مذكرات الأميركية إيلين مختفي عن الجزائر قبل الاستقلال وبعده

استقطب اهتمامها كفاح البلد ضد الاستعمار الفرنسي فانخرطت فيه بقوة

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

مذكرات الأميركية إيلين مختفي عن الجزائر قبل الاستقلال وبعده

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

يتمحور كتاب «الجزائر عاصمة العالم الثالث... مناضلون من أجل الحرية، وثوريون، والفهود السود» لإيلين مختفي حول حوادث وشخصيات في ثلاث محطات تاريخية. تبدأ المرحلة الأولى، وهي المرحلة الباريسية، من مغادرة المؤلفة مدينتها نيويورك في عام 1951 ووصولها إلى باريس، وانغمارها في الحياة الباريسية، وعملها مترجمةً، وتعرّفها على نضال الشعب الجزائري في حربه ضد الاستعمار الفرنسي، وانخراطها في العمل النضالي مع الجزائريين في الساحة الفرنسية، والعودة إلى نيويورك للعمل السياسي في مكتب الحكومة الجزائرية المؤقتة. وتبدأ المرحلة الثانية بتحرر الجزائر واستقلالها، وانتقال المؤلفة من فرنسا للعيش والعمل فيها مترجمة وصحافية تابعة للمكتب الإعلامي للحكومة الجزائرية، والصراع على السلطة، وإبعاد بن بله، ثم وصول إيلدريج كلييفر (Eldridge Cleaver) واحد من أهم زعماء حركة «الفهود السود» ومسؤول الإعلام بالحركة وزوجته الحامل كاتلين إلى الجزائر في يوليو (تموز) 1969.
أما المرحلة الثالثة، فتبدأ بمغادرة كلييفر، الجزائر، إلى باريس عام 1974 بمساعدة من المؤلفة، ثم منعها من دخول الجزائر لرفضها - حسب تأكيدها - التحول إلى مخبر يعمل لصالح المخابرات العسكرية الجزائرية ضد صديقتها زهرة السلمي بعد زواجها بالرئيس بن بله وهو في السجن، ووفقاً لرأي السلطات الأمنية الجزائرية بسبب «جنسيتها الأميركية وديانتها اليهودية».
تتميز كل مرحلة من المراحل السابقة عن غيرها. ففي المرحلة الباريسية الأولى تصل الشابة الأميركية إيلين كلين (اسمها قبل الزواج) البالغة من العمر 23 عاماً إلى باريس الخارجة لوقتها من محنة الاحتلال النازي المزري، وما تركته الحرب العالمية الثانية من آثار. ورغم ذلك، فإن الحياة الباريسية تفتح عيني الشابة الأميركية الغرّة على عوالم جديدة فتلقي بنفسها فيها. وتتيح لها وظيفتها مترجمةً فرصة حضور العديد من المؤتمرات والندوات في عديد من المدن الفرنسية وعواصم أوروبية. وفي هذه الفترة ونتيجة لاختلاطها بعناصر من التيار اليساري الفرنسي، يبدأ وعيها بالتفتح، ويستقطب كفاح الشعب الجزائري من أجل الاستقلال اهتمامها فتندفع نحوه بقوة ونشاط. وسرعان ما تنتقل للعمل الدبلوماسي والسياسي بمكتب الحكومة الجزائرية المؤقتة بنيويورك، وهناك تلتقي بالعديد من قادة الثورة الجزائرية لدى قدومهم لحضور جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث رافقتهم مترجمةً وأيضاً مرشدةً سياحيةً لدى تجوالهم في المدينة لزيارة معالمها. خلال هذه المرحلة تتعرف المؤلفة الشابة على المناضل والمفكر اليساري الثوري المارتينيكي فرانز فانون لدى وصوله عام 1961 إلى واشنطن لتلقي العلاج جراء إصابته بمرض سرطان الدم (لوكيميا).
في المرحلة الثانية تنتقل المؤلفة إلى الجزائر، لأول مرة، بعد الاستقلال، وتتعرض للصدام الذي دار بين فريقين من قيادات الثورة الجزائرية، يقود الأول يوسف بن خده، والثاني أحمد بن بله، حول من منهما الأحق بتولي السلطة بعد الاستقلال، ذلك أن بن خده ترأس الحكومة الجزائرية المؤقتة في المنفى، لكن بن بله حسم الخلاف لصالحه، لأن جيش التحرير الجزائري بقيادة هواري بومدين كان في صفه.
