منحوتات مصنوعة من سبائك البرونز الأسود تقف بوضعيات مختلفة في غاليري مارك هاشم وسط بيروت تؤلف المعرض الفني لأنطونيو سينيوريني. فهذا الفنان التشكيلي الإيطالي حمل تماثيله إضافة إلى رسوم طفولية بالأسود والأبيض وبصمات ضخمة من أصابعه نقشها على خلفية من قماش الـ«جوت» الأسود إلى بيروت بعد أن سبق وعرضها في مدينة البندقية أغسطس (آب) الفائت.
«لبنان بنظري هو بلد ينبثق أيضا من عصر بلاد ما بين النهرين ذات التاريخ الطويل مع عالم الغرب. كما أن اللبنانيين بحد ذاتهم هم محاربون يجاهدون من أجل حياة أفضل على الرغم من جميع الظروف الصعبة التي مروا بها. فلذلك حطّيت مع محاربي على أرضه التي تؤلف ترجمة مباشرة لأعمالي الفنية ومحورها الصراع من أجل البقاء». يقول سينيوريني شارحا سبب اختياره لبنان لإقامة معرضه في حديث لـ«الشرق الأوسط».
تحكي منحوتات سينيوريني قصصاً من الحياة فتزودك بالدروس اللازمة لتنجح فيها. وتذكرك تارة بمحطات حفرت في ذاكرتنا حين صارعنا خلالها الشّر بالخير. فهي تحمل القوس والرّمح تصوّب إلى وحش الأذية مرة أو إلى كائن يهوى افتراس ضحيته مرة أخرى، كما تتسلح بسهامها تترقب موقفا قد يسيء إلى جماح حبها للحياة لتصطاده.
«لقد استوحيتها من رسوم قديمة يعود عمرها إلى آلاف السنين، فتخيلتها منحوتات تتحرك وتركض في الصحراء تبحث عن طريدتها. فنقلتها من ماضٍ غابر إلى حاضرٍ حديثٍ وانسيابي للتأكيد بأنه لا شيء في الحياة ثابت أو جامد».
يصف سينيوريني تماثيله بأنها ليست مجرد «محاربون» وحسب، بل هي تقوم بمهمة الحراسة على أكمل وجه. ومن هنا ولدت أسماؤها المرتبطة بعناصر الحياة مجتمعة.
«حارس السماء» و«حارس الأرض» و«حارس النيات الطيبة» و«حارس الحب» وغيرها، أسماء يطلقها الفنان الإيطالي على أعماله الفنية منطلقا من مهمتها الأساسية ألا وهي حراسة التّراث والتّاريخ.
وعن الأبيض والأسود اللذين استخدمهما في عملية عرض منحوتاته ورسوماته مستعملاً قواعد من الرخام الأبيض أو العكس لعرضها أمام الزوار يقول: «رغبت في الإشارة إلى التنوع الذي نعيش فيه كبشر والذي علينا الحفاظ عليه من دون أن يشعرنا بالفرق. فأنا من القائلين إن الاختلافات بين الأعراق والديانات لا يجب أن تفرقنا بل أن نستمتع بها لأنها تناقضات موجودة لا يجب غض النظر عنها بل إنّها بمثابة تقدير للإنسانية».
الدينامية والوقوف بحركة دائمة تطبع أعمال أنطونيو سينيوريني المشهور برسم منحوتاته الثنائية الأبعاد وتحويلها إلى ثلاثية، مستخدماً مضمون مواضيعها لتحقيق ذلك. فأول محاربيه استوحاه من التاريخ القديم عندما خرج إلى النور من قلب صخرة محفورة في الجزائر. فيما ارتكز في حركة أخرى على رسوم مناطة بتاريخ الصحراء في ليبيا وفي السعودية ومناطق أخرى قريبة منها.
أمّا المواد التي يستعملها في أعماله فعادة ما تربطها علاقة وطيدة بالتاريخ وبإرث تراث بلدان معجب بعناصرها الطبيعية. فيتطابق اللون مع الصخور التي نحتت عليها الرسومات. «تم إنشاء الزنجار الأسود على البرونز خصيصا بالمواد الكيماوية لإبراز المنحنيات الرّشيقة والشّعور المستقبلي للأرقام. وقد أنجزت الرماح والأقواس والسّهام المصنوعة يدوياً من الخشب الحجري والعتيق من لبنان، باستخدام أساليب علمية تجريبية متقدمة تعمل على إعادة العمليات المستخدمة في ذلك الوقت. لا يوجد أي من هذه الشّخصيات على الأرض بقوة، وواحد يقف على إصبع واحد فقط، ولكنّ توازنهما يتحدث عن التوازن الدقيق الذي يجب أن نحافظ عليه داخلنا ومع العالم من حولنا». يقول أنطونيو سينيوريني في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط».
وفي ركن آخر من المعرض تلفتك رسومات بالأبيض والأسود تشبه بخطوطها تلك الطفولية التي تعبر عن أول علاقة لنا مع فن الرّسم. فيما تقف باحثا عن معنى بصمات أصابع منقوشة على مساحات سوداء ضخمة. «جميعنا لدينا بصمة نتركها في الحياة وأصابع يدي هي أدواتي الفنية الأساسية في مهنتي. ولذلك رغبت في إعطائها حيّزاً من أعمالي للإشارة إلى أهميتها في حياتي».
بعد البندقية... «المحاربون» يحطون في بيروت
معرض فني للإيطالي أنطونيو سينيوريني يتضمن دروساً في الحياة
بعد البندقية... «المحاربون» يحطون في بيروت
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة