مصالحة «القوات» و«المردة» في مراحلها الأخيرة

ترتكز على تنظيم الخلاف وتؤسس لعلاقة مستقبلية بين الطرفين

TT

مصالحة «القوات» و«المردة» في مراحلها الأخيرة

يتّجه «حزب القوات اللبنانية» و«تيار المردة» إلى طي صفحة الماضي والانطلاق لمرحلة جديدة ترتكز على مبدأ المصالحة وتنظيم الخلاف مع «إدراك الطرفين حجم وطبيعة الخلافات السياسية العامودية التي لا يمكن تخطيها على الأقل في المرحلة الحالية».
وتعود جذور الخلاف بين «القوات» و«المردة» إلى الحرب الأهلية التي كان فيها الفريقان على طرف نقيض، خصوصا أن والد رئيس «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية قتل مع زوجته وابنتهما في عملية لـ«القوات»، وكان رئيس «القوات» الحالي سمير جعجع في عداد القوة المهاجمة، لكنه أعلن أخيرا أنه أصيب بيده ولم يشارك فيها.
وأمس، أعلن رئيس «القوات» سمير جعجع، أن لقاء قريبا سيعقد بين الطرفين على مستوى القيادات «بعدما قطعت الاتصالات أشواطا بعيدة جدا». وقال لـ«وكالة الأنباء المركزية» إن «صفحة الماضي ستطوى، وأخرى جديدة ستفتح قريبا جدا. أما العلاقة مع حزب الكتائب فعادية».
ويقرّ كل من مسؤول الإعلام والتواصل في «القوات» شارل جبور، والقيادي في «المردة» كريم الراسي، بالخلافات بين الحزبين المسيحيين، مع تأكيدهما على أن التقارب الحاصل الآن يرتكز بشكل أساسي على المصالحة، ويفتح في الوقت عينه الباب أمام احتمالات عدّة في المستقبل. وتأكيد الراسي على أن «المردة» اتخذ مبادرة التقارب منذ خروج جعجع من السجن إلى أن اكتملت الصورة اليوم، لا ينفي أن الخلاف الحاصل بين «القوات» و«التيار الوطني الحر» سرّع في هذا التقارب.
في المقابل، يؤكد جبور أن هذه المصالحة ليست موجّهة ضدّ أي طرف، موضحا أن «الهدف الأساسي هو إقفال الملف، فقد بات ضرورة بعد كل هذه السنوات، لأنه لا مصلحة لأي طرف بإبقائه مفتوحا بعد انتهاء الحرب، خاصة أن للطرفين نيّة صادقة حيال هذه الموضوع رغم الاختلاف السياسي بينهما».
ومع تأكيد الراسي وجبور على أن مباحثات المصالحة باتت في خواتيمها، شددا على أن لقاء جعجع والوزير السابق سليمان فرنجية بات قريبا، مع رفضهما الإعلان عن زمانه ومكانه قبل أوانه، لأسباب عدّة.
ويوضح جبور لـ«الشرق الأوسط»: «شهدت الأسابيع الأخيرة تطورات عدة بوتيرة سريعة واتسمت بمقاربة الاختلافات السياسية، خاصة تلك المرتبطة بالعناوين الكبرى عبر حوار هادئ، وما ساهم في هذا التقدم هو نية الطرفين إنجاز هذه المصالحة وطي صفحة الماضي والتأسيس للمستقبل».
ويشير جبور إلى أن عنوان هذا التقارب هو تنظيم الخلاف في القضايا المختلف حولها وتقريب المسافات حيث يجب تقريبها. ويرى أن الأمر يختلف إلى حد ما عما حصل مع «الوطني الحر»، وتحديدا ورقة التفاهم والمبادئ المشتركة على المستوى الوطني والسياسي التي وقّعت بين الطرفين، بحيث إن عنوان التقارب، على الأقل، في المرحلة الأولى مع «المردة»، هو المصالحة في ظل وجود خلافات سياسية تبدأ بموضوع «حزب الله» ولا تنتهي بالعلاقة مع النظام السوري.
في المقابل، ومع إشارته إلى هذه الخلافات، يعتبر الراسي أن الاختلاف مع «القوات» ينحصر في السياسات الخارجية، بينما يلتقي الحزبان كثيرا في أمور وقضايا داخلية. ويثني في هذا الإطار على أداء وزراء «القوات» في الحكومة قائلا: «لا يمكننا إلا أن نعترف بكفاءتهم ونزاهتهم».
ويوضّح الراسي: «مع إدراكنا الاختلاف السياسي نؤمن أن من شأن هذا التقارب أن يضع القواعد المستقبلية للعلاقة بين الطرفين التي ترتكز على احترام الآخر لمصلحة الوحدة الوطنية بشكل عام والوحدة المسيحية بشكل خاص»، ويضيف: «من هنا نرى أنه لا ضرورة لورقة تفاهم أو أي خطوة مماثلة لتنظيم العلاقة فيما بيننا؛ لأن كلمتنا تبقى هي الأساس التي طالما عرفنا بالتزامنا بها، في وقت يقوم غيرنا بتوقيع تفاهمات ليعود بعدها ويضرب بها عرض الحائط».
وعما إذا كانت هذه المصالحة ستؤسس لتقارب أو تحالف معيّن في الانتخابات الرئاسية المقبلة، خاصة أن كلا من جعجع وفرنجية، باتا من المرشحين الطبيعيين أو الدائمين لهذا الموقع، يجمع كل من جبور والراسي على أنه من المبكر الحديث عن هذا الاستحقاق المفترض بعد 4 سنوات، من دون استبعادهما أن يفتح هذا التقارب الباب أمام بعض الاحتمالات.
ويقول الراسي: «لا شكّ أنه سينعكس على الاستحقاقات السياسية من الحكومة إلى الانتخابات الرئاسية وغيرها». من جهته، يوضّح جبور أن «أي مصالحة تفتح الباب أمام تحالفات وتقاطعات معينة، لكن لا شكّ أنه تبقى للانتخابات الرئاسية ظروفها وتوازناتها الداخلية والخارجية، وبالتالي من المبكر الحديث عنها».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم