سنوات السينما: Shane

Shane
(1953)
شَين: من المجهول وإليه

بعض أفضل أفلام الغرب الأميركي لم يكن من تحقيق أولئك الذين انصرفوا له وأبدعوا فيه. خذ مثلاً المخرج جورج ستيفنس. بعد بدايته ممثلاً في السينما الصامتة، تحوّل إلى مدير تصوير قبيل نطق السينما واستمر في هذا العمل حتى مطلع الثلاثينات حيث انتقل إلى الإخراج. معظم أفلامه، مخرجاً، كانت من النوع الدرامي والكوميدي الاجتماعي وأفضلها ما أخرجه في الأربعينات والخمسينات ومنها «عملاق» (مع جيمس دين في البطولة) و«شَين».
هذا الثاني مأخوذ عن رواية للكاتب جاك شايفر الذي اقتبست له السينما سبعة أعمال آخرها فيلم وسترن رائع آخر هو «مونتي وولش» (1970).
شَين هو اسم ذلك الرجل الذي نراه آتياً من عمق الشاشة (آلان لاد) ليتوقف في مزرعة لرجل اسمه جو (فان هفلِن)، متزوّج من امرأة يحبها اسمها ماريان (جين آرثر) ولديهما صبي اسمه جووي (براندون دي وايلد). التوقف العابر في وسط رحلة شَين من اللامكان إلى اللامكان يتحول إلى قبوله عرضاً بالبقاء ومساعدة المزارع جو في عمله. هنا يكتشف وضعاً متفجراً قائماً بين المزارعين البسطاء وبين الشقيقين من البلدة القريبة مورغان وروفوس رايكر اللذين يعتبران نفسيهما ملاك هذه الأراضي ويستأجران من يحرق ويهدم ويقتل لتهجير المزارعين. لا يكشف شَين عن تاريخ حياته لكن حينما يسمع أن الأشرار جلبوا قاتلاً محترفاً اسمه جاك وِلسون (جاك بالانس) لترويع المزارعين يدرك أن الأمر بات يتطلّب مقاتلاً محترفاً (مثله) لمواجهة ذلك القاتل.
لا يسارع الفيلم خطواته نحو المواجهة لكن هذه آتية لا محالة. وتقع تدريجياً. في المرّة الأولى يتصدى كريس (بن جونسون)، وهو أحد أزلام الشقيقين رايكر، لشَين وينازله في معركة أيد عنيفة ومشهودة. واحدة من أكثر معارك اللكمات شراسة في تاريخ السينما. لكن كريس ليس شريراً في الصميم وينتقل من اليد اليمنى للأخوين رايكر إلى اليسرى بعدما تم جلب القاتل المحترف ذي اللباس الأسود جاك. في مشهد تالٍ يحذر كريس شَين من جاك ويمضي مبتعداً عن المكان والفيلم بأسره.
هناك مشهد جدير بالذكر بين شَين وجاك يقع حين يصل أحد الشقيقين في زيارة (ودّية) لمنزل جو ليقنعه بالبيع وترك الأرض. المشهد ليلي وبينما كان رايكر وجو يتحاوران كان شَين وجاك يعاينان بعضهما بعضاً بحذر مثل ثعبانين على أحدهما ابتلاع الآخر. ينزل جاك عن جواده بطريقة حذرة لا يستدير فيها ولا يحوّل عينيه عن شَين الذي يبقى في مكانه دون حراك. يتقدّم جاك صوب بئر الماء ليشرب. يغرف ويشرب وعيناه معلّقتان على شَين وتبقيان كذلك حتى من بعد عودته إلى حصانه والانطلاق به بعيداً.
بين كل أشرار سينما الوسترن يبرز جاك بالانس كنموذج في مشهدين: يقتل سكيراً مترنحاً (أليشا كوك) وينازل شَين في نهاية الفيلم المنازلة التي ينتظرها مشاهدو الفيلم ويتوقون إليها. على ذلك لا شيء هنا هين التوقع وحين يقع يصوّره المخرج بطريقة خاصة لا تشبه مئات المبارزات بين أبطال وأشرار أفلام الوسترن الأخرى.
في خلال كل ذلك، هناك صراع شَين مع نفسه إذ جلب اهتمام الزوجة ونظر إليه الصبي جووي كأمثولة. والصبي، في نهاية الفيلم سينادي شَين (الذي خرج بعد المنازلة جريحاً) ليعود ويبقى، لكن شَين سيمضي نحو المجهول مرّة أخرى.
إخراج منضبط تمثيلاً وإيقاعاً نتج عنه ترشيح جورج ستيفنز للأوسكار. كذلك رُشح السيناريست أ. غوثري والممثل الطفل براندون دي وايلد، والممثل جاك بالانس لكن الآن لاد لم يُرشح. الأوسكار الوحيد الذي منح للفيلم كان من نصيب مدير التصوير لويال غريغز ومن يرى الفيلم يدرك أن غريغز استحق ذلك بلا ريب.