ليبيا تعلن عن برنامج إصلاح اقتصادي... والتفاؤل يغلب على الانتقادات

يفرض رسوماً على مبيعات النقد الأجنبي وإجراءات «لقطع الطريق أمام السماسرة»

السراج يتوسط نائبه أحمد معيتيق (يمين) ومحافظ المصرف المركزي الصدّيق الكبير ورئيس مجلس الدولة خالد المشري (المجلس الرئاسي)
السراج يتوسط نائبه أحمد معيتيق (يمين) ومحافظ المصرف المركزي الصدّيق الكبير ورئيس مجلس الدولة خالد المشري (المجلس الرئاسي)
TT

ليبيا تعلن عن برنامج إصلاح اقتصادي... والتفاؤل يغلب على الانتقادات

السراج يتوسط نائبه أحمد معيتيق (يمين) ومحافظ المصرف المركزي الصدّيق الكبير ورئيس مجلس الدولة خالد المشري (المجلس الرئاسي)
السراج يتوسط نائبه أحمد معيتيق (يمين) ومحافظ المصرف المركزي الصدّيق الكبير ورئيس مجلس الدولة خالد المشري (المجلس الرئاسي)

طرحت السلطات الليبية في العاصمة طرابلس، برنامجاً يستهدف إصلاح بعض تشوهات اقتصاد البلاد المعتمد على النفط، من خلال فرض رسوم على المعاملات بالعملات الأجنبية، وسمح البرنامج لكل مواطن بتحويل مبلغ 10 آلاف دولار سنوياً بالوسائل المتاحة.
ولم يسلم البرنامج، الذي أعلنه رئيس المجلس الرئاسي لحكومة (الوفاق الوطني) فائز السراج، المدعوم من الأمم المتحدة ويتضمن 11 بنداً، من انتقادات حادة من الفرقاء السياسيين، لكن كثيراً من الاقتصاديين استقبلوه بتفاؤل نادر.
وأعلن السراج، خلال اجتماع ضم محافظ مصرف ليبيا المركزي الصدّيق الكبير، (المعترف به دولياً) ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، ونائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق، الخطوات التنفيذية لتحقيق البرنامج، الذي يتضمن تعزيز سعر صرف الدينار عبر فرض رسوم على مبيعات النقد الأجنبي للأغراض التجارية والشخصية.
كما تستهدف الرسوم الجديدة الحد من الدين العام وتوفير التمويل لصيانة المرافق ودعم الخدمات العامة، كالتعليم والصحة والمواصلات، على أن يتولى رئيس المجلس الرئاسي ومحافظ مصرف ليبيا المركزي تحديد مقدار الرسم الذي يُفرض.
ويهدف هذا القرار، وفقاً للخبراء، إلى تقليص الفجوة بين سعر الصرف الرسمي للعملة المحلية البالغ 1.4 دينار للدولار والسعر في السوق الموازية الذي يتجاوز سبعة دنانير من وقت إلى آخر.
ورأى الرئيس الأسبق للمؤسسة الليبية للاستثمار، محسن الدريجة، أن الرسوم الجديدة «يمكن اعتبارها خطوات من مجموعة خطوات يحب أن تتخذ لإصلاح الاقتصاد البلاد»، لكنه قال إن «السوق الموازية في ليبيا اعتادت البيانات والقرارات التي لا تنفذ... ولهذا؛ سيكون تعامله مع القرار حذراً».
ورأى الدريجة في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أنه «في حال تفعيل القرار سينخفض سعر الدولار في السوق الموازية؛ مما يترتب عليه توفر السيولة، وتحسن الحياة اليومية للمواطنين». وتطرق الخبير الليبي للحديث عن بعض الجوانب التي قد تكون لها آثار سلبية، وتتمثل في «عودة جزء كبير من الرسوم لتصرف الحكومة، وهذا قد يرفع الإنفاق؛ الأمر الذي سيزيد من عرض الدينار، ويحول دون انخفاض سعر الصرف تدريجياً نحو السعر الرسمي 1.4».
وانتهي دريجة إلى أنه «يمكن خفض الرسوم تدريجياً على المعاملات بالعملات الأجنبية، إذا ما ضُبطت سياسة إنفاق الحكومة، وتوقف تمويل ميزانية حكومة البيضاء في (شرق البلاد) من المصارف التجارية، وما ينتج منه من نمو للدين العام».
وتتصارع حكومتان على السلطة في ليبيا، الأولى في طرابلس برئاسة السراج وتحظى بدعم أممي، والأخرى في مدينة البيضاء (شرق البلاد) منبثقة عن مجلس النواب المنتخب سنة 2014، فضلاً عن مصرف مركزي منقسم بين المقر الرئيسي، المُعترف به دولياً، في العاصمة (غرب البلاد)، الذي تذهب إليه إيرادات النفط، ويترأسه الصدّيق الكبير، وآخر موازٍ ويديره علي الحبري، في البيضاء. واستثنى قرار المجلس الرئاسي من الرسوم المفروضة على مبيعات النقد الأجنبي «مخصص أرباب الأسر»، وأكد على أنه تسري أحكامه «على كافة طلبات شراء النقد الأجنبي التي لم يتم البت فيها من قبل مصرف ليبيا المركزي قبل صدور قرار قرض الرسوم. كما تسري على حوالات العاملين المغتربين بالنسبة لمرتباتهم المستحقة بعد صدور هذا القرار».
ويسمح القرار «لكل مواطن بتحويل مبلغ 10 آلاف دولار سنوياً بالوسائل المتاحة، عملاً بالضوابط والأعراف الدولية»، مع «رفع سقف الحوالات لأغراض العلاج والدراسة، على أن يتم التحويل إلى حساب المستشفيات والجامعات والمدارس مباشرة».
وعقب الإعلان عن البرنامج، قال نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق، إن قرار الإصلاحات الاقتصادية جاء «بعد جهود مضنية استمرت أكثر من عامين إلى أن وفقنا لتوقيع الحزمة الأولى منها».
وأضاف معيتيق في تصريحات صحافية «نأمل أن يكون ذلك بداية لقرارات أخرى تتخذ في الأيام المقبلة لرفع المعاناة عن المواطن، وانخفاض أسعار السلع الأساسية وقطع الطريق أمام السماسرة».
غير أن الرئيس السابق لسوق الأوراق المالية، سليمان الشحومي، قال إن قرار المجلس الرئاسي، الذي تضمن بشكل أساسي فرض رسوم علي مبيعات النقد في شكل حوالات «لم يحدد مقدار الرسم، وسيتم ذلك بقرار لاحق بالتنسيق بين المحافظ ورئيس المجلس الرئاسي»، منوها إلى أن «التوقعات تشير إلى أن سعر صرف الدولار وفق قرار فرض رسوم على مبيعات النقد الأجنبي يتراوح من 4.2 إلى 4.5 للدولار كبداية، ثم يتقلص تدريجياً». وأضاف الشحومي عبر حسابه على «فيسبوك»، «بغض النظر عن التحفظات حول قانونية إصدار هذا القرار واحتمال تعثره، فإنه تظل هناك بعض الملاحظات على القرار، منها، أن (القرار يطبق على مرتبات العاملين الأجانب بليبيا بالسعر الجديد)»، لافتاً إلى أن رفع مخصصات الأسرة بالسعر الرسمي (1.4 للدولار) بمقدار 500 دولار عن العام الحالي، «سيعمل على استمرار ازدهار السوق الموازية ويمولها بدولارات رخيصة، وقد يجعلها بسعر أقل من السعر الجديد بالبنك في المراحل الأولى».



من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
TT

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها السياحية بطريقة توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والتراث.

يأتي «ملتقى السياحة السعودي 2025» بنسخته الثالثة، الذي أُقيم في العاصمة الرياض من 7 إلى 9 يناير (كانون الثاني) الجاري، كمنصة لتسليط الضوء على الجهود الوطنية في هذا المجال، وتعزيز تعاون القطاع الخاص، وجذب المستثمرين والسياح لتطوير القطاع.

