مصادر رئاسية فرنسية: لا مبادرات قريبة ونتداول أفكاراً على المستوى الأوروبي

عباس في باريس للتشاور مع ماكرون قبل انطلاق أعمال الجمعية العامة

TT

مصادر رئاسية فرنسية: لا مبادرات قريبة ونتداول أفكاراً على المستوى الأوروبي

في الخطاب الذي ألقاه في 27 أغسطس (آب) الماضي، أمام سفراء فرنسا عبر العالم، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أنه سيطلق عدداً من المبادرات بالنسبة للشرق الأوسط بينها واحدة تخص النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي. والحال أن مصادر الإليزيه أفادت، أول من أمس، بأنه «لن يكون هناك إعلان خاص» عن هذا الملف، في الكلمة التي سيلقيها ماكرون يوم الثلاثاء المقبل في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي ستأتي بعد كلمة نظيره الأميركي دونالد ترمب. وأضافت المصادر الفرنسية، أن ماكرون «سيعيد التأكيد مجدداً على المواقف الفرنسية» من أوجه النزاع، وأن باريس وأطرافاً أوروبية «بصدد التفكير بمبادرة جماعية»، ما يعني أنه ليس هناك من أفكار أو خطط جاهزة وأنه لا موعد زمنياً لذلك.
بناء عليه، لا يبدو أن باريس ستسمع الرئيس الفلسطيني ما يصبو إليه ويدفع باتجاهه. وكان محمود عباس قد وصل إلى فرنسا أمس، في زيارة رسمية جاءت، وفق السفير الفلسطيني سلمان الهرفي، بناء على دعوة فرنسية، وسيلتقي الرئيس ماكرون بعد ظهر اليوم في قصر الإليزيه، كما ستكون له لقاءات أخرى أحدها مع وزير الخارجية جان إيف لو دريان ومسؤولين وسياسيين فرنسيين آخرين.
على الرغم من التحفظات السابقة بشأن ما سيصدر عن هذه الزيارة، التي هي بالدرجة الأولى تشاورية، فإنها تحل في الوقت المناسب. وفي ظل انقطاع التواصل بين القادة الفلسطينية وواشنطن، فإن التشاور مفيد مع ماكرون الذي سيثير الملف الفلسطيني - الإسرائيلي في اجتماعاته الرئيسية في نيويورك، وأهمها مع الرئيس ترمب يوم الاثنين المقبل، ومع الرئيس الإيراني حسن روحاني في اليوم التالي، وبالطبع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المرجح أن يتم يوم الأربعاء، وبداية مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
ومن الواضح أن ماكرون سينقل ما يكون قد سمعه من أبو مازن إلى ترمب، بحيث تلعب باريس «دور الوسيط» الذي تحب القيام به.
وأكدت مصادر الإليزيه أن ماكرون «سيكون واضحاً» في تناوله لهذا الملف (والملفات الأخرى) خصوصاً مع ترمب. وتلتزم باريس مواقف متعارضة تماما مع السياسة الأميركية الراهنة، إذ إنها نددت بقرار الإدارة الأميركية نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، وهي متمسكة بحل الدولتين الذي يبدو غائبا عن المبادرة الأميركية المسماة «صفقة العصر»، كما أنها أسفت للقرار الأميركي بوقف المساهمة في تمويل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهي تُسهِم في البحث عن تمويل بديل. ولهذا الغرض، سيشارك وزير الخارجية جان إيف لو دريان، في الاجتماع الخاص بـ«الأونروا» في الأمم المتحدة يوم الخميس المقبل، إلى جانب وزراء خارجية الأردن وتركيا وفلسطين ووزراء آخرين في الاجتماع الذي ترعاه المنظمة الدولية.
تقول مصادر دبلوماسية واسعة الاتصال في باريس، إن فرنسا «نصحت الفلسطينيين بألا يقطعوا اتصالاتهم» بالطرف الأميركي، ونبهتهم إلى أنهم سيكونون أول المتضررين. فضلاً عن ذلك، طلبت منهم باريس، ألا يتخذوا موقفاً نهائياً من «المبادرة الأميركية قبل أن يتم الكشف عنها رسمياً». والحال أن الرئيس محمود عباس إزاء الطروحات الأميركية والخطوات التي قامت بها واشنطن، لم يجد مفراً من تعليق التواصل مع الطرف الأميركي المنحاز تماما للطروحات الإسرائيلية، في المسائل الجوهرية التي تهم الفلسطينيين.
