الموريتانيون يصوّتون في الدورة الثانية للانتخابات

TT

الموريتانيون يصوّتون في الدورة الثانية للانتخابات

يتوجه مليون وقرابة نصف المليون ناخب موريتاني اليوم (السبت) إلى صناديق الاقتراع في الدور الثاني من الانتخابات التشريعية والمحلية والجهوية التي تشهدها البلاد، وذلك لحسم التنافس في 129 دائرة انتخابية لم تحسم في الدور الأول من الانتخابات، والذي نظم قبل أسبوعين.
وكان أفراد الأمن والقوات المسلحة قد صوتوا أمس (الجمعة) في جميع أنحاء موريتانيا، من أجل التفرغ لتأمين تصويت المدنيين، لكن السلطات الموريتانية لا تكشف عادة عن أعداد العسكريين المسجلين على قوائمها الانتخابية، بل يتم فرز مكاتب تصويتهم وإلحاق نتائجهم بالنتائج العامة.
وقام عدد من قادة ائتلاف المعارضة الموريتانية، الذي يخوض هذه الانتخابات بلوائح مشتركة، بزيارة مكاتب تصويت العسكريين من أجل مراقبة عملية التصويت، علما بأنه سبق أن تحدثت المعارضة عن «خروقات وتزوير» فيما يتعلق بتصويت العسكريين.
في غضون ذلك، طالب ائتلاف المعارضة بضرورة إصدار قرار يلغي تصويت العسكريين ورجال الأمن يوماً قبل تصويت المدنيين، إذ قال القيادي في ائتلاف المعارضة محمد ولد مولود إن «الجيش وقوات الأمن يصوتون اليوم في عزلة تامة، وذلك يفتح الباب أمام الضغوطات والتلاعب بصناديق الاقتراع».
وأوضح ولد مولود في تصريح للصحافة أمس: «نحن نطالب بتطبيع عملية تصويت الجيش والعسكريين لأنهم مواطنون موريتانيون، ويجب أن يصوتوا مع المواطنين الآخرين».
وكانت موريتانيا قد أصدرت قراراً قبل سنوات يتيح للعسكريين التصويت يوماً واحداً قبل المدنيين من أجل تأمين الانتخابات.
وينظم الدور الثاني في 129 دائرة انتخابية على عموم التراب الموريتاني، من ضمنها 12 دائرة انتخابية تشريعية ستحدد مصير 22 مقعداً برلمانياً، و108 دوائر انتخابية محلية، وتسع دوائر انتخابية جهوية.
في سياق ذلك، تخوض المعارضة الموريتانية معركة انتخابية شرسة ضد حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، وخاصة في العاصمة نواكشوط، التي تعد أكبر مدينة في البلاد، والتي تأجل الحسم في جميع دوائرها الانتخابية للدور الثاني.
ويسعى الحزب الحاكم إلى تأكيد تفوقه الانتخابي من خلال النصر في أكبر عدد ممكن من الدوائر الانتخابية في العاصمة، وهو الذي سبق أن حسم بنصر ساحق أغلب الدوائر الانتخابية داخل البلاد، ما مكنه من الحصول على 67 مقعداً برلمانياً، وينافس على 22 مقعداً آخر في الدور الثاني، حيث يحتاج منها لـ12 فقط حتى يضمن الأغلبية المطلقة في البرلمان، البالغ عدد مقاعده 157 مقعداً، وبالتالي يشكل الحكومة منفرداً.
من جانبها، تخوض المعارضة الدور الثاني من الانتخابات لتحقق مكاسب مهمة، أبرزها الفوز برئاسة المجلس الجهوي للعاصمة نواكشوط، وهو واحد من أهم المناصب الانتخابية في البلاد، ويتمتع برمزية سياسية وسيادية بارزة. لكن مرشح المعارضة لهذا المنصب يواجه في الدور الثاني مرشحة قوية دفع بها الحزب الحاكم.
وفقدت المعارضة الأمل في الحصول على «الثلث المعطل»، وهو أحد الأهداف المهمة التي حددتها قبل خوض الانتخابات، ويعني ذلك حصولها على ثلث مقاعد البرلمان، وبالتالي منع أي تعديلات دستورية قد يسعى نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز لتمريرها عن طريق البرلمان من أجل البقاء في السلطة لولاية رئاسية ثالثة.
وحتى الآن تتجه التوقعات إلى أن ائتلاف الأحزاب، الداعمة للرئيس محمد ولد عبد العزيز، سيحصل على ثلثي مقاعد البرلمان، وبالتالي سيكون قادراً على تعديل الدستور، لأن القانون الموريتاني ينص على أن الدستور يمكن تعديله باستفتاء شعبي، أو عبر البرلمان. لكن لاعتماد أي تعديلات دستورية لا بد من حصولها على موافقة ثلثي النواب.
ويتوجه الموريتانيون إلى صناديق الاقتراع في الدور الثاني من الانتخابات، وقد تقلص مستوى الاهتمام وخفت حدة التنافس، مقارنة مع الدور الأول الذي خاضه أكثر من 6 آلاف مرشح وأزيد من مائة حزب سياسي، بينما يقتصر التنافس في الدور الثاني بين الحزب الحاكم والمعارضة وعدد ضئيل من أحزاب الموالاة.
وتعد هذه الانتخابات اختباراً لشعبية الأحزاب والكتل السياسية في موريتانيا، خاصة أنها تأتي قبل أقل من عام على الانتخابات الرئاسية، التي تعد فاصلة في تاريخ موريتانيا، لأن الرئيس الحالي للبلاد محمد ولد عبد العزيز سيكون خارج المنافسة بموجب الدستور، الذي يحدد عدد الولايات الرئاسية باثنتين، وهو يستعد لإكمال ولايته الرئاسية الثانية. كما أن الانتخابات الرئاسية المقبلة سيغيب عنها عدد من قادة المعارضة التاريخيين بسبب الدستور، الذي يحد السن القانونية للترشح بـ75 عاماً، وهو ما سيمنع الزعيم التاريخي للمعارضة أحمد ولد داداه من الترشح، كما سيغيب لنفس السبب مسعود ولد بلخير، رئيس البرلمان السابق ومعارض تاريخي.



برد قارس يضرب اليمن... واحتياجات عاجلة للنازحين

أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)
أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)
TT

برد قارس يضرب اليمن... واحتياجات عاجلة للنازحين

أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)
أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)

يشهد اليمن طقساً بارداً أكثر من المعتاد في منتصف الخريف وقبل قدوم الشتاء، بالتزامن مع زيادة في أعداد المحتاجين إلى المساعدة، وسط تحذيرات من انخفاض أشد في درجات الحرارة خلال الأسابيع المقبلة، وتفاقم معاناة النازحين، وطلب تمويل بـ7 ملايين دولار لتأمين احتياجات مئات الآلاف منهم.

ويتوقع خبراء الأرصاد أن تعيش البلاد خلال الأيام المقبلة موجة برد شديدة في مناطق المرتفعات، ما يؤثر على صحة السكان من الأطفال وكبار السن، إلى جانب تأثيرها على المحاصيل الزراعية، وتزداد قسوتها خلال ساعات الليل والصباح الباكر، خصوصاً في محافظات شمال البلاد، وتقل حدتها نسبياً باتجاه الجنوب والجنوب الغربي والشمال الشرقي.

ورجّح عدد من الخبراء أن تكون محافظات صعدة وعمران وصنعاء شمالاً، وذمار والبيضاء جنوب وجنوب شرقي العاصمة صنعاء، هي الأكثر عرضة لهذه الموجة، تليها المناطق المرتفعة في محافظات إبّ وتعز ولحج والضالع، في الجنوب والجنوب الغربي للبلاد، بالإضافة إلى الأجزاء الغربية من محافظة الجوف (شمال شرقي).

ولا تُستثنى المحافظات الشرقية مثل حضرموت وشبوة وأبين ومأرب، والغربية والشمالية الغربية مثل ريمة وحجة والمحويت، من تلك الموجة، لكن بدرجة أقل، ما يدعو إلى اتخاذ احتياطات لحماية الأطفال وكبار السن من تأثيراتها، واتخاذ تدابير لحماية المزروعات من التلف.

لا تختلف أزمة المأوى بالنسبة للنازحين بين الصيف والشتاء بسبب قسوة الظروف المناخية المتبدلة (رويترز)

وحذرت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مأرب، خلال الأيام الماضية، من زيادة معاناة النازحين وأشد الفئات ضعفاً مع اقتراب فصل الشتاء، ووجهت دعوة لشركاء العمل الإنساني والجهات المانحة للتحرك العاجل وتقديم المساعدات الشتوية الضرورية.

