أنقرة تتفهم موقف المعارضة من الوجود الروسي في المنطقة المنزوعة السلاح

TT

أنقرة تتفهم موقف المعارضة من الوجود الروسي في المنطقة المنزوعة السلاح

وسط الغموض في مواقف الفصائل السورية المعارضة في إدلب إزاء اتفاق سوتشي التركي - الروسي بشأن إدلب، قالت مصادر دبلوماسية تركية إن أنقرة تواصل مباحثاتها في أكثر من اتجاه من أجل تنفيذ الاتفاق الذي يقضي بإقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق بين 15 و20 كيلومتراً على خطوط التماس بين قوات النظام والفصائل عند أطراف إدلب وأجزاء من محافظات مجاورة، على أن تنتشر فيها قوات تركية وشرطة روسية، وذلك لإتمام انسحاب الفصائل وتسليم الأسلحة الثقيلة.
وذكرت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن هناك اعتراضات من جانب بعض فصائل المعارضة على الوجود الروسي في إدلب، وأن روسيا تتفهم ذلك، مشيرة إلى أن فصائل «الجبهة الوطنية للتحرير» رحبت بـ«اتفاق سوتشي» وأكدت استعدادها للتعاون مع تركيا لتطبيقه، لكنها عبرت عن عدم ثقتها في الطرف الروسي.
وأبلغت «الجبهة الوطنية للتحرير»، التي تضم أبرز الفصائل المعارضة في إدلب ومحيطها، رسميا ليلة أول من أمس، رفضها أي وجود روسي في المنطقة منزوعة السلاح. وقال المتحدث الرسمي باسم «الجبهة الوطنية للتحرير» النقيب ناجي مصطفى، في بيان نشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إن «لقاء مطولا عقد مع الحليف التركي بخصوص بنود الاتفاق وموضوع الوجود الروسي في المنطقة المعزولة على وجه التحديد، وأبدت الجبهة رفضاً لهذا الوجود، وتلقينا وعداً بعدم حصوله، وهذا ما تم تأكيده اليوم (أول من أمس الأحد) من الجانب التركي».
وأعلن عن تأسيس «الجبهة الوطنية للتحرير» بداية أغسطس (آب) الماضي، وتضم غالبية الفصائل السورية المسلحة المقربة من تركيا، وأبرزها «حركة أحرار الشام» و«فيلق الشام» و«حركة نور الدين الزنكي» و«جيش الأحرار». ويبلغ عديد مقاتليها نحو 30 ألفاً، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان».
ويلزم «اتفاق سوتشي» جميع الفصائل بسحب سلاحها الثقيل من المنطقة المحددة بحلول 10 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي مع انسحاب الجماعات المتشددة تماماً بحلول منتصف الشهر.
وجاء موقف «الجبهة الوطنية للتحرير» بعد ساعات من تأكيدها عدم سحب أي فصيل تابع لها آلياته الثقيلة بموجب الاتفاق الذي يسري على محافظة إدلب وريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي.
كان «المرصد السوري» أكد، أول من أمس، بدء «فيلق الشام» سحب آلياته الثقيلة من ريفي حلب الغربي والجنوبي، وهو ما نفاه الفصيل لاحقاً. وسبق لـ«جيش العزة»، أحد الفصائل الناشطة في ريف حماة الشمالي، أن أعلن، السبت الماضي، رفضه إقامة المنطقة العازلة على مناطق سيطرة الفصائل فقط، مؤكداً رفضه تسيير روسيا أي دوريات في نطاق سيطرته. وعبر عن خشيته من أن يشكل الاتفاق مقدمة «لقضم المناطق المحررة».
وتعد «هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)» العقبة الأكثر بروزاً أمام تنفيذ الاتفاق الروسي - التركي، مع سيطرتها ومجموعات متشددة متحالفة معها على نحو 70 في المائة من المنطقة المخطط أن تقام عليها المنطقة العازلة. ولم يصدر حتى الآن أي موقف رسمي منها، بينما أعربت سابقاً عن رفضها «المساومة» على السلاح، عادّةً الأمر «خطاً أحمر»، في حين أعلن تنظيم «حراس الدين» قبل أسبوع في بيان جرى تناقله على مواقع التواصل الاجتماعي، وأكده «المرصد السوري»، رفضه «هذه المؤامرات وهذه الخطوات كلها».
وقالت المصادر إن تركيا ستواصل مفاوضاتها مع هذه الفصائل ومع الجانب الروسي للتوصل إلى توافق وبدء عملية الانسحاب في موعدها.
وبحث وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان في باريس أول من أمس الأحد، تطورات الملف السوري واتفاق إدلب والقمة المرتقبة بين قادة تركيا وفرنسا وروسيا وألمانيا، التي عقد اجتماع تحضيري لها في إسطنبول منتصف الشهر الماضي.
وعقد جاويش أوغلو ولودريان لقاء ثنائيا أعقبه لقاء موسع ضم وفدي البلدين جرى خلالهما تناول الملف السوري بالتفصيل.
في غضون ذلك، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن بلاده تهدف إلى تطهير مناطق شرق الفرات في سوريا ومنطقتي قنديل وسنجار في شمال العراق مما سماها «التنظيمات الإرهابية».
وأضاف إردوغان، في كلمة خلال افتتاح الدورة التشريعية الجديدة للبرلمان التركي أمس الاثنين، إن تركيا تهدف إلى مواصلة الحرب على «التنظيمات الإرهابية» في المنطقة، لافتاً إلى أن من أبرز أهدافها تطهير منطقتي منبج وشرق الفرات في سوريا ومنطقتي سنجار وجبال قنديل (معقل حزب العمال الكردستاني في شمال العراق).
في السياق ذاته، بحث رئيس الأركان التركي يشار غولر، مع نظيره الأميركي جوزيف دانفورد، إرساء الأمن والاستقرار في منطقة منبج شمال سوريا، إلى جانب العلاقات العسكرية بين البلدين.
وبحسب بيان نشره المتحدث باسم رئاسة الأركان الأميركية باتريك رايدر، مساء أول من أمس، التقى غولر ودانفورد في العاصمة البولندية وارسو حيث بحثا خلال اللقاء إرساء الأمن والاستقرار في منطقة منبج، وسبل تعزيز العلاقات العسكرية بين تركيا والولايات المتحدة.
وبموجب خريطة طريق اتفق عليها البلدان في يونيو (حزيران) الماضي تجري القوات التركية والأميركية حاليا دوريات مستقلة ومنسقة في منبج لإخراج عناصر «وحدات حماية الشعب» الكردية منها. لكن الرئيس رجب طيب إردوغان لفت إلى أن التنظيم لا يزال في منبج. وقال إن الولايات المتحدة لم تفِ بتعهداتها، وإنها لم تلتزم بالجدول الزمني المتفق عليه في خريطة الطريق الخاصة بمنبج، وإن عناصر «الوحدات» الكردية لم تغادر المنطقة، وإن أصحاب الأرض الحقيقيين لم يتمكنوا من العودة بعد.
وسيرت القوات التركية، أول من أمس، دورية جديدة على طول الخط الفاصل بين منطقة عملية «درع الفرات» ومدينة منبج شمال سوريا.
وقالت رئاسة الأركان التركية، في بيان، إنه جرى تسيير الدورية المستقلة الـ53 اليوم في المنطقة المذكورة بالتنسيق مع القوات الأميركية، منذ بدء تسيير هذه الدوريات في 18 يونيو الماضي تنفيذا للاتفاق.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.