خلافات داخلية تعصف بالحزب الذي يقود الحكومة التونسية

«النداء» عرف موجة من الاستقالات وصراعاً مستمراً بين رئيس الحكومة ونجل السبسي

TT

خلافات داخلية تعصف بالحزب الذي يقود الحكومة التونسية

في خضم الأزمات المتتالية التي يعرفها حزب «نداء تونس»، بدأ المراقبون وشرائح عريضة من الشعب التونسي تطرح عدة تساؤلات جوهرية: هل انتهى الحزب كقوة سياسية فازت بانتخابات 2014 بشقيها الرئاسي والبرلماني؟ وهل زادت أوضاعه الداخلية تأزما بعد أن سحب رئيس الحكومة يوسف الشاهد بعض ركائز الحزب لتحقيق طموحاته السياسية المؤجلة إلى السنة المقبلة؟ وهل انتهت الحرب المعلنة بين شق حافظ قائد السبسي في حزب النداء، وشق يوسف الشاهد في الحزب نفسه لصالح الشاهد، الذي نجح في استمالة نواب يمثلون «النداء» وأقنعهم بالاستقالة والالتحاق بالكتلة البرلمانية، التي شكلها بعض البرلمانيين حديثا؟
فقبل يومين حدد المنجي الحرباوي، المكلف الإعلام في حزب النداء، مهلة 48 ساعة ليتخذ الحزب قراره بطرد الشاهد والنواب الثمانية المستقيلين من الكتلة البرلمانية، والذين التحقوا بكتلة الشاهد في البرلمان، لكن هذه المهلة لم تجد أرضية لتنفيذها في ظل الجدل الداخلي المحتدم داخل حزب النداء، وذلك بسبب اختلاف الآراء حول النتائج التي قد تنجم عن عملية الطرد، والتي قد تصب في صالح يوسف الشاهد، حسب بعض المحللين السياسيين.
وكان الشاهد، المنتمي بدوره إلى حزب النداء الذي رشحه لرئاسة الحكومة، قد اتهم رئيس الحزب حافظ قائد السبسي، نجل رئيس الجمهورية، بعد استفحال الأزمة السياسية بين الطرفين خلال الأشهر الماضية، بتدمير الحزب والقضاء على أي آمال لإصلاحه. وإثر اجتماع الهيئة السياسية لحزب النداء للنظر في ملف طرد رئيس الحكومة يوسف الشاهد، قال رمزي خميس، القيادي في الحزب، إن كلمة الطرد «غير موجودة في النظام الداخلي والقانون الأساسي لنداء تونس. لكن العقوبات تضم التوقيف المؤقت أو النهائي من هياكل الحزب»، مبرزا أن اجتماع الهيئة السياسية بقي مفتوحا.
وقبل أسابيع هدد حزب النداء بسحب وزرائه من حكومة الشاهد لتضييق الخناق عليه أكثر، ودفعه إلى الاستقالة، أو تجديد الثقة أمام البرلمان. غير أن مصادر مطلعة أشارت إلى أن الشاهد طلب بدوره من الوزراء ووزراء الدولة التابعين لنداء تونس الاستقالة من الحزب، مقابل المحافظة على عضويتهم في الفريق الحكومي، وهو ما يعني إعفاءهم من مهامهم في حال التنسيق مع شق حافظ قائد السبسي الذي يطالب بتنحيته من على رأس الحكومة.
وفي غضون ذلك، لم تنجح الدعوات التي وجهها نجل الرئيس التونسي من أجل عودة قيادات غادرت حزب النداء بسبب خلافاتها الحادة معه، في وقف نزف الخلافات السياسية، وتمكّن الحزب من استعادة رضا بلحاج، أحد مؤسسي حزب النداء سنة 2012، ونجح كذلك في فتح قنوات الحوار مع حركة مشروع تونس، التي يتزعمها محسن مرزوق، الأمين العام السابق المستقيل من حزب النداء، بهدف تشكيل تحالف برلماني. غير أن كل هذه المحاولات لم توقف سيل الانتقادات الموجهة إلى القيادات السياسية لحزب النداء، وخاصة إلى طريقة تسيير الحزب من قبل حافظ قائد السبسي. في هذا السياق، يوضح الصحبي بن فرج، المنضم حديثا إلى كتلة الائتلاف الوطني الداعمة ليوسف الشاهد أن استقالة نواب وقياديين من حزب النداء اعتبرت في نظر البعض «بداية انهيار الكتلة البرلمانية وتأزم الوضع في الحزب».
واعتبر بن فرج، القيادي السابق في حركة مشروع تونس، أن رئيس الحكومة الحالية يحظى بمساندة نحو 120 نائبا برلمانيا، علما بأن التصويت في البرلمان يتطلب توفر 109 أصوات لضمان الأغلبية المطلقة، وهو ما يعني أنه يتمتع بحد أدنى من الشرعية، على حد تعبيره. مضيفا أن الحملة العنيفة التي تعرض لها الشاهد لم تمكّن المؤيدين لرحيله من جمع العدد الكافي من النواب لتقديم لائحة ضده، واعتبر أن «من يريدون الإطاحة به أقلية».
في السياق ذاته، انتقد عبد الحميد الجلاصي، القيادي في حركة النهضة، الدعوات المتكررة لتغيير رئيس الحكومة، واعتبرها من قبيل العبث، مبرزا أن رئيس الحكومة الحالي «أصبح رئيس حكومة كل التونسيين بعد اقتراحه من قبل حركة نداء تونس، التي تطالب اليوم بتنحيته». كما أوضح أن تغيير رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد كان «خطأ سياسيا كبيرا»، وأكد في المقابل أن وجود ضعف في أداء حكومة الصيد، كان بسبب أن حزب النداء «رفض العمل كحزب سياسي»، على حد تعبيره.
في المقابل، تسعى حركة النهضة إلى إنقاذ حليفها السياسي حزب النداء من الأزمة. لكنها تراقب الوضع السياسي والتطورات الحاصلة في حزب النداء.وفي مقابل التوقعات المتفائلة بعودة «الآلة الانتخابية» لحزب النداء قبل أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة السنة المقبلة، ومنافسة حركة لنهضة حليفها اللدود، قال زياد كريشان، المحلل السياسي التونسي المعروف، إن «سفينة نداء تونس بصدد الغرق، ومن بقي فيها لا يتجاوز الحلقة المقربة من حافظ قائد السبسي، نجل رئيس الجمهورية... وقوة حزب النداء تكمن في كونه حزب رئيس الجمهورية، وبالتالي فإن حزب الدولة في مخيال جزء مهم من التونسيين، وفي انتشاره في الجهات، واعتباره إطارا للعمل السياسي رغم رفض عدد من القيادات لمسار التوريث الديمقراطي»، وتوقع أن تكون نتائجه مدمرة في انتخابات 2019 إذا لم يعمل على تثبيت قاعدته الانتخابية في الجهات.



مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

جدد بناء «كشك نور» بالطوب الأحمر، في مكان بارز بمنطقة الجمالية الأثرية في مصر، مطالب خبراء أثريين بتشديد الرقابة على المناطق الأثرية وحمايتها من الاعتداء بالاستناد إلى قانون حماية الآثار.

ويرى الخبير الأثري الدكتور محمد حمزة أن واقعة بناء كشك كهرباء داخل «حرم موقع أثري»، صورة من أوجه مختلفة للاعتداء على الآثار في مصر، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «يمثل هذا الكشك مثالاً لحالات البناء العشوائي التي لا تراعي خصوصية المناطق الأثرية، وتشويهاً معمارياً مثل الذي شهدته بنفسي أخيراً ببناء عمارة سكنية في مواجهة جامع «الحاكِم» الأثري في نهاية شارع المعز التاريخي، بما لا يتلاءم مع طراز المنطقة، وأخيراً أيضاً فوجئنا بقرار بناء مسرح في حرم منطقة سور مجرى العيون الأثرية، وهناك العديد من الأمثلة الأخيرة الخاصة بهدم آثار كالتعدي على قبة الشيخ عبد الله بمنطقة عرب اليسار أسفل قلعة صلاح الدين الأيوبي، وتلك جميعها صور من الاعتداء التي تتجاهل تماماً قوانين حماية الآثار».

كشك كهرباء باب النصر (حساب د. محمد حمزة على فيسبوك)

وحسب الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، فإن بناء هذا الكشك «هو حالة متكررة لمخالفة قانون حماية الآثار بشكل واضح»، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «يجب أن تتم إزالته، فهو يؤثر بشكل واضح على بانوراما المكان الأثري، علاوة على أنه كيان قبيح ولا يليق أن يتم وضعه في موقع أثري، ويتسبب هذا الكشك في قطع خطوط الرؤية في تلك المنطقة الأثرية المهمة».

ويضيف عبد المقصود: «المؤسف أن وزارة السياحة والآثار لم تعلق على هذا الأمر بعد، مثلما لم تعلق على العديد من وقائع الاعتداء على مواقع أثرية سواء بالبناء العشوائي أو الهدم قبل ذلك، رغم أن الأمر يقع في نطاق مسؤوليتهم».

قانون الآثار المصري يمنع بناء مبان أعلى من المنشآت الأثرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وأثار تشويه بعض نقوش مقبرة مريروكا الأثرية في منطقة سقارة بالجيزة (غرب القاهرة) ضجة واسعة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسط دعوات بضرورة تطبيق قانون حماية الآثار الذي تنص المادة 45 منه رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، على أنه «يعاقَب كل من وضع إعلانات أو لوحات للدعاية أو كتب أو نقش أو وضع دهانات على الأثر أو شوّه أو أتلف بطريق الخطأ أثراً عقارياً أو منقولاً أو فصل جزءاً منه بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنية ولا تزيد على 500 ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين».

الآثار الإسلامية تتوسط غابة من الكتل الخرسانية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وترى الدكتورة سهير حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بقسم الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة، أن منطقة القاهرة التاريخية مسجلة وفقاً لقانون 119 لسنة 2008، باعتبارها منطقة أثرية لها اشتراطات حماية خاصة، وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «تشمل تلك الحماية القيام بعمل ارتفاعات أو تغيير أشكال الواجهات، وأي تفاصيل خاصة باستغلال الفراغ العام، التي يجب أن تخضع للجهاز القومي للتنظيم الحضاري ووزارة الثقافة».

شكاوى من تشويه صور الآثار الإسلامية بالقاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وحسب القانون يجب أن يتم أخذ الموافقة على وضع أي كيان مادي في هذا الفراغ بما فيها شكل أحواض الزرع والدكك، وأعمدة الإضاءة والأكشاك، سواء لأغراض تجميلية أو وظيفية؛ لذلك فمن غير المفهوم كيف تم بناء هذا الكشك بهذه الصورة في منطقة لها حماية خاصة وفقاً للقانون.

ويرى الخبير الأثري الدكتور حسين عبد البصير أنه «لا بد من مراعاة طبيعة البيئة الأثرية، خاصة أن هناك العديد من الطرق التي يمكن بها تطويع مثل تلك الضرورات كتوسيع الطرق أو البنية التحتية أو إدخال تطويرات كهربائية بطريقة جمالية تلائم النسيج الجمالي والبصري للأماكن الأثرية».