بطرس حرب: الأزمة اللبنانية ظاهرها الحكومة وحقيقتها معركة الرئاسة

قال لـ {الشرق الأوسط} إن «التيار» ماضٍ بسياسة تعطيل الاستحقاقات

النائب والوزير السابق بطرس حرب
النائب والوزير السابق بطرس حرب
TT

بطرس حرب: الأزمة اللبنانية ظاهرها الحكومة وحقيقتها معركة الرئاسة

النائب والوزير السابق بطرس حرب
النائب والوزير السابق بطرس حرب

رأى النائب والوزير السابق بطرس حرب، أن الأزمة السياسية التي يعيشها لبنان لا تتوقف عند الخلاف على توزيع الحصص داخل الحكومة العتيدة، بقدر ما تتصل بمعركة الانتخابات الرئاسية المقبلة. واستغرب كيف أن «أقرب المقربين من رئيس الجمهورية ميشال عون يسعون لوراثته وهو لا يزال في بداية عهده»، معتبراً أن «التيّار الوطني الحرّ ومنذ كان عون رئيساً له، اعتمد أسلوب تعطيل الاستحقاقات الدستورية، عندما لا تصبّ هذه الاستحقاقات في مصلحته، ولا يزال مستمرّاً في هذا الأسلوب».
ولفت إلى أن ثبات الاستقرار الأمني في لبنان، أو انفلاته، يبقى رهن إرادة من يمتلك فائض القوة العسكرية (حزب الله)، والذي أطلق في الآونة الأخيرة تحذيراً بعنوان «لا تلعبوا بالنار».
وفي حديث مع «الشرق الأوسط»، تناول حرب بالتفصيل المعوقات التي تعترض مهمّة الرئيس المكلّف سعد الحريري، لتشكيل حكومته الجديدة، فأشار إلى أن «ظاهر الأمور يقول إن صعوبات تشكيل الحكومة، تمكن في توزيع الحصص، لكن في الحقيقة المشكلة أبعد من ذلك بكثير، وهي مرتبطة بالتمهيد لمعركة رئاسة الجمهورية، ومحاولة كلّ فريق أحكام السيطرة ليكون اللاعب الأساسي في معركة الرئاسة المقبلة».
وعبَّر عن استغرابه لأن «أقرب المقربين من الرئيس ميشال عون (صهره وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل)، يسعى إلى وراثته، وهو لا يزال في السنة الثانية، وأمامه أربع سنوات من ولايته الرئاسية»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «الحكومة العتيدة والمرشحة للبقاء أربع سنوات ما لم يحدث أي طارئ، لن تكون هي الحكومة المشرفة على انتخاب الرئيس المقبل، لأن الانتخابات النيابية تسبقها، ومع نتائج الانتخابات (2022) تصبح مستقيلة حكماً».
وتشكّل التوازنات الداخلية الدقيقة عاملاً أساسياً في عرقلة تشكيل الحكومة، كما الانتخابات الرئاسية، والنيابية ما يؤدي إلى دخول المؤسسات في فراغ طويل الأجل، وقال النائب السابق بطرس حرب، الذي كان أبرز قيادات قوى الرابع عشر من آذار: «الطريف في الموضوع أن الأسلوب الذي أدخله التيار الوطني الحرّ برئاسة ميشال عون آنذاك، والذي يعتمد على تعطيل الاستحقاقات الدستورية ما لم تكن لمصلحته، سواء بتأليف الحكومات والشروط التي كان يضعها من أجل توزير صهره جبران باسيل، أو الحصص التي يأخذها في الحكومات، أو على صعيد انتخابات رئاسة الجمهورية ما لم ينتخب هو شخصياً، لا يزال معتمداً حتى الآن»، مبدياً أسفه لأن «هذا الأسلوب بات سلاحاً بيد التيار الوطني الحر برئاسة باسيل، وحتى إن كل الأطراف يحاولون تثبيت وضعهم في الحكم».
ومع تراجع نسبة التفاؤل بإمكانية ولادة الحكومة في الأسابيع وربما الأشهر القليلة المقبلة، أكد حرب، أنه «لا حلّ للصراع الحكومي إلّا بتنازل الفرقاء السياسيين عن بعض طموحاتهم، والتفكير أنهم منتخبون من الشعب اللبناني من أجل تحسين وضعه المعيشي والاقتصادي، وليس من أجل خدمة مصالحهم الفئوية، أو وضع يدهم على مقدرات البلد، وواقعه الاقتصادي والاجتماعي والأمني، وكل هذه التصرفات تتعارض مع المبادئ الأساسية لدخول السلطة».
ويسود الساحة اللبنانية قلق كبير من أن يؤدي الفراغ السياسي إلى انفلات أمني، خصوصاً بعد الشحن على الأرض على خلفية تسمية بلدية الغبيري في ضاحية بيروت الجنوبية، أحد شوارعها باسم مصطفى بدر الدين (القائد الأمني الأول في «حزب الله» الذي قتل في دمشق، صيف العام 2016)، ويصنّفه الادعاء العام لدى المحكمة الدولية بأنه العقل المدبر لجريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري. ورأى النائب والوزير السابق بطرس حرب، أن «العامل الأساسي لأي انفلات أمني، بيد فريق لديه فائض من القوة هو «حزب الله»، ولا أحد قادر على مواجهته، بما يملك من فائض قوة عسكرية وأمنية تجعله قادراً على حسم أي معركة لمصلحته، لكن في المقابل هناك رهان على الجيش اللبناني الذي يشكل ضمانة لمنع أي اضطرابات أمنية».
ورغم رهان اللبنانيين على وعي قيادة الجيش وحرصها على تثبيت الأمن والاستقرار، يشير حرب إلى أن «إمكانية انفجار الوضع تبقى قائمة، بفعل السلاح المنتشر، والشحن الذي تسعّره خلافات سياسية مستجدّة، منها العودة إلى الحديث عن صلاحيات رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة».
وتوقّف حرب عند الأبعاد السياسية والأمنية للإصرار على تسمية شارع باسم بدر الدين، وقال: «يبدو أن حزب الله لا يزال يصنّف المحكمة الدولية على أنها إسرائيلية، ولا بد من التنبّه إلى كلام أمين عام الحزب حسن نصر الله الأخير، عندما قال: (لا تلعبوا بالنار)، في الوقت الذي نشهد آخر فصول محاكمة قتلة رفيق الحريري، وهذا التوقيت ليس ملائماً ولا يخدم استقرار البلد». ولاحظ أن هناك «من لا يراعي مشاعر قسم كبير من اللبنانيين (في إشارة إلى حزب الله)، ولا مشاعر ابن الشهيد رفيق الحريري (سعد الحريري) الذي يحاول تشكيل الحكومة رغم كل الصعوبات التي تعترضه، وكأن هذا الفريق يحاول أن يعري الحريري شعبياً إذا التزم الصمت، أو يريد أن يدفعه إلى التصعيد، وهذا يقود البلد إلى اضطرابات أمنية خطيرة»، متمنياً على «الحكماء الذين يدّعون الحرص على استقرار البلد، أن يضعوا حداً لهذه الاستفزازات التي تتزامن مع سير المحاكمة التي أسقطت اتهامها عن مصطفى بدر الدين بسبب وفاته».
أما في قراءته لأبعاد الدعوة إلى الجلسة التشريعية، لإقرار عدد كبير من مشاريع القوانين بغياب الحكومة، أوضح بطرس حرب أنها «نوع من الاعتراف بعجز كلّي عن تشكيل الحكومة، ما يعني أنه لا حكومة بالمدى المنظور، والتشريع بات ضرورة لحلّ بعض القضايا الملحة كون الابتزاز السياسي مستمر».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.