حصيلة ضحايا العملية الإرهابية في جبل الشعانبي ترتفع إلى 15 قتيلا

صدمة وذهول في الشارع التونسي وقصف متواصل للمواقع المشبوهة

تونسيون خرجوا في مسيرات منددة بالإرهاب أمس في شوارع العاصمة إثر العملية الإرهابية التي أودت بحياة 15 جنديا (رويترز)
تونسيون خرجوا في مسيرات منددة بالإرهاب أمس في شوارع العاصمة إثر العملية الإرهابية التي أودت بحياة 15 جنديا (رويترز)
TT

حصيلة ضحايا العملية الإرهابية في جبل الشعانبي ترتفع إلى 15 قتيلا

تونسيون خرجوا في مسيرات منددة بالإرهاب أمس في شوارع العاصمة إثر العملية الإرهابية التي أودت بحياة 15 جنديا (رويترز)
تونسيون خرجوا في مسيرات منددة بالإرهاب أمس في شوارع العاصمة إثر العملية الإرهابية التي أودت بحياة 15 جنديا (رويترز)

أعلنت وزارة الدفاع التونسية عن العثور على الجندي المفقود الذي فارق الحياة غير بعيد عن منطقة المواجهات مع المجموعات الإرهابية، نتيجة الإصابات التي تعرض لها. وقالت الوزارة في بيان لها إن الجندي المتطوع «استبسل في الدفاع عن الموقع المكلف بحراسته واستشهد وهو يقاتل في سبيل الوطن». وبذلك يرتفع عدد العسكريين الذين اغتالتهم العناصر الإرهابية في هجوم شنته مساء الأربعاء الماضي إلى 15 قتيلا و25 جريحا، في أسوأ حصيلة للمواجهات التي تدور رحاها في الجبال الغربية المحاذية للحدود الجزائرية.
وعد اعلية العلاني الخبير في الجماعات الإسلامية أن وفاة الجندي المفقود «كارثة بجميع المعاني» على حد تعبيره. وأضاف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الجندي كان بمثابة الصندوق الأسود الذي كان بإمكانه مد قوات الأمن والجيش بمعلومات غاية من الأهمية ستكشف الكثير من الضباب الذي رافق الهجوم الإرهابي.
وكانت التونسية حليمة معالج، القيادية السابقة في روابط حماية الثورة، قد صرحت أن الجندي المتطوع الذي قتل أثناء المواجهات المسلحة هو ابن شقيقها، ويدعى وليد بن عبد الله وعمره 24 سنة. وأشارت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الإرهابيين أطلقوا عليه النار في أماكن متعددة من جسده، وأنه كان في الصفوف الأمامية أثناء شن الهجوم الإرهابي. ورجحت أن يكون الإرهابيون قد تخلوا عنه بعد فترة قليلة من الاحتفاظ به رهينة، قبل أن يسلم الروح فتخلوا عن الجثة، على حد تقديرها.
وبشأن الإرهابي الذي سقط قتيلا أثناء المواجهات، ذكرت مصادر أمنية من القصرين لـ«الشرق الأوسط» أنه من منطقة القصرين (وسط غربي) ويدعى عدنان بن محمد الشرقي، ولم تستبعد المصدر ذاتها أن يكون عدد كبير من المنتمين لكتيبة عقبة بن نافع الإرهابية من القيادات الجزائرية الخطيرة، من أمثال خالد الشايب المعروف بأبو صخر وأبو أحمد الجيجلي.
وتتواصل في جبال الشعانبي عمليات قصف المواقع المشبوهة باستعمال الآليات المدفعية الثقيلة، ووفق شهود عيان تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، إذ نفذت طائرة حربية صباح أمس طلعات فوق مرتفعات جبل الشعانبي، وشنت غارات جوية متتالية على مواقع يرجح أن تكون مأوى للمجموعة الإرهابية. واستهدفت القوات العسكرية، المتمركزة على مشارف المنطقة العسكرية المغلقة، الغابات والأودية بقصف جوي عنيف، في ظل تكتم كبير حول تفاصيل العملية العسكرية الجديدة.
وفي جلسة جديدة للحوار الوطني عقدت يوم أمس، قال حسين العباسي، رئيس الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال)، إن الوضع في تونس لم يعد يحتمل الانتظار، وإنه آن الأوان لعقد مؤتمر وطني لمناهضة الإرهاب، وضبط استراتيجية للقضاء عليه.
من جهته، قال أحمد نجيب الشابي، رئيس الهيئة السياسية للحزب الجمهوري، في مؤتمر صحافي عقده الحزب أمس في العاصمة التونسية، إنه سيعرض مشروع قانون يحمل اسم «عيون الوطن»، هدفه رعاية أبناء الشهداء من قبل الدولة. كما دعا الشابي إلى وضع استراتيجية وطنية لمقاومة الإرهاب، والرفع من ميزانيتي وزارتي الدفاع والداخلية لمجابهة التهديدات الإرهابية، وكذا إحداث صندوق لمقاومة الإرهاب، نافيا أن تكون الحلول الأمنية والعسكرية كافية لوحدها للقضاء على الإرهاب، بمعزل عن خطة شاملة تضم الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لظاهرة الإرهاب.
وعلى الرغم من مرور ثلاثة أيام لا تزال العملية الإرهابية التي أودت بحياة 15 عسكريا وجرح أكثر من عشرين آخرين في جبل الشعانبي، تلقي بظلالها على الشارعين السياسي والشعبي في تونس.
فعلى المستوى السياسي كان من المفروض أن تخصص جلسة الحوار الوطني لنهار أمس، الذي ترعاه أربع منظمات وطنية (نقابة العمال ومنظمة الأعراف وعمادة المحامين ومنظمة الدفاع عن حقوق الإنسان)، لموضوع الانتخابات المقبلة، ولكنها خاضت لأكثر من أربع ساعات في تداعيات العملية الإرهابية الأخيرة، وكان لافتا، بالخصوص، حضور مهدي جمعة، رئيس الحكومة التونسية لأطوار هذه الجلسة، وكذا وزير الداخلية لطفي بن جدو، وغازي الجريبي وزير الدفاع، ورضا صفر الوزير المعتمد المكلف الأمن. كما حضرت القيادات الأولى لأبرز الأحزاب السياسية التونسية، مثل راشد الغنوشي عن حركة النهضة (حزب إسلامي) والباجي قائد السبسي عن نداء تونس (ليبرالي)، وحمة الهمامي عن حزب العمال (يساري).
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر مطلعة شاركت في هذه الجلسة أن رئيس الحكومة والوزراء المرافقين له قدموا للحاضرين تفاصيل عن العملية الأخيرة، وعن الوضع الأمني العام في البلاد، ودعوا الأحزاب إلى «نبذ الخلافات والوحدة لمقاومة الإرهاب». وطرح المشاركون في الحوار جملة من التساؤلات، تعلقت باستراتيجية الحكومة في المرحلة الراهنة للتصدي لخطر الإرهاب، ونقص تجهيزات قوات الأمن والجيش، ومدى جاهزية هذه القوات، بالإضافة إلى تفشي ظاهرة التهريب، وقضية المساجد الخارجة عن سيطرة السلطات الرسمية. وخلال هذه الجلسة جدد بعض المشاركين في الحوار الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني حول الإرهاب في الأيام القليلة المقبلة.
وكان مهدي جمعة قد أشرف مساء أول من أمس، إلى جانب محمد المرزوقي، رئيس الجمهورية، ومصطفى بن جعفر، رئيس المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) على اجتماع المجلس الأعلى للأمن، الذي حضرته القيادات الأمنية والعسكرية العليا، تناول بالخصوص الخطط الأمنية في مواجهة الخطر الإرهابي الذي أصبحت تعرفه البلاد.
ومباشرة بعد وقوع العملية الإرهابية أصدرت مختلف الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية بيانات تندد بالإرهاب، ودعت إلى التصدي للجماعات المتطرفة، كما دعت بعض الأحزاب إلى مسيرات سلمية، حيث نظمت حركة النهضة، أمس، مسيرة في العاصمة بعد صلاة الجمعة، ومسيرات مماثلة في أنحاء مختلف من تونس، ونظمت أحزاب أخرى مساء أمس الجمعة مسيرة بضاحية باردو، غرب العاصمة التونسية، في اتجاه مقر المجلس الوطني التأسيسي.
وعدت جل الأحزاب السياسية هذه العملية الإرهابية محاولة «لإفشال المسار الانتقالي في تونس، وخاصة الانتخابات المقبلة حتى لا تجري في الموعد المحدد لها نهاية السنة الحالية»، وهو نفس الموقف الذي عبر عنه مهدي جمعة، رئيس الحكومة التونسية في كلمة بثتها القنوات التلفزية والمحطات الإذاعية التونسية مساء أول من أمس، أكد فيها أن الحكومة «متمسكة بإجراء الانتخابات في موعدها مهما حاول الإرهابيون التشويش عليها». أما الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية) فخصص أشغال هيئته الإدارية لتدارس تداعيات هذه العملية ومخاطر التهديدات الإرهابية. أما على مستوى الشارع فإن حالة من الذهول والصدمة لا تزال تسيطر على التونسيين بسبب فداحة الخسائر المسجلة بين قوات الجيش. كما عبر عدد من التونسيين عن حيرتهم بسبب تسرب عدد كبير من الإرهابيين الذين نفذوا هذه العملية (بين 40 و60 عنصرا حسب السلطات الرسمية) إلى منطقة جبل الشعانبي، خاصة أنها تعد منطقة عسكرية مغلقة، وتخضع منذ أشهر لحصار قوات الجيش والأمن.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.