إقالة رئيس البرلمان الجزائري تطرح تساؤلات حول احترام «الفصل بين السلطات»

تنحيته جاءت بعد انتشار أخبار عن معارضته لولاية الرئيس الخامسة

سعيد بوحجة
سعيد بوحجة
TT

إقالة رئيس البرلمان الجزائري تطرح تساؤلات حول احترام «الفصل بين السلطات»

سعيد بوحجة
سعيد بوحجة

أفادت مصادر من البرلمان الجزائري أن رئيسه سعيد بوحجة استقال على إثر تسلمه لائحة تحوي توقيع 300 برلماني، أعابوا عليه «عدم احترام قرارات رئيس الجمهورية»، وأعلنوا مقاطعته نهائيا، وهو ما جعل هذه القضية تطرح بحدة مدى احترام «مبدأ الفصل بين السلطات»، المنصوص عليه في الدستور الجزائري.
وقالت نفس المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن البرلمانيين أصحاب اللائحة ينتمون لـ«جبهة التحرير الوطني»، صاحبة الأغلبية، وهي في الوقت ذاته حزب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بالإضافة إلى ثلاثة أحزاب أخرى موالية للرئيس، هي «التجمع الوطني الديمقراطي» بقيادة رئيس الوزراء أحمد أويحيى، و«تجمع أمل الجزائر» برئاسة وزير الأشغال العمومية سابقا عمر غول، و«الحركة الشعبية الجزائرية» بقيادة وزير التجارة سابقا عمارة بن يونس. زيادة على مجموعة النواب المستقلين، وهم أيضا موالون للرئيس بوتفليقة. وقد تمت هذه الخطوة برعاية الوزير المكلف العلاقات مع البرلمان محجوب بدة، وعد ذلك تأكيدا على أن الرئاسة هي من قررت إبعاده، حسب عدد من المراقبين. علما بأن عدد نواب البرلمان يصل إلى 462. بينما يمثل «الإسلاميون» وكتلة العلمانيين فيه أقلية، وهم من المعارضة.
وقال صديق شهاب، وهو قيادي وبرلماني من «التجمع» في اتصال هاتفي «لقد انخرطنا في مسعى يطالب السيد بوحجة بالتنحي عن منصبه». لكن شهاب رفض الخوض في أسباب الحركة التي قادها النواب، بينما أوضح مقرب من بوحجة بأن قرار تنحيته غير شرعي، لكنه قرر الرحيل رغم ذلك. ويرأس بوحجة (80 سنة) «المجلس الشعبي الوطني»، الغرفة البرلمانية الأولى التي تعد الأهم في هيئة التشريع. وهو ينتمي لـ«جبهة التحرير»، ومتحدث سابق باسمها. وتوجد أيضا غرفة ثانية هي «مجلس الأمة»، التي يرأسها عبد القادر بن صالح، وهو قيادي في حزب أويحيى، والرجل الثاني في الدولة، بحسب الدستور.
ويرى مراقبون أن سبب الضغوط التي دفعت بوحجة إلى التنحي هو قراره، الأسبوع الماضي، القاضي بإقالة أمين عام «المجلس» بشير سليماني، دون العودة إلى الرئاسة التي عينته في المنصب في عهد محمد العربي ولد خليفة، رئيس الغرفة الأولى سابقا (2012 - 2017). وقد ذكر نواب أن سليماني رفض تغطية نفقات مدير بروتوكول بوحجة، الذي سافر معه إلى فرنسا. وقال لبوحجة إنه لن يدفع له أكثر من 35 في المائة من «تكاليف المهمة»، مثلما تنص عليه قوانين البرلمان، وهو ما أثار حفيظته، فقرر إبعاده. يشار إلى أن المادة 10 من «النظام الداخلي» تتحدث عن «استقالة»، أو «وفاة» رئيس «المجلس الشعبي»، كاحتمالين لشغور المنصب. لكن في مسعى لإيهام الرأي العام بأن السلطة التنفيذية لم تتدخل في شؤون البرلمان، تم تسريب معلومة عن «استقالة» بوحجة، بمعنى أنه غادر المنصب طواعية. كما أشيع في أوساط الأغلبية البرلمانية أن أسبابا أخرى تقف وراء الضغط على بوحجة لدفعه إلى الاستقالة، حيث نسب له أنه «غير متحمس» لولاية خامسة للرئيس بوتفليقة. وقيل أيضا إنه شوهد مع رئيس الحكومة ورئيس البرلمان وأمين عام «جبهة التحرير» سابقا، عبد العزيز بلخادم، «المغضوب عليه» من طرف «جماعة الرئيس»، بسبب رغبته المفترضة في أن يستخلف بوتفليقة. والشائع أيضا أن علاقة بوحجة متوترة مع جمال ولد عباس، أمين عام «جبهة التحرير»، الذي يحظى بثقة كبيرة لدى الرئيس، والذي لم يخف أبدا امتعاضه من بوحجة، بذريعة أنه «لا يظهر ولاء للرئيس»، بعكس بقية قيادات الحزب الواحد سابقا.
وتوجد سوابق كثيرة تشبه الحادثة، التي وقعت لبوحجة. ففي 2004 اضطر كريم يونس، رئيس «المجلس»، إلى الاستقالة بعد أن خسر مرشحه علي بن فليس أمين عام «جبهة التحرير» في انتخابات الرئاسة، أمام الغريم بوتفليقة. وفي 1999 حدث نفس السيناريو مع الراحل بشير بومعزة، الذي ضغط عليه أعضاء «مجلس الأمة» لتنحيته من رئاسته، لخلافات سياسية وشخصية كبيرة مع بوتفليقة. وفي 1992 حل جنرالات الجيش البرلمان، لما كان رئيسه بلخادم ومن دون علمه، عندما قرروا إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية على إثر فوز ساحق للإسلاميين بها. والثابت أن بوتفليقة لا يطيق «التعايش» مع أي مسؤول في البلاد، مهما كان منصبه، في حال لم يرض عنه.



«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
TT

«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)

تصاعد منحنى التوترات في القرن الأفريقي وسط سجالات بين الصومال وإثيوبيا وهجوم إعلامي يتجدد من أديس أبابا تجاه الوجود المصري في مقديشو، مع مخاوف من تصعيد غير محسوب وتساؤلات بشأن إمكانية احتواء ذلك المنسوب المزداد من الخلافات بتلك المنطقة التي تعد رئة رئيسية للبحر الأحمر وأفريقيا.

خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يرون أن «التصعيد سيكون سيد الموقف الفترة المقبلة»، خصوصاً مع تمسك مقديشو بخروج قوات حفظ السلام الإثيوبية من أراضيها وتشبث أديس أبابا بمساعيها للاتفاق مع إقليم الصومال الانفصالي، لإيجاد منفذ بحري البحر الأحمر رغم رفض مقديشو والقاهرة، فضلاً عن تواصل الانتقادات الإثيوبية الرسمية للقاهرة بشأن تعاونها العسكري مع الصومال.

وتوقعوا سيناريوهين أولهما الصدام مع إثيوبيا، والثاني لجوء أديس أبابا لحلول دبلوماسية مع ازدياد الضغوط عليها بعدّها أحد أسباب التصعيد الرئيسية في المنطقة.

وقدّم وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، الاثنين، «شرحاً للتلفزيون الحكومي حول العلاقات المتوترة بين مقديشو وأديس أبابا»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الصومالية الرسمية للبلاد، التي قالت إن أديس أبابا «انتهكت في 1 يناير (كانون الثاني) العام الحالي، السيادة الداخلية للدولة عقب إبرامها مذكرة تفاهم باطلة مع إدارة أرض الصومال».

وزير الخارجية والتعاون الدولي الصومالي (وكالة الأنباء الرسمية)

ولم تتمكن أديس أبابا من تنفيذ الاتفاق غير الشرعي الذي ألغاه البرلمان الصومالي، كما أن الصومال نجح دبلوماسياً في الحفاظ على سيادة البلاد واستقلال أراضيه، عبر القنوات المفتوحة في كل الاجتماعات بالمحافل الدولية، وفق تقدير أحمد معلم فقي.

وبشأن مستقبل العلاقات الدبلوماسية للبلدين، أشار فقي إلى أن «العلاقات لم تصل إلى طريق مسدودة، فسفارة الدولة مفتوحة وتعمل هناك، بينما تعمل سفارة أديس أبابا هنا في مقديشو، والسفير الإثيوبي حالياً يوجد في بلاده، بيد أن طاقم سفارته موجود، كما أن طاقمنا لا يزال موجوداً هناك».

وكشف فقي في مقابلة متلفزة الأحد، أن الحكومة الصومالية ستتخذ إجراءات سريعة لنقل السفارة الإثيوبية إلى موقع جديد خارج القصر الرئاسي في المستقبل القريب.

وفي أبريل (نيسان) 2024، طرد الصومال السفير الإثيوبي، واستدعى مبعوثه من أديس أبابا، قبل أن تعلن وزارة الخارجية الصومالية أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في إفادة، أنها طلبت من المستشار الثاني في سفارة إثيوبيا لدى الصومال، مغادرة البلاد في غضون 72 ساعة، واتهمته بممارسة «أنشطة لا تتفق مع دوره الدبلوماسي، وتشكل خرقاً لاتفاقية (فيينا) للعلاقات الدبلوماسية الصادرة عام 1961».

وتدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع الأخيرة مذكرة تفاهم مع إقليم (أرض الصومال) الانفصالي بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، وسط رفض من الحكومة الصومالية ودول الجامعة العربية، لا سيما مصر، التي تشهد علاقاتها مع أديس أبابا توتراً بسبب تعثر مفاوضات سد النهضة الإثيوبي.

وفي مواجهة تلك التحركات، حشد الصومال، دعماً دولياً وإقليمياً، لمواقفه، ضد المساعي الإثيوبية، وأبرم بروتوكول تعاون عسكري مع مصر، وفي أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة مساعدات عسكرية إلى مقديشو.

إثيوبيا هي الأخرى تواصل الدفاع عن اتفاقها مع إقليم أرض الصومال، وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أواخر أكتوبر الماضي، إن بلاده تسعى للوصول السلمي إلى البحر الأحمر، وتتمسك بموقف واضح بشأن هذه القضية.

وعادت وكالة الأنباء الإثيوبية، السبت، للتأكيد على هذا الأمر، ونقلت عن نائب المدير التنفيذي لمعهد الشؤون الخارجية عبده زينبي، قوله إن سعي إثيوبيا للوصول إلى البحر أمر بالغ الأهمية، لافتاً إلى أن الحكومة تعمل بشكل وثيق للغاية مع جميع الجهات الفاعلة الإقليمية لضمان ذلك.

وبتقدير مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير صلاح حليمة، فإن «تلك التوترات تزيد من حدة السخونة في منطقة القرن الأفريقي»، لافتاً إلى أن «إثيوبيا تتحمل زيادة منسوب التوتر منذ توقيع اتفاقية مع إقليم انفصالي مخالفة للقانون الدولي ومهددة لسيادة الصومال».

وبرأي الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، فإن «كلا الطرفين (الصومال وإثيوبيا) لا ينوي خفض التصعيد، بل كلاهما يتجه إلى التصعيد والتوترات بينهما مرشحة للتصاعد»، لافتاً إلى أن «كل المحاولات التي تمت الشهور الأخيرة للوساطة، سواء كانت تركية أو أفريقية، لم تفعل شيئاً يذكر لخفض التصعيد».

وبشيء من التفاصيل، يوضح الخبير السوداني في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، أن «إقدام الصومال على طرد دبلوماسي إثيوبي رفيع من أراضيه تحت مبررات التدخل في الشؤون الداخلية، يأتي متزامناً مع طبيعة التحركات الرسمية التي تنتهجها مقديشو بشأن التشاور والإعداد لاستبدال بعثة لحفظ السلام في الصومال، تكون أكثر قبولاً وترحيباً عند مقديشو، بالحالية».

ومن المعلوم أن مقديشو «لا تريد قوات إثيوبية ضمن بعثة حفظ السلام الأفريقية» داخل أراضيها، تحت أي اسم بعد مساعيها لإنشاء منفذ بحري مقابل الاعتراف بإقليم انفصالي، لذلك ارتفع صوت الصومال عالياً خلال الفترة الأخيرة مطالباً الاتحاد الأفريقي بضرورة عدم إشراك قوات إثيوبية ضمن البعثة الجديدة التي من المقرر أن تتولى مهامها بحلول عام 2025م»، وفق الحاج.

ولم يتوقف موقف أديس أبابا عند التمسك بمواقفها التي ترفضها مقديشو، بل واصلت مهاجمة وجود القاهرة بالصومال، ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية عن الباحث الإثيوبي يعقوب أرسانو، الأحد، دعوته إلى «ضرورة تقييم دور مصر في الصومال ووجودها الذي قد يؤدي إلى تصعيد عدم الاستقرار في جميع أنحاء منطقة القرن الأفريقي»، متحدثاً عن أن «القاهرة تورطت في الصومال كقوة مزعزعة للاستقرار».

ووفقاً ليعقوب، فإن «نفوذ مصر في الصومال ربما يكون جزءاً من استراتيجية أوسع لإضعاف إثيوبيا»، لافتاً إلى أنه «إذا فشلت مصر في فرض سيطرتها، فقد تقع الأسلحة بأيدي الجماعات الإرهابية، ما يشكل تهديدات فورية لكل من الصومال وإثيوبيا»، عادّاً أن «السماح لمصر بكسب النفوذ قد يؤدي إلى توتر العلاقات بين إثيوبيا والصومال، وسيقوض أمن واستقرار الصومال على وجه الخصوص».

ويعدّ الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، الهجوم الإثيوبي تجاه القاهرة نتيجة أن «أديس أبابا تفهم جيداً خطورة دور المصري إذا دعمت الصومال، لذا فهي تحاول وقف دور مصري داعم للصومال، لذلك ربما يكون ما يثار بالإعلام الإثيوبي فقط للتضليل».

ويستبعد أن «تصل الأمور إلى حرب بين إثيوبيا والصومال أو إثيوبيا ومصر»، لافتاً إلى أن «انتخابات أرض الصومال في هذا الشهر سيكون لها دور في مستقبل مذكرة التفاهم، خصوصاً إذا فاز عبد الرحمن عرو أمام الرئيس الحالي موسى بيحي عبدي بالانتخابات الرئاسية المقررة في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، فيتوقع أن يقوم بإلغاء مذكرة التفاهم لقربه من الصومال».

ويرجع الخبير السوداني، عبد الناصر الحاج، الموقف الإثيوبي تجاه مصر، إلى أنه «منذ توقيع القاهرة ومقديشو على اتفاقية أمنية في أغسطس (آب) الماضي، باتت تجتاح أديس أبابا مخاوف كبيرة من تشكيل حلف عسكري استخباراتي جديد في منطقة القرن الأفريقي يجمع مصر والصومال وإريتريا، وهي ذات الدول الثلاث التي تجري علاقة إثيوبيا بهم على نحو متوتر وقابل للانفجار».

ويرى السفير حليمة أن «احترام إثيوبيا للقوانين وعدم اللجوء لتصرفات أحادية وسياسة فرض الأمر الواقع، السبيل الوحيد لاحتواء أي تصعيد بمنطقة القرن الأفريقي»، مضيفاً أن «هذا يحتاج إيجاد حلول لملف سد النهضة ووقف مساعي إبرام الاتفاقية مع إقليم أرض الصومال، وبدء علاقات قائمة على الاحترام والتعاون مع دول منطقة القرن الأفريقي».