125 ألف طالب و281 مدرسة في الرقة وريفها بعد طرد «داعش»

أطفال في مدرسة في الرقة («الشرق الأوسط»)
أطفال في مدرسة في الرقة («الشرق الأوسط»)
TT

125 ألف طالب و281 مدرسة في الرقة وريفها بعد طرد «داعش»

أطفال في مدرسة في الرقة («الشرق الأوسط»)
أطفال في مدرسة في الرقة («الشرق الأوسط»)

في مدرسة عقبة بن نافع الواقعة بحي الانتفاضة غربَ مدينة الرقة، يجلس الطفل سليمان البالغ من العمر اثنتي عشرة سنة وشقيقه سالم ذو السبع سنوات، في مقعد مدرسي قديم، وصفّ يغيب عنه باب وشباك. في حين كان بناء المدرسة شبه مدمر ولا يزال على العظم، لكنَّ هذين الطفلين و400 تلميذ بدأوا دوامهم الدراسي في 16 من الشهر الحالي، بعزيمة وإصرار على مواصلة تحصيلهم العلمي، بعد افتتاح لجنة التربية والتعليم بمجلس الرقة المدني أبواب المدرسة مجدداً.
وحُرم سليمان وأخوه الأصغر سالم كغيرهم من أطفال الرقة من إكمال الدراسة، أثناء سيطرة عناصر «داعش» المتشدد على مدينتهم بين يناير (كانون الثاني) 2014 وأكتوبر (تشرين الأول) 2017، قبل طردهم العام الماضي على يد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن من استعادتها وطرد عناصر التنظيم.
ولأول مرة في حياته يدخل الأخ الصغير سالم صفّاً مدرسياً، ويجلس على مقعد خشبي، فيما كان أخوه الأكبر سليمان يدرس الصف الأول الابتدائي نهاية 2013، لكن بعد سيطرة عناصر «داعش» منعوا الطلاب من التعلُّم وفق منهاج الحكومة السورية، وفرضوا مناهج خاصة بهم، وبعد عودته من جديد إلى المدرسة، وعند الحديث معه ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهه، وقال: «كنت أحلم بأن أجلس مرة ثانية على المقعد، وأحمل كتبي المدرسية وأكتب اسمي عليها»، فيما عَبَّر الطفل سالم عن سعادته بالجلوس في المقعد نفسه مع أخيه قائلاً: «كنت بخاف انحرم مثل أخي من الدراسة، لكن اليوم نحن بنفس المدرسة وبدنا نكمل دراستنا».
أما والد الطفلان ويدعى محمود (42 سنة) المتحدر من مدينة الرقة شمال سوريا، ويسكن في حي الانتفاضة، كان يخشى على مستقبل أبنائه بعدما دخلت الحرب عامها الثامن، وقال: «عادةً أولادي كان يسهرون معنا لوقت متأخر، لكن لمن عرفوا بفتح المدرسة ناموا الساعة 9 المسا، وفاقوا مع طلوع الضوء بنشاط وحماس»، وبدت علامات الفرحة واضحة على وجه الوالد وأضاف: «كنت أنتظر أشوف ولادي يلبسون زي المدرسة ويذهبون إلى مدرستهم».
وبحسب سكان الرقة وأثناء سيطرة عناصر تنظيم «داعش» على المدينة سابقاً، عمدوا إلى تحويل المدارس إلى مقرات عسكرية أو سجون سرية، من بينها مدرسة عقبة بن نافع، التي تعرَّضَت لغارة جوية في شهر يونيو (حزيران) العام الماضي أثناء المعركة، تسببت بتدمير بناء المدرسة بشكل شبه كلي.
لكن أهالي الحي وبدعم مادي من برنامج إنجاز الممول من الولايات المتحدة الأميركية، قاموا بترميم المدرسة وتنظيفها بالتنسيق مع لجنة التربية والتعليم في مجلس الرقة المحلي، وعلى الرغم من نواقص اللوازم التعليمية وغياب دورات المياه ونقص في المقاعد، يتحدى هؤلاء التلاميذ الظروف التي خلَّفتها الحرب الدائرة في بلادهم.
وبحسب مدير مدرسة عقبة بن نافع التربوي عبد العزيز الجاسم، يرتاد صفوف المدرسة 400 طالب منذ منتصف الشهر الحالي، تتراوح أعمارهم بين 7 سنوات و15 سنة، وأوضح أن لجنة التربية والتعليم وضعت خطة للطلبة الذين فاتتهم سنوات دراسية، كحال سليمان وغيره من أبناء المدينة بعد توقف العملية التربوية في الرقة لأربع دورات متتالية، وقال: «تقوم لجنة مؤلفة من اختصاصيين تربويون بإجراء سبر معلومات للطالب، ويتم تحديد المستوى بحسب هذه الاختبارات ويوضع بالصف المناسب لعمره».

الدمار والأنقاض أبرز التحديات
وتقع مدينة الرقة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، تبلغ مساحتها نحو 27 ألف كيلومتر مربع، كان يسكنها قبل 2011 نحو 100 ألف نسمة، لكن قسماً من الأهالي عادوا إليها بعد انتهاء العمليات القتالية أكتوبر 2017، وقاموا بتسجيل أبنائهم في المدارس التي أُعِيد فتحها، وبحسب سجلات لجنة التربية والتعليم في الرقة، هناك 125 ألف طالب مسجلون في مدارس الرقة وريفها، ارتاد أكثر من 75 ألف طالب الصفوف الدراسية وجلسوا على مقاعدهم في أول أسبوع من العام الدراسي الجديد.
وكشف علي الشنان، رئيس لجنة التربية والتعليم بمجلس الرقة المدني، والأخير مجلس محلي يدير شؤون المدينة بالتنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف الدولي أنّ «اللجنة افتتحت 281 مدرسة في الرقة وبلداتها يرتادها نحو 125 ألف طالب، منها 43 مدرسة داخل المدينة يداوم فيها اليوم نحو 30 ألف طالب في ثاني أسبوع من العام الدراسي».
وعن المنهاج المقرر والمعتمد في التدريس، ذكر الشنان أنه المنهاج الحكومي الصادر عن مديرية التربية في دمشق، منوهاً: «بعد حذف الدروس التي تمجد الأشخاص والأحزاب، التي تدعو إلى التطرف الديني»، في إشارة إلى دروس مادة القومية والتاريخ في المرحلتين الإعدادية والثانوية، التي تمجد الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وابنه بشار الأسد.
وتم تفعيل جميع صفوف مرحلة التعليم الأساسي من الأول للصف الخامس، إلى جانب تفعيل مرحلة التعليم الإعدادية، التي ستبدأ بداية الشهر المقبل، ويزيد الشنان: «انتهت لجنة التعليم من ترميم وتنظيف 22 مدرسة إعدادية، إلى جانب 6 مدارس ثانوية عامة بالتعاون مع منظمات مدنية، لكن المرحلة الثانوية لا يزال العمل جارياً لاستقبال الطلاب وتسجيلهم».
وعن أبرز التحديات التي تواجه العملية التربوية في الرقة، ذكر الشنان أنها تنحصر في حجم الدمار والركام التي تعرضت لها المدارس جراء الحرب، ونفى الشنان حصول لجنة التربية والتعليم أو مجلس الرقة المدني، أي دعم من الحكومة السورية لإعادة افتتاح المدارس وعودة الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية، واختتم حديثه قائلاً: «لا يوجد أي تنسيق بيننا وبين وزارة التربية في حكومة النظام، مجلس الرقة وبالتنسيق مع مجلس سوريا الديمقراطية وبدعم من التحالف الدولي تولى مهمة إعادة طلاب الرقة إلى مقاعدهم الدراسية».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.