العالم مفخخ بأزمات متنقلة ذات خطر على النظام الدولي

بمناسبة مرور 10 سنوات على إفلاس «ليمان براذرز»

العالم مفخخ بأزمات متنقلة ذات خطر على النظام الدولي
TT

العالم مفخخ بأزمات متنقلة ذات خطر على النظام الدولي

العالم مفخخ بأزمات متنقلة ذات خطر على النظام الدولي

يصادف اليوم ذكرى مرور 10 سنوات على انهيار بنك «ليمان براذرز» الأميركي الذي شكل بداية اندلاع أزمة مالية عالمية تستمر بعض تداعياتها إلى يومنا هذا. وقبل أيام حذر رئيس الوزراء الأسبق في بريطانيا، جوردن براون، والذي كان في الحكم وقت وقوع أزمة 2008 من أن العالم في الوقت الراهن أشبه بالسائر وهو نائم صوب أزمة جديدة، لأن الحكومات لم تعالج أسباب الأزمة الماضية.
وقال إن الاقتصاد العالمي فشل في إنشاء نظام إنذار مبكر لمواجهة مثل هذه الأزمات، ونظام مراقبة للتدفقات المالية يجعل من الممكن معرفة أين تم إقراض الأموال وبأي شروط.
وعلق في حديث لـ«الغارديان» بقوله إن الجزاءات الخاصة بالتصرفات التي تؤدي للأزمة لم تتم زيادتها بشكل كاف، ولم تكن هناك رسالة قوية بالشكل الكافي بأن الحكومة لن تنقذ المؤسسات التي لم تصلح من نفسها.

ما الذي تغير إذن منذ وقوع الأزمة؟ وهل تعافى الاقتصاد الدولي من آثارها؟ وإلى أي مدى استفاد من دروس الأزمة بما يُجنب الأسواق والمصارف والحكومات حصول أزمة مماثلة؟؟
«الشرق الأوسط» استطلعت آراء خبراء واقتصاديين ومصرفيين، واطلعت على جملة تقارير ومقالات وتحقيقات، ودققت في إنذارات مبكرة لتقف عن كثب على إجابات أو توقعات تلقي بعض الضوء على ما حصل وما قد يحصل.
بداية تتعين الإشارة إلى أن الأزمة كانت الأعتى منذ الكساد الكبير الذي عم العالم في 1929، وسببها الأساسي هو الديون وتراكمها على نحو جعل الاقتصاد العالمي هشاً أمام الصدمة. لكن وبعد 10 سنوات نجد أن تلك الديون تراكمت أكثر، لا بل زادت بنسبة 40 في المائة. إذ يبلغ الدين العالمي حالياً نحو 170 تريليون دولار وهي ديون دول وشركات وأسر وأفراد، ولا يشمل هذا الرقم ديون المؤسسات المالية. ومع شموله يرتفع الرقم إلى 137 تريليون دولار، حيث زاد الدين العالمي منذ سبتمبر (أيلول) 2008 نحو 72 تريليون دولار، حتى بلغت نسبته إلى إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي 337 في المائة، أي أعلى من النسبة التي كانت قبل 10 سنوات، ومن دون حساب ديون المؤسسات المالية تبلغ نسبة الدين العالمي إلى الناتج أكثر من 225 في المائة.
سرعة نمو القروض أكبر من وتيرة النمو الاقتصادي. إنها ظاهرة عالمية شاملة مع تفاوت في الخصائص مقارنة بالوضع السابق. فالديون الحالية في قطاعات التمويل المعقد (المشتقات والتوريق...) أقل من السابق، علماً بأن ذلك الدين كان مركز زلزال الأزمة. في المقابل، ارتفع دين الحكومات في الدول الصناعية والمتقدمة على نحو كبير بسبب برامج التيسير الكمي التي أطلقت لشراء الأصول المتعثرة وتحفيز النمو الاقتصادي. ووصلت نسبة ذلك الدين إلى 105 في المائة من الناتج، وهو أعلى مستوى تاريخي.
وفي الاقتصادات الناشئة انفجرت ديون الشركات على نحو هائل، ففي الصين وحدها تضاعفت القروض 5 مرات خلال 10 سنوات لتبلغ 250 في المائة من الناتج.
وأبرز أسباب ارتفاع جبل الديون عالمياً الحصول على مال رخيص بفعل هبوط معدلات الفوائد إلى المستويات الأدنى تاريخياً، فضلاً عن ضخ البنوك المركزية تريليونات من الدولارات لزوم معالجة الأزمة. فهل العالم اليوم على مشارف أزمة جديدة كما يحذر البعض ويدق جرس الإنذار منذ أشهر؟ فهناك مراقبون ينبهون إلى أن حجم الديون وصل إلى حد يصبح عنده الاقتصاد العالمي هشاً أمام أي صدمة جديدة، ويذهب خبراء إلى القول إن الأزمة الجديدة ستطل برأسها لا محالة، ولا يبقى إلا أن نعرف من أين ستنطلق الشرارة الأولى.
البعض يرى في ديون الصين خاصرة رخوة خطرة تُذكر بالوضع الياباني الذي ساد أوائل الثمانينات من القرن الماضي، لكن معظم الديون الصينية بالعملة المحلية (اليوان) والجزء الأكبر ممسوك داخلياً، والغالب الأعم من تلك الديون عبارة عن قروض من بنوك عامة منحت وتمنح إلى شركات عامة أيضاً، ما يعني أنها تحت السيطرة الحكومية، كما أن سوق المال الصينية صغيرة نسبياً مقارنة بالأسواق الأميركية والأوروبية، وبالتالي فإن أي خلل فيها لن يكون ذا أبعاد دولية كبيرة.
أما الدول المتقدمة، فالكم الأكبر من الديون ممسوك لديها من الحكومات والبنوك المركزية، بيد أن خبراء الأسواق يحذرون من اتجاهات رفع الفوائد بسرعة صادمة ما يعيد إلى الأذهان أزمة الديون السيادية الأوروبية التي لم تنته فصولها بعد، وما يحصل في إيطاليا حالياً أفضل دليل.
وإذا تسارع التضخم في الولايات المتحدة الأميركية حيث تعمل الماكينة الاقتصادية هناك بوتيرة مزدهرة بفضل منشطات خفض الضرائب وزيادة الإنفاق العام، فإن الاحتياطي الفيدرالي سيرفع الفوائد بوتيرة أسرع لكبح التضخم في حال تفاقمه. ذلك الرفع سيؤثر حتماً في الاقتصادات الناشئة التي راكمت شركاتها ديوناً هائلة بالدولار في مرحلة الفوائد المتدنية.
وتشير الإحصاءات إلى تضاعف الديون في الأسواق الناشئة قياساً بمستواها في 2008 لتبلغ 27 تريليون دولار. واندلعت منذ الربيع الماضي شرارات أزمات متنقلة في الدول الناشئة أودت بقيم عملات تلك الدول، وخرج مستثمرون أجانب بأموالهم، لا سيما باتجاه الولايات المتحدة حيث الفرص تبدو أفضل، وتلك الأزمات شملت تركيا، لا سيما في ديون الشركات والأرجنتين المثقلة بالدين العام، ووصلت الأزمة إلى جنوب أفريقيا ومرت في البرازيل وإندونيسيا. ويسأل المتابعون عن الدولة الناشئة المقبلة على أزمات مماثلة، بحيث لا يقتصر الأمر على هبوط قيم العملات بل يتعداه إلى الاقتصاد الحقيقي بما ينذر بأزمة تتجاوز حدود تلك الدول، لأن الاقتصادات الناشئة تساهم بثلثي معدل النمو الاقتصادي العالمي، وبالتالي فإن أزماتها ستؤثر حتماً في الاقتصاد الدولي عموماً.
ويذكر أن الديون في الدول المتقدمة (خارج الولايات المتحدة) ارتفعت من 95 تريليون دولار في 2007 إلى 109 تريليونات في 2017، وفي الولايات المتحدة من 51 إلى 65 تريليوناً، وارتفعت في الصين من 9 إلى 36 تريليونا خلال الفترة نفسها، وفي الدول الناشئة تضاعفت مرتفعة من 15 إلى 27 تريليون دولار في 10 سنوات، وفقا لإحصاءات بنك التسويات الدولية.
- خطورة الأوضاع
على صعيد آخر، لا يقلل مصرفيون غربيون من خطورة الأوضاع، ويقول أحدهم: «عندما تسير الأمور بازدهار ينسى معظمنا حساب المخاطر». ويشير هؤلاء إلى أن هناك رغبة في فك بعض القيود التي فرضت على البنوك غداة الأزمة العالمية الماضية. فإفلاس «ليمان براذرز» ألقى الضوء على هشاشة المصارف خصوصاً ضحالة رساميلها مقابل المخاطر الائتمانية والاستثمارية التي تقع على عاتقها، وتبين كيف أن رؤوس الأموال المصرفية كانت قليلة ولا تتحمل الخسائر، فتدخلت الحكومات للإنقاذ.
وأممت بنوك وزيدت رساميل أخرى حول العالم. ووضعت قواعد جديدة لتعزيز الرساميل والتحوط بالسيولة، وفقاً لمعايير «بازل 3» لتستطيع المصارف مواجهة الالتزامات في حالات الطوارئ. أجل، حصل تقدم كبير على هذا الصعيد وتجرى اختيارات ضغط سنوية للتأكد من المناعة، لكن حد الأمان الكامل غير واضح المعالم بعد، لأن رؤوس مصارف كثيرة حول العالم تحتاج إلى مزيد من التعزيز ولا تحتمل الخسائر الكبيرة في حال اندلاع أزمة جديدة بحجم التي اشتعلت في 2008.
ويضيف مصرفيون: «تبين في 2008 أن رؤساء المصارف وكبار المديرين فيها كانوا يجهلون كم تشكل الرهون العقارية في ميزانيات بنوكهم. ويذكر أن تلك الرهون كانت من أسباب الأزمة أيضاً لا بل في صلبها. وسبب ذلك الجهل أو عدم المعرفة الدقيقة أن القروض العقارية الأميركية الرديئة تجمعت في رزم وخلطت مع أخرى أكثر جودة ثم قسّموها في شرائح حتى اختلط حابلها بنايلها. كان ذلك عبارة عن ابتكارات مالية مبنية على رياضيات مخاطر من نوع معين. فهل هذه الممارسات انتهت أم هي مستمرة؟»، يجيب المصرفيون المحايدون بأن البنوك تواصل الابتكارات التي تجعل الخدمات والمنتجات المالية أكثر تعقيداً، وربما مظلمة أيضاً بحيث لا تراها السلطات الرقابية جيداً.
إلى ذلك كشفت أزمة 2008 عن مسألة التوريق القائمة على تقنية مالية تنقل حمل مخاطر الديون من جهات إلى أخرى. فتعثر المقترضين الأميركيين لشراء مساكنهم بدأ في 2006 وليس في 2008، لكن القروض كانت «مورقة» ومبيعة لمستثمرين، لذا توسعت دوائر التأثر بالتعثر لتشمل مصارف وصناديق وشركات تأمين ومستثمرين أفراداً. فهل انتهى التوريق؟ الجواب أن العمل به متواصل لكن السلطات الرقابية تسعى لجعل تلك الممارسة بسيطة وشفافة وموحدة المعايير من دون الوصول إلى كل تلك الأهداف بعد. علماً بأن تلك السلطات تشجع المصارف أحيانا على ممارسة توريق الديون لتستطيع البنوك إخراجها من ميزانياتها وتكتسب مساحة إقراضية جديدة ولتحافظ على جدارتها الائتمانية.
- بنوك الظل
على صعيد متصل، ساهم ما يسمى بنوك الظل في مُفاقمة تداعيات الأزمة، فتلك «البنوك» لا تعمل بالأساليب المصرفية التقليدية، وهي عبارة عن صناديق وشركات رأس مال مغامر قدمت وتقدم تمويلات موازية خارج الرقابة اللصيقة نسبياً. ومع ذلك انتعش هذا النشاط منذ 2008 وبلغ حجمه 99 تريليون دولار في آخر إحصائية ترقى إلى عام 2016، بعدما اشترت تلك الجهات من البنوك التقليدية محافظ تمويلية أرادت المصارف التخلص منها لتنظيف ميزانياتها.
