ماكرون يلعب «دور الوسيط» بين ترمب والفلسطينيين

عباس: مستعدون لمفاوضات برعاية الرباعية الدولية ودول أوروبية وعربية

الرئيسان ماكرون وعباس في قصر الاليزيه أمس (أ.ف.ب)
الرئيسان ماكرون وعباس في قصر الاليزيه أمس (أ.ف.ب)
TT

ماكرون يلعب «دور الوسيط» بين ترمب والفلسطينيين

الرئيسان ماكرون وعباس في قصر الاليزيه أمس (أ.ف.ب)
الرئيسان ماكرون وعباس في قصر الاليزيه أمس (أ.ف.ب)

لم يسفر اجتماع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، أمس، عن إعلان ما لمبادرة فرنسية فيما خص الاعتراف بالدولة الفلسطينية، أو الدعوة إلى اجتماع، أو مؤتمر دولي لإعادة إحياء مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولعل أهم ما أسفر عنه هو تكليف الرئيس الفرنسي بأن ينقل إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي سوف يلتقيه يوم الاثنين في نيويورك، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، تفاصيل الموقف الفلسطيني وما تسعى إليه السلطة. ورغم غياب الثمار التي كان محمود عباس يسعى إلى قطفها في باريس، فإن الأجواء بينه وبين ماكرون كانت لطيفة على ما يبدو الأمر الذي انعكس عناقاً وابتسامات بين الطرفين عند مغادرة الوفد القصر الرئاسي بعد اجتماع مغلق ثم موسع زاد قليلاً على الساعة.
وفي حديثه المختصر إلى الصحافة (أربع دقائق ونصف دقيقة)، أشار الرئيس الفلسطيني إلى أربعة أمور رئيسية، أولها «دور الوسيط» الذي تكفل به ماكرون مع ترمب، موضحاً أن الرئيس الفرنسي «سيحدثه بما تحدثنا به»؛ انطلاقاً من مبدأ أن الطرف الفلسطيني «على ثقة بموقف فرنسا» التي «تمتلك دائماً وأبداً رؤية واهتماماً بالتوصل إلى حل». وعمد الرئيس الفلسطيني خلال الاجتماع إلى شرح تقويمه للوضع الراهن ولما يتوقعه من باريس. وذهب «أبو مازن» إلى الإشادة بالمواقف الفرنسية تجاه القضية الفلسطينية معتبراً أنها «موضع افتخار» للطرفين. ولم يشر أبو مازن إلى اللقاء الذي يُخطط له بين ماكرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لكن إذا حصل هذا الاجتماع، فسيكون بطبيعة الحال حول النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، وأفق العودة إلى طاولة المفاوضات وشروطها، ومناقشة «الأفكار» التي يحملها الرئيس الفرنسي.
ويتناول الأمر الثاني، بحسب «أبو مازن»، مسألة وجود «مبادرة» فرنسية سبق للرئيس ماكرون أن أشار إليها في خطابه أمام سفراء بلاده عبر العالم في 27 الشهر الماضي. ويفهم من كلام عباس أن باريس ليست بصدد إطلاق مبادرة منفردة، بل إنها ستسعى لبلورة مبادرة أوروبية. وقال بهذا الصدد «فرنسا من أهم الدول الأوروبية وأعتقد أنها ستقود موقفاً أوروبياً، والرئيس حريص على هذا الدور». لكن متى سيبرز إلى العلن؟ أجاب «أبو مازن»، «لا أعرف». ويتقاطع كلام الرئيس الفلسطيني مع ما ذكرته مصادر رئاسية فرنسية قبل ثلاثة أيام، حيث نفت وجود مبادرة فرنسية وأشارت إلى «أفكار» تتم بلورتها على المستوى الأوروبي. وواضح أن باريس تعتبر أن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يكون «الرافعة» القادرة على دفع أفكارها وخططها إلى الأمام، وبالتالي فإن مبادرة أوروبية «جماعية» ستكون أكثر تأثيراً على الأطراف المعنية، وتحديداً الطرفين الأميركي والإسرائيلي.