اتسمت هذه المرحلة بسمتين مهمتين. الأولى أن انتصار الجزائر على فرنسا ونيلها الاستقلال كان علامة مهمة ألهمت العديد من شعوب أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية الخاضعة للاستعمار، وثانياً، أضحت مزاراً وقبلة لقادة وزعماء والعديد من كوادر حركات التحرير من أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. وثالثاً تجدد الصراع الدامي على السلطة، وهذه المرة بين الحليفين بن بله وبومدين، الذي انتهى بانقلاب عسكري أدى لاختفاء بن بله من المسرح السياسي عام 1965.
تعد ّالمرحلة الثالثة، من وجهة نظر المؤلفة، أهم المنعطفات في تلك الفترة الزمنية لأنها كما قالت: «أعادت توحيدي بالبلاد التي تركتها ورائي منذ سنوات طويلة مضت»، وتقصد بذلك وصول عناصر من حركة «الفهود السود» الأميركية بشكل فجائي إلى الجزائر في صيف 1969، وفي مقدمتهم إيلدريج كلييفر، قادمين من كوبا. وكان كلييفر المسؤول الإعلامي بالحركة ورئيس تحرير صحيفة «الفهود السود» التي كانت توزع 2000 نسخة آنذاك. وحسب وصف المؤلفة: «كان منظماً لا يتعب، وخطيباً مفوهاً، ومؤسس الحملة المطالبة بإطلاق سراح هيو نيوتن» زعيم الحركة الذي كان مسجوناً آنذاك في انتظار محاكمته بتهمة القتل. وازدادت شهرته لدى نشره كتابه الأول «Soul on Ice».
هذه المرحلة تعد الأهم في الكتاب أولاً لأنها حظيت باهتمام كبير من المؤلفة، لكونها تتصدى لمرحلة تاريخية معينة في التاريخ السياسي لبلدها الولايات المتحدة الأميركية التي كانت تحارب آنذاك على جبهتين: خارجية (حرب فيتنام) وداخلية (حركة المناوئين للحرب وحركة المساواة في الحقوق المدنية للسود التي تزعمها مارتن لوثر كنج). وثانياً لأن المؤلفة تسلط الكثير من الأضواء على تلك الحركة، وما اعتراها من انقسامات وخلافات على مستوى القيادات أدت إلى إضعافها وتشتت كوادرها. وثالثاً لأن المؤلفة تتصدى لرصد وتسجيل تفاصيل حياة إيلدريج كلييفر وجماعته في الجزائر، وما انتابها من تقلبات وصراعات على المستوى السياسي من خلال علاقتهم بالحركة في أميركا، وأيضاً علاقاتهم بمختلف قيادات وعناصر حركات التحرر من الاستعمار التي تواجدت في الجزائر من خلال ممثلين ومكاتب (فيتنام - جنوب أفريقيا - زيمبابوي - أنغولا - حركة (بادر ماينهوف) الألمانية - الحركات المسلحة في أميركا اللاتينية). وكذلك على المستوى المالي والمعيشي اليومي، وانعكاس ذلك على حياتهم، إضافة إلى المشاكل الحياتية الأخرى الناجمة عن حياة مجموعة صغيرة لا تجيد اللغتين العربية والفرنسية، ومنغلقة على نفسها، داخل مجتمع بثقافة مغايرة وأمي وخارج لتوه من أتون حرب تحرير ضارية ضد استعمار شرس، ما جعلهم يعيشون على الهامش غير مبالين بما يحدث من تطورات من حولهم، وسجنوا أنفسهم في أماكن إقامتهم يتابعون الأحداث في أميركا أولاً بأول عبر المذياع، وينخرطون في المشاحنات والصراعات التي كانت تدور بين القيادات، خصوصاً إيلدريج كلييفر الذي كان لا يخفي طموحه لتولي قيادة الحركة، وأدت به أخيراً إلى الانشقاق عن الحركة.
أهمية الكتاب - المذكرات بما احتواه من معلومات عن فترة مهمة تاريخياً لا يمنع العديد من الأسئلة أن تطل برؤوسها، وهذا الحال ليس حكراً على هذه المذكرات بل يطال كل الكتب المشابهة، لأنها مروية من جانب واحد، زد على ذلك أن هذه المذكرات جاءت متأخرة زمنياً ومعظم من تناولت من شخصيات اختفوا من عالمنا الأرضي، ولا مجال أمامنا لقراءة ردودهم ووجهات نظرهم في الأحداث التي تعرضت لها المذكرات. أضف إلى ذلك أن الكثيرين جداً مما كتبوا ونشروا مذكراتهم وذكرياتهم وسيرهم، سواء من السياسيين، كانوا غالباً يتعاملون مع الحقائق باقتصاد ملحوظ، خصوصاً فيما يتعلق بأدوارهم، بل إن العديدين لم يتورعوا عن إلصاق مختلف الأوصاف والتهم بمخالفيهم أو معارضيهم، وإظهار أنفسهم في أبهى صور.


