إجراءات تأديب المجر تشق المحافظين في البرلمان الأوروبي

TT

إجراءات تأديب المجر تشق المحافظين في البرلمان الأوروبي

جرت العادة أن تبدأ الحملة لانتخابات البرلمان الأوروبي قبل شهرين من موعدها، من غير أن تستقطب اهتماماً يُذكر بين الناخبين، وتكاد تقتصر على تشكيل اللوائح الوطنية للأحزاب المشاركة فيها. لكن الأجواء المشحونة في المشهد الأوروبي منذ عام، والهزّة السياسية التي شهدها البرلمان الأوروبي، الأسبوع الماضي، عندما أجاز الإجراءات التأديبية ضد المجر وزعيمها اليميني المتطرف فيكتور أوروبان لانتهاكهما القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي، كانت إشارة الانطلاق المبكر لحملة انتخابات الربيع المقبل التي ينتظر أن تعيد خلط الأوراق بشكل جذري في البرلمان الأوروبي.
وتشهد مدينة سالزبورغ النمساوية اليوم (الأربعاء)، عشيّة انعقاد القمة الأوروبية الاستثنائية حول الهجرة، اجتماعاً لقادة الأحزاب الأعضاء في الحزب الشعبي الأوروبي، في محاولة لاستعادة الوحدة التي انفرطت خلال التصويت على العقوبات ضد المجر، إذ انقسمت أصوات المحافظين الذين يشكلون الكتلة الأكبر في البرلمان الأوروبي. لكن تداعيات انقسام الأصوات المحافظة حول معاقبة تمرّد المجر بسبب سياستها وموقفها من الهجرة، بدأت تنعكس أيضاً على الكتل الأخرى التي تستعدّ لتغيير جذري في البرلمان بعد الانتخابات التي ستجري في 26 مايو (أيار) المقبل، والتي يتوقع أن تكون مفترقاً حاسماً في مسرى المشروع الأوروبي.
سوف يحاول قادة الحزب الشعبي الأوروبي اليوم في سالزبورغ رأب الصدع الذي نشأ عن الانقسام الحاد الأخير، الذي كان معلناً منذ الصعود القوي والسريع للتيارات اليمينية المتطرفة داخل الأحزاب المحافظة وعلـى هامشها. لكن احتمالات التوصل إلى اتفاق تبدو ضئيلة جداً بين المعسكر الذي يقوده المجري أوروبان، ويطالب بوصد الحدود الخارجية كليّاً في وجه الهجرة، والمعسكر الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تدعو إلى سياسة أكثر اعتدالاً في موضوع اللجوء والهجرة. وتقول أوساط «الحزب الشعبي» إن انشطار الكتلة البرلمانية مستبعد في الوقت الحاضر، وترجّح التوصّل إلى اتفاق للتخفيف من حدة المواجهة وتهدئة السجال بانتظار مرور العاصفة.
لكن المشهد السياسي الأوروبي لا يوحي بأن التهدئة على الأبواب. فالهجرة أصبحت الإسفين الذي يفصل بعمق بين المعسكرين داخل الاتحاد، بعد الأزمة الاقتصادية التي فرضت ألمانيا علاجها بالتقشّف الذي أضعف الروح التعاضدية التي تشكّل اللحمة الأساسية للمشروع الأوروبي، والتي قضت عليها المخاوف التي أججتها السياسات العنصرية التي يشهرها أوروبان وحليفه وزير الداخلية الإيطالي ماتّيو سالفيني.
وليس من دليل أبلغ على ارتفاع منسوب التوتر بين المعسكرين، من الصدام العلني يوم الجمعة الماضي بين سالفيني ووزير الهجرة في لوكسمبورغ، والانتقادات المباشرة التي وجهتها الحكومة النمساوية إلى رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيز عندما اتهمته بتسهيل دخول المهاجرين عبر الحدود الإسبانية على حساب البلدان الأخرى في الاتحاد الأوروبي.
ويلاحظ أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحاول استغلال اعتكار المياه في المشهد الأوروبي، ليتمدد في وسط هذا المشهد على حساب الكتلتين الكبريين في البرلمان: «الديمقراطيون المسيحيون» و«الاجتماعيون الديمقراطيون». ويسعى ماكرون إلى تحويل الانتخابات الأوروبية إلى مواجهة ثنائية بين الخطاب الأوروبي الذي يطمح إلى زعامته، والخطاب اليميني المتطرف الذي يمتطي صهوته أوروبان وسالفيني. وهو يعقد الأمل على تكرار مغامرته الناجحة في الانتخابات الفرنسية، حيث تمكّن من حصد أصوات الوسط، وألحق هزيمة قاسية بـ«الجبهة الوطنية» التي تتزعمها ماري لوبان.
وتفيد الاستطلاعات الأخيرة بأن الكتلتين الرئيسيتين في البرلمان الأوروبي: «الحزب الشعبي» و«الاشتراكيون»، لن يشكّلا أغلبية الأعضاء للمرة الأولى منذ أربعين عاماً عندما تأسس البرلمان الأوروبي.
أما الكتلة الثالثة التي يشكّلها المشككون في المشروع الأوروبي، فإنها ستخسر مجموعتها الأكبر مع خروج بريطانيا من الاتحاد، فيما يعود الخضر والليبراليون إلى المفاضلة التقليدية بين الانضمام إلى الكتلة الوسطية أو الاصطفاف مع اليسار.
أما على جبهة اليمين المتطرف، الذي بات يشكل مصدر القلق الرئيسي لدعاة المشروع الأوروبي، فمن المنتظر أن يُعقد لواء الزعامة للإيطالي ماتّيو سالفيني الذي أدّى صعوده السريع والقوي إلى تهميش الفرنسية ماري لوبان، الذي تقدّر الاستطلاعات الأخيرة بأن حزب «رابطة الشمال» الذي يتزعمه أصبح يشكّل القوة السياسية الأولى في إيطاليا.
ومن المنتظر أن يؤدي نزول ماكرون إلى المعترك الأوروبي لتشكيل كتلة وسطية، إلى جانب قيام كتلة يمينية متطرفة قوية، إلى قلب المعادلة التي تقوم عليها المواجهة السياسية في البرلمان الأوروبي، بين المتحمسين لمشروع الاتحاد، والمشككين في صيغته الراهنة. لكن المعادلة الجديدة تبقى مرهونة بالمعسكر الذي سيكتب له النصر في 26 مايو (أيار) المقبل: أوروبا ماكرون، أم أوروبا ميركل أم أوروبا سالفيني.



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.