«إسكوبار لبنان»... وقائع «تصفية» معلنة

سيارة دمرتها المواجهات التي أدت إلى مقتل علي زيد اسماعيل (الوكالة الوطنية للإعلام)
سيارة دمرتها المواجهات التي أدت إلى مقتل علي زيد اسماعيل (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

«إسكوبار لبنان»... وقائع «تصفية» معلنة

سيارة دمرتها المواجهات التي أدت إلى مقتل علي زيد اسماعيل (الوكالة الوطنية للإعلام)
سيارة دمرتها المواجهات التي أدت إلى مقتل علي زيد اسماعيل (الوكالة الوطنية للإعلام)

شغلت قصة تاجر المخدرات اللبناني علي زيد إسماعيل الذي لُقّب بـ«إسكوبار لبنان»، (نسبةً إلى تاجر المخدرات الكولومبي الشهير بابلو إسكوبار)، الرأي العام في (يوليو (تموز) الماضي، وذلك بعد عملية أمنية واسعة أدت إلى قتله في بلدة الحمودية (قضاء بعلبك) حيث كان يقيم.
وقتها، نفذت قوة من الجيش عملية دهم أسفرت عن توقيف 16 لبنانياً و25 سورياً ومقتل ثمانية، أبرزهم إسماعيل المطلوب توقيفه بموجب «2941» ملاحقة قضائية من بلاغات بحث وتحرٍّ ومذكرات توقيف وخلاصات أحكام، ولارتكابه جرائم تجارة وترويج المخدرات، والاتجار بالأسلحة والذخائر الحربية، وسلب سيارات بقوة السلاح وتزوير مستندات، وإطلاق النار باتجاه مواطنين وإصابة بعضهم، إضافة إلى محاولة قتل عسكريين وإطلاق النار على دوريات عائدة إلى الأجهزة الأمنية وإصابة بعض عناصرها، ما أدى إلى مقتله وسبعة آخرين وتوقيف 41، بينهم ستة جرحى، كما جاء في بيان رسمي للجيش اللبناني.
بعد مقتله، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من شريط مصوَّر يتهم «حزب الله» بـ«تصفية» إسماعيل الذي كان حليفاً وعضواً فاعلاً في الحزب، وأن «قرار تصفيته» يعود إلى «الخوف من كشف تورط الحزب في تجارة المخدرات». في المقابل، تم ترويج أخبار عن علاقته بـ«أطراف معادية للمقاومة»، وجرى نفي «هذه الإشاعات المسيئة للحزب».
«الشرق الأوسط» التقت أحد أفراد عائلة علي زيد إسماعيل الذي روى ما جرى من وجهة نظره، فقال إن «علي كانت له علاقات بقيادات أساسية في (حزب الله). ولديه بطاقة أمن سُحِبت منه قبل فترة وجيزة بحجة تجديدها. أي أنه كان من عظام الرقبة. لكن إلقاء القبض على ابن أحد المسؤولين الكبار في الحزب في منطقة ظهر البيدر (بوابة البقاع) وضبط كمية كبيرة من الكوكايين بحوزته، والمعروف أنه يعمل مع علي زيد، عجّل بقرار بتصفيته. المداهمة كانت أشبه بعملية اغتيال، لأن إلقاء القبض عليه والتحقيق معه سيجر كبار المتورطين وقد يصل إلى رؤوس كبيرة».
ورأى أن «المطلوب كان أن تتورم حالة علي زيد مع 2900 مذكرة توقيف. السؤال أين كانت هذه الأجهزة عندما كانت عليه 20 مذكرة توقيف فقط؟». ويؤكد أن «علي زيد إسماعيل كان مفتاحاً انتخابياً للحزب. والبعض يقول إنه كان يشتري كميات المخدرات التي تُضبط ويُفترض أن تُتلف من متورطين في الأجهزة الأمنية. كان يروج المخدرات بحماية وغطاء. والمداهمات الصورية التي كانت تتم للقبض عليه تسبقها عادت تسريبات تصله ليهرب قبل وصول المداهمين».
ويروي القريب أن «المداهمات الصورية» غالباً ما سبقها دوران لطائرة صغيرة كالتي تُستخدم للتصوير، ومن دون طيار، من وجهتها ودورانها يعرف «الطفار» خط سير المداهمة والاتجاه الذي يفترض أن يسلكوه للهروب. «وهذا ما حصل يوم نفذت المداهمة الأخيرة. لحق علي زيد ومن معه بإرشادات الطائرة. لكن طريق الهروب زُرعت بكمائن مع أسلحة متوسطة، وبعد عبوره حاجزاً للجيش في أحد البساتين من دون توقيفه كانت مؤللات بانتظاره على بعد نحو مائة متر. وانهمرت النيران على السيارة من دائرة 500 متر، أكثر من ألف طلقة. بعد إطلاق الرصاص من بعيد، تبين أن الجثث تعرضت لإطلاق رصاص قريب». محمد شقيق علي زيد إسماعيل، جُرح، فاتصل مَن معه بنائب (حزب الله) لتسحبه القوى الأمنية وتلقي القبض عليه وتأخذه إلى المستشفى. بعد ساعتين رد عليهم بأنه لم يستطع تحقيق ذلك، وقُتل الشقيق».
والدة علي زيد إسماعيل عندما علمت بما جرى «صعدت إلى سيارتها كالمجنونة، قال لها مزارع: (لا تذهبي)، فلم تستمع إليه وتوجهت إلى حيث الحادث، تم إطلاق النار عليها من الطائرة، تمزَّقت بالمعنى الحرفي للكلمة».
ويوضح القريب أن «أهل المحمودية سمعوا أصوات المعركة لكنهم لم يعرفوا ماذا حصل»، ليختم قائلاً إن «سورياً كان برفقة علي زيد إسماعيل، وقيل إنه استسلم إلى القوى الأمنية، كان يتحدث أمام وسائل الإعلام من دون أن ينتبه إلى بدء النقل المباشر. قال: كان عنّا (عندنا) مهمة وخلصناها».