مقالات ذات صلة

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
كتب كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

يتناول كتاب «حكايات في تاريخ مصر الحديث» الصادر في القاهرة عن دار «الشروق» للباحث الأكاديمي، الدكتور أحمد عبد ربه، بعض الفصول والمحطات من تاريخ مصر الحديث

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

كتب أحلم بقراءتها 2025

كتب أحلم بقراءتها 2025
TT

كتب أحلم بقراءتها 2025

كتب أحلم بقراءتها 2025

هناك كتب عديدة أحلم بقراءتها في مطلع هذا العام الجديد المبارك. لكني أذكر من بينها كتابين للمفكر الجزائري المرموق لاهوري عدي. الأول هو: «القومية العربية الراديكالية والإسلام السياسي». والثاني: «أزمة الخطاب الديني الإسلامي المعاصر - ضرورة الانتقال من فلسفة أفلاطون إلى فلسفة كانط». وربما كان هذا أهم كتبه وأشهرها. والدكتور لاهوري عدي اشتهر، منذ عام 1992، ببلورة أطروحة لافتة عن صعود موجة الإسلام السياسي، بعنوان: «التراجع الخصب أو الانتكاسة الخصبة والمفيدة». هذا المصطلح شاع على الألسن وبحق. ما معناه؟ ما فحواه؟ مصطلح التراجع أو الانتكاسة شيء سلبي وليس إيجابياً، على عكس ما يوحي به المؤلف للوهلة الأولى، ولكنه يتحول على يديه إلى شيء إيجابي تماماً، إذا ما فهمناه على حقيقته. ينبغي العلم أنه بلوره في عز صعود الموجة الأصولية الجزائرية و«جبهة الإنقاذ». قال للجميع ما معناه: لكي تتخلصوا من الأصوليين الماضويين اتركوهم يحكموا البلاد. هذه هي الطريقة الوحيدة للتخلص من كابوسهم. وذلك لأن الشعب الجزائري سوف يكتشف بعد فترة قصيرة مدى عقم مشروعهم وتخلفه عن ركب الحضارة والعصر، وسوف يكتشف أن وعودهم الديماغوجية الراديكالية غير قابلة للتطبيق. سوف يكتشف أنها فاشلة لن تحل مشكلة الشعب، بل وستزيدها تفاقماً. وعندئذ يلفظهم الشعب وينصرف عنهم ويدير ظهره لهم ويفتح صدره للإصلاحيين الحداثيين الليبراليين. هذه الأطروحة تذكرنا بمقولة «مكر العقل في التاريخ» لهيغل، أو بـ«الدور الإيجابي للعامل السلبي في التاريخ». بمعنى أنك لن تستطيع التوصل إلى المرحلة الإيجابية قبل المرور بالمرحلة السلبية وتذوُّق طعمها والاكتواء بحرِّ نارها. لن تتوصل إلى الخير قبل المرور بمرحلة الشر. لن تتوصل إلى النور قبل المرور بمرحلة الظلام الحالك. ينبغي أن تدفع الثمن لكي تصل إلى بر الخلاص وشاطئ الأمان. وقد سبق المتنبي هيغل إلى هذه الفكرة عندما قال:

وَلا بدَّ دونَ الشَّهْد من إِبرِ النحلِ

هذه الأطروحة تقول لنا ما معناه: الأصولية المتطرفة تشكل وهماً جباراً مقدساً يسيطر على عقول الملايين من العرب والمسلمين. إنهم يعتقدون أنها ستحلّ كل مشاكلهم بضربة عصا سحرية، إذا ما وصلت إلى الحكم. ولا يمكن التخلص من هذا الوهم الجبار الذي يخترق القرون ويسيطر على عقول الملايين، إلا بعد تجريبه ووضعه على المحك. عندئذ يتبخر كفقاعة من صابون. ولكن المشكلة أنه لم يتبخر في إيران حتى الآن. بعد مرور أكثر من 40 سنة لا تزال الأصولية الدينية المتخلفة تحكم إيران وتجثم على صدرها. فإلى متى يا ترى؟ إلى متى ستظل الأصولية الدينية القروسطية تحكم بلداً كبيراً وشعباً مثقفاً مبدعاً كالشعب الإيراني؟ بعض الباحثين يعتقدون أن هذا النظام الرجعي لولاية الفقيه والملالي انتهى عملياً، أو أوشك على نهايته. لقد ملَّت منه الشبيبة الإيرانية، ومِن الإكراه في الدين إلى أقصى حد ممكن. وبالتالي، فإما أن ينفجر هذا النظام من الداخل وينتصر محمد جواد ظريف وبقية الليبراليين الإصلاحيين المنفتحين على التطور والحضارة الحديثة. وإما أن يعود ابن الشاه من منفاه ويعتلي عرش آبائه مرة أخرى. ولكم الخيار.

