بيونغ يانغ تتعهد بإغلاق موقع تجارب صاروخية

عقد قائدا الكوريتين قمة في بيونغ يانغ اختتمت أمس بوعد كوري شمالي بإغلاق موقع للتجارب الصاروخية وطموح لترشيح ملف مشترك لاستضافة أولمبياد 2032. كما أعلن كيم جونغ - أون أمس أنّه سيتوجّه إلى سيول «في مستقبل قريب» في زيارة تاريخية للجنوب، فيما أشار الرئيس الكوري الجنوبي مون جي إن إلى أن زيارة كيم قد تحصل هذه السنة، ما لم ت›Vh «ظروف محددة»، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية. وستكون هذه الزيارة في حال حصولها الأولى لزعيم كوري شمالي إلى الجنوب، منذ نهاية الحرب الكورية (1950 - 1953).
وقال مون أمام الصحافيين إن «الشمال وافق على أن يغلق نهائياً منشأة تونغتشانغ - ري لتجارب محرّكات الصواريخ ومنصات إطلاق الصواريخ، بحضور خبراء من الدول المعنيّة». وقامت كوريا الشمالية التي تخضع لسلسلة عقوبات دولية فرضها مجلس الأمن بسبب برنامجيها النووي والباليستي المحظورين، بتجارب صاروخية من ذلك الموقع. لكنها قامت بتجارب أيضا من مواقع أخرى وخصوصا مطار بيونغ يانغ الدولي، ما يخفف من أهمية التعهد الذي قطعه كيم وفق بعض الخبراء. وأكد الرئيس الكوري الجنوبي أيضا أن كوريا الشمالية يمكن أن تغلق مجمع «يونغبيون» النووي إذا اتخذت واشنطن «إجراءات مماثلة»، وهو شرط لم يتوضح بعد.
ورحب الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمس بهذا الإعلان، وكتب في تغريدة أن كيم «وافق على السماح بعمليات تفتيش نووية وهو أمر يخضع لمفاوضات نهائية»، مضيفا: «إنه أمر مثير للاهتمام».
وفي تصريحات صحافية قبل مغادرته البيت الأبيض إلى ولاية كارولاينا الشمالية، وصف ترمب نتائج قمة الكوريتين بأنها أخبار جيدة جدا. وقال إن «هذه استجابة رائعة، وقد تلقيت رسالة جيدة من كيم جونغ أون قبل ثلاثة أيام، ونحن نحقق تقدّما هائلا فيما يتعلق بكوريا الشمالية».
وتفاخر ترمب بما حققته إدارته من تقدم في مسار نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية لم يتحقق في ظل إدارات أميركية سابقة، وقال: «قبل أن أصبح رئيسا بدا الأمر وكأننا سنشن حربا ضد كوريا الشمالية. والآن لدينا الكثير من التقدم، فقد استعدنا السجناء واستعدنا رفات الجنود الأميركيين وهناك الكثير من الأشياء الجيدة. والأهم من ذلك أنه لا يحدث تجارب للصواريخ ولا تجارب نووية. والآن تريد (الكوريتان) أن تستضيفا الأولمبياد». وفي إشارة إلى العلاقات بين واشنطن وبيونغ يانغ، قال ترمب: «لقد أصبحت العلاقات على الأقل على الجانب الشخصي جيدة جدا، لقد هدأت كثيرا».
ومن المقرر أن يلتقي الرئيس الأميركي مع نظيره الكوري الجنوبي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل، حيث أشار مسؤولون إلى أنها ستركّز على كيفية البناء على التعهدات التي أعلنتها بيونغ يانغ والخطوات القادمة لنزع السلاح النووي لدى كوريا الشمالية تحت المراقبة الدولية، فضلا عن التأكد من جدية النظام الكوري الشمالي في الالتزام بهذه التعهدات.
إلى ذلك، أعلنت الكوريتان أنهما ستتقدمان بملف ترشيح مشترك لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية الصيفية 2032، في خطوة تقارب إضافية بين بلدين لا يزالان رسميا في حالة حرب. وأتى الإعلان في بيان مشترك ذكر أن «الجنوب والشمال وافقا على المشاركة بفعالية وبشكل مشترك في المنافسات الرياضية الدولية، بما فيها دورة الألعاب الأولمبية الصيفية 2020 (في طوكيو)، والتعاون للتقدم بملف استضافة مشترك شمالي - جنوبي لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية الصيفية 2032».
ويأتي الإعلان ليؤكد ما سبق لوزير الرياضة الكوري الجنوبي دو جونغ - هوان أن أفاد به الأسبوع الماضي، لجهة عزم بلاده على اقتراح هذه الاستضافة المشتركة خلال القمة بين الزعيم الشمالي والرئيس الجنوبي، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
وسبق للبلدين التباحث بشأن استضافة مشتركة لأولمبياد 1988، إلا أن المباحثات انهارت يومها بسبب خلافات حول كيفية توزيع الأحداث الرياضية. وأقيمت الدورة الأولمبية في ذاك العام في سيول حصرا. وكان الوزير الجنوبي قد أبدى أيضا الأسبوع الماضي عزم بلاده طرح استضافة مشتركة بين الكوريتين واليابان والصين لكأس العالم في كرة القدم 2030، إلا أن بيان قمة أمس لم يتطرق إلى هذه المسألة.
