صغار فقدوا أطرافاً في الحرب السورية... فمن يعيد إليهم الأمل؟

في "مركز خطوات الإرادة" في غازي عينتاب («الشرق الأوسط»)
في "مركز خطوات الإرادة" في غازي عينتاب («الشرق الأوسط»)
TT

صغار فقدوا أطرافاً في الحرب السورية... فمن يعيد إليهم الأمل؟

في "مركز خطوات الإرادة" في غازي عينتاب («الشرق الأوسط»)
في "مركز خطوات الإرادة" في غازي عينتاب («الشرق الأوسط»)

لم تضع الحرب في سوريا أوزارها بعد، ولم تنته معاناة السوريين الذين تحملوا مرارة ثمانية أعوام أجبرتهم على ما لا يطاق وخلّفت إعاقات عقلية وجسدية لكثر منهم، علماً أن معظم الإصابات وقعت في صفوف أبرياء، وخصوصاً منهم الصغار الذين لا يفهمون شيئا مما جرى ويجري. ولا تستغرب عندما ترى طفلا رضيعا لم يحبُ بعد قد فقد قدميه أو يديه أو شُوّه وجهه، ثم ينتقل المشهد الى البالغين من الرجال والنساء ممن فقدوا أطرافهم وخسروا القدرة على إعالة أسرهم وأطفالهم. وكثيرا ما تشاهد إصابات عدة في العائلة الواحدة بحيث تتعقد الحياة أكثر خصوصا إذا خسر رب العائلة القدرة على العمل وتحصيل الرزق.
يقول جراح العظم الدكتور خالد حافظ لـ "الشرق الأوسط" إن هناك ارتفاعا كبيرا في عدد الإصابات التي أدت الى بتر الأطراف وعاهات وحروق وشلل، "وهناك الكثير من حالات الشلل النصفي والبتر عند الشباب. وفي معظم الأحيان يكون الشاب الذي تعرض للإصابة مسؤولا عن أسرة ومعيلا لها. وفي هذه الحالة يكون قد فقد القدرة على إعالة أسرته خاصة مع ظروف الحرب وسوء الأوضاع المعيشية وفقدان كثير من الناس لأعمالهم ومدخراتهم".
يضيف حافظ أنه أثناء عمله في مستشفيات بالداخل السوري ومراكز صحية في الريف الشمالي وفي تركيا، عالج كثيرا من هذه الحالات، ولاحظ الارتفاع الكبير في نسبة المعاقين وخاصة بين الشباب والأطفال. ومن الوقائع التي تأثر بها كطبيب حالة رجل في مستشفى "الهلال الأزرق" في كلس يبلغ من العمر 30 عاما، وكان مصابا بشلل رباعي نجم عن إصابته بشظايا قذيفة فغدا غير قادر على الحركة، وتركته زوجته في هذا الظرف الصعب وعادت إلى بيت أهلها، وراحت أخته تعمل لتؤمن لقمة العيش، وبقي معه طفله الصغير الذي يبلغ من العمر 5 سنوات كمرافق يخدم والده ويقدم له بعض المساعدات مع أن الصغير هو من يحتاج الى مساعدة ورعاية في هذه السن.

حالات إنسانية
أسامة حناوي مسؤول الإعلام في "مركز خطوات الإرادة" للأطراف الصناعية وإعادة التأهيل في مدينة غازي عينتاب التركية، يؤكد أن نسبة المصابين ببتور مرتفعة، وإن غاب إحصاء علمي دقيق في هذا الشأن. ويلفت إلى أن الإصابات من هذا النوع في صفوف الصغار كثيرة أيضاً.
يضيف حناوي أنه خلال عمله في المركز شاهد "حالات إنسانية تدمي القلب، منها فتاة من ريف مدينة إدلب من جبل الزاوية في الثانية عشرة من عمرها فقدت أمها وساقيها إثر تفجير وكانت في ذلك الوقت في العاشرة. وبقيت هذه الطفلة على كرسي متحرك وحيدة ولم تعد تذهب إلى المدرسة، فلم تفقد ساقيها وأمها فحسب، بل فقدت مستقبلها ايضاً".
الباحث النفسي والاجتماعي حسام أبو عمر يقول: "طبعاً، في ظل الحروب والنزاعات تكثر إصابات الأطراف، وهذا ما نشاهده في واقعنا. وأستطيع أن أؤكد أن الأعداد تفوق التصور، فالأرقام مرتفعة جدا. وتتعدد الإصابات والإعاقات التي تنعكس سلبا على الوضع النفسي والاجتماعي والاقتصادي للمصاب ولعائلته وأقربائه. وأغلب هؤلاء المصابين يعاني من المزاج السيئ فتبدو عليه العصبية والغضب والإحساس بالعجز، ناهيك بشعور المصاب بالوصمة الاجتماعية التي تمنعه من متابعة حياته كما كانت قبل الإصابة، بالإضافة إلى عدم قدرته على القيام بالأعمال التي كان يقوم بها سابقا. ونرى كثرا من المصابين يميلون إلى الانزواء والابتعاد عن الناس وملازمة المنزل، إن وُجد. ويجب ألا ننسى أن عائلات كثيرة فقدت معيلها بسبب إصابته بإعاقة في الحرب، وهذا أنشأ واقعا اجتماعياً فائق الصعوبة".
ويرى اختصاصيون أن هذا الوضع سيسبب مشكلة على مستوى سورية كلها، لأن المصابين بإعاقات سيخرجون إلى حد كبير من دورة الإنتاج الاقتصادي، وسيحتاج المجتمع إلى تحمّل تكاليف علاجهم ورعايتهم. وتجدر الإشارة إلى أن غالبية منظمات المجتمع المدني في سورية حديثة العهد ولا تملك خبرات وقدرات كبيرة، وأغلبها منظمات ذات بعد إنساني خيري ولا نشاط إنتاجياً لها، فلا تستطيع بالتالي تأهيل المعاقين لدخول سوق العمل.
لا شك في أن مشكلة ذوي الإعاقات الناجمة عن الحرب ستكون إحدى المشكلات الكبرى عندما يُكتب الفصل الأخير من حرب سوريا ذات يوم...

*من «مبادرة المراسل العربي»



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم