جينا ميلر... المرأة التي واجهت «بريكست»

«انهض» كتاب يتحدث عن تجربتها

جينا ميلر... المرأة التي واجهت «بريكست»
TT

جينا ميلر... المرأة التي واجهت «بريكست»

جينا ميلر... المرأة التي واجهت «بريكست»

يعتبرها المئات في المملكة المتحدة «خائنة»، لكن جينا ميلر تصر على أنها فقط «تسعى للتغيير». لقد ذاع صيتها، أو لنقل ساءت سمعتها، عام 2016، بعدما أقامت دعوى ضد الحكومة في المحكمة العليا لإجبارها على الرجوع للبرلمان بشأن الخروج من منظومة الاتحاد الأوروبي «بريكست». كسبت جينا القضية، ومنذ ذلك الحين انقلبت حياتها رأساً على عقب، فقد أصبحت موضع إعزاز وحب بين شريحة من البريطانيين، وموضع كراهية بين شريحة أخرى؛ ليس هناك منطقة وسطى للحكم على سيدة الأعمال الناجحة التي تباينت الآراء بشأنها.
في كتابها الذي حمل عنوان «Rise» أو «انهض»، لم تعدد جينا فقط الأسباب التي جعلتها تقف في وجه الحكومة والملايين الذين صوتوا لصالح قرار «بريكست»، المقرر تنفيذه في مارس (آذار) 2019، الذي يعتبر الحدث السياسي الأبرز في أوروبا، بل عرضت أيضاً مذكراتها، التي تضمنت حياتها وفشلها وآلامها ومعاركها وأصلها، بلغة بسيطة شخصية.
تقول جينا: «أتمنى أن يكون هذا الكتاب بمثابة نداء للتجمع لكل من يهاب التعبير عن رأيه، ويخشى الوقوف في وجه الاضطهاد».
وقد ولدت جينا في مدينة جينا، المستعمرة البريطانية السابقة في الكاريبي، وأرسلت إلى مدرسة داخلية في إنجلترا، حيث قضت أغلب سنوات عمرها، وكان الغرض هو إبعادها عن الخطر القائم في بلادها. وفي هذا السياق، تقول جينا: «المفارقة كانت أنني أرسلت إلى المملكة المتحدة لكي أكون في أمان، لكن ها هو الوضع ذاته يتكرر»، في إشارة إلى المعاناة التي لاقتها بسبب أصلها وعرقها، وربما مواقفها.
وفي أمسية تدشين كتابها، أكدت المؤلفة دعمها لفكرة تبناها كثير من القطاعات السياسية، وهي إجراء استفتاء ثانٍ لمعرفة رأي البريطانيين مرة أخرى، وما إذا كانوا يرغبون في الخروج من الاتحاد الأوروبي، وقالت بلهجة واثقة إن النتائج ستكون مختلفة هذه المرة، وإن خيار البقاء في الاتحاد الأوروبي سيكسب الرهان.
ومن الغريب أن جينا تتحدث في السياسة في الوقت الذي تنكر فيه أن يكون لها طموحات سياسية. ورغم أنه لم يتبقى كثير من الوقت للمفاوضات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأنك لا تستطيع أن ترى ضوءاً في نهاية النفق، فإن جينا تصر على القول: «أعتقد أن هناك مجالاً للتحرك بكل تأكيد. أعتقد أن هذه القضية يجب أن نناقشها. في هذه اللحظة من التاريخ، يتحتم علينا أن نخوض هذه المعركة».
في مذكراتها، ستجد إشارات كثيرة لعائلتها، خصوصاً أباها، المحامي الناجح في مدينة غيانا، بالبحر الكاريبي، المعروف بقبوله الدفاع عن موكليه العاجزين عن سداد أجره لأنه كان يؤمن بأهمية مساعدة الآخرين. وسردت أيضاً في كتابها، المتكون من 21 فصلاً، سوء المعاملة التي تعرضت لها في حياتها، وتجاربها في زيجاتها الفاشلة، والتحرش الجنسي الذي تعرضت له في أماكن العمل، وفشلها كسيدة أعمال، غير أنها كتبت أيضاً عن رضاها النفسي عن نجاحها في التعامل مع ابنتها الكبرى ذات الاحتياجات الخاصة، وهي تهدف من ذلك، كما قالت، إلى أن تجعل من نجاحها قصة يحتذى بها من قبل العائلات التي تعاني من المشكلة نفسها.
من جانب آخر، تحدثت جينا عن مخاوفها بشأن سلامتها الشخصية وسلامة أسرتها، بعدما انتصرت في دعوى «بريكست» في القضاء. وأفادت بأنها هي وطفليها كانوا يذهبون إلى المدرسة وسط حراسة خشية من التهديدات التي تلقتها. وكشفت جينا أن السبب في اختيارها لعنوان «انهض» (Rise) هو أنه عنوان قصيدة مفضلة لها، ولأنه يعبر عن رحلتها، فـ«الناس حاولوا إسقاطي، لكنني كنت أقف دائماً بعدها».
إن «Rise» كتاب بسيط يخلو من أي ذرائع لإقناع أي شخص بفكرة ما، لكن من الجميل معرفة سير الأحداث من وجهة نظر هذه السيدة الشجاعة، وهي كذلك بلا شك، سواء اتفقنا أو اختلفنا مع مواقفها السياسية.


مقالات ذات صلة

كتب شركة ناشئة تخطط لنشر ما يصل إلى 8 آلاف كتاب العام المقبل باستخدام الذكاء الاصطناعي (أرشيفية)

وسط اعتراض كتّاب ودور نشر… شركة ناشئة تسعى لإنتاج 8 آلاف كتاب العام المقبل باستخدام الذكاء الاصطناعي

ينتقد كتّاب وناشرون إحدى الشركات الأميركية الناشئة التي تخطط لنشر ما يصل إلى 8 آلاف كتاب العام المقبل باستخدام الذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

سردار عبد الله يحاول ملء الفراغ في سيرة الشيخ النقشبندي

سردار عبد الله يحاول ملء الفراغ في سيرة الشيخ النقشبندي
TT

سردار عبد الله يحاول ملء الفراغ في سيرة الشيخ النقشبندي

سردار عبد الله يحاول ملء الفراغ في سيرة الشيخ النقشبندي

صدر عن دار «نوفل - هاشيت أنطوان» كتاب «موجَز الرحلتَيْن في اقتفاء أثر مولانا ذي الجناحَيْن» للكاتب والسياسي العراقي الكردي سردار عبد الله. في هذا الكتاب، الذي نال تنويهاً من جائزة ابن بطّوطة لأدب الرحلات، يحاول سردار عبد الله، من خلال رحلتين قام بهما في عام 2018 إلى الهند، ملء الفراغ في سيرة الشيخ النقشبندي.

هناك، في مدينة جيهان آباد القديمة، قضى الشيخ خالد النقشبندي عاماً في منتصف القرن التاسع عشر، أسهمت تلك السنة في تعزيز دور الشيخ لإحداث تغييرات بعد عودته؛ إذ تبنى الطريقة النقشبندية التي باتت تسمى فيما بعد باسمه «النقشبندية الخالدية». تقودنا هذه الرحلة إلى أحداث تاريخية مهمة حينها مثل سقوط ولاية بغداد والطريقة الصوفية البكتاشية. فكانت طريقته الصوفية بمثابة البديل الروحي أولاً؛ ما أحدث تحولاً كبيراً في تركيبة الزعامة الكردية، التي انتقلت من طبقة الأمراء والإقطاع إلى رجال الدين المتنوّرين.

اتخذ الكاتب قراراً جازماً بألا يعود من الهند ما لم يعثر على ذلك المكان المجهول، غير أنه في رحلة بحثه تلك، يخوض في التاريخ تارة وفي العجائب والطرائف التي يصادفها في تلك البلاد تارة أخرى.

«كيف لنملةٍ أن تطارد نسراً؟»، يتساءل الكاتب، كيف لمريدٍ أن يقتفيَ آثارَ شيخٍ حملَ الشريعةَ على جناحٍ والحقيقةَ على آخر، وجابَ بهما أصقاع الدنيا مُحلِّقاً؟

في هذه الرحلة الممتعة في الزمان والمكان والروح، يُشاركُ الكاتب قرّاءَه تفاصيلَ رحلتَيْه إلى الهند عام 2018؛ بحثاً عن خانقاه الشاه عبد الله الدهلوي. هناك، في مدينة جيهان آباد القديمة، قضى الشيخ خالد النقشبندي عاماً خلال بدايات القرن التاسع عشر، عاد من بَعدِه إلى كردستان وبغداد والشام، يحملُ طريقةً أحدثتْ تحوّلاً كبيراً في المنطقة، في فترةٍ مهمّةٍ تاريخيّاً شهدتْ سقوط ولاية بغداد، وسقوطَ الإمارات الكُرديّة؛ ما خلق فراغاً رهيباً في السلطة.

في كتابه، الذي يقع في 216 صفحة، يتساءل سردار عبد الله ثانية: «لماذا يثور مَن تتلمذ على يد الشيخ النقشبندي، بدءاً بالشيخ النهري في كردستان وصولاً إلى الأمير عبد القادر في الجزائر، ضدّ المحتلّين؟»، فتأخذ الرحلة بُعداً أعمق...

ويكتشف كاتبُنا. فبعدما اتخذ قراراً جازماً بألّا يعود من الهند ما لم يعثر على المقام المنشود، سيعثر المُريد على كنوز المعرفة ودُرَرِ المشاهَدات وهو في طريقه إلى الوجهة الأساسيّة.

وسردار عبد الله - كاتبٌ وسياسيّ كرديّ ومرشَّحٌ سابق لرئاسة العراق. ترأّس هيئة تحرير مجلّاتٍ وصحفٍ كرديّةٍ عدّة، بعد سنواتٍ قضاها في جبال كردستان ضمن قوّات البيشمركة الكرديّة. له إصدارات عدّة باللغتَيْن الكرديّة والعربيّة. «موجز الرحلتَيْن في اقتفاء أثر مولانا ذي الجناحَين» هو كتابه الثاني الصادر عن «دار نوفل» بعد روايته «آتيلا آخر العشّاق» (2019).