كثيرة الملفات التي جاء وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى باريس لمناقشتها مع نظيره الفرنسي جان إيف لو دريان، وغالبيتها دارت حول سوريا وفق البيان المقتضب الصادر أمس عن الخارجية الفرنسية. وأشارت الوزارة إلى 3 موضوعات؛ اتفاق سوتشي الروسي التركي وتطبيقه، والإطلاق السريع لأعمال اللجنة الدستورية كمدخل للوصول إلى الحل السياسي، وأخيرا استمرار العمل من أجل إيجاد «نقاط تلاقٍ» بين مجموعة آستانة و«المجموعة المصغرة» التي آخر ما صدر عنها دعوة جماعية ملحة للمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا لإطلاق عملها من غير تأخير.
بداية، تتعين الإشارة إلى أن العلاقات الفرنسية التركية شهدت تحسنا في الأشهر الأخيرة بعد التوتر الذي عاشته عند إطلاق القوات التركية عملية «غصن الزيتون» للسيطرة على منطقة عفرين أو بعد تهديدها باجتياح منبج التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية». والأهم من ذلك أن باريس «تراهن» على دور تركي «معتدل» في الملف السوري، بل إن مصادر فرنسية رسمية قالت لـ«الشرق الأوسط» إن فرنسا كانت تريد انضمام تركيا إلى «المجموعة المصغرة» باعتبار أن مواقفها أقرب إلى مواقف هذه المجموعة رغم انتمائها إلى مجموعة آستانة. ولأن هذا الأمر لم يحصل، فإن باريس تعتبر أن تركيا يمكن أن تلعب «صلة الوصل» بين المجموعتين، وبالتالي «مدخلا» للتأثير في الملف السوري. من هنا، فإن التواصل مستمر بينها وبين أنقرة، خصوصا بعد اتفاق سوتشي. والمرجح أن يتوسع مع احتمال انعقاد قمة رباعية (روسية تركية فرنسية ألمانية) تدفع بها تركيا إلى الأمام. وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أواخر الأسبوع الماضي، بمناسبة مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس إردوغان إنها «ربما» ستنعقد الشهر الحالي.
ترى مصادر فرنسية في تمسك تركيا بهذه القمة طريقة لتوسيع دائرة الدعم لمواقفها وخصوصا في علاقاتها المعقدة مع الطرف الروسي كما برز ذلك في عملية «لي الذراع» بشأن مصير إدلب حيث خرجت الخلافات إلى العلن في قمة طهران الثلاثية الشهر الماضي وفي الفترة الفاصلة بينها وبين قمة سوتشي في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي. من هنا، فإن مسارعة باريس ومعها أطراف «المجموعة المصغرة» للإشادة باتفاق سوتشي يمكن اعتبارها بالدرجة الأولى دعما لمواقف تركيا. وفي لقائه نظيره التركي أول من أمس، حرص لو دريان على إعادة تأكيد موقف باريس المساند للاتفاق. وما تسعى إليه فرنسا كما شرحت ذلك مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى في اجتماع ضيق، هو الوصول إلى «أجندة موحدة» بين المجموعتين، قد يشكل اتفاق سوتشي المدخل إليها. وسبق للوزير لو دريان أن كشف أن تركيا طلبت من باريس دعمها في مجلس الأمن لاستصدار قرار أو بيان يزكي الاتفاق. وما تريده الدبلوماسية الفرنسية هو أن يشكل اتفاق سوتشي «انعطافة» في الحرب السورية وليس أن ينحصر في «تجميد مؤقت» للوضع الميداني. وهي بأي حال تطرح مجموعة من علامات الاستفهام حول كيفية إيجاد حلول للقضايا المعقدة التي تتناولها وعلى رأسها كيفية التعاطي مع هيئة تحرير الشام وبشكل أوسع مع رافضي الاتفاق. وما زالت باريس تتخوف من عودة المتطرفين الفرنسيين إلى فرنسا.
في سياق الاتفاق، أول ما تريده باريس وشركاؤها هو إفهام روسيا ومعها إيران والنظام أن «الانتصارات العسكرية لن تنتج حلا سياسيا»، وبالتالي فإن «مصلحة الجميع» هي الوصول إلى تفاهم من أجل الخروج من الأزمة، رغم الخلاف بشأن «نقطة الوصول» أي مصير الرئيس الأسد ونظامه. وهذا يتطلب عمليا التفاهم بشأن «الخطوات والمراحل» التي يتعين اجتيازها وترك «نقطة الوصول» غامضة. ومن الناحية العملية، يبدو تفعيل «اللجنة الدستورية» نقطة انطلاق للسير نحو الحل السياسي، لكن المصادر الفرنسية تعتبر أن روسيا التي كانت الدافع لتشكيل هذه اللجنة هي التي «تعرقل انطلاقتها» وهي تتساءل عن الأسباب التي تدفعها لمنع ستيفان دي ميستورا من القيام بالمهمة التي أوكلها إليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
رغم أهمية المشاورات مع الطرف التركي، فإن باريس تعول على اللقاءات التي سيجريها اليوم وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس مع كبار المسؤولين الفرنسيين، وعلى رأسهم الرئيس ماكرون ووزيرة الدفاع فلورانس بارلي للاطلاع بشكل مفصل وواضح على «الرؤية» الأميركية لمستقبل سوريا وللخطط الأميركية في هذا البلد. وإذا كانت باريس، وفق المصادر الدبلوماسية المشار إليها «ترحب» بقرار واشنطن الإبقاء على قواتها في سوريا الذي ترى فيه عنصر توازن مع الحضور الروسي والإيراني، فإن التصريحات المتناقضة الصادرة عن المسؤولين الأميركيين تشوش الصورة. فثمة اختلافات واسعة بين ما يقوله مستشار الأمن القومي جون بولتون وبين ما يؤكده جيم جيفري، ممثل الولايات المتحدة الخاص بسوريا. ففيما يربط الأول بقاء قوات بلاده باندحار «داعش» وخروج إيران والميليشيات التي تأتمر بأوامرها من سوريا، فإن للثاني رؤية مختلفة، إذ يعتبر أن التأثير الأميركي لا يتطلب بالضرورة الوجود المادي للقوات الأميركية في سوريا. وفي أي حال، فإن ماتيس يريد أن يطلب من باريس، وفق تصريحات ناطق باسم البنتاغون، أن تبقي على القوة التي أرسلتها شمال شرقي سوريا والتي توفر الدعم والمساندة لقوات سوريا الديمقراطية «قسد» في حربها شرق الفرات على «داعش» حيث نشرت طائرات حربية ومدفعية، إضافة إلى قوات خاصة. والمرجح أن يكون قرار باريس إبقاء قوتها في سوريا مربوطا بالأهداف المتوخاة منها، ما يستدعي أن تحدد واشنطن بوضوح ما تريده في سوريا.
ماتيس في فرنسا اليوم لضمان بقاء قواتها في سوريا
باريس تراهن على دور تركي للتقريب بين آستانة و«المجموعة المصغرة»
ماتيس في فرنسا اليوم لضمان بقاء قواتها في سوريا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة