رئيسة «آلية التحقيق الدولية»: لا سلام في سوريا من دون محاسبة

كاترين ماركي أويل قالت لـ {الشرق الأوسط} إنها معنية بجميع الانتهاكات... ودمشق رفضت استقبالها

كاثرين ماركي اويل خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط»
كاثرين ماركي اويل خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط»
TT

رئيسة «آلية التحقيق الدولية»: لا سلام في سوريا من دون محاسبة

كاثرين ماركي اويل خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط»
كاثرين ماركي اويل خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط»

أكدت رئيسة «الآلية الدولية المحايدة للتحقيق بالجرائم» في سوريا كاترين ماركي أويل، أن خبراء «الآلية» ومحققيها جمعوا نحو مليون وثيقة تتعلق بانتهاكات وجرائم ارتكبت في سوريا، مشيرة إلى أن مهمتها جمع الأدلة حول انتهاكات جميع الأطراف لتقديمها إلى محكمة وطنية أو دولية عندما تتوافر الظروف. وأضافت أن الحكومة السورية لم تستجب بعد لطلباتها زيارة دمشق أو إجراء لقاء معها في جنيف أو نيويورك.
وقالت ماركي أويل في حديث إلى «الشرق الأوسط» في جنيف، إن «الآلية» تشكلت بموجب قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بموافقة 105 دول أعضاء بعدما أغلقت روسيا الأبواب أمام إحالة الأمر على المحكمة الجنائية الدولية بقرار من مجلس الأمن الدولي. وشددت على أهمية محاسبة المسؤولين عن الجرائم في سوريا من جميع الأطراف، قائلة: «المصالحة ليست طريقاً سهلة. لكن، لا سلام دائماً من دون نوع من أنواع العدالة. ولا سلام دائماً في سوريا من دون محاسبة لجميع الأطراف».
وهنا نص الحديث:
- لماذا تأسست هذه «الآلية» عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة وليس مجلس الأمن؟ من هم الأطراف الداعمون لها سياسياً؟
- لماذا تأسست؟ لا شك أن الاهتمام بخروقات وانتهاكات القوانين الدولية في سوريا كانت وراء قرار التأسيس. منذ بداية التصعيد في سوريا وطبيعة الرد على الانتفاضة (السورية) وتطور الوضع إلى صراع، هناك اتهامات كثيرة بوجود انتهاكات من أطراف مختلفة. هذه الاتهامات وجّهت من الأمم المتحدة ولجنة التحقيق والمجتمع المدني ودول كثيرة. ثم وصلنا إلى نقطة: ما هو المسار القضائي؟ ما هو النموذج القانوني: المحكمة الجنائية الدولية؟ محكمة كما حصل في رواندا أو يوغسلافيا السابقة؟ نموذج سيراليون وطلب الأمم المتحدة الدعم؟
- أو محكمة خاصة؟
- كان هذا أحد الخيارات. جرى بحث كل الخيارات لتحقيق العدالة، لكنها استبعدت كلها.
- لماذا؟
- بسبب حق النقص (فيتو) داخل مجلس الأمن؛ إذ إن بعض الخيارات كان يتطلب موافقة مجلس الأمن. ثم بحث الخيار الآخر؛ إذ إنه في حال طلبت بعض الدول، فإن الجمعية العامة تدعم تأسيس آلية تساهم في إجراءات المساءلة المتصلة بالجرائم الدولية الأساسية. لا شك أنه كان مؤلماً ذلك الانسداد في مجلس الأمن ووجود جرائم وانتهاكات كبيرة ومديدة لم أشهدها خلال 27 سنة من عملي. إن حالة سوريا هي الأشد إيلاماً وفزعاً من بين كل ما شهدته في حياتي المهنية.
فكرة أنه لن تكون هناك محاسبة بسبب الانسداد داخل مجلس الأمن، خطأ كبير. لذلك؛ جرى الوصول إلى هذا الخيار (إنشاء الآلية بقرار من الجمعية العامة). وكانت هناك دول دعمت هذا الخيار، وصاغت مسودة القرار وجرى التصويت لصالحها من قبل 105 دول في الجمعية العامة. هكذا، تشكلت «الآلية». هي ليست محكمة. وهي أفضل الخيارات المتوفرة لحفظ الأدلة وعدم تبديدها؛ استعداداً للمحاكمة الجنائية التي تتطلب تحقيقات وتوفير الأدلة وتقديمها أمام محكمة وطنية أو دولية.
- ما الفرق بين هذه «الآلية» والآليات الأخرى الموجودة؟
- لنقل مثلاً لجنة التحقيق الدولية، هي ترمي إلى جمع الحقائق وتقدم تقارير علنية حول الانتهاكات. هدفها ليس بناء ملفات لقضايا جرمية وتقديمها للمحاكمة. معاييرها في جمع الحقائق مختلفة. الفرق بيننا وبين «اللجنة» أننا نجمع أدلة ونتعامل معها ونعالجها وفق منظور تقديمها إلى محكمة. هذا يفرض نفسه على طبيعة العمل وتحديد سلسلة المسؤولية. يجب أن تجمع الأدلة بأقصى حد ممكن من المهنية والدقة وعدم الاعتماد على مصدر واحد. يجب أن تكون الأدلة قادرة على الصمود أمام محكمة.
الأدلة التي تجمعها لجنة التحقيق، هي معلومات وملخصات عن الجرائم التي حصلت. أما عمل الآلية، فهو جمع الأدلة والمعلومات وإعداد ملفات القضايا ضمن إطار تحليلي يربط بين الأركان المادية للجرائم وأنماط المسؤولية الجنائية الفردية.
فيما يتعلق بالشهود، إذا قررت أنه في مرحلة ما، أن تستفيد من أحدهم للشهادة في محكمة، يجب اعتماد المعايير الدولية، بينها رغبة الشخص في تقديم شهادته أمام محكمة. بعض الأشخاص مستعدون للحديث عما حصل شريطة عدم الكشف عن أسمائهم مثلاً.
في سوريا، فإن الأمر معقد، حيث هناك بعض الأشخاص الذين غادروا سوريا لكن أقاربهم لا يزالون في سوريا. كما أن بعض الأشخاص كانوا مستعدين للإدلاء بشهاداتهم قبل سنوات، لكن ربما لم تعد لديهم الرغبة في ذلك حالياً.
في كل الأحوال، فإن معلومات اللجنة مهمة جداً لنا كنقطة بداية. لذلك؛ دخلنا باتفاق معها للإفادة من نتائج عملها.
- ماذا عن لجنة التحقيق بالملف الكيماوي؟
- آلية التحقيق المشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة (جيم JIM) قد أجرت تحقيقات وقامت بتقديم تقارير علنية. إلا أنهم مختلفون عنا لأنهم لا يستخدمون مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية بعيداً من أي شك وفق معايير العدالة الجنائية الدولية.
في العام الماضي، لم يجدد مجلس الأمن (بقرار في مجلس الأمن بدعم روسي) ولاية هذه الآلية المشتركة. بعد جمع الحقائق من مسرح الجريمة، كانت «جيم» تحدد الجهات المعنية باستخدام الأسلحة الكيماوية، لا المسؤولية الجنائية الفردية. مسؤوليتنا النظر في المسؤولية الجنائية الفردية لدعم عملية المحاكمة لاحقاً.
- ماذا بعد إغلاق «جيم»؟
- في يونيو (حزيران) هذا العام، قررت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية تولي مهمة تحديد المسؤولية في موضوع استخدام الأسلحة الكيماوية. ونحن نعمل للحصول على المواد المتوفرة لدى المنظمة الدولية.
- قمت بهذا؟
- قدمنا طلبنا للحصول على المواد المتوفرة لـ«جيم» ومنظمة حظر السلاح الكيماوي. نبحث الإطار القانوني للوصول إلى اتفاق، ومتأكدة أننا سنصل إلى اتفاق.

جميع الأطراف
- بحسب مهماتك، هل تحققون في انتهاكات جميع الأطراف؟
- سأعود لهذا السؤال. لكن دعني أوضح نقطة: الإفادة من تقارير الآليات الأخرى لا يعني أننا نوافق على أو نتبنى نتائج قراراتهم ونتائج تقاريرهم. لماذا؟ لأنه يجب أن نكون غير منحازين، بل حياديين، ونقوم باستنتاجاتنا بشكل مستقل. هناك سبب آخر، هو المعايير الدولية. ربما بناءً على الأدلة ذاتها قد نصل إلى نتائج مختلفة لأن معاييرنا مختلفة.
- ماذا تقصدين بانتهاكات كل الأطراف: حكومة، معارضة، «داعش»؟
- مسؤوليتنا التحقيق في «الجرائم الأشد خطورة» التي ارتكبت في سوريا منذ 2011، أي، أننا لا ننظر إلى الجرائم المرتكبة من قبل طرف واحد، بل جميع الأطراف.
- كيف؟
- أن تكون حيادياً، يعني عدم القيام بأي انحياز ضد دولة أو طرف أو مؤسسة، بل التعاطي مع جميع الانتهاكات.
- عندما تقولين معالجة «الجرائم الأشد خطورة». ماذا يعني؟ من يقرر أي جريمة «شديدة الخطورة»؟
- يجب أن نقرر، علينا ممارسة سلطة تقديرية في اختيارنا للقضايا؛ إذ لا يمكن ملاحقة جميع الجرائم المرتكبة نظراً إلى عددها الهائل. نتحدث عن جرائم كلها خطيرة. بعض الجرائم تصل إلى «جرائم ضد الإنسانية» أو «جرائم حرب» أو «إبادة». نتحدث عن جرائم كبيرة. كيف تختار بين هذه الجرائم؟ كيف يمكن بناء قضية أو قضايا؟ هذه أسئلة مهمة تتطلب الكثير من العناية. في أول تقاريرنا إلى الجمعية العامة، عرضنا بعض المعايير التي سوف نتبعها.
- ماذا تقصدين بـ«الجرائم شديدة الخطورة»؟
- هناك جسامة الجرائم، وعدد وطبيعة الضحايا (جرائم ضد الإناث، والذكور، والبالغين والأطفال)، وهناك اعتبارات أخرى نأخذها بعين الاعتبار مثل الجرائم التي تلهب الصراع وتديمه أو تعرقل وصول المساعدات الإنسانية إلى الضحايا. وأضيف أيضاً الحاجة إلى كفالة التمثيل العادل للجرائم المرتكبة من جميع الأطراف. لا يعني هذا فتح نفس عدد الملفات للجرائم المرتكبة من قبل كل الأطراف إذا تبين أن الجرائم المرتكبة من قبل طرف هي أكثر من غيره. ما أقصده بالتمثيل العادل هو ليس عدداً مشابهاً من الملفات، بل جهود متساوية لتوثيق الجرائم ضد المشتبه بهم بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية.
- بصفتكِ قاضية، فنياً وقانونياً، ما أفضل مصطلح لما حصل في سوريا، «جرائم ضد الإنسانية» أم «جرائم حرب» أم «إبادة»؟
- لن أستخدم أياً منها بشكل عام ومطلق. هذا ضد ما شرحت سابقاً. ليس لدي فكرة مسبقة. إننا نتصرف بحسب الأدلة المتوفرة لدينا، ونبني ملفات جنائية استناداً إلى تعريف كل جرم.. فمثلاً، للحديث عن «جرائم حرب» يجب أن تكون هناك صلة بين الصراع والجرائم. «جرائم ضد الإنسانية» يجب أن يكون هناك هجوم ممنهج ضد المدنيين. ننظر إلى الإطار العام أولاً ونجمع المواد لاتخاذ قرار بشأن الغوص في قضية معينة.
- تعملون لمدة سنة على هذا الأمر ولم تصلوا إلى تعريف. لكن مسؤولين كباراً في الأمم المتحدة تحدثوا علناً عن «جرائم حرب». من الناحية القانونية كلامهم ليس صحيحاً؟
- هذا بالضبط الفرق بين هذه «الآلية» التي أرأسها ولجنة تقصي الحقائق أو البيانات العلنية المتعلقة بالجرائم المرتكبة. هل هناك اتهامات بـ«جرائم حرب»؟ نعم. هل هذا ثبت أمام محكمة؟ بعض الحالات طرحت أمام محاكم أوروبية واستعملت عبارة «جريمة حرب».
- أين؟
- السويد، ألمانيا. تمت محاكمات تتعلق بـ«جرائم حرب». ونحن نقوم أيضاً بتقديم المساعدة لهذه المحاكم الوطنية استجابة لطلبات الحصول على معلومات أو أدلة تصلنا من قبل المدعين العامين. ونحن نقوم بجمع الأدلة بأسلوب ممنهج ولا نقوم بأي توصيف سابق لأوانه. هذا هو الفرق بين ما يقوله صحافي أو مسؤول أممي وبين عملنا. أستطيع القول، إن أعداد ملفات جنائية يتطلب وقتاً.
- ماذا حققتم؟