البشرية من الخوارزميات إلى الذكاء الاصطناعي

نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)
نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)
TT

البشرية من الخوارزميات إلى الذكاء الاصطناعي

نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)
نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)

على مدار السنوات الـ25 الماضية، تسارعت وتيرة الابتكار التكنولوجي بشكل غير مسبوق، مما أدى إلى تحول المجتمعات في جميع أنحاء العالم. تاريخياً، استغرقت التقنيات مثل الكهرباء والهاتف عقوداً للوصول إلى 25 في المائة من الأسر الأميركية - 46 و35 عاماً على التوالي. على النقيض من ذلك تماماً، حقّق الإنترنت ذلك في 7 سنوات فقط.

اكتسبت منصات مثل «فيسبوك» 50 مليون مستخدم في عامين، وأعادت «نتفليكس» تعريف استهلاك الوسائط بسرعة، وجذب «شات جي بي تي» أكثر من مليون مستخدم في 5 أيام فقط. يؤكد هذا التقَبّل السريع للتقدم التكنولوجي والتحول المجتمعي وأثره في تبني الابتكار.

قادت هذه الموجة شركة «غوغل»، وهي شركة ناشئة تأسست في مرآب. في عام 1998، قدمت «غوغل» خوارزمية «بيچ رانك»، ما أحدث ثورة في تنظيم المعلومات على الويب. على عكس محركات البحث التقليدية التي تركز على تكرار الكلمات الرئيسية، عملت خوارزمية «بيچ رانك» على تقييم أهمية الصفحة من خلال تحليل الارتباطات التبادلية، ومعاملة الروابط التشعبية على أنها أصوات ثقة واستيعاب الحكمة الجماعية للإنترنت. أصبح العثور على المعلومات ذات الصلة أسرع وأكثر سهولة، ما جعل محرك البحث «غوغل» لا غنى عنه على مستوى العالم.

تحوّل «نتفليكس»

في خضم ثورة البيانات، ظهر نموذج جديد للحوسبة: التعلم الآلي. بدأ المطورون في إنشاء خوارزميات تتعلم من البيانات وتتحسن بمرور الوقت، مبتعدين عن البرمجة الصريحة. جسّدت «نتفليكس» هذا التحول بجائزتها البالغة مليون دولار لعام 2006 لتحسين خوارزمية التوصية خاصتها بنسبة 10 في المائة. في عام 2009، نجحت خوارزمية «براغماتيك كايوس» لشركة «بيلكور» في استخدام التعلم الآلي المتقدم، ما يسلّط الضوء على قوة الخوارزميات التكيفية.

ثم توغل الباحثون في مجال التعلم العميق، وهو مجموعة متفرعة عن التعلم الآلي تتضمن خوارزميات تتعلم من بيانات ضخمة غير منظمة. في عام 2011، أظهر نظام «واتسون» الحاسوبي من شركة «آي بي إم» قوة التعلم العميق في لعبة «چيوباردي»! في منافسة ضد البطلين «براد روتر» و«كين جينينغز»، أظهر «واتسون» القدرة على فهم الفروق الدقيقة في اللغة المعقدة، والتورية، والألغاز، مما يحقق النصر. أفسح هذا العرض المهم لمعالجة اللغة بالذكاء الاصطناعي المجال أمام العديد من تطبيقات معالجة اللغة الطبيعية.

في عام 2016، حقق برنامج «ألفاغو» الحاسوبي من شركة «غوغل ديب مايند» إنجازاً تاريخياً بهزيمة «لي سيدول» بطل العالم في لعبة «غو». كانت لعبة «غو»، المعروفة بمعقداتها وتفكيرها الحدسي، خارج نطاق الذكاء الاصطناعي. أدهش فوز «ألفاغو» العالم بأسره، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكنه معالجة المشكلات التي تتطلب التفكير الاستراتيجي من خلال الشبكات العصبية.

ثورة تجارة التجزئة

مع ازدياد قدرات الذكاء الاصطناعي، بدأت الشركات في دمج هذه التقنيات لإحداث الابتكار. أحدثت «أمازون» ثورة في تجارة التجزئة عبر الاستفادة من الذكاء الاصطناعي للتسوق الشخصي. من خلال تحليل عادات العملاء، أوصت خوارزميات «أمازون» بالمنتجات بدقة، ويسّرت الخدمات اللوجيستية، وحسّنت المخزون. وصار التخصيص حجر الزاوية في نجاح «أمازون»، مما وضع توقعات جديدة لخدمة العملاء.

في قطاع السيارات، قادت شركة «تسلا» عملية دمج الذكاء الاصطناعي في المنتجات الاستهلاكية. من خلال «أوتوبايلوت»، قدمت «تسلا» لمحة عن مستقبل النقل. في البداية، استخدم «أوتوبايلوت» الذكاء الاصطناعي لمعالجة البيانات من الكاميرات وأجهزة الاستشعار، مما يتيح التحكم التكيفي في السرعة، ومَرْكَزَة المسار، ومواقف السيارات الذاتية. بحلول عام 2024، سمح نظام القيادة الذاتية الكاملة (FSD) للسيارات بالتنقل مع تدخل بشري طفيف. أعادت تلك الوثبة تعريف القيادة وعجلت بالجهود الرامية لتطوير السيارات ذاتية القيادة مثل «وايمو».

كما شهد قطاع الرعاية الصحية التأثير التحويلي للذكاء الاصطناعي، إذ طوّر الباحثون خوارزميات تكتشف الأنماط في بيانات التصوير غير المُدرَكة للبشر. على سبيل المثال، حلّل نظام الذكاء الاصطناعي صور الثدي بالأشعة السينية للتعرف على التغيرات الدقيقة التي تتنبأ بالسرطان، مما يتيح تدخلات مبكرة وربما إنقاذ الأرواح.

في عام 2020، حقق برنامج «ألفافولد» من شركة «ديب مايند» إنجازاً تاريخياً: التنبؤ الدقيق بهياكل البروتين من تسلسلات الأحماض الأمينية - وهو تحدٍّ أربك العلماء لعقود. يعد فهم انْثِناء البروتين أمراً بالغ الأهمية لاكتشاف الأدوية وأبحاث الأمراض. تستفيد مختبرات «أيسومورفيك لابس» التابعة لشركة «ديب مايند»، من أحدث نماذج «ألفافولد» وتتعاون مع شركات الأدوية الكبرى لتسريع الأبحاث الطبية الحيوية، مما قد يؤدي إلى علاجات جديدة بوتيرة غير مسبوقة.