فجوة تمويلية

ذكرت الوحدة التنفيذية المعنية بالنازحين، وهي هيئة رسمية، أن تقاريرها الميدانية كشفت عن أوضاع مؤلمة للأطفال والنساء وكبار السن الذين يعيشون في خيام مهترئة بلا أغطية كافية أو وسائل تدفئة، مما يضاعف من خطر البرد القارس عليهم، منبهة إلى أن تأخير الاستجابة يهدد حياة الفئات الهشة ويضاعف معاناتها.

وذكّرت بحوادث وفاة عدد من الأطفال وكبار السن خلال الأعوام الماضية بسبب مضاعفات البرد الشديد ونقص الدعم الإنساني، وطالبت ببذل الجهود لعدم تكرار المأساة هذا العام، من خلال توفير الملابس الشتوية والبطانيات وأدوات التدفئة والعوازل والفرش الأرضية بشكل عاجل، والاهتمام بأكثر العائلات تضرراً.

وكانت «كتلة المأوى» وجهت نداءً عاجلاً للحصول على تمويل بقيمة 7 ملايين دولار لتأمين احتياجات الشتاء لنحو 217 ألف شخص من النازحين والعائدين والمجتمعات المضيفة في اليمن.

نازحة يمنية تنتظر حصولها على مساعدات شتوية من المنظمة الدولية للهجرة العام الماضي (الأمم المتحدة)

وأشارت «الكتلة» إلى أن ضعف الاستجابة الإنسانية سيعرض عشرات الآلاف لمخاطر البرد القارس، خاصة في 45 موقعاً موزعة على 12 محافظة يواجه سكانها ظروفاً معيشية صعبة تحدّ من قدرتهم على شراء المستلزمات الشتوية الأساسية.

وبحسب تحليل حديث أجرته «الكتلة»، وهي آلية أممية تعمل على تنسيق جهود المنظمات الإنسانية والجهات الفاعلة الأخرى لتقديم الدعم في مجال المأوى للأشخاص المتضررين من الكوارث والنزاعات؛ فإن نحو 642 ألف نازح، يعيشون في 45 مديرية موزعة على عدد من المحافظات، يحتاجون لمساعدة شتوية، من بينهم 563 ألفاً تقريباً معرضون لدرجات التجمد.

ولا يُغطّى من التمويل المطلوب سوى 5 في المائة فقط، ما يترك فجوة تمويلية خطيرة بنسبة 95 في المائة.

وحددت الكتلة الأممية استراتيجيتها لمواجهة هذه الأزمة بإصلاح المأوى أو استبدال الخيام والمساكن التالفة وعزلها بدرجة كافية، وتوزيع «حزمة شتوية» من بطانيات عالية العزل لكل فرد، وملابس شتوية متنوعة، وفق عدد أفراد كل عائلة، إلى جانب إمكانية تقديم المساعدة النقدية، بحسب تقييم الأسواق المحلية والقدرة الشرائية.

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع الشتاء الماضي (إكس)

وأعادت التحذير من أن يشهد الشتاء المقبل ظروفاً مشابهة لسابقه، ما يجعل توفير التمويل ضرورة ملحة لضمان سلامة نحو 31 ألف عائلة تعيش في بيئات شديدة البرودة، ومنحهم الحد الأدنى من الأمان والدفء.

موسم التدهور المعيشي

توقعت مبادرة تصنيف المراحل المتكاملة للأمن الغذائي (IPC) أن يرتفع عدد اليمنيين الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمان الغذائي إلى 18.1 مليون شخص، خلال الفترة من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وحتى فبراير (شباط) المقبل، بنحو 52 في المائة من السكان الذين قامت بدراسة أوضاعهم المعيشية.

وطبقاً للمبادرة، فإن من المحتمل أن يدخل نحو 41 ألف شخص في المرحلة الخامسة المصنفة بالكارثة في بعض المديريات، وأكثر من 5.5 مليون شخص في المرحلة الرابعة، وهي مرحلة الطوارئ، في حين سيقع نحو 12.574 مليون شخص في المرحلة الثالثة، وهي مرحلة الأزمة، مع ترجيح أن يرتفع عدد المديريات التي قد تقع في فئة الطوارئ من 143 إلى 166 مديرية خلال نفس الفترة.

الحاجة إلى المأوى تتزاحم إلى جانب احتياجات الغذاء لدى النازحين طوال فصول العام

ومن دون حدوث تدخل سريع، فإن المبادرة، وهي تجمع متعدد الأطراف من وكالات أممية ومنظمات تقنية وإنسانية يهدف إلى تحسين تحليل الأمن الغذائي والتغذية واتخاذ القرارات الإنسانية، تبدي مخاوفها من انهيار كامل لسبل المعيشة.

وحددت المبادرة العوامل المحرّكة للأزمة الإنسانية بالصراع المستمر الذي يعوق الوصول إلى الأسواق، والضائقة الاقتصادية المتمثلة في ضعف العملة وانخفاض الدخل وتراجع فرص العمل، والصدمات المناخية، وانخفاض المساعدات الإنسانية وآليات التكيّف المنهكة.

وتتفاقم معاناة اليمنيين في فصل الشتاء، الذي يعد موسماً للجفاف، بسبب توقف الأمطار التي تعتمد عليها غالبية الأنشطة الزراعية، في حين تواجه المحاصيل الموسمية مخاطر التلف بسبب الصقيع.


صنعانيون مخنوقون بالديون... والمعاناة يفاقمها غياب الرواتب

بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)
بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)
TT

صنعانيون مخنوقون بالديون... والمعاناة يفاقمها غياب الرواتب

بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)
بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)

تزداد المخاوف في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء من انهيار الوضع الإنساني بصورة غير مسبوقة، في ظل استمرار الحرب، وتعطل مؤسسات الدولة، وانقطاع رواتب معظم الموظفين منذ سنوات.

وفي حين ترتفع أسعار السلع الأساسية بوتيرة لا تتيح لغالبية السكان اللحاق بها، يغرق آلاف الأسر بدوامة الديون اليومية التي باتت الوسيلة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة.

يقول «عادل»، وهو اسم مستعار لمعلم حكومي في صنعاء، إن حياته تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى سباق مرير مع متطلبات أسرته، بعدما اضطر إلى ترك مهنته في التعليم قبل عامين والعمل في متجر صغير للمواد الغذائية داخل مديرية معين.

لكن دفع تراجع القوة الشرائية للسكان وممارسات الحوثيين التي يخضع لها التجار صاحب المتجر إلى الإغلاق وتسريح العمال، ليجد عادل نفسه من دون مصدر رزق يعيل به زوجته وخمسة أطفال.

الملايين في اليمن فقدوا مصادر عيشهم تحت وطأة الانقلاب الحوثي (الأمم المتحدة)

يؤكد عادل لـ«الشرق الأوسط» أنه يلجأ كل شهر إلى الاقتراض لتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات، بدءاً من المواد الغذائية وحتى العلاج. ويوضح: «كان الدين بسيطاً ويمكن السيطرة عليه، لكنه تضاعف اليوم مرات كثيرة... لم أعد قادراً على السداد ولا على التوقف». ويضيف أنه بدأ بالاستدانة من بقالة الحي، ثم من الأقارب والجيران، إلا أنه يخشى اليوم أن يأتي الوقت الذي لن يجد فيه من يقبل بمنحه ديناً جديداً.

هذه القصة لا تبدو حالة فردية، بل تعكس واقع شريحة واسعة من سكان مناطق سيطرة الحوثيين، بينهم موظفون حكوميون وعمال بأجر يومي، باتوا عاجزين عن الوفاء بالتزاماتهم المالية بسبب انقطاع الرواتب وتراجع فرص العمل.

وتشير تقديرات محلية إلى أنّ نحو 75 في المائة من الأسر في تلك المناطق الخاضعة للحوثيين تعتمد على الديون لتأمين ضرورياتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء والإيجار.

ديون تتحول إلى نمط حياة

يرى اقتصاديون في صنعاء أن الدين لم يعد مجرد وسيلة لتجاوز أزمة طارئة، بل أصبح نمط حياة مفروضاً على آلاف الأسر التي تعيش تحت سلطة الحوثيين. ويقول خبراء إن تدهور الدخل، مقابل ارتفاع الأسعار وغياب الرقابة، خلق فجوة معيشية تستحيل السيطرة عليها دون اللجوء إلى الاقتراض المتكرر.

«أم عماد»، أم لثلاثة أطفال، تؤكد أنها تعيش بالكامل على الديون منذ فقدان زوجها عمله قبل أكثر من عام. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «كل يوم آخذ ما أحتاجه بالدَّين... لا يمكنني ترك أطفالي دون طعام، لكنني لا أعرف متى سأستطيع السداد». وتوضح أن البقالة القريبة من منزلها تمتلك سجلاً كبيراً يحتوي على ديونها إلى جانب عشرات الأسر الأخرى في الحي ذاته.