وبُذلت جهود حول العالم، لا سيما أميركيا وأوروبيا لضبط أنشطة صناديق التمويل الموازي، لا سيما صناديق التحوط وشركات رأس المال المغامر، إلا أن ذلك العمل لم ينجز بالكامل بعد، وهناك صعوبات في ضبطه على نحو شامل. ويرى متشائمون أن الأزمة المقبلة ستنطلق من بنوك الظل التي باتت تسيطر على حصة هائلة من التمويل خارج المصارف التقليدية وشركات التأمين والبنوك المركزية، لدرجة أن بحوزتها وحوزة الوسطاء خارج النظام التقليدي ثلث إجمالي الأصول المالية العالمية مقابل 40 في المائة لدى البنوك والباقي لدى صناديق التقاعد وشركات التأمين والبنوك المركزية والمؤسسات العامة.
- خلط الاستثمار بالتجزئة المصرفية
ومصرفياً أيضاً، تبين أن مخاطر كمنت في مصارف جمعت بين نشاطي التجزئة والاستثمار، ودعت السلطات إلى الفصل بين النشاطين كما فعلت بريطانيا التي تسعى لتفرض على البنوك رساميل خاصة بخدمات التجزئة المصرفية وأخرى خاصة بالأنشطة الاستثمارية المحملة بمخاطر أكبر تبعاً لتقلبات الأسواق المالية. والهدف ضمان عدم انتقال عدوى الأزمات من الأسواق إلى ودائع العملاء. هذا المسعى البريطاني يكاد يكون يتيماً عالمياً ولا تحتذي به دول أخرى بحجة أن التعثر حصل أيضا في بنوك استثمارية لا تمارس التجزئة كما حصل في مصارف تجزئة لا تمارس الاستثمار.
- تفكيك القيود
وأميركياً، نزولاً على رغبة الرئيس ترمب أطلقت ورشة لتفكيك قيود فرضت على البنوك أيام الرئيس السابق باراك أوباما فيما عرف بقانون «دود فرانك»، لأن ترمب يرى في ذلك القانون لجماً للبنوك ولطاقتها على التوسع في تمويل الاقتصاد والمستثمرين. لكن دون ذلك التفكيك أو التسهيل مقاومة من المشرعين الأميركيين حتى الآن.
- مشتقات التحوط
ومن بين أسباب الأزمة أيضاً مشتقات التحوط، خصوصا ضد تقلبات العملات والأسواق، التي كانت تعقد باتفاقات تراضٍ وبلا شفافية كاملة. ولجأت السلطات منذ 2009 إلى جعلها تمر في غرفة مقاصة ضامنة بين البائع والشاري، لكن يسأل المتشائمون: ماذا لو تعثرت المقاصة نفسها تحت ضغط مخاطر الإفلاس الكثيف في حال صدمة أزمة عالمية جديدة؟ يقول أصحاب الاختصاص إنه لا أحد يعلم اليوم كيف سيتم التعامل مع سيناريو كارثي كهذا، جل ما نعلمه أن لتعثر تلك المقاصة مخاطر نظامية لا نعلم مداها!
- أدوات الربح السريع
رهون، توريق، مشتقات، منتجات مالية مهيكلة... كلها أدوات استخدمها المصرفيون بغرض الربح على المدى القصير ليستطيعوا من خلال أرباحها السريعة الساخنة الحصول على مكافآت وبونصات خيالية أحياناً. كانوا يقللون من حسابات المخاطر لتعظيم ثرواتهم الخاصة. وكانت تلك البونصات بلغت في «وول ستريت» 33 مليار دولار في 2007 ثم هبطت إلى النصف في 2008 بعد انكشاف جملة ألاعيب. لكنها عادت لتصعد تدريجياً، وفي ربيع هذه السنة بلغت البونصات عن أعمال 2017 أكثر من 31 مليار دولار ويُتوقع لها مع نهاية 2018 أن تتجاوز تلك القمة التي كانت بلغتها عشية الأزمة! وفي هذا المجال اختلاف كبير بين الممارسات الأميركية ونظيرتها الأوروبية. ففي الاتحاد الأوروبي حالياً قواعد صارمة للمكافآت بحيث لا تتجاوز سقوفاً معينة. أما أميركياً فعاد الحبل إلى غاربه في موازاة ازدهار «وول ستريت» والنزعة الربحية التي يشجعها الرئيس دونالد ترمب.
- ملاحظات أخرى
ويضيف منتقدو النظام المالي العالمي أنه لا يمكن تعلم الدروس من الأزمة الماضية كما يجب، لأن جملة ممارسات أخرى قائمة على قدم وساق علماً بأنها من أسباب الأزمة أيضاً. فقد ساد نقاش حول الحؤول دون أن تكبر المصارف والمؤسسات المالية لتصبح عملاقة بحيث إذا تعثرت يتحول خطرها نظاميا بحيث يتعداها ويتعدى المساهمين فيها إلى قطاعات أخرى. وكان هناك اتجاه للتخلي عن مقولة «أكبر من أن تقع». لكن الحاصل باستمرار هو تشجيع الاندماجات والاستحواذات وتحفيز قيام كيانات كبيرة عابرة للقارات. فإذا تكرر سيناريو التعثر فسنجد أن الحكومات ستهب للإنقاذ مرة أخرى وذلك على حساب عموم الناس من دافعي الضرائب الذين لا ذنب لهم فيما يقترفه المصرفيون والمستثمرون من أخطاء مدمرة مالياً. وهذا ما حصل في إيطاليا هذه السنة عندما أنقذت الحكومة أحد البنوك الكبيرة الذي تعرض للتعثر.
ويضيف المنتقدون أنه لا دروس مستفادة كما يجب، لأننا لم نشهد تطبيق عقوبات صارمة تصل إلى حد السجن. فعلى الرغم من خسارة عشرات التريليونات من الدولارات لم نشهد على معاقبة المسؤولين عن ذلك على نحو دقيق يُحمل المسؤوليات لمرتكبي الأخطاء ويساهم في إدخالهم السجون بكثافة.



«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
TT

«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)

بعد أسبوعين من المباحثات المكثفة، وضع «مؤتمر الأطراف السادس عشر (كوب 16)» لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الذي يعدّ الأكبر والأوسع في تاريخ المنظمة واختتم أعماله مؤخراً بالعاصمة السعودية الرياض، أسساً جديدة لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً، حيث شهد المؤتمر تقدماً ملحوظاً نحو تأسيس نظام عالمي لمكافحة الجفاف، مع التزام الدول الأعضاء باستكمال هذه الجهود في «مؤتمر الأطراف السابع عشر»، المقرر عقده في منغوليا عام 2026.

وخلال المؤتمر، أُعلن عن تعهدات مالية تجاوزت 12 مليار دولار لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف، مع التركيز على دعم الدول الأشد تضرراً، كما شملت المخرجات الرئيسية إنشاء تجمع للشعوب الأصلية وآخر للمجتمعات المحلية، إلى جانب إطلاق عدد من المبادرات الدولية الهادفة إلى تعزيز الاستدامة البيئية.

وشهدت الدورة السادسة عشرة لـ«مؤتمر الأطراف» مشاركة نحو 200 دولة من جميع أنحاء العالم، التزمت كلها بإعطاء الأولوية لإعادة إصلاح الأراضي وتعزيز القدرة على مواجهة الجفاف في السياسات الوطنية والتعاون الدولي، بوصف ذلك استراتيجية أساسية لتحقيق الأمن الغذائي والتكيف مع تغير المناخ.

ووفق تقرير للمؤتمر، فإنه جرى الاتفاق على «مواصلة دعم واجهة العلوم والسياسات التابعة لـ(اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر) من أجل تعزيز عمليات اتخاذ القرار، بالإضافة إلى تشجيع مشاركة القطاع الخاص من خلال مبادرة (أعمال تجارية من أجل الأرض)».

ويُعدّ «مؤتمر الأطراف السادس عشر» أكبر وأوسع مؤتمر لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» حتى الآن، حيث استقطب أكثر من 20 ألف مشارك من مختلف أنحاء العالم، بمن فيهم نحو 3500 ممثل عن منظمات المجتمع المدني. كما شهد المؤتمر أكثر من 600 فعالية ضمن إطار أول أجندة عمل تهدف إلى إشراك الجهات غير الحكومية في أعمال الاتفاقية.

استدامة البيئة

وقدم «مؤتمر الأطراف السادس عشر» خلال أعماله «رسالة أمل واضحة، تدعو إلى مواصلة العمل المشترك لتحقيق الاستدامة البيئية». وأكد وزير البيئة السعودي، عبد الرحمن الفضلي، أن «الاجتماع قد شكّل نقطة فارقة في تعزيز الوعي الدولي بالحاجة الملحة لتسريع جهود إعادة إصلاح الأراضي وزيادة القدرة على مواجهة الجفاف». وأضاف: «تأتي استضافة المملكة هذا المؤتمر المهم امتداداً لاهتمامها بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، وتأكيداً على التزامها المستمر مع الأطراف كافة من أجل المحافظة على النظم البيئية، وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي، والتصدي للجفاف. ونأمل أن تسهم مخرجات هذه الدورة في إحداث نقلة نوعية تعزز الجهود المبذولة للمحافظة على الأراضي والحد من تدهورها، وبناء القدرات لمواجهة الجفاف، والإسهام في رفاهية المجتمعات في مختلف أنحاء العالم».

