الصحراء البيضاء... مزار مصري فريد من نوعه

بين شكلها الجليدي وصخورها المنحوتة يحار السائح أيها الأجمل والأغرب

الصحراء البيضاء... مزار مصري فريد من نوعه
TT

الصحراء البيضاء... مزار مصري فريد من نوعه

الصحراء البيضاء... مزار مصري فريد من نوعه

في قلب الصحراء الغربية بمصر، وعلى بعد أكثر من خمسمائة كيلومتر من القاهرة، ونحو خمسة وأربعين كيلومتراً إلى الشمال من واحة الفرافرة بمحافظة الوادي الجديد، تمتد «الصحراء البيضاء». منطقة تتجاوز مساحتها ثلاثة آلاف كيلومتر، وتمتد بين الواحات البحرية وواحة الفرافرة. وتعتبر «البيضاء» حالياً أحد أهم المقاصد السياحية لعشاق رحلات السفاري والمغامرات، وبخاصة بعد أن أعلنتها الحكومة المصرية محمية طبيعية عام 2002. «اسماً على مسمى» دائماً ما يردد زائرو الصحراء البيضاء هذا الوصف بمجرد وصولهم؛ إذ يغطي اللون الأبيض معظم أرجائها، حتى يتخيل لك أنك في منطقة جليدية، رغم أن جوها حار جداً. كما تحتوي على تشكيلات رملية فائقة الجمال نتجت من عاصفة رملية عارضة مرت على المنطقة منذ عصور، بالإضافة إلى أشجار النخيل والأكاسيا التي تنمو وسط الصخور، لتجد نفسك أمام لوحة فنية متكاملة يمتزج فيها الواقع بالخيال، ولا تتميز الصحراء البيضاء بتشكيلاتها الرملية فقط، فهي أيضاً بمثابة متحف فني لدراسة البيئات الصحراوية، والظواهر الجغرافية؛ نظراً لما تحتويه من كهوف، نقوش قديمة، وبقايا مومياوات، والكثير من النباتات والحيوانات النادرة، والمهددة بالانقراض.
للوصول إليها هناك خيار واحد، وهو الطريق البرية لعدم وجود مطارات أو موانئ بالمنطقة. السفر إليها من القاهرة، يتم عبر إحدى الحافلات، التي تمر عبر أكتوبر - الواحات البحرية - الفرافرة - الواحات الداخلة، قبل الوصول إلى الصحراء البيضاء، وتستغرق الرحلة نحو 5 ساعات.
عند الوصول إليها، ستُعوضك برامجها الغنية بالأنشطة والأماكن الرائعة التي تجذبك لزيارتها تعب الطريق. فما بين مشاهدة الصخور بأشكالها الفريدة والعجيبة، وزيارة كهف الجارة، ومشاهدة جبل الكريستال، ورؤية أكبر عدد من النجوم ليلاً، ستعيش تجربة لا مثيل لها. تقول غادة محمد، التي قامت بأكثر من رحلة للصحراء البيضاء «تحتوي الصحراء البيضاء على صخور فريدة، يشعر من يراها كأنها تماثيل صنعها فنان ماهر، الطريف أن هذه الصخور اشتهرت بأسماء تبعاً لشكلها النحتي، فهناك (صخرة الجمل)، التي تشبه الجمل في تكوينها، (صخرة المشروم)، وهي من أشهر أماكن جذب السائحين داخل المحمية. وعندما تبحث في موقع (غوغل)، ستجد صورة صخرة المشروم، أي عيش الغراب، هي ما يظهر لك في البداية، وهي عبارة عن نحت كبير من الحجر الجيري».
وتتابع قائلة «من المنحوتات العجيبة أيضاً الصخور الأفريقية، وهي شكل من الرمال على شكل قارة أفريقيا، إضافة إلى الصخور المعروفة باسم صخور المخيمات؛ لأنها تأخذ نفس شكل المخيمات».
عبد الله مجدي، الذي يعمل مترجماً بإحدى دور النشر، وهو أحد عشاق السفر والمغامرات، يقول لـ«الشرق الأوسط»، إنه يفضل دائماً الحياة البدوية على صخب المدينة وضوضائها «ومنذ أكثر من عشر سنوات، اعتدت القيام برحلات سفاري في مدن مصر المختلفة، مثل سانت كاترين، الغردقة، شرم الشيخ، دهب، مرسى علم، الواحات الداخلة والخارجة، لكن الصحراء البيضاء تستهويني بشكل غير طبيعي. فرغم الأنشطة التي أقوم بها، من رحلات السفاري بسيارات الدفع الرباعي، وركوب الجمال والخيول، إلى تسلق الجبال والاستمتاع بالحياة البدوية بكل تفاصيلها في أماكن أخرى، فإنه لا يمكنني مقارنتها بالصحراء البيضاء سواء داخل مصر أو خارجها».
فطبيعة المكان بما يحتويه من صخور جيرية ناصعة البياض وكهوف نادرة وتشكيلات صخرية - تعود إلى العصر الطباشيري منذ 70 مليون سنة مضت.
وهذا ما جعل موقع «تريب أدفايزر» Trip advisor المختص بشؤون السياحة والسفر يختارها لسنوات عدة من بين عشرين موقعاً سياحياً فريداً وغريباً من نوعه على مستوى العالم.

جبل الكريستال
من المعالم الأخرى التي تشتهر بها المحمية، جبل الكريستال، وهو عبارة عن جبل يتكون من صخور تضم أكثر من 125 نوعاً من أنواع الكريستال المختلفة، جمعتها الطبيعة في كتلة جبلية ضخمة.
تقول الحكايات المتداولة، إن تكوينه حدث عندما ارتبط نيزك ضخم بالأرض منذ ملايين السنين في تلك المنطقة، وكان سبباً في انصهار صخور هذا الجبل، وتحويلها إلى قطع نادرة وفريدة من الكريستال النفيس، الذي يعد من أنقى وأغلى الأنواع في العالم.

كهف الجارة
لا يمكن أن تكتمل زيارتك للصحراء البيضاء دون زيارة كهف الجارة، الذي يبعد عنها بنحو 7 كيلومترات. تقول دينا كمال - شابة ثلاثينية اعتادت على القيام برحلات سفاري في الصحراء البيضاء - لـ«الشرق الأوسط»، ل«ا توجد كلمات مناسبة لوصف جمال هذا الكهف، وفي الوقت نفسه غرابته. حسب قراءتي، فإن الفضل في اكتشافه يعود إلى مستكشف ألماني. كان ذلك بالصدفة حين كان يقوم برحلة في صحراء الفرافرة، وهبّت عاصفة شديدة، اضطرته إلى الاحتماء منها في هذا الكهف».
وتتابع «عندما تدخل إلى الكهف ستندهش من جماله الأخاذ، فهناك تكوينات رسمتها الطبيعة بفضل الترسيبات الرملية والمياه يعود تاريخها إلى آلاف السنين، وتبدو هذه التكوينات مثل الشلالات الصخرية الصاعدة والهابطة».

العين السحرية
«عين السرو» مكان آخر سيبهرك داخل المحمية، فهي عين مياه جوفية تتميز بأنها جافة طول الوقت إلى أن يقترب منها أي كائن حي، سواء إنسان أو حيوان، فتبدأ الأرض في ملء العين بالماء العذب. بعد أن يمضي الكائن الحي، تعاود الانخفاض حتى تجف تماماً. ويروي أهل المنطقة حكايات كثيرة عن عين السرو، بعضها حقيقي، وكثير منها يدخل في نطاق المبالغات. للوصول إليها تحتاج إلى سيارة دفع رباعي، وأحد أبناء الواحة ليرشدك إلى المكان.
مشاهدة الجبال، والكهوف، وآبار المياه ليست الأنشطة الوحيدة التي يمكنك القيام بها داخل المحمية؛ فنظراً لاتساع مساحة الصحراء البيضاء، تعتبر بيئة جيدة لإقامة سباقات السيارات وراليات المشي، ومن أشهرها رالي الفراعنة، حيث تعد الصحراء البيضاء أحد النقاط الرئيسية لسباق رالي الفراعنة لسنوات عدة متتالية. لكن تم تعديل مسار الرالي خلال السنوات الماضية للدوران حول المحمية دون دخولها؛ حفاظاً على الكائنات الحية والتنوع البيولوجي. هناك أيضاً رالي المشي الدولي، حيث تقوم إحدى شركات السياحة بتنظيم سباق للجري سنوياً يشارك فيه عدد كبير من المتسابقين المصريين والأجانب، ويكون للسباق مراحل عدة في مناطق سياحية عدة داخل المحمية وخارجها.
إذا كانت الأنشطة السابقة يمكن ممارستها في أوقات النهار، فإن زائري الصحراء البيضاء سوف يجدون الكثير من الأنشطة المسائية، أبرزها التخييم؛ إذ يكفي النظر للسماء لترى عدداً هائلاً من النجوم، أو درب التبانة، بل وحتى رؤية كوكب الزهرة.

أين تقيم؟
- فندق هوت سبرينغ إنترناشيونال Hot spring international: ينتمي لفئة 3 نجوم، وهو بسيط بطراز يتلاءم مع شكل المباني في الواحات البحرية، ويتكون من 45 غرفة واسعة، منها 28 تطل على عيون المياه الساخنة. الإقامة في الفندق تتكلف نحو 100 دولار أميركي في الليلة الواحدة.
- فندق القلعة البدوية Bedouin castle يتمتع بإطلالة رائعة على بساتين النخيل والمنحدرات الصحراوية، وعلى مفترق طرق إلى الصحراء البيضاء وواحة سيوة، ويبعد خمس دقائق سيراً على الأقدام من الينابيع الطبيعية الساخنة، كما تتميز غرفه بديكور يمزج بين العثماني والبدوي، كما يقدم الكثير من الأنشطة، مثل رحلات السفاري، والتحليق بمناطيد الهواء.
- فندق ومخيم أحمد سفاري Ahmed safari camp and hotel يتميز بشكل المعسكر، ويقع بين الصحراء وبساتين النخيل في قرية صغيرة في الواحات البحرية. يتوافر به مطعم وخيام بدوية مع موسيقى فلكورية.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.