- هناك الكثير يمكن تحقيقه خلال عملنا. ما حققناه، هو إتمام العمل التحضيري الضروري لقيادة جمع الأدلة والتعاون مع الآليات الموجودة واللاعبين الفاعلين بما في ذلك سوريون ومنظمات مدنية ودول. من أجل إتمام المهمة الموكلة إلينا من قبل الجمعية العامة، لا بد من توقيع مذكرات تفاهم مع جهات مختلفة. نحن الآن بصدد جمع المواد والاحتفاظ بها بمكان آمن، كما نقوم بعملية ربط الجرائم بالمسؤولين المحتملين عنها لنقدمها إلى محكمة.
- كم معلومات لديكم؟
- ما لا يقل عن 900 ألف وثيقة أو 4 مليارات وحدة رقمية. وسنصدر تقريرنا الثاني في الأيام المقبلة.
- ماذا تحقق؟
- لا شك أن بناء الملفات سيأخذ وقتاً، لكن طورنا علاقات بين المدعيين الوطنيين في دول عدة، وأولئك الذين يشاركون معنا نتائج عملهم. إذ نحن نجمع المعلومات لأهداف عدة، بينها دعم المحاكم الوطنية. نحن نجهز لمحاكمات مستقبلية وفي الوقت نفسه نساعد المحاكم الوطنية، عدا الدول التي لديها عقوبة الإعدام.
- هل تتابعون الانتهاكات من «داعش»؟
- نعم.
- هل تتعاونون مع الآليات الأخرى المختصة بـ«داعش»؟
- تقصد آلية التحقيق التي شكلها مجلس الأمن لمعالجة انتهاكات «داعش».
- نعم.
- نتعاون معهم. السؤال: نحن مهتمون بتسلم وثائق تتعلق بـ«داعش» في سوريا، لكن لا يمكن التعاون مع المحاكم العراقية بسبب وجود عقوبة الإعدام في هذا البلد. ما لم تتغير الحال إزاء عقوبة الإعدام، لا يمكننا تقديم ملفاتنا إلى محاكم عراقية. لكن، نحن على اتصال.
- كيف تحصلون على تمويل؟
- 38 دولة والاتحاد الأوروبي يدعموننا بشكل طوعي. في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، طلبت الجمعية العامة من الأمين العام إدخال تمويل «الآلية» ضمن الموازنة الدورية للأمم المتحدة لعام 2020، وسنقدم طلباً لهذا الغرض في مارس (آذار) المقبل لموازنة 2020. سنبقى إلى حين ذلك ضمن مساهمات طوعية.
- ما هي الموازنة؟
- موازنة 2018 كانت 14 مليون دولار.
- هل هناك تراجع بالاهتمام الدولي بدعم «الآلية» بسبب تراجع الاهتمام السياسي بسوريا؟
- الاهتمام موجود وثابت. لكن كما تعرف أن العمل لن ينتهي خلال سنة؛ لذلك نحن في حاجة إلى ديمومة. في أمور المحاسبة، الاعتماد على التمويل التطوعي ليس الطريق الأنسب على المدى الطويل.
- واقعياً، متى ستحصل محاكمات؟
- من جهة، إن الآلية تدعم الإجراءات الحالية أمام المحاكمات الوطنية، وهذا دور مهم جداً حالياً؛ إذ إن دورنا هو دعم كل جهد يساهم في عملية المساءلة.
من جهة أخرى، نحن نعد ملفات القضايا الخاصة بنا والتي سوف نقدمها إلى محاكم وطنية مختصة، أو إلى المحكمة الجنائية الدولية أو إلى محكمة خاصة يوماً ما.
- أي خيار واقعي؟ متى تحصل المحاكمات؟
- احتمال إنشاء محكمة خاصة يبدو صعباً في المستقبل القريب بسبب واقع مجلس الأمن حالياً مع أنني آمل غير ذلك، كما أن سوريا لم تتقدم بطلب مساعدة للأمم المتحدة. ربما تأتي هذه الخيارات مستقبلاً.
- متى؟
- لا أعرف. لا يمكنني إعطاء توقعات سحرية. لكن عندما يحين الوقت يجب أن تكون الملفات جاهزة.
- طريق مجلس الأمن مسدودة؟
- نعم. فقد استخدمت روسيا والصين حق النقض (فيتو) ضد إحالة الملف على المحكمة الجنائية الدولية.
- هذه أول مرة في تاريخ مجلس الأمن؟
- لا. هناك حالات أخرى. في يوغسلافيا حتى عندما تشكلت المحكمة لم نتوقع أن تعمل. هي أخذت وقتا. آمل في سوريا، أن الوقت يحين أن العدالة الدولية تلعب دوراً والعدالة السورية تعمل.
- إذن، أنت في حالة انتظار؟
- لا؛ إذ إننا نجمع الأدلة، نحفظها ونحللها. نحن بصدد تطوير موارد تحليلية تخولنا من رسم صورة كاملة عن الحالة في سوريا، مثل التسلسل الزمني للأحداث والخرائط والمخططات التنظيمية، وأنواع الجرائم، وربط الجرائم بالفاعلين...إلخ.
وكما ذكرت سابقاً، نحن نتبادل المعلومات مع الهيئات القضائية الأخرى. كما أننا نعدّ ملفات القضايا بشأن الجرائم المرتكبة من قبل كل أطراف النزاع.

أدلة
- كيف تجمعون الأدلة؟
- الطرق الكلاسيكية: تحديد الشهود المستعدين للإدلاء بشهاداتهم، جمع الوثائق والتحقق من صحتها ومصداقيتها، وهناك أيضاً فيديوهات كثيرة، أحد تحديات الآلية هو الحجم الهائل من الوثائق. ونحن بصدد وضع استراتيجيات مبتكرة لتصنيف المواد ذات الصلة على نحو يبين صحتها وربط الأدلة بالمواد الداعمة الأخرى.
- مثلاً؟
- في المحاكمة في السويد، الفيديو كان أساسياً في بدء المحاكمة ضد سوريين؛ لأن المتهمين سجلوا صورهم (لدى ارتكاب جرائم). الأدلة الظرفية أيضاً أساسية. العملية معقدة وطويلة.
- في الحالة السورية، هناك وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً. هل جعلت عملك أسهل أم أصعب؟
- الأمران صحيحان. أصعب وأسهل. صحيح أن لدينا أحداثاً مسجلة بالفيديوهات. لكن الكمية تجعل الأمر صعباً. كما أنه يجب التأكد أنها حقيقية وغير مزيفة وليست تتعلق بمكان آخر. أيضاً، وجود تكرار للحدث نفسه يصور قسماً منه أم كله - أي واحد تختار؟ قرار صعب قانونياً. الكم والتكرار ووجود اتصالات عدة لجمع القصة ذاتها تجعل الأمور صعبة.
- هل تتكلمون مع كل الأطراف السورية؟
- مع أوسع شريحة ممكنة. في تجربتي مع يوغسلافيا، كانت هناك قضايا عدة ضد طرف وليس أطرافاً أخرى، كما أن بعض الدول لم تساعد المحاكمة. بعض الأشخاص لا يساعدون أنفسهم.
- ماذا عن سوريا؟
- نتصل مع الجميع لشرح مهمتنا.
- هل اتصلت بالحكومة السورية؟
- مرات عدة. وطلبت معلومات وطلبت لقاءات لشرح مهمتنا.
- الجواب؟
- الحكومة السورية أعلنت مرات عدة عن انتهاكات ارتكبتها أطراف عدة.
- الجواب؟
- لا جواب. حتى الآن...
- ثم؟
- أنا مصممة على تحقيق المهمة الموكلة إلي. اتصلت وطلبت مواعيد من السفيرين السوريين لدى الأمم المتحدة في نيويورك وجنيف. ولم أحصل على جواب بعد. كما طلبت معلومات إضافية عن اتهامات وردت في بياناتهم الرسمية.
- إلى متى ستستمرين؟
- سأواصل جهودي. لن أستسلم. هذا مهم جداً. مهم بالنسبة إلى الشعب السوري أن نتواصل مع جميع الأطراف. ما أريد نقله إلى الجميع أننا محايدون قولاً وفعلاً.
- هل أرسلت محققين إلى مناطق المعارضة؟
- لا. لن أذهب إلى مكان من دون موافقة الحكومة.
- تفسيرك لموقف دمشق؟
- يجب أن تسألهم عن أسباب عدم تعاونهم معنا. من الأهمية بمكان المساهمة في محاكمة القضايا. هم يقولون إن هناك جرائم وإذا أرادوا معالجة هذه القضايا يجب أن يتعاونوا.
- مثلاً؟
- مثلاً، في أي بيان رسمي سوري، هناك اتهامات عن خطف أو جرائم من «داعش» أو معارضين ضد سلطات الجمهورية العربية السورية. لذلك؛ من مصلحتهم التعاون معنا كي نوثق ذلك.
- هم يقولون إن هذا موضوع سيادي؟
- أقول، لديهم مسؤولية كدولة مكان وقوع الجريمة. خذ مثلاً المقاتلين الأجانب الذين عادوا إلى بلادهم من سوريا. إذا أردت محاكمتهم فعليك التعاون. كما أن الجمعية العامة طلبت من جميع الدول التعاون بما فيها سوريا. أيضاً، من مصلحة الحكومة التعاون. إذا كان المتهم لم يعد في أرضك يجب أن تتعاون أيضاً.
- هل طلبت لقاءات مع مقاتلين أجانب عادوا إلى بلادهم بعد ارتكاب جرائم في سوريا؟
- لم نذهب في هذا الاتجاه بعد. عندما أقول دعم المحاكمات الوطنية، أعني التواصل مع النيابات العامة.
- واقعياً، هل تعتقدين أنه كافٍ بالنسبة إلى عائلات الضحايا أن يعرفوا الحقيقة من دون محاكمة المتهمين؟
- أولاً، ليس لي أن أجيب نيابة عن أهالي الضحايا للقول أي نوع عدالة يريدون. من خلال تجربتي بالتعاطي مع ضحايا العنف الجنسي مثلاً، البعض يريد النسيان، لا يريد الذهاب إلى محكمة، البعض يريد معرفة الحقيقة للمضي قدماً. إذا كان هناك مفقود، ربما الأم تريد معرفة مصير فقيدها.
- أيهما أحسن للمصالحة؟
- أعتقد بحسب خبرتي: إذا لم تكن هناك محاسبة وحقيقة، لن يكون هناك أفق لسلام دائم. لا أقول إن المصالحة تقدم حلاً لجميع المعضلات، وهي ليست طريقا سهلاً. لكن، لا شك أن لا سلام دائماً من دون نوع من أنواع العدالة. والمحاسبة.
- في مفاوضات جنيف برعاية الأمم المتحدة، يتكلمون عن كل شيء عدا المحاسبة؟
- المحاسبة يجب أن تكون جزءاً من العملية السياسية في جنيف.
- هل هي كذلك؟
- يجب أن تكون كذلك. المساءلة والمحاسبة يجب أن تكون جزءاً من العملية السياسية. لست مفاوضاً، لكن لا أرى كيف تسير عملية السلام إلى الأمام دون نوع من أنواع المحاسبة. المحاسبة الكاملة لكل الأطراف.
- المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا التقى ممثلي الدول الكبرى والإقليمية لبحث الدستور السوري. هل هناك لقاءات بينكما؟
- إنني أتابع العملية كما سبق أن التقينا.
- هل هناك تعاون؟
- المساران يعملان بالتوازي. وأنا أحترم مهمة دي ميستورا الصعبة والعمل الشائك الذي يقوم به.
- لست جزءاً بمعنى أو آخر بالعملية الدستورية؟
لا شك أنني مهتمة بمآلات هذا المسار، لكنني أذكّر بأن مهمة الآلية هي تقديم المساعدة في عملية المساءلة عن الجرائم الدولية الخطيرة المرتكبة في سوريا منذ 2011.
لذا؛ بطبيعة الحال أنا مهتمة بمآل المؤسسات القضائية السورية ودور القضاء السوري في المستقبل.



اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
TT

اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)

أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، الثلاثاء، إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات، مع إلزام قواتها بالانسحاب الكامل من الأراضي اليمنية خلال 24 ساعة، في إطار جهود الحكومة اليمنية للحفاظ على سيادة البلاد ووحدتها إزاء تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي وتصعيده في حضرموت والمهرة، ومواجهة انقلاب الحوثيين المستمر منذ عام 2014.

وجاء في نص القرار الذي صدر عن العليمي، أن إلغاء الاتفاقية يستند إلى الصلاحيات الدستورية الممنوحة لرئيس المجلس الرئاسي، وبمقتضى القرار رقم (9) لسنة 2022، مؤكداً على أهمية حماية المواطنين وسلامة الأراضي اليمنية. كما نص القرار على تسليم المعسكرات كافة في محافظتي حضرموت والمهرة إلى قوات «درع الوطن».

وفي خطوة متزامنة، أصدر الرئيس اليمني قراراً بإعلان حالة الطوارئ في أنحاء اليمن كافة لمدة 90 يوماً قابلة للتمديد. القرار يستند إلى الصلاحيات الدستورية نفسها، ويستهدف مواجهة الانقلاب على الشرعية والفوضى الداخلية التي قادتها عناصر عسكرية، قالت الحكومة اليمنية إنها تلقت أوامر من الإمارات بالتحرك ضد المحافظات الشرقية بهدف تقسيم البلاد.

الدخان يتصاعد في أعقاب غارة جوية شنها التحالف بقيادة السعودية استهدفت شحنة عسكرية غير قانونية (رويترز)

وتضمنت إجراءات حالة الطوارئ، وفقاً للقرار الرسمي، فرض حظر شامل على الحركة الجوية والبحرية والبرية في جميع المواني والمنافذ لمدة 72 ساعة، باستثناء الحالات المصرح بها رسمياً من قيادة تحالف دعم الشرعية، الذي تمثله المملكة العربية السعودية. كما منح القرار محافظي حضرموت والمهرة صلاحيات كاملة لإدارة شؤون محافظتيهما، والتعاون مع قوات «درع الوطن» حتى تسلُّم المعسكرات.

أشار القرار إلى أن جميع القوات العسكرية في حضرموت والمهرة مطالبة بالعودة فوراً إلى مواقعها ومعسكراتها الأساسية، والتنسيق التام مع قيادة التحالف العربي بقيادة السعودية، دون أي اشتباك، لضمان استقرار الوضعين العسكري والمدني في المحافظتين.

توضيح الموقف

في سياق بيان الموقف، أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي الالتزام بحماية المدنيين، وصون المركز القانوني للدولة، ووحدة قرارها العسكري والأمني، محذّراً من خطورة التصعيد الذي يقوده «المجلس الانتقالي الجنوبي» في محافظتَي حضرموت والمهرة، ومندداً بما وصفه بتورط دولة الإمارات في دعم هذا التمرد، وتقويض مؤسسات الدولة الشرعية.

وقال العليمي، في بيان وجّهه إلى الشعب اليمني، إن التطورات الأخيرة في المحافظات الشرقية، وما رافقها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين «تأتي في توقيت بالغ الحساسية، بينما يخوض اليمن معركته المصيرية ضد الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، ويكابد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم». وشدد على أن أي انزلاق إلى صدامات داخلية أو فتح جبهات استنزاف جديدة لن يخدم سوى أعداء اليمن، ويقوّض فرص السلام.

مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي الداعي للانفصال عن اليمن (إ.ب.أ)

وخاطب رئيس مجلس القيادة أبناء المحافظات الجنوبية، مؤكداً أن قضيتهم العادلة كانت ولا تزال في صلب مشروع الدولة الوطنية، وأن حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية محل التزام كامل ضمن مرجعيات المرحلة الانتقالية، وبما يضمن شراكة مسؤولة تحفظ الكرامة، وتؤسس لاستقرار دائم. وفي الوقت نفسه حذّر من احتكار تمثيل القضية الجنوبية أو توظيفها لتحقيق أهداف سياسية غير مشروعة على حساب وحدة الدولة وسيادتها.

وأوضح العليمي أنه، ومن موقعه الدستوري بصفته قائداً أعلى للقوات المسلحة، أصدر توجيهات واضحة بمنع أي تحركات عسكرية أو أمنية خارج إطار الدولة أو دون أوامر صريحة من القيادة العليا «حرصاً على حقن الدماء ومنع الانزلاق إلى مواجهات داخلية». غير أن هذه التوجيهات، وفق البيان، قوبلت بالتجاهل، حيث مضت التشكيلات التابعة لـ«المجلس الانتقالي» في تنفيذ تحركات أحادية، تعدّ تمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

تأييد مجلس الدفاع الوطني

أعلنت مؤسسات الدولة اليمنية، وفي مقدمها مجلس الدفاع الوطني، والحكومة الشرعية، والسلطة المحلية في محافظة حضرموت ووزارة الدفاع وهيئة الأركان، اصطفافها الكامل خلف قرارات العليمي، الهادفة إلى مواجهة تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي، وإنهاء الوجود الإماراتي ضمن تحالف دعم الشرعية، إلى جانب إعلان حالة الطوارئ في عموم البلاد.

في ضوء هذا الاصطفاف، ترأس العليمي اجتماعاً لمجلس الدفاع الوطني، ضم أعضاء مجلس القيادة، ورؤساء السلطات التشريعية والتنفيذية، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت؛ لمناقشة التطورات الخطيرة في محافظتي حضرموت والمهرة، وانعكاساتها على الأمن والاستقرار ووحدة القرار السيادي للدولة.

اجتماع لمجلس الدفاع الوطني اليمني برئاسة العليمي (سبأ)

وجدَّد مجلس الدفاع الوطني توصيفه لهذه التحركات بَعدّها «تمرداً صريحاً» على مؤسسات الدولة الشرعية، وتقويضاً لوحدة القرار العسكري والأمني، وتهديداً مباشراً للسلم الأهلي، محذراً من أن تداعيات هذا التصعيد تصبّ في مصلحة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، عبر تفجير الجبهة الداخلية، وتشتيت الجهد الوطني في مرحلة بالغة الحساسية.

وحسب الإعلام الرسمي، بارك المجلس قرارات العليمي المتضمنة إعلان حالة الطوارئ، وإنهاء الوجود العسكري الإماراتي في اليمن، عادَّاً أنها تجسد المسؤوليات الدستورية لقيادة الدولة في حماية المدنيين، وصون مؤسساتها الوطنية ومركزها القانوني، مؤكداً الرفض المطلق لأي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة أو استخدام السلاح لتحقيق مكاسب سياسية.

ترحيب حكومي

أعلنت الحكومة اليمنية تأييدها المطلق لقرارات العليمي، عادّة إعلان حالة الطوارئ إجراءً دستورياً مشروعاً تفرضه الضرورة الوطنية لمواجهة التمرد المسلح، وحماية السلم الأهلي، ومنع الانزلاق نحو الفوضى وتقويض مؤسسات الدولة.

ورحَّبت الحكومة اليمنية في بيان بالإجراءات التي اتخذتها قيادة القوات المشتركة، بما في ذلك تنفيذ ضربة جوية محدودة ودقيقة استهدفت دعماً عسكرياً خارجياً غير مشروع في ميناء المكلا؛ بهدف حماية المدنيين ومنع عسكرة المواني والسواحل.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وفي امتداد لاصطفاف مؤسسات الدولة اليمنية خلف قرارات رئيس مجلس القيادة الرئاسي، أعلنت قيادة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة تأييدهما الكامل ومباركتهما للقرارات، عادَّتين أنها جاءت في «لحظة مفصلية» من تاريخ البلاد، واستجابة لتطلعات الشعب اليمني، وإنفاذاً للواجبات الدستورية والصلاحيات المنصوص عليها في الدستور ومرجعيات المرحلة الانتقالية.

وأكد بيان صادر عن قيادة وزارة الدفاع وهيئة الأركان أن القوات المسلحة اليمنية بمختلف تشكيلاتها تتمتع بروح معنوية عالية وجاهزية قتالية كاملة، تخولها تنفيذ مهامها الدستورية والوطنية في جميع الظروف، مشدداً على الالتزام التام بتنفيذ القرارات والإجراءات الصادرة عن القيادة العليا، بوصفها التعبير الشرعي عن وحدة القرار السيادي للدولة.

بدورها، أعلنت السلطة المحلية في محافظة حضرموت تأييدها الكامل لقرارات القيادة السياسية، واستعدادها للتنسيق مع قوات «درع الوطن» لتسلم المعسكرات والمواقع الحيوية، وضمان انتقال سلس وآمن للمسؤوليات العسكرية، داعيةً أبناء المحافظة والقوات المسلحة والأمن إلى الالتفاف حول القيادة الشرعية؛ حفاظاً على أمن حضرموت واليمن.


أهالي تاورغاء يشكون تجاهل «الوحدة» الليبية لأحكام القضاء

الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)
الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)
TT

أهالي تاورغاء يشكون تجاهل «الوحدة» الليبية لأحكام القضاء

الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)
الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)

أعرب سياسيون ونشطاء في مدينة تاورغاء الليبية عن استيائهم وشكواهم من تجاهل حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، لحكمين قضائيين صادرين عن محكمتي استئناف طرابلس وبنغازي، يقضيان بوقف قرار الحكومة ضم المدينة إلى بلدية مصراتة.

ويأتي هذا الجدل بعد سبعة أعوام من توقيع اتفاق المصالحة بين المدينتين، الذي أنهى سنوات من الصراع والتهجير القسري، الذي تعرض له سكان تاورغاء عقب أحداث عام 2011.

وتضع هذه الشكاوى، حسب مراقبين، مبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء الليبي محل تساؤلات، في بلد لا يزال يعاني انقساماً سياسياً وعسكرياً مستمراً منذ أكثر من عقد. فقد شهدت ساحات القضاء في طرابلس وبنغازي على مدى شهرين صدور حكمين؛ أولهما عن محكمة استئناف طرابلس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قضى بوقف تنفيذ قرار حكومة «الوحدة» في الشق المستعجل من الدعوى، أعقبه حكم ثانٍ صادر مطلع الأسبوع الحالي عن محكمة استئناف بنغازي، قضى بإلغاء القرار نهائياً وقبول الطعن المقدم ضده.

في المقابل، التزمت حكومة الدبيبة الصمت إزاء هذه الأحكام، وباشرت عملياً إجراءات تُفسَّر على أنها تمهيد لتنفيذ قرار الضم، كان آخرها توجيه وزارة الصحة التابعة لحكومة الوحدة في 18 ديسمبر (كانون الأول) طلباً إلى إدارة الصحة في تاورغاء لتسليم مهامها إلى نظيرتها في مصراتة.

هذا السلوك، حسب رؤية عضو مجلس النواب الليبي، جاب الله الشيباني، مثّل «تجاهلاً صريحاً لأحكام القضاء وتقويضاً لمبدأ الفصل بين السلطات»، محذراً من أنه يقود إلى ما وصفه بأنه «تعزيز للشعور بانزلاق الدولة نحو الفوضى». ورأى الشيباني في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «أي إجراء لاحق لصدور هذين الحكمين يُعد مخالفة قانونية واضحة لأحكام القضاء».

وأوضح النائب الليبي أن بلدية تاورغاء «كيان إداري قائم بذاته منذ عقود»، ومعترف بها منذ عهد النظام السابق، قبل أن تُلغى بقرار إداري في المرحلة الانتقالية، التي أعقبت فبراير (شباط) 2011، ثم أعيد الاعتراف بها عام 2015 عبر مجلس تسييري، رغم ظروف التهجير القاسية التي عاشها سكانها، وفق تعبيره.

مبنى مهجور في مدينة تاورغاء غرب ليبيا (الشرق الأوسط)

وتعيد هذه التطورات إلى الأذهان اتفاق المصالحة التاريخي بين مصراتة وتاورغاء، الذي أُبرم برعاية دولية منتصف عام 2018، ونجح في طي عداء استمر قرابة ثماني سنوات، ومهّد لعودة النازحين إلى مدينتهم الواقعة على بُعد نحو 240 كيلومتراً شرق طرابلس.

غير أن قرار ضم تاورغاء إلى مصراتة، الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، أعاد إشعال التوتر، بعدما نص على تحويل تاورغاء إلى فرع بلدي تابع لمصراتة، وهو ما قوبل برفض واسع من الأهالي، الذين عدوا الخطوة انتقاصاً من استقلاليتهم الإدارية، وتهديداً لحقوقهم القانونية المكتسبة، ودفعهم للجوء للقضاء.

ويستند الطاعنون في قرار حكومة «الوحدة» إلى أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات كانت قد اعتمدت تاورغاء بلديةً مستقلة، بموجب قرارات تنظيم الانتخابات البلدية التي انطلقت عام 2014، في حين صدر قرار ضمها إلى بلدية مصراتة في يوم إجراء الانتخابات نفسها، وفق ما يوضحه لـ«الشرق الأوسط» المحامي زياد أبو بكر هيركة، أحد مقدمي الطعن أمام محكمة استئناف طرابلس، الذي عبّر عن استغرابه من عدم امتثال السلطة التنفيذية للأحكام القضائية.

كما أوضح الشيباني أن إدراج تاورغاء ضمن البلديات المشمولة بانتخابات المجالس البلدية يمثل «اعترافاً رسمياً بتوافر مقومات البلدية من حيث السكان والجغرافيا والبنية الاجتماعية والاقتصادية»، لافتاً إلى أن عدد سكانها يتجاوز 50 ألف نسمة.

من جهته، يرى الناشط الليبي عياد عبد الجليل أن الإشكال «ليس مع مدينة مصراتة، التي تم تجاوز الخلاف معها عبر المصالحة، بل مع الحكومة التي تتجاهل المطالب المشروعة لأهالي تاورغاء، بالحفاظ على بلديتهم المستقلة»، عاداً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تجاهل الأحكام القضائية «يعكس استمرار ممارسات تُقوّض استقلالية المؤسسات القضائية».

وفي انتظار ما ستسفر عنه التطورات القضائية، يترقب أهالي تاورغاء حكماً جديداً من محكمة في طرابلس بشأن موضوع الطعن، للفصل النهائي في مصير قرار الضم.

ويقول النائب الشيباني إنهم «ينتظرون صدور الحكم لإحالته إلى رئاسة مجلس النواب، من أجل مخاطبة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات لإجراء الاقتراع البلدي في تاورغاء»، محذراً من أن «أي تدخل أمني لمنع هذا الاستحقاق سيقابل بمواقف واضحة».

في المقابل، يلوّح المحامي هيركة بما وصفه أنه «مسار قانوني مواز»، مشيراً إلى أن «إصرار الحكومة على عدم تنفيذ الأحكام القضائية قد يدفع إلى تحريك دعوى جنحة مباشرة ضد رئيس الحكومة بشخصه، لامتناعه عن تنفيذ حكم قضائي واجب النفاذ».

ورغم هذا المشهد المتوتر، ترى نادية الراشد، العضوة السابقة في المؤتمر الوطني العام، بارقة أمل في صدور الحكمين المتطابقين من بنغازي وطرابلس، عادّةً أن ذلك «يعكس وحدة الموقف القانوني، ويؤكد اختصاص القضاء بعيداً عن العبث السياسي»، مضيفة أن هذه الأحكام «تثبت أن القانون، متى أُتيح له المجال، قادر على تصحيح المسار وحماية استقلالية القضاء».


مستشار الرئيس اليمني: تحرك جاد لفرض منطق القانون والمؤسسات

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
TT

مستشار الرئيس اليمني: تحرك جاد لفرض منطق القانون والمؤسسات

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

قال المهندس بدر باسلمة، مستشار الرئيس اليمني، إن المشهد اليمني يمرّ بمحاولة جادة لـ«هندسة عكسية» تستعيد من خلالها الدولة زمام المبادرة، بدعم إقليمي وثيق، وبما يرسّخ منطق القانون والمؤسسات.

ووصف باسلمة القرارات الرئاسية الأخيرة، المتعلقة بالأوضاع في المحافظات الشرقية، بأنها «خطوة مفصلية» تنطوي على دلالات سياسية عميقة تمسّ جوهر بقاء الدولة، على حدّ تعبيره.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وأوضح بدر باسلمة، في تصريح خاص، لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه القرارات تمثل انتقالاً نوعياً لمجلس القيادة الرئاسي من مربع «امتصاص ردود الأفعال» إلى مربع «صناعة الفعل» والمبادرة، بما يفضي إلى تحصين مركزية القرار السيادي ومنع تفتت الدولة.

وشدّد على أن الموقف السعودي الداعم للشرعية وقراراتها يشكّل حجر الزاوية في معادلة الاستقرار الراهنة، مشيراً إلى أن هذا الدعم لا يُقرأ بوصفه تدخلاً لصالح طرف على حساب آخر، بقدر ما يعكس استراتيجية تهدف إلى «ضبط إيقاع» المشهد ومنع الانزلاق نحو المجهول.

ويرى باسلمة أن المحافظات الشرقية، وفي مقدمتها حضرموت والمهرة، تمرّ بمخاض سياسي دقيق قد يرسم ملامح مستقبل شكل الدولة، ويؤسس لنموذج «الدولة الاتحادية» المقبلة.

من «إدارة التوازنات» إلى «سيادة المؤسسات»

ووفقاً للمهندس بدر باسلمة، فإنه «لا يمكن قراءة القرارات الأخيرة الصادرة عن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في سياقها الإداري الروتيني فحسب، بل تمثل خطوة مفصلية تنطوي على دلالات سياسية عميقة تتصل بجوهر بقاء الدولة».

وأضاف أن أهمية هذه القرارات تكمن في كونها تُجسّد انتقالاً نوعياً لمجلس القيادة من مربع «امتصاص ردود الأفعال» إلى مربع «صناعة الفعل والمبادرة»، وعَدَّ ذلك «رسالة سياسية بليغة إلى الداخل والخارج مفادها أن الدولة، بمفهومها الدستوري والشرعي، هي صاحبة الكلمة الفصل في إدارة مؤسساتها السيادية، وأنها يجب أن تظل مظلة وطنية جامعة، لا ساحة لتقاسمها أو توظيفها خارج إطار المشروع الوطني الجامع».

ولفت باسلمة إلى أن هذه الخطوة تمثل «بمعناها الأعمق، عملية تحصين لمركزية القرار السيادي، ومنع انزلاق الدولة نحو التفكك أو تحولها إلى جُزر إدارية وأمنية معزولة».

الدور السعودي حجر الزاوية

وأكد بدر باسلمة أن الموقف السعودي الداعم للشرعية وقراراتها يمثل حجر الزاوية في معادلة الاستقرار الراهنة، موضحاً أن هذا الدعم «لا يُقرأ بوصفه تدخلاً لصالح طرف على حساب آخر، بقدر ما يعكس استراتيجية تهدف إلى ضبط إيقاع المشهد ومنع الانزلاق نحو المجهول».

وأضاف أن أهمية هذا الدور تتجلى في ترسيخ «قاعدة ذهبية مفادها أن الشراكة لا تعني الاستحواذ»، مشيراً إلى أن الدعم الموجَّه لمجلس القيادة الرئاسي يستهدف خفض التصعيد ومنع فرض سياسات «الأمر الواقع» بقوة السلاح، ولا سيما في المناطق ذات الحساسية الاستراتيجية مثل حضرموت والمهرة.

وتابع أن المملكة، من خلال هذا النهج، «تعيد رسم الخطوط الحمراء التي تضمن بقاء جميع الأطراف تحت مظلة الدولة»، وتدفع القوى السياسية نحو طاولة الحوار بوصفه الخيار الوحيد، بدلاً من «مغامرات غير محسوبة قد تُهدد الأمن الإقليمي والنسيج الاجتماعي اليمني».

المحافظات الشرقية... ملامح الدولة المقبلة

ويقول بدر باسلمة إن المحافظات الشرقية، وفي مقدمتها حضرموت والمهرة، باتت، اليوم، تمثّل «الرقم الصعب» في المعادلة اليمنية، وتعيش مخاضاً سياسياً قد يرسم ملامح مستقبل شكل الدولة.

وأضاف باسلمة أن «القراءة المتفحصة للمشهد تشير إلى تنامي الوعي المجتمعي والسياسي في هذه المحافظات، باتجاه رفض التبعية المطلقة أو الاستقطاب الحاد»، موضحاً أن ما يجري في حضرموت «لا يندرج في إطار حراك مناطقي عابر، بل يندرج في سياق تأسيس لنموذج الدولة الاتحادية المقبلة».

وأشار إلى أن هذه المحافظات تسعى لانتزاع حقوقها في إدارة شؤونها وتأمين أراضيها، «من خلال تشكيلات وطنية، مثل قوات درع الوطن، وذلك تحت مظلة الشرعية الدستورية»، لافتاً إلى أن المؤشرات الراهنة توحي بأن خيار «الضم والإلحاق القسري» تراجع لصالح مسار يتجه نحو صيغة توافقية تضمن للأقاليم خصوصيتها الإدارية والأمنية ضمن يمن موحد واتحادي.

مسلَّح من أنصار «المجلس الانتقالي الجنوبي» (أ.ف.ب)

وختم باسلمة حديثه بالقول إن «اليمن يشهد، اليوم، محاولة جادة لـ(هندسة عكسية) للمشهد، فبدلاً من أن تفرض الفصائل واقعها على الدولة، تسعى الدولة، بدعم إقليمي وثيق، إلى استعادة زمام المبادرة وفرض منطق القانون والمؤسسات».

وأضاف أن هذه العملية «تمثل معركة نفَس طويل تتطلب قدراً عالياً من الحكمة السياسية»، مؤكداً أن «الرابح فيها هو مَن ينحاز لمنطق الدولة ومصالح المواطنين»، مستنداً في ذلك إلى «الشرعية الدولية والغطاء العربي الداعم».