البنك الدولي: الأزمة في غزة وصلت إلى نقطة حرجة ونمو الضفة يتداعى

تقرير جديد أظهر أن المعونات لم تعد تجدي في الوضع الاقتصادي الفلسطيني

TT

البنك الدولي: الأزمة في غزة وصلت إلى نقطة حرجة ونمو الضفة يتداعى

قال تقرير جديد للبنك الدولي، إن الوضع الاقتصادي في غزة آخذ بالانهيار، محذراً في الوقت نفسه من أن الحالة الاقتصادية في الضفة الغربية، التي شهدت تطوراً كبيراً في السنوات الماضية، ستتعرض إلى أزمة قريباً.
وأكد معدو التقرير، الذي يفترض أن يعرض في بداية اجتماع لجنة الارتباط الخاصة في نيويورك، الخميس المقبل، في اجتماع مخصص لتقديم المساعدة الإنمائية للشعب الفلسطيني، أن الوضع الاقتصادي الخطير في غزة، ناتج عن الحصار المفروض عليها، منذ سيطرت «حماس» على الحكم في عام 2007، إضافة إلى عامل ثان مؤثر، هو أزمة سيولة الأموال ونقص الأموال النقدية.
وجاء في التقرير: «حتى يومنا هذا، يعاني مواطن من بين مواطنيْن في غزة من الفقر، وتصل نسبة البطالة بين الشبان إلى 70 في المائة».
وقالت مارينا فايس، المديرة الإقليمية للبنك في الضفة الغربية وقطاع غزة، إنه «إثر تكالب عوامل كثيرة معا، منها الحرب، والعزلة، والنزاع الداخلي في غزة، يتعرض اقتصاد غزة لحالة من الشلل ومحن إنسانية متزايدة».
وأضافت: «عندما يعاني الناس الأمرين ويناضلون من أجل البقاء على قيد الحياة، يعيشون حياة فقر مدقع، وبطالة متزايدة. وعندما تنقص الخدمات العامة مثل الصحة، والمياه، هناك حاجة إلى حلول حقيقية، ولا يجوز الاكتفاء بتدخلات على الأمد القصير».
وأكد التقرير، أن الأزمة في غزة تصاعدت بشدة في الأشهر الأخيرة، ووصلت إلى نقطة حرجة، وأصبحت تغذي تزايد مشاعر الإحباط وخيبة الأمل، بفعل التوترات المتزايدة، التي بدأت تتسع رقعتها بالفعل، وتتحوَّل إلى اضطرابات، وتعرقل التنمية البشرية لشريحة الشباب الكبيرة في القطاع.
وقال التقرير إن الأزمة في غزة وصلت إلى حد لم تعد معه تدفقات المعونة كافية لحفز النمو، وقد أسفر ذلك عن وضع مثير للقلق.
وبحسب التقرير، فإنه في الربع الأول من عام 2018، شهد الاقتصاد في غزة انخفاضاً نسبته 6 في المائة، فيما المؤشرات تنبئ بمزيد من التدهور.
وربط التقرير بين هذا الانخفاض وقرار السلطة الفلسطينية خفض نقل الأموال الشهرية إلى قطاع غزة بحجم 30 مليون دولار، إضافة إلى قرار تقليل برامج المساعدة التي تقدمها الإدارة الأميركية، وتقليص مساعدات «الأونروا».
وقال التقرير إن كل ذلك ساهم في تدهور الوضع منذ بداية السنة الحالية.
ورسم التقرير صورة أفضل بكثير للوضع في الضفة الغربية، لكنه أكد أن النمو الذي كان يحركه الاستهلاك في الماضي آخذ في التداعي، «ومن المتوقع أن يتباطأ النشاط الاقتصادي بشدة في الفترة المقبلة».
وحذر البنك الدولي من عدم إمكانية التعويض عن التدهور الاقتصادي في غزة والضفة الغربية بالمعونات الأجنبية التي هبطت هبوطاً حاداً، ولا بنشاط القطاع الخاص الذي لا يزال يواجه عراقيل بسبب القيود على الحركة، والحصول على المواد الأساسية، والتجارة. وعلاوة على ذلك، فإن تدهور أوضاع المالية العامة، لا يدع للسلطة الفلسطينية مجالاً يذكر لمد يد العون.
وتطرق التقرير إلى انخفاض التمويل الذي يُقدِّمه المانحون، وعجز عام كامل في الموازنة قدره 1.24 مليار دولار، وسط توقعات أن تبلع الفجوة التمويلية 600 مليون دولار.
واقترح البنك الدولي «اتباع نهج متوازن في معالجة الأوضاع في غزة، يجمع بين التدابير الفورية لمواجهة الأزمة، وخطوات لإيجاد بيئة مواتية للتنمية المستدامة». وأضاف: «من بين التدابير الفورية ضمان استمرار الخدمات الأساسية مثل الطاقة، والمياه، والصرف الصحي، والرعاية الصحية وزيادة القوة الشرائية للأسر، وتعزيز مصادر كسب الرزق التقليدية».
كما اقترح البنك أن تدعم الحكومة الإسرائيلية بيئة مواتية للنمو الاقتصادي، عن طريق رفع القيود على التجارة، والسماح بحركة السلع والناس، التي من دونها لن يتحسن الوضع الاقتصادي في غزة أبداً.
وشدد التقرير أيضاً على أنه ينبغي للسلطة الفلسطينية أن تشرع في انتهاج السياسات وتنفيذ المشروعات اللازمة للتنمية الاقتصادية المستدامة، من ذلك دعم التجارة في الخدمات الرقمية، وتحقيق انتعاش اقتصادي قادر على الاستمرار، وأن تحكم المؤسسات الشرعية غزة على نحو يتسم بالشفافية والكفاءة، وأن تُنفِّذ إصلاحات لتهيئة بيئة إيجابية للأعمال.
وعزز التقرير الجديد للبنك الدولي، جميع التحذيرات من تردي الأوضاع في قطاع غزة إلى نقطة غير مسبوقة، وهو تراجع أثار مخاوف من جر المنطقة إلى حرب جديدة.
ووصف رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار النائب جمال الخضري، تقرير البنك الدولي بالمهم الذي يعكس الحقيقة ويدق ناقوس الخطر. وقال الخضري إن «التقرير وصف الحالة والواقع بشكل حقيقي، لكن هذه الأوضاع تزيد كارثية ومأساوية بشكل يومي».
وطالب الخضري، الجمعية العام للأمم المتحدة والمجتمع الدولي والجميع، بتحمل مسؤولياتهم، داعياً إلى ضرورة الإسراع في رصد موازنات عاجلة لإغاثة الواقع في غزة، ومنع مزيد من التدهور.
وشدَّد على أن هذا الواقع يمكن إنقاذه عبر سلسلة من الخطوات والقرارات، من بينها «رفع الحصار الإسرائيلي بشكل كامل، وفتح المعابر التجارية كافة، والسماح بحرية الاستيراد والتصدير دون قيود وقوائم ممنوعات، والسماح بإدخال المواد الخام اللازمة للصناعات ما سيتيح فتح المصانع المُغلقة».
وأضاف: «أيضاً ربط غزة والضفة الغربية بالممر الآمن، وتشغيله بشكل فوري، ما يخلق حركة تجارية نشطة، وبدء عملية ضخ الأموال في السوق من خلال الحركة التجارية وحركة الأفراد».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».