنها لم توقف طموحاتها في الحياة. كانت فاطمة وارث، تعرف القليل من فنون التريكو الذي تعلمته في المدرسة الابتدائية، حين أبلغها الأطباء باستحالة أن تستعيد قدرتها على المشي مرة أخرى، بسبب قطع في الحبل الشوكي، فقررت أن تواجه الحياة وهي جالسة في مكانها، ولأنها سيدة مطلقة ولديها فتاة في سن الدراسة، وأعباء مادية أخرى، زادت بالطبع بعد الإعاقة، راحت تبحث عن عمل تحبه وتتقنه، للإنفاق على نفسها وابنتها.
قالت وارث لـ«الشرق الأوسط»، وهي تستعيد ذكريات ما تعرضت له من متاعب بعد الحادثة، إنها كانت تعرف الكثير من المهارات مثل الكنفا، والإيتامين، والجوبلان، وغيرها من الحرف اليدوية، لكنها فضلت الكروشيه، لأن الفنون السابقة تحتاج إلى إبرة رفيعة، ونقوشها دقيقة جدا، تحتاج إلى كثير من الضغط بأصابعها، ما قد يؤثر على أعصاب يديها المتعبة.
ولفتت وارث إلى أن صدفة بحتة قادتها لأن يكون الكروشيه مصدر رزق لها، فقد قامت منذ سنوات بعمل حقيبة، أبدعت فيها كثيراً، كانت تريد أن تحتفظ بها لنفسها، لكن زارتها إحدى جاراتها، وأعجبت بها، فقررت شراءها، من يومها بدأت رحلتها الصعبة في مشوار احتراف صناعة الكروشيه، وكان أولها كيفية الحصول على الخيوط اللازمة لأعمالها، ثم تسويقها.
بدأت وارث العمل في الكروشيه بـ300 جنيه. بعدما طلبت من أحد معارفها شراء لفافات الخيوط، ثم راحت تعتمد على نفسها بعدما رأت أن ما ترسله لشراء احتياجاتها، يأتي لها بغير ما تتمنى، فذهبت بنفسها إلى محلات شارع الأزهر، (أحد أشهر الشوارع التجارية في العاصمة المصرية القاهرة).
فكرت فاطمة في استخدامات الكروشيه التي تعرفها، ووجدت أنها محدودة في أغطية الرأس، والمفارش الصغيرة التي تزين مناضد الأركان، فراحت تبحث عن مجالات أخرى يمكن من خلالها أن تنفتح عليها بفنونها، بحثت كثيرا في مواقع الإنترنت، ثم انضمت إلى مؤسسة الحسن، وهي تضم كل أصحاب الكراسي المتحركة، وتساعد في تمويل أعضائها للبدء في إقامة مشاريع صغيرة.
وأوضحت فاطمة أنها أصبحت تشارك في بعض المعارض داخل القاهرة وخارجها بعدما اكتسبت بعض الشهرة، لبيع ما تصنعه للمتاجر المتخصصة في ترويج المنتجات الحرفية.
في السياق نفسه، توسعت فاطمة بعد ذلك في استخدام الكروشيه في عمل منتجات يمكن أن تستعمل كأغطية للأرضيات، ومشايات، وقامت بتصنيع السجاد بأشكال متنوعة، باستخدام أنواع من الخيوط، الغليظة والرفيعة، وكل نوع يمكن استعماله في غرض معين، سواء لتزيين الصالات الواسعة، وغرف الاستقبال، أو الحوائط، وهناك مفارش تستخدم كدواسات في فصل الشتاء.
تعتبر فاطمة واحدة من بين 10 ملايين شخص معاق في مصر حسب إحصائية أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء العام الماضي، لكنها اختارت فناً صعباً ودقيقا لتبدع وتتألق به.
إلى ذلك، لم يتوقف إبداع فاطمة عند صنع المفارش والصناديق الجميلة فقط، لكن امتد فنها ليشمل عمل أغطية للكراسي الجلدية، والمقاعد التي تتوزع في غرف الاستقبال، ذات الطابع العربي، قالت إنها مفيدة في الحفاظ عليها حتى لا تتعرض للتمزق، أو الإهلاك في فترة قصيرة، وقد دفعها نجاحها في بيع ما تقوم بصناعته لاستخدام سيدتين، أخريين، يساعدانها في زيادة الإنتاج لمواجهة احتياجات زبائنها. رأس مال فاطمة الذي بدأ بنحو 300 جنيه أصبح الآن يزيد عن 20 ألف جنيه، موضحة أنها باتت تشعر بالأمان بعد الاستعانة ببعض الفتيات التي يساعدنها في شغل المنتجات المتنوعة.
مصرية تتحدى الإعاقة وتبدع بفن الكروشيه
بدأت مشوارها بـ300 جنيه فقط
مصرية تتحدى الإعاقة وتبدع بفن الكروشيه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة