انفراط عقد جلسة البرلمان اللبناني إثر انسحاب «القوات» و«المستقبل»

بعد إقرار مشروعات «سيدر» التي ربط الحريري مشاركته في الجلسة بها

جلسة  مجلس النواب اللبناني أمس  بحضور رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري (موقع المجلس)
جلسة مجلس النواب اللبناني أمس بحضور رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري (موقع المجلس)
TT

انفراط عقد جلسة البرلمان اللبناني إثر انسحاب «القوات» و«المستقبل»

جلسة  مجلس النواب اللبناني أمس  بحضور رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري (موقع المجلس)
جلسة مجلس النواب اللبناني أمس بحضور رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري (موقع المجلس)

انفرط عقد جلسة التشريع المسائية بعد انسحاب نواب كتلتي «المستقبل» و«القوات»، وفقدان النصاب القانوني، ما اضطر رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري إلى رفع الجلسة، بعد دقائق على إقرار الاقتراح المتعلق بدعم القروض السكنية لذوي الدخل المحدود.
وفي الجلسة الصباحية، كان رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري قد هدّد بالانسحاب إذا لم تقرّ المشروعات المرتبطة بمؤتمر «سيدر»، فيما جاء خروج نواب «القوات» ومن ثم «المستقبل» من الجلسة، بعد مطالبتهما بإدراج بعض البنود على جدول الأعمال، وهو ما رفضه نواب عدد من الأحزاب، فقرّر بري السير بالبنود كما هي، والتي كان قد وصل البحث بها إلى البند 17، أي بعد إقرار المشروعات المتعلقة بـ«سيدر»، وما وصفها البعض بـ«مشروعات الضرورة».
وكانت أبرز البنود التي وضعت على طاولة البحث، تلك المتعلقة بموضوع قروض الإسكان وملف المخفيين قسراً؛ إضافة إلى اتفاقية معاهدة تجارة الأسلحة ونقلها، التي لاقت رفض نواب «حزب الله» لها.
وأقر المجلس النيابي في جلسته الأولى ثمانية مشروعات قوانين، وردّ واحدا إلى اللجان. وتأجل إقرار اقتراح دعم الفوائد على القروض السكنية لذوي الدخل المحدود إلى الجلسة المسائية، على الرغم من النقاش الطويل الذي استغرقه.
وكان الوضع الاقتصادي والحديث عن خطر انهياره حاضراً في قاعة المجلس وبخاصة على لسان الحريري الذي اعتبر أن «هناك حملة في البلد لضرب الاقتصاد ودفع اللبنانيين إلى الهجرة»، مؤكداً «لسنا في حالة يرثى لها ولدينا مقومات للنهوض بالاقتصاد، وهناك حملة على الليرة وحاكم مصرف لبنان والاقتصاد لإحباط اللبنانيين».
وأثار مشروع قانون توقيع معاهدة نقل وتجارة السلاح، جدلاً بين نواب «كتلة الوفاء للمقاومة»، حيث انسحب النائب علي عمار احتجاجاً على سقوط مطلب إعادته إلى اللجان لبحثه، معتبراً أنه يستهدف سلاح المقاومة. بدوره قال النائب في الكتلة نفسها نواف الموسوي: «العدو الإسرائيلي شريك في اتفاقية تجارة ونقل الأسلحة ولا مصلحة للبنان بالتوقيع عليها»، بينما اعتبر النائب في «التيار الوطني الحر» حكمت ديب «أن توقيع المعاهدة قد تقصد به المقاومة بحجة نقل وتجارة الأسلحة».
وكانت مداخلة للحريري عند هذا البند مؤكداً، أن «لا علاقة لاتفاقية معاهدة تجارة الأسلحة ونقلها بسلاح المقاومة، ويجب على لبنان توقيعها لأنها تصب في مصلحته».
وبعد التصويت على المشروع تم إقراره بمعارضة نواب «حزب الله» و«المردة» و«الحزب السوري القومي» والنائب جميل السيد والنواب السنة المستقلين، في حين امتنع كل من النائبين حكمت ديب وجورج عطاالله عن التصويت.
ومع البحث في مشروع قانون الموافقة على إبرام اتفاقية قرض مقدم من البنك الدولي لتنفيذ مشروع تعزيز النظام الصحي في لبنان، كان سجال بين الحريري والنائب جميل السيد الذي اعترض على المشروع، بحجة أنه من سيستفيد منه النازحون، واصفاً إياه بـ«الابتزاز»، فكان ردّ الحريري مهدداً بالانسحاب من الجلسة، وقال «أي مشروع لقطاع الكهرباء والمياه والاتصالات سيستفيد منه النازحون»، سائلاً «ما رأيكم أن نوقف البلد لهذا السبب؟»، وأضاف «أنا هنا لتشريع البنود المطلوبة في «سيدر» إذا كنتم لا تريدون التشريع بهذه البنود فأنا سأنسحب. هذه القروض لمشاريع ستنفذ في لبنان وإذا غادر النازحون ستبقى»... وأكد دعم لبنان للمبادرة الروسية لعودة اللاجئين قائلاً «كلنا مع المبادرة الروسية ونريد إنجاحها والخلاف الداخلي هو الذي يبقي النازحين على أرضنا».
وتدخل كل من الرئيس بري والنائب في «حزب الله» محمد رعد لتهدئة الوضع، وقال بري «كل المشاريع المتعلقة بـ(سيدر) إما أن تقرّ كلها أو تحال كلّها إلى اللجان». بدوره، أكد رعد «إذا لم نقر المشاريع المقررة في مؤتمر باريس فكأننا لم نفعل شيئاً، فهذه القروض محور جلستنا». وأيّد نائب رئيس المجلس إيلي الفرزلي الرئيس الحريري في موقفه، فهدأت الأمور وأقرت اتفاقات القروض.
بدوره، وبعد إقرار مشروع تعزيز النظام الصحي في لبنان الذي لاقى تحفظ «حزب الكتائب»، قال وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل «يجب أن نستفيد من هذه القروض بفوائد مخفضة جداً لأن وارداتنا محدودة». وأقر المجلس كذلك مشروع قانون الموافقة على اتفاقية قرض ميسر من قبل البنك الدولي لتمويل المرحلة الأولى من مشروع تعزيز الحوكمة المالية في وزارة المال.
وكان لرئيس حزب الكتائب سامي الجميل تعليق على المشاريع المرتبطة بـ«سيدر» قائلاً «المشكلة ليست متعلّقة بالقروض بل الإنفاق؛ لأن الهدف في الوضع الاقتصادي الحالي هو خفض الإنفاق». وإذ رأى الجميّل أن شروط هذه القروض هي أكيد جيدة وأفضل من الدين الداخلي، إلا أنه لفت إلى أن الهدف اليوم هو خفض الإنفاق وليس زيادة عجز الدولة خصوصاً في ظل الأرقام المتداولة التي تصل إلى حدود 9 إلى 10 مليارات دولار عجز نهاية هذه السنة. وأكد الجميّل، أن لبنان لديه مسؤولية تجاه اللاجئين السوريين، لكننا تحمّلنا ما لم يتحمّله أي بلد في العالم، وقال «أضع نفسي مكان اللاجئ السوري الذي تُفتح له أبواب المدارس الرسمية في لبنان ويستفيد من النظام الصحي ويُفتح له سوق العمل والمشاريع المطروحة في مؤتمر سيدر تُخصص فرص عمل له فقط». وأضاف «بهذه الطريقة نحن نؤمّن للاجئين ظروف حياة جيدة جداً كما نتحدث عن العودة الطوعية، بالتالي لا أعرف كيف سيفكّر اللاجئ بهذه الظروف العودة إلى بلده». واعتبر رئيس حزب الكتائب أنه إذا أخذنا مشاريع القروض المطروحة كل واحدة بمفردها يمكن أن نتعاطف معها سواء المتعلقة بقطاع الصحة أو غيرها، لكن إذا أخذنا مجموعها تكون الكلفة نصف مليار دولار ديناً إضافياً، وبالتالي هذا سينعكس على الاقتصاد اللبناني. وشدّد على «أن الاقتصاد اللبناني ليس وجهة نظر، بل مبني على الأرقام التي لا تُظهر إلا حقيقة الوضع الذي ينهار».
وكان قد حصل نقاش بين الحريري ورئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان ووزير المال علي حسن خليل حول البنود المالية، خرج على إثره الحريري من الجلسة التشريعية للحظات قبل أن يعود إلى القاعة.
وأخذت أزمة القروض السكنية المدرجة على جدول أعمال حيزاً كبيراً من النقاش. واعتبر عدد من النواب أن «مبلغ مائة مليار دعم سنوي على مدى خمس سنوات غير كافية، ورغم تطمينات وزير المال وشرحه المستفيض لأسباب الأزمة بقي نواب على مواقفهم فأجل الرئيس بري التصويت على المشروع حتى الجلسة المسائية على غرار ملف المخفيين قسرا.
ووصف بري ما حصل في هذه القضية بـ«الجريمة الاجتماعية التي أدت إلى إيقاف الحركة في البلد»، مضيفاً «وقد تمت مساعدة من يريد شراء شقة بمليون ونصف دولار وتُرك أصحاب الدخل المحدود». وقال «تشريعنا كله نصف وهذا الموضوع النصف الآخر».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم