فنانو الخليج العربي يتألقون في مزاد لندني

مشاركة من السعودية والإمارات والكويت في مزاد فنون القرن العشرين بدار سوذبيز

«مصلون يغادرون المسجد» لعبد الرحمن السليمان
«مصلون يغادرون المسجد» لعبد الرحمن السليمان
TT

فنانو الخليج العربي يتألقون في مزاد لندني

«مصلون يغادرون المسجد» لعبد الرحمن السليمان
«مصلون يغادرون المسجد» لعبد الرحمن السليمان

ضمن مزادها القادم لفنون القرن العشرين والشرق الأوسط الذي سيقام الشهر القادم في لندن ضمنت دار سوذبيز قسما خاصا يقدم مجموعة أعمال لفنانين من دول الخليج العربي منهم عبد الرحمن السليمان من السعودية ومحمد كاظم وحسن شريف من الإمارات ومنيرة القازي من السعودية - الكويت. وستعرض الأعمال للجمهور في لندن في 19 أكتوبر (تشرين الأول) القادم ضمن المعرض الذي يسبق المزاد.
وحسب ما ذكر أشكان باغستاني خبير الفن العربي المعاصر في سوذبيز، فإن عددا من الأعمال المعروضة في قسم فن الخليج العربي تعرض للمرة الأولى للبيع في مزاد عالمي.
ويضيف باغستاني: «لسنوات طويلة أضاف الفنانون والخبراء والمؤسسات من الخليج العربي علامات طموحة على المشهد الثقافي في المنطقة، حيث وضعوا يدهم على تراث فني شديد الثراء ومنتجاته التي تجمع بين الحضارات المتجاورة».
ويأتي المزاد إضافة لما بدأته الدار من دعم للفن في المنطقة حيث قدمت في مزادها لعام 2014 أول مزاد لفنانين مؤثرين من السعودية كما أدرجت أعمال عربية في مزاداتها العالمية التي تقام في لندن. «مع ازدهار الفن في منطقة الخليج العربي بوتيرة متسارعة فمن المهم في هذه الفترة أن نستكشف الممارسات المعاصرة التي تحدث في الفن بالخليج، إضافة إلى التيار الحديث الذي سبق أن مهد للفنانين المعاصرين حاليا»، يضيف باغستاني في إشارة إلى وجود أعمال لفنانين رواد مثل عبد الرحمن السليمان من السعودية الذي يعرض له المزاد عملين من مرحلة الفن التكعيبي والفنان حسن شريف رائد الفن التجريبي في الإمارات.
لعبد الرحمن السليمان يضم المزاد عملين الأول بعنوان «مصلون يغادرون المسجد» وهي لوحة زيتية تعود لعام 1981 وتقدر لها الدار سعرا يتراوح ما بين 50 ألف إلى 70 ألف جنيه إسترليني، وعمل آخر بعنوان «امرأة جالسة» لوحة زيتية تعود لعام 1980 ويُتوقع لها سعر يتراوح ما بين 40 ألف إلى 60 ألف جنيه إسترليني. اللوحتان تمثلان تأثر الفنان بالموجة التكعيبية في الفن وعبرها يقدم مشاهد من الحياة المنزلية وحياة العمال الأسواق والفلاحين في المزارع. ويلفت النظر في أعمال السليمان الاهتمام بتصوير النساء المؤثرات في حياته. المميز في لوحات السليمان هو الحيوية والحياة التي تنبعث في أجزاء لوحاته. اللوحتان عرضتا مؤخرا في معرض «آرت دبي - مودرن». ويعد السليمان أحد الفنانين المؤثرين في المشهد الفني الحديث بالسعودية ويعرف بإيمانه الشديد بالفن المحلي الذي يحتفل بالتراث السعودي يصوره بنفحات من الحنين للماضي.
الفنان الإماراتي محمد كاظم يعد من الفنانين البارزين في الفن المفاهيمي استخدم الفيديو والتصوير والأداء وسائل لإخراج أفكاره الفنية وتعرف العالم على فنه بصورة قريبة في بينالي البندقية، حيث مثل عمله «المشي على الماء» جناح دولة الإمارات في دورة عام 2013.
يعرض المزاد لكاظم عمل «بلا عنوان» الذي يتفرد باستخدام حاد وعميق للون الزهري وتدرجاته، وحسب سوذبيز فاستخدام اللون على المساحة الواسعة للوحة قد يوحي بألوان السماء عند غروب الشمس في الصحراء. اللوحة تعرض في المزاد للمرة الأولى ويقدر لها سعر (10 آلاف - 15 ألف جنيه إسترليني).
الفنان حسن شريف له بصمة واضحة على الفن في منطقة الخليج العربي وخاصة الفن التجريبي ويعرض له في المزاد لوحة ضخمة تعد الأكبر من تنفيذه وتحمل عنوان «الأولمبياد 2» تعرض للمرة الأولى للبيع في مزاد ويتوقع لها سعر يتراوح ما بين (18 ألفا إلى 25 ألف جنيه إسترليني)
كما يعرض المزاد لوحة للفنانة السعودية - الكويتية منيرة القازي بعنوان «أم وطفل» تعود لعام 1960.



الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك
TT

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

قليلاً ما يتحول حفل تكريم مبدع كبير إلى احتفاءٍ بكل الحلقة الخلاّقة التي تحيط به. هذا يتطلب رقياً من المكرّم والمنظمين، يعكس حالةً من التسامي باتت نادرة، إن لم تكن مفقودة.

فمن جماليات حفل تكريم الشاعر الفذّ طلال حيدر على «مسرح كركلا»، برعاية وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري وحضوره، الأحد الماضي، هذا التحلق اللافت لجمع من الشعراء وأهل الفكر والثقافة والفنانين والإعلاميين، حول شاعرهم الذي رفد الأغنية اللبنانية بأجمل القصائد، وأغنى الشعر بصوره المدهشة وتعابيره المتفجرة.

طلال حيدر قبل التكريم مع الفنان عبد الحليم كركلا ووزير الإعلام زياد المكاري

طربيه ودور البطل

قدم الحفل الممثل القدير رفعت طربيه الذي هو نفسه قيمة فنية، معتبراً أن حيدر «كان دائماً البطل الأول على (مسرح كركلا). فهو ابن الأرض، وابن بعلبك، لكنه في الوقت عينه واكب الشعر العالمي ودخل الحداثة فكراً وصورةً وإيقاعاً، راكباً صهيل الخيل». فليس شائعاً أن يترجم شاعر بالعامية إلى لغات أجنبية كما هي دواوين المكرّم وقصائده.

عبد الحليم كركلا مع الشاعر نزار فرنسيس (خاص - الشرق الأوسط)

ومن أرشيف المايسترو عبد الحليم كركلا، شاهد الحضور فيلماً قصيراً بديعاً، عن طلال حيدر، رفيق طفولته ودربه طوال 75 عاماً. قال كركلا: «لقاؤنا في طفولتنا كان خُرافياً كَأَسَاطِيرِ الزَمَان، غامضاً ساحراً خارجاً عن المألوف، حَصَدنَا مَواسم التراث معاً، لنَتَكَامل مع بعضنا البعض في كل عمل نبدعه».

فيلم للتاريخ

«طلال حيدر عطية من عطايا الله» عنوان موفق لشريط، يظهر كم أن جيل الستينات الذي صنع زهو لبنان ومجده، كان متآلفاً متعاوناً.

نرى طلال حيدر إلى جانبه كركلا، يقرآن قصيدة للأول، ويرسمان ترجمتها حركةً على المسرح. مارسيل خليفة يدندن نغمة لقصيدة كتبها طلال وهو إلى جانبه، وهما يحضّران لإحدى المسرحيات.

لقطات أثيرة لهذه الورشات الإبداعية، التي تسبق مسرحيات كركلا. نمرّ على مجموعة العمل وقد انضم إليها سعيد عقل، ينشد إحدى قصائده التي ستتحول إلى أغنية، والعبقري زكي ناصيف يجلس معه أيضاً.

عن سعيد عقل يقول حيدر: «كنا في أول الطريق، إن كان كركلا أو أنا، وكان سعيد عقل يرينا القوى الكامنة فينا... كان يحلم ويوسّع حلمه، وهو علّمنا كيف نوسّع الحلم».

في أحد المشاهد طلال حيدر وصباح في قلعة بعلبك، يخبرها بظروف كتابته لأغنيتها الشهيرة «روحي يا صيفية»، بعد أن دندن فيلمون وهبي لحناً أمامه، ودعاه لأن يضع له كلمات، فكانت «روحي يا صيفية، وتعي يا صيفية، يا حبيبي خدني مشوار بشي سفرة بحرية. أنا بعرف مش رح بتروح بس ضحاك عليي».

في نهاية الحوار تقول له صباح: «الله ما هذه الكلمات العظيمة!»، فيجيبها بكل حب: «الله، ما هذا الصوت!» حقاً ما هذا اللطف والتشجيع المتبادل، بين المبدعين!

كبار يساندون بعضهم

في لقطة أخرى، وديع الصافي يغني قصيدة حيدر التي سمعناها من مارسيل خليفة: «لبسوا الكفافي ومشوا ما عرفت مينن هن»، ويصرخ طرباً: «آه يا طلال!» وجوه صنعت واجهة الثقافة اللبنانية في النصف الثاني من القرن العشرين، تتآلف وتتعاضد، تشتغل وتنحت، الكلمة بالموسيقى مع الرقصة والصورة. شريط للتاريخ، صيغ من كنوز أرشيف عبد الحليم كركلا.

المقطع الأخير جوهرة الفيلم، طلال حيدر يرتجل رقصة، ويترجم بجسده، ما كتبه في قصيدته ومعه راقصو فرقة كركلا، ونرى عبد الحليم كركلا، أشهر مصمم رقص عربي، يرقص أمامنا، هذه المرة، وهو ما لم نره من قبل.

عبد الحليم كركلا يلقي كلمته (خاص - الشرق الأوسط)

روح الألفة الفنية هي التي تصنع الإبداع. يقول حيدر عن تعاونه مع كركلا: «أقرأه جيداً، قرأنا معاً أول ضوء نحن وصغار. قبل أن أصل إلى الهدف، يعرف إلى أين سأصل، فيسبقني. هو يرسم الحركة التصويرية للغة الأجساد وأكون أنا أنسج اللغة التي ترسم طريق هذه الأجساد وما ستذهب إليه. كأن واحدنا يشتغل مع حاله».

طلال حيدر نجم التكريم، هو بالفعل بطل على مسرح كركلا، سواء في صوغ الأغنيات أو بعض الحوارات، تنشد قصائده هدى حداد، وجوزف عازار، وليس أشهر من قصيدته «وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان» التي غنتها فيروز بصوتها الملائكي.

أعلن رئيساً لجمهورية الخيال

طالب الشاعر شوقي بزيع، في كلمته، بأن ينصّب حيدر «رئيساً لجمهورية الخيال الشعري في دولة لبنان الكبير» بصرف النظر عمن سيتربع على عرش السياسة. ورغم أن لبنان كبير في «الإبداعوغرافيا»، كما قال الشاعر هنري زغيب، فإن طلال حيدر «يبقى الكلام عنه ضئيلاً أمام شعره. فهو لم يكن يقول الشعر لأنه هو الشعر».

وقال عنه كركلا: «إنه عمر الخيام في زمانه»، و«أسطورة بعلبك التي سكبت في عينيه نوراً منها، وجعلت من هيبة معابدها حصناً دفيناً لشعره». وعدَّه بطلاً من أبطال الحضارة الناطقين بالجمال والإبداع. سيعيش دوماً في ذاكرة الأجيال، شعلةً مُضيئةً في تاريخ لبنان.

الفنان مارسيل خليفة الذي تلا كلمته رفعت طربيه لتعذّر حضوره بداعي السفر، قال إن «شعره مأخوذ من المتسكعين والباعة المتجولين والعاملين في الحقول الغامرة بالخير والبركة». ووصفه بأنه «بطل وصعلوك في آن، حرّ حتى الانتحار والجنون، جاهليّ بدويّ فولكلوريّ خرافيّ، هجّاء، مدّاح، جاء إلى الحياة فتدبّر أمره».

وزير الإعلام المكاري في كلمته توجه إلى الشاعر: «أقول: طلال حيدر (بيكفّي). اسمُك أهمّ من كلّ لقب وتسمية ونعت. اسمُك هو اللقب والتسمية والنعت. تقول: كبروا اللي بدهن يكبروا، ما عندي وقت إكبر. وأنا أقول أنتَ وُلِدْتَ كبيراً»، وقال عنه إنه أحد أعمدة قلعة بعلبك.

أما المحامي محمد مطر، فركزّ على أن «طلال حيدر اختار الحرية دوماً، وحقق في حياته وشعره هذه الحرية حتى ضاقت به، لذا أراه كشاعر فيلسوف ناشداً للحرية وللتحرر في اشتباكه الدائم مع تجليات الزمان والمكان».

الحضور في أثناء التكريم (خاص - الشرق الأوسط)

وفي الختام كانت كلمة للمحتفى به ألقاها نجله علي حيدر، جاءت تكريماً لمكرميه واحداً واحداً، ثم خاطب الحضور: «من يظن أن الشعر ترف فكري أو مساحة جمالية عابرة، إنما لا يدرك إلا القشور... الشعر شريك في تغيير العالم وإعادة تكوين المستقبل».