من هنا، فإن زيارة محمود عباس إلى باريس في ظل التوتر الشديد مع واشنطن، وآخر مسبباتها قرارها إغلاق مكتب ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، والطلب من «السفير» الفلسطيني مغادرة العاصمة الأميركية سريعاً. وثمة قناعة بأن التدابير العقابية الأميركية هدفها «تطويع» الفلسطينيين وحملهم على قبول الخطط الأميركية.
ويقول دبلوماسي عربي في العاصمة الفرنسية تحدثت إليه «الشرق الأوسط»، إن الرئيس ماكرون الذي يتحرك باتجاه كل الملفات، بقي «جامداً حتى الآن» بالنسبة للملف الفلسطيني، حيث تكتفي باريس بتكرار المواقف المعروفة. ويضيف الدبلوماسي أن فرنسا «لا تريد أن تكون في الواجهة بل تريد تحركاً أوروبياً جماعياً». وهذا الخط ربما يكون سببه اضطرار الدبلوماسية الفرنسية للتراجع في عهد الرئيس فرنسوا هولاند، الذي وعد بالاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية في حال فشلت جهود باريس والجهود الدولية بإعادة إطلاق مسار السلام.
لكن باريس تراجعت لاحقاً بفعل الضغوط التي مورست عليها أميركياً وإسرائيلياً، على أنه تدبير سيأتي بـ«نتائج معكوسة». لكن دون المبادرة الأوروبية صعوبات كبيرة، أهمها «الخلافات العميقة» بين دول الاتحاد الأوروبي وتحفظات قوية مجرية بولندية هولندية وألمانية إزاء مواقف ينظر إليها على أنها «تناهض المصالح الإسرائيلية».
والحال أن سقف المطالبات الفرنسية من باريس مرتفع. وقال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي قبل ثلاثة أيام في حديث إذاعي، إن البحث مع ماكرون سيكون حول بلورة «رد أوروبي ودولي» على صفقة القرن، وأنه «ستتم مطالبة فرنسا بالتحرك واتخاذ موقف واضح من هذه (الصفقة)، بما فيها الدعوة لاستكمال المؤتمر الدولي للسلام الذي عقد في دورته الأولى في باريس في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي».
ويشير المالكي بذلك، إلى المؤتمر الذي شاركت فيه أكثر من سبعين دولة ومنظمة ونتج عنه إعادة تأكيد التمسك بحل الدولتين ورفض الاعتراف بأي قرارات أحادية الجانب تتعلق بمسائل الحدود والقدس. وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية رفيعة المستوى لـ«الشرق الأوسط» إن باريس «عملت بقوة للمحافظة على موقف أوروبي موحد من القدس وثني أية دولة أوروبية من الاحتذاء بواشنطن رغم الضغوط التي يمارسها الأميركيون على دول معينة في أوروبا الشرقية».
وقال سفير فلسطين في باريس سلمان الهرفي لـ«الشرق الأوسط»، إن الرئيس أبو مازن، سوف يلتقي في نيويورك وزراء خارجية الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، «للبحث في كيفية تنفيذ قرارات مجلس الأمن»، وإن الجانب الفلسطيني «يبحث عن استراتيجية جديدة» لإدارة الصراع مع إسرائيل، لأن «التفاوض من أجل التفاوض عملية لا جدوى منها»، مشيراً إلى أن باريس «تتشاور مع الفلسطينيين في مبادرة جديدة ترد على ترمب الذي قلب جميع الموازين وداس على القرارات الدولية».
وبعد باريس سيزور أبو مازن آيرلندا، وعلى جدول مواعيده في نيويورك لقاء مع المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، لمطالبتها بالإعلان عن موعد لبدء التحقيقات بجرائم الاحتلال التي رفعت إلى المحكمة، بحسب ما أفاد به رياض المالكي.



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.