التزامات مالية تاريخية لمكافحة التصحر والجفاف

وتطلبت التحديات البيئية الراهنة استثمارات ضخمة، حيث قدرت «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الحاجة إلى 2.6 تريليون دولار بحلول عام 2030 لإصلاح أكثر من مليار هكتار من الأراضي المتدهورة. ومن بين أبرز التعهدات المالية خلال المؤتمر «شراكة الرياض العالمية لمواجهة الجفاف» حيث جرى تخصيص 12.15 مليار دولار لدعم 80 دولة من الأشد ضعفاً حول العالم، و«مبادرة الجدار الأخضر العظيم»، حيث تلقت دعماً مالياً بقيمة 11 مليون يورو من إيطاليا، و3.6 مليون يورو من النمسا، لتعزيز جهود استصلاح الأراضي في منطقة الساحل الأفريقي، وكذلك «رؤية المحاصيل والتربة المتكيفة» عبر استثمارات بقيمة 70 مليون دولار لدعم أنظمة غذائية مستدامة ومقاومة للتغير المناخي.

وأكدت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد: «عملنا لا ينتهي مع اختتام (مؤتمر الأطراف السادس عشر). علينا أن نستمر في معالجة التحديات المناخية؛ وهذه دعوة مفتوحة للجميع لتبني قيم الشمولية، والابتكار، والصمود. كما يجب إدراج أصوات الشباب والشعوب الأصلية في صلب هذه الحوارات، فحكمتهم وإبداعهم ورؤيتهم تشكل أسساً لا غنى عنها لبناء مستقبل مستدام، مليء بالأمل المتجدد للأجيال المقبلة».

مبادرات سعودية

لأول مرة، يُعقد «مؤتمر الأطراف» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما أتاح فرصة لتسليط الضوء على التحديات البيئية الخاصة بالمنطقة. وضمن جهودها القيادية، أعلنت السعودية عن إطلاق 5 مشروعات بيئية بقيمة 60 مليون دولار ضمن إطار «مبادرة السعودية الخضراء»، وإطلاق مرصد دولي لمواجهة الجفاف، يعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ لتقييم وتحسين قدرات الدول على مواجهة موجات الجفاف، ومبادرة لرصد العواصف الرملية والترابية، لدعم الجهود الإقليمية بالتعاون مع «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية».

دعم الشعوب الأصلية والشباب

وفي خطوة تاريخية، أنشأ «مؤتمر (كوب 16) الرياض» تجمعاً للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية لضمان تمثيلهم في صنع القرار بشأن إدارة الأراضي والجفاف. وفي هذا السياق، قال أوليفر تيستر، ممثل الشعوب الأصلية: «حققنا لحظة فارقة في مسار التاريخ، ونحن واثقون بأن أصواتنا ستكون مسموعة»، كما شهد المؤتمر أكبر مشاركة شبابية على الإطلاق، دعماً لـ«استراتيجية مشاركة الشباب»، التي تهدف إلى تمكينهم من قيادة المبادرات المناخية.

تحديات المستقبل... من الرياض إلى منغوليا

ومع اقتراب «مؤتمر الأطراف السابع عشر» في منغوليا عام 2026، أقرّت الدول بـ«ضرورة إدارة المراعي بشكل مستدام وإصلاحها؛ لأنها تغطي نصف الأراضي عالمياً، وتعدّ أساسية للأمن الغذائي والتوازن البيئي». وأكد الأمين التنفيذي لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر»، إبراهيم ثياو: «ناقشنا وعاينّا الحلول التي باتت في متناول أيدينا. الخطوات التي اتخذناها اليوم ستحدد ليس فقط مستقبل كوكبنا؛ بل أيضاً حياة وسبل عيش وفرص أولئك الذين يعتمدون عليه». كما أضاف أن هناك «تحولاً كبيراً في النهج العالمي تجاه قضايا الأرض والجفاف»، مبرزاً «التحديات المترابطة مع قضايا عالمية أوسع مثل تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والأمن الغذائي، والهجرة القسرية، والاستقرار العالمي»