يمنيون في صنعاء يتناولون وجبة «السلتة» الشعبية بأحد المطاعم (رويترز)

ويعاني التجار بدورهم من تراكم الديون عليهم، ما يهدد قدرتهم على الاستمرار في العمل. وبحسب أحد ملاك المتاجر في صنعاء، فإن 60 في المائة من بضاعته تُصرف يومياً بالدين، موضحاً أنه لم يعد قادراً على شراء شحنات جديدة من السلع بسبب نقص السيولة. ويشير إلى سجل ضخم يحتفظ به لمعاملات مؤجلة لأسر متعددة، تبدأ من شراء الخبز والأرز مروراً بالأدوية واحتياجات الأطفال.

ويحذر اقتصاديون من أنّ هذه الدائرة المغلقة من الديون ستقود إلى انهيار اجتماعي واقتصادي واسع إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه. ويؤكدون أن استمرار الانقلاب، وتعدد الجبايات، وتراجع النشاط التجاري، وانقطاع الرواتب منذ سنوات، إضافة إلى عدم وجود آليات رقابية فاعلة في الأسواق، كلها عوامل تدفع المواطنين إلى مزيد من الفقر والاعتماد الكامل على الديون.

مجاعة على الأبواب

في خضم هذا التدهور، أصدرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي تقريراً مشتركاً حذّرا فيه من خطر وشيك بوقوع مجاعة كارثية في ست دول، من بينها اليمن.

التقرير أوضح أن تفاقم الصراعات والعنف وسوء الأوضاع الاقتصادية يدفع الملايين في اليمن نحو حافة الجوع الحاد، مشيراً إلى أن الوضع الإنساني مرشح للتدهور خلال الأشهر المقبلة إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة.

وأكد التقرير أن المجاعة «ليست مفاجئة، بل متوقعة»، ويمكن تفاديها من خلال إعادة تركيز الجهود الدولية على توفير التمويل الكافي لبرامج الإغاثة، وزيادة الاستثمارات في الأمن الغذائي، وتعزيز صمود الأسر المتضررة في مواجهة الأزمات الممتدة. وشدّد على أن منع وقوع المجاعة يتطلب تحركاً سريعاً قبل «فوات الأوان».

يمنيات أمام بوابة أحد المطاعم في صنعاء للحصول على وجبة مجانية (الشرق الأوسط)

في ظل هذه التحذيرات، تبقى معاناة السكان في مناطق سيطرة الحوثيين مرآة لحجم الانهيار المعيشي، وسط غياب أي حلول ملموسة أو سياسات تُعيد الحد الأدنى من القدرة الشرائية للأسر.

وبينما يواصل الأهالي الغرق في الديون اليومية لتأمين رغيف الخبز وأبسط الاحتياجات، يلوح شبح الجوع في الأفق أكثر من أي وقت مضى، ما يجعل اليمن أمام تحدٍّ إنساني خطير قد يتفاقم سريعاً ما لم تتكاتف الجهود المحلية والدولية لاحتوائه.


مصر تؤكد أهمية حشد الدعم الإقليمي والدولي لخطة إعمار غزة

منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في مدرسة تحولت إلى مأوى بحي الرمال بمدينة غزة (أ.ف.ب)
منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في مدرسة تحولت إلى مأوى بحي الرمال بمدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

مصر تؤكد أهمية حشد الدعم الإقليمي والدولي لخطة إعمار غزة

منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في مدرسة تحولت إلى مأوى بحي الرمال بمدينة غزة (أ.ف.ب)
منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في مدرسة تحولت إلى مأوى بحي الرمال بمدينة غزة (أ.ف.ب)

أكدت مصر أهمية «حشد الدعم الإقليمي والدولي لضمان التنفيذ الفعال لخطة التعافي المبكر والإعمار في قطاع غزة»، وأشار وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إلى ضرورة «تثبيت اتفاق إنهاء الحرب بالقطاع».

وناقش عبد العاطي، في عدة اتصالات ولقاءات مع مسؤولين دوليين، بينهم نائب الرئيس الفلسطيني، حسين الشيخ، «ترتيبات بلاده لعقد المؤتمر الدولي للتعافي المبكر وإعادة إعمار وتنمية قطاع غزة»، إلى جانب «المشاورات الجارية بشأن قرار مجلس الأمن الخاص بالترتيبات الأمنية في قطاع غزة».

وبحث وزير الخارجية المصري، في اتصال هاتفي مع نائب الرئيس الفلسطيني، السبت، «المشاورات الجارية حول مشروع قرار مجلس الأمن والترتيبات الأمنية»، وحسب إفادة لـ«الخارجية المصرية»، أكد الجانبان «أهمية ضمان أن يسهم القرار في تثبيت إنهاء الحرب، وتهيئة الظروف لتحقيق سلام عادل وشامل يلبي تطلعات الشعب الفلسطيني، وحقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة».

الأمر نفسه ناقشه وزير الخارجية المصري مع وزير العدل والشرطة السويسري، بيت يانس، في محادثات مشتركة بالقاهرة، وأشار إلى «جهود بلاده لتثبيت اتفاق شرم الشيخ للسلام، والتنفيذ الكامل لبنود الاتفاق بما يضمن وقف إطلاق النار بشكل دائم وتخفيف المعاناة الإنسانية عن سكان القطاع».

ووقّع قادة الولايات المتحدة ومصر وتركيا وقطر في مدينة شرم الشيخ المصرية، الشهر الماضي، وثيقة اتفاق إنهاء الحرب في غزة الذي دعا إليه الرئيس الأميركي دونالد ترمب لوقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والمعتقلين بين إسرائيل وحركة «حماس»، وذلك في القمة التي استضافتها مصر بحضور 31 من قادة وممثلي دول ومنظمات دولية.

محادثات وزير الخارجية المصري ووزير العدل والشرطة السويسري بالقاهرة (الخارجية المصرية)

كما ناقش عبد العاطي ونائب الرئيس الفلسطيني، «التحضيرات الجارية لعقد المؤتمر الدولي للتعافي المبكر وإعادة إعمار غزة»، وأكد «أهمية الدعم الإقليمي والدولي لضمان التنفيذ الفعال لخطة التعافي المبكر والإعمار»، حسب بيان «الخارجية المصرية».

والشهر الماضي، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن «بلاده سوف تستضيف في نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، مؤتمراً دولياً لإعادة إعمار قطاع غزة».

وتعمل القاهرة على تثبيت وقف إطلاق النار، والانتقال للمرحلة الثانية من خطة الرئيس ترمب، مع تهيئة المناخ لبدء خطة الإعمار في قطاع غزة، وفق تقدير أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور طارق فهمي، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر تراهن على حشد حضور دولي وإقليمي وجهات ومنظمات مانحة لمؤتمر إعادة الإعمار، لضمان الخروج بنتائج إيجابية في هذا المسار».

ويرى فهمي أن «مصر تريد توفير مصادر للتمويل في مؤتمر إعادة الإعمار»، موضحاً أن «القاهرة تتمهل في تحديد موعد المؤتمر، لحين ضمان أكبر قدر من المشاركة الدولية ومن الجهات المانحة»، إلى جانب «تهيئة المناخ لبدء خطة الإعمار، من خلال تنفيذ المراحل التالية لخطة وقف إطلاق النار وانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة بالقطاع».

فلسطينيون يستعيدون جثة من تحت أنقاض منزل دمر في غارة إسرائيلية ليلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)

وكان الرئيس الأميركي طرح خطة سلام، من 20 بنداً، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وتهيئة المناخ لإعادة إعمار القطاع.

وباعتقاد رئيس «الهيئة الدولية لدعم الشعب الفلسطيني»، صلاح عبد العاطي، أن «الاتصالات المصرية تستهدف مواجهة العراقيل الإسرائيلية لتعطيل تنفيذ خطة ترمب في غزة»، وأشار إلى «الجهود العربية التي تستهدف انسحاب إسرائيل من المناطق التي تحتلها في القطاع، بما يعزز من فرص الاستجابة الإنسانية للفلسطينيين».

ووفق تقدير عبد العاطي، فإن عملية إعمار غزة «تحتاج إلى نحو 70 مليار دولار»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا يحتاج إلى جهود من منظمات دولية وإقليمية، إلى جانب الشراكة العربية والدولية لتوفير التمويل الكافي خلال مؤتمر إعادة الإعمار بالتنسيق مع الأمم المتحدة»، موضحاً أن «القاهرة تعوّل على تنسيق عربي وإقليمي ودولي لدفع مسارات التسوية الشاملة في قطاع غزة».

ويرى فهمي أن «القاهرة تعوّل على مجموعة من التحركات، من بينها قرار مجلس الأمن الدولي، وبدء تمكين لجنة الإسناد الدولية لإدارة قطاع غزة، والتنسيق العربي، من أجل بدء عملية إعادة الإعمار»، وقال إنه يجب أن تكون «عملية نزع سلاح حركة (حماس)، مقابل بدء مشروع الإعمار، وانسحاب إسرائيل من المناطق التي تحتلها».