سرعان ما تبنى قطاع التمويل ابتكارات الذكاء الاصطناعي. نفذت شركة «باي بال» خوارزميات متقدمة للكشف عن الاحتيال ومنعه في الوقت الفعلي، مما يزيد من الثقة في المدفوعات الرقمية. استخدمت شركات التداول عالية التردد خوارزميات لتنفيذ الصفقات في أجزاء من الثانية. واستخدمت شركات مثل «رينيسانس تكنولوجيز» التعلم الآلي في استراتيجيات التداول، محققة عوائد رائعة. أصبح التداول الخوارزمي الآن يمثل جزءاً كبيراً من حجم التداول، مما يزيد من الكفاءة لكنه يُثير مخاوف بشأن استقرار السوق، كما هو الحال في انهيار عام 2010.

في عام 2014، طوّر إيان غودفيلو وزملاؤه الشبكات التنافسية التوليدية (GANs)، التي تتكون من شبكتين عصبيتين - المُولّد والمميّز - تتنافسان ضد بعضهما. مكّنت هذه الديناميكية من إنشاء بيانات اصطناعية واقعية للغاية، بما في ذلك الصور ومقاطع الفيديو. لقد أنتجت الشبكات التنافسية التوليدية وجوهاً بشرية واقعية، وأنشأت أعمالاً فنية، وساعدت في التصوير الطبي من خلال إنتاج بيانات اصطناعية للتدريب، مما يعزز قوة نماذج التشخيص.

في عام 2017، قدمت هيكليات المحولات «ترانسفورمر» تحولاً كبيراً في منهجية الذكاء الاصطناعي، مما غيّر بشكل جذري من معالجة اللغة الطبيعية. ابتعدت «ترانسفورمر» عن الشبكات العصبية التكرارية والالتفافية التقليدية. وتعتمد كلياً على آليات الانتباه لالتقاط التبعيات العالمية، مما يسمح بالتعامد الفعال ومعالجة السياقات المطولة.

روبوت يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

نص بشري يكتبه روبوت

بناء على ذلك، طوّرت شركة «أوبن إيه آي» سلسلة «المحول المُولّد المدرب مسبقاً» (GPT)، وأظهر «جي بي تي – 3»، الصادر عام 2020، قدرات غير مسبوقة في توليد نص يشبه النص البشري مع فهم السياق. على عكس النماذج السابقة التي تتطلب تدريباً محدداً للمهمة، يمكن لـ«جي بي تي – 3» أداء مجموعة واسعة من مهام اللغة مع الحد الأدنى من الضبط الدقيق، مما يُظهر قوة التدريب المسبق غير الخاضع للإشراف على نطاق واسع والتعلم قليل اللقطات. بدأت الشركات في دمج نماذج «جي بي تي» في التطبيقات من إنشاء المحتوى وتوليد التعليمات البرمجية إلى خدمة العملاء. حالياً، تتسابق العديد من النماذج لتحقيق «الذكاء الاصطناعي العام» (AGI) الذي يفهم، ويفسر، ويخلق محتوى متفوقاً على البشر.

الرحلة من الخوارزميات إلى الذكاء الاصطناعي على مدار السنوات الـ25 الماضية هي شهادة على الفضول البشري، والإبداع، والسعي الدؤوب نحو التقدم. لقد انتقلنا من الخوارزميات الأساسية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي المتطورة التي تفهم اللغة، وتفسر البيانات المعقدة، وتُظهر الإبداع. أدى النمو الهائل في قوة الحوسبة، والبيانات الضخمة، والاختراقات في مجال التعلم الآلي إلى تسريع تطوير الذكاء الاصطناعي بوتيرة لا يمكن تصورها.

بالتطلع إلى المستقبل، يشكل التنبؤ بالـ25 عاماً المقبلة تحدياً كبيراً. ومع تقدم الذكاء الاصطناعي، قد يفتح المجال أمام حلول للتحديات التي نعتبرها مستعصية اليوم - من علاج الأمراض، وحل مشاكل الطاقة، إلى التخفيف من تغير المناخ، واستكشاف الفضاء العميق.

إن إمكانات الذكاء الاصطناعي في إحداث ثورة في كل جانب من جوانب حياتنا هائلة. ورغم أن المسار الدقيق غير مؤكد، فإن اندماج إبداع الإنسان والذكاء الاصطناعي يعد بمستقبل غني بالإمكانات. ويتساءل المرء متى وأين قد تظهر شركة «غوغل» أو «أوبن إيه آي» التالية، وما الخير الكبير الذي قد تجلبه للعالم؟