أما الأمر الثالث الذي كانت له فسحة واسعة في محادثات باريس، أمس، وبرز في تصريحات «أبو مازن» فيتناول ما سيطرحه في الأمم المتحدة في خطابه يوم الأربعاء وقوامه الدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام. وسبق أن طرح هذه «الرؤية» على مجلس الأمن في اجتماع فبراير (شباط) الماضي. وقوام الطرح الفلسطيني بعد ما تعتبره السلطة الفلسطينية فشل الوساطة الأميركية المتحيزة لإسرائيل وانقطاع التواصل بين واشنطن ورام الله، هو مؤتمر دولي تنتج منه آلية دولية لرعاية المفاوضات ضمن مهلة زمنية محددة. وقال «أبو مازن»، أمس، رداً على الاتهامات الإسرائيلية والأميركية، إنه لم يرفض أبداً المفاوضات، سرية كانت أم علنية، إنما «الرفض كان يأتي دائماً من نتنياهو». أما بالنسبة للمفاوضات المستقبلية، فإن أبو مازن «مستعد للذهاب إليها سراً أو علناً» لكن هذه المرة راعيها لن يكون الولايات المتحدة، بل «الرباعية الدولية زائد دول أخرى أوروبية أو عربية». وتأتي فرنسا بالطبع على رأس الدول الأوروبية.
تبقى مسألة رابعة، وهي الطلب الفلسطيني المتكرر من باريس الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وحتى اليوم، ما زالت باريس مترددة في اجتياز هذه الخطوة، ويبدو أن ترددها لن يزول. ولدى سؤاله عن هذا الموضوع، اختار الرئيس الفلسطيني تحاشي الإجابة مباشرة، مكتفياً بالقول إن الفرنسيين «بالتأكيد مهتمون بهذا الموضوع ويدرسونه أكثر فأكثر ويعتبرونه من أهم الموضوعات التي يجب أن تحوز على اهتمامهم»؛ ما يعني عملياً أن مسألة الاعتراف لن تحل غداً. وسبق لباريس أن هددت قبل ثلاثة أعوام باللجوء إلى الاعتراف الأحادي في حال فشلت جهودها السلمية و«المؤتمر» الذي كانت تريده حكومة الرئيس السابق فرنسوا هولاند. والحال أن فرنسا لم تجرؤ على السير على هذه الطريق.
وغابت عن حديث عباس مسألة العلاقة مع واشنطن والتدابير الزجرية والعقابية التي تتخذها، ومنها قطع مساهمتها المالية في منظمة الـ«أونروا». وبخصوص هذه المسألة الأخيرة، أشار «أبو مازن» إلى أن الأوروبيين ودولاً أخرى «يعملون بجدية للتعويض» عن الغياب الأميركي. وفهم من مصادر فلسطينية أن ما يريدونه هو الوصول إلى «آلية تمويل مستدامة» وليس سد العجز عندما يظهر هنا وهناك.
ويتوجه «أبو مازن» مع الوفد الذي يرافقه إلى دبلن بعد باريس ومنها إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة وإلقاء كلمة فلسطين يوم الخميس. وفي اليوم نفسه، سيعقد في الأمم المتحدة اجتماع مخصص لتمويل الـ«أونروا» وسيمثل فلسطين فيه وزير الخارجية رياض المالكي.
ومساء صدر بيان عن قصر الإليزيه أشار إلى أن الرئيسين تناولا «الوضع الحساس» للسلطة الفلسطينية بسبب الإجراءات الأميركية، وإلى التزام ماكرون بالعمل دبلوماسيا للخروج من وضع «لم يعد يطاق». وشدد الأخير، بحسب البيان، على تمسك فرنسا بحل الدولتين وبالمحددات الدولية المعروفة. وبالنسبة إلى غزة، أشار البيان إلى تمسك الطرفين بتحسين الأوضاع الإنسانية وإلى الوساطة المصرية للمصالحة بين «حماس» والسلطة وعودتها إلى غزة وإجراء انتخابات ستشكل مدماكاً في قيام دولة فلسطين الديمقراطية. ولم يفت ماكرون التذكير بتمسكه بأمن إسرائيل وفي الوقت عينه تنديده بسياسة الاستيطان المتسارعة.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.