وفي إطار التقارب بين البلدين في الأشهر الماضية، شاركت الكوريتان بوفد مشترك في حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بيونغ تشانغ الكورية الجنوبية في فبراير (شباط) 2018، وخاضتا المنافسات بفريق نسائي موحد في رياضة هوكي الجليد.
وتناول مراقبون التعهد الكوري الشمالي بتدمير الموقع الصاروخي بحذر. وقال جيفري لويس المتخصص في مراقبة التسلح إنه يُنظَر إلى هذا المصنع لتخصيب اليورانيوم عموما على «أنه بُني بنيّة واضحة وهي أن تتم التضحية به». وأضاف على «تويتر» أنه يعتقد أن الشمال يملك «على الأقل موقعا آخر» للإنتاج.
وبدأ مون جاي - إن الثلاثاء زيارة تستمر ثلاثة أيام إلى بيونغ يانغ، بهدف تعزيز عملية التقارب بين الكوريتين وتقريب المحادثات بين الولايات المتحدة والشمال لخفض تهديد نزاع مدمر على شبه الجزيرة. وقبل قمة بيونغ يانغ، سرت تكهنات بأن يحصل مون على وعد من كيم حول لائحة بالترسانة النووية لكوريا الشمالية، لكن لم يتم ذكر مثل هذه الوثيقة.
بهذا الصدد، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة كوريا يو هو - يول لوكالة الصحافة الفرنسية إنه «على صعيد ملف نزع الأسلحة النووية، لم يأت الاتفاق على ذكر هذه التوقعات». وأضاف: «لو أن الشمال وعد بتسليم معلومات حول ترسانته النووية على سبيل المثال، لكان ذلك ظهر وكأنه أمر مشجع».
لكن الكوريتين تمضيان قدما في عملية التقارب بينهما. وبعد لقاء أول رمزي جدا بين مون وكيم في أبريل (نيسان) في القسم الجنوبي من المنطقة المنزوعة السلاح التي تقسم شبه الجزيرة الكورية، ولقاء تاريخي في يونيو (حزيران) بين الزعيم الكوري الشمالي والرئيس الأميركي في سنغافورة، تزداد الضغوط حاليا لكي تحقق الدبلوماسية نتائج ملموسة.
وفي سنغافورة، كرّر الزعيم الكوري الشمالي تأكيد التزامه إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية لكن بدون توضيح أي تفاصيل حول ذلك. وتختلف بيونغ يانغ وواشنطن منذ ذلك الحين حول تفسير هذه العبارة.
وتطالب واشنطن «بنزع كامل ونهائي ويمكن لتحقق منه للأسلحة النووية» لكوريا الشمالية فيما تريد بيونغ يانغ إعلانا رسميا من الولايات المتحدة ينهي حالة الحرب الكورية التي انتهت في العام 1953 بمجرد هدنة، وليس اتفاق سلام. وندّد الشمال بـ«أساليب الأميركيين» لأنهم يسعون للحصول على نزع أسلحة أحادي الجانب بدون تقديم أي تنازل في كل مرحلة، وبدون تخفيف الضغط ولا العقوبات.
وطرح الرئيس الكوري الجنوبي نفسه وسيطا بين بيونغ يانغ وواشنطن. وترغب سيول وبيونغ يانغ في تفعيل مشاريع التعاون المشتركة، حيث يريد كيم أن تستفيد بلاده من القوة الاقتصادية للجنوب فيما يريد مون أن يبعد عن شبه الجزيرة الكورية شبح نزاع مدمر بين الكوريتين.
وقامت صحيفة «رودونغ سنمون» الناطقة باسم الحزب الحاكم في بيونغ يانغ بتغطية واسعة لبدء القمة، ونشرت أمس 35 صورة على الأقل على أربع من صفحاتها الست. وإحدى الصور هي المعانقة بين الزعيم الكوري الشمالي والرئيس الكوري الجنوبي في مطار بيونغ يانغ، ثم مشاهد الترحيب بهما حين جابا شوارع العاصمة وأخرى لتبادل الأنخاب خلال العشاء الرسمي.
وترغب في يونغ يانغ من خلال هذه الزيارة في أن تروج لنفسها صورة الحداثة، وهو ما ظهر جليا في عدة مناسبات من البرنامج الرسمي. وتناول مون والوفد المرافق له العشاء أمس في مطعم سمك فتح أبوابه حديثا في تايدونغانغ، النهر الذي يجتاز العاصمة. ويقع قبالة تلة مانسو، حيث توجد تماثيل عملاقة للأب المؤسس لكوريا الشمالية كيم إيل سونغ وابنه وخلفه كيم جونغ إيل.
ويعكس هذا الخيار رغبة الزعيم الكوري الشمالي بتناول العشاء في مطعم محلي مع مواطنين «عاديين»، لكن هناك متجرا ملاصقا للمطعم يبيع 50 غراما من الكافيار بقيمة 50 دولارا، وهو بذخ مستحيل بالنسبة للكوريين الشماليين، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
وفي وقت لاحق، حضر مون «عرضا كبيرا»، وهي العروض الدعائية التي اعتادت بيونغ يانغ على تنظيمها.