وبخصوص إيران، أحلم بقراءة مذكرات فرح بهلوي للمرة الثانية أو ربما الثالثة. وهو كتاب ضخم يتجاوز الأربعمائة صفحة من القطع الكبير. وتتصدره صورة الشاهبانو الجميلة الرائعة. ولكنها لم تكن جميلة فقط، وإنما كانت ذكية جداً وعميقة في تفكيرها. من يُرِد أن يتعرف على أوضاع الشعب الإيراني قبل انفجار الثورة الأصولية وفيما بعدها أنصحه بقراءة هذا الكتاب. مَن يرد التعرف على شخصية الخميني عندما كان لا يزال نكرة من النكرات، فليقرأ الصفحات الممتازة المكرَّسة له من قبل فرح ديبا. كان مجرد شيخ متزمت ظلامي معادٍ بشكل راديكالي لفكرة التقدُّم والتطور والإصلاح الزراعي الذي سنَّه الشاه في ثورته البيضاء التي لم تُسفَك فيها قطرة دم واحدة. كان مع الإقطاع والإقطاعيين الكبار ضد الفلاحين البسطاء الفقراء. وكان بإمكان الشاه أن يعدمه، ولكنه لم يفعل، وإنما تركه يذهب بكل حرية إلى منفاه. بعدئذ تحول هذا الشيخ القروسطي الظلامي إلى أسطورة على يد أشياعه وجماعات الإسلام السياسي أو المسيَّس. هذا لا يعني أنني أدافع عن الشاه على طول الخط، كما تفعل فرح ديبا؛ فله مساوئه ونقائصه الكبيرة وغطرساته وعنجهياته التي أودت به. ولكن ينبغي الاعتراف بأنه كانت له إيجابيات، وليس فقط سلبيات مُنكَرة. ولكن الموجة الأصولية دمرته ودمرت سمعته كلياً، وقد آن الأوان لتدميرها هي الأخرى، بعد أن حكمت إيران مدة 45 سنة متواصلة. وعلى أي حال، فإن أفعالها وأخطاءها الكبرى هي التي دمرتها أو ستدمرها. لقد أشاعت الحزازات المذهبية في المنطقة، وأعادتنا 1400 سنة إلى الوراء. هل سننتظر مليون سنة لكي نتجاوز الفتنة الكبرى التي مزقتنا؟ هنا يكمن خطأ التفكير الأصولي الرجعي المسجون في عقلية ماضوية عفى عليها الزمن. متى ستتحقق المصالحة التاريخية بين كافة المذاهب والطوائف عندنا مثلما تحققت المصالحة التاريخية الكاثوليكية - البروتستانتية في أوروبا وأنقذتهم من جحيم الانقسامات الطائفية والمذهبية؟ متى ستنتصر الأنوار العربية الإسلامية على الظلمات العربية الإسلامية؟ بانتظار أن يتحقق ذلك ينبغي على جميع الأقليات أن تلتف حول الأكثرية، لأنها هي العمود الفقري للبلاد، ولأن نجاحها سيكون نجاحاً للجميع، وفشلها (لا سمح الله) سيرتد وبالاً على الجميع.

أضيف بأن الحل الوحيد للتطرف هو الإسلام الوسطي العقلاني المعتدل السائد في معظم الدول العربية، إن لم يكن كلها. «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً»، كما يقول القرآن الكريم. وهو الذي نصّت عليه «وثيقة الأخوة الإنسانية» في أبوظبي عام 2019، و«وثيقة مكة المكرمة» الصادرة عن «رابطة العالم الإسلامي»، في العام ذاته، وهو الذي تعلمته أنا شخصياً في ثانوية مدينة جبلة الساحلية السورية، على يد أستاذ التربية الدينية الشيخ محمد أديب قسام. كان فصيحاً بليغاً أزهرياً (خريج الأزهر الشريف). كان يحببك بدرس الديانة غصباً عنك. لا أزال أتذكر كيف كان يشرح لنا الحديث التالي: «دخلت النار امرأة في هرة حبستها، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت». كأني أراه أمام عيني الآن وهو يشرح لنا هذا الحديث النبوي الشريف. هنا تكمن سماحة الإسلام ومكارم الأخلاق. فإذا كان الإسلام يشفق على الهرة أو القطة أو الحيوانات؛ فما بالك بالبشر؟ هنا يكمن جوهر الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين لا نقمة عليهم ولا ترويعاً لهم.