وقد أتاح الملتقى الفرصة لإبراز ما تتمتع به مناطق المملكة كافة، وترويج السياحة الثقافية والبيئية، وجذب المستثمرين، وتعزيز التوازن بين العوائد الاقتصادية من السياحة والحفاظ على المناطق الثقافية والتاريخية، وحماية التنوع البيئي.

وعلى سبيل المثال، تعد الأحساء، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لـ«اليونسكو»، ببساتين النخيل وينابيع المياه والتقاليد العريقة التي تعود لآلاف السنين، نموذجاً للسياحة الثقافية والطبيعية.

أما المحميات الطبيعية التي تشكل 16 في المائة من مساحة المملكة، فتُجسد رؤية المملكة في حماية الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.

جانب من «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» (واس)

«محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»

في هذا السياق، أكد رئيس إدارة السياحة البيئية في «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»، المهندس عبد الرحمن فلمبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية منظومة المحميات الملكية التي تمثل حالياً 16 في المائة من مساحة المملكة، والتي تم إطلاقها بموجب أمر ملكي في عام 2018، مع تفعيل إطارها التنظيمي في 2021.

وتحدث فلمبان عن أهداف الهيئة الاستراتيجية التي ترتبط بـ«رؤية 2030»، بما في ذلك الحفاظ على الطبيعة وإعادة تنميتها من خلال إطلاق الحيوانات المهددة بالانقراض مثل المها العربي وغزال الريم، بالإضافة إلى دعم التنمية المجتمعية وتعزيز القاعدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية عبر توفير وظائف التدريب وغيرها. ولفت إلى الدور الكبير الذي تلعبه السياحة البيئية في تحقيق هذه الأهداف، حيث تسعى الهيئة إلى تحسين تجربة الزوار من خلال تقليل التأثيرات السلبية على البيئة.

وأضاف أن المحمية تحتضن 14 مقدم خدمات من القطاع الخاص، يوفرون أكثر من 130 نوعاً من الأنشطة السياحية البيئية، مثل التخييم ورياضات المشي الجبلي وركوب الدراجات. وأشار إلى أن الموسم السياحي الذي يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مايو (أيار) يستقطب أكثر من نصف مليون زائر سنوياً.

وفيما يخص الأهداف المستقبلية، أشار فلمبان إلى أن «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» تستهدف جذب مليون زائر سنوياً بحلول 2030، وذلك ضمن رؤية المحميات الملكية التي تستهدف 2.3 مليون زائر سنوياً بحلول العام نفسه. وأضاف أن الهيئة تسعى لتحقيق التوازن البيئي من خلال دراسة آثار الأنشطة السياحية وتطبيق حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة.

أما فيما يخص أهداف عام 2025، فأشار إلى أن المحمية تهدف إلى استقطاب 150 ألف زائر في نطاق المحميتين، بالإضافة إلى تفعيل أكثر من 300 وحدة تخييم بيئية، و9 أنواع من الأنشطة المتعلقة بالحياة الفطرية. كما تستهدف إطلاق عدد من الكائنات المهددة بالانقراض، وفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لشؤون الطبيعة.

هيئة تطوير الأحساء

بدوره، سلّط مدير قطاع السياحة والثقافة في هيئة تطوير الأحساء، عمر الملحم، الضوء لـ«الشرق الأوسط» على جهود وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة السياحة في وضع خطط استراتيجية لبناء منظومة سياحية متكاملة. وأكد أن الأحساء تتمتع بميزة تنافسية بفضل تنوعها الجغرافي والطبيعي، بالإضافة إلى تنوع الأنشطة التي تقدمها على مدار العام، بدءاً من الأنشطة البحرية في فصل الصيف، وصولاً إلى الرحلات الصحراوية في الشتاء.

وأشار الملحم إلى أن إدراج الأحساء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي التابعة لـ«اليونسكو» يعزز من جاذبيتها العالمية، مما يُسهم في جذب السياح الأجانب إلى المواقع التاريخية والثقافية.

ورحَّب الملحم بجميع الشركات السعودية المتخصصة في السياحة التي تسعى إلى تنظيم جولات سياحية في الأحساء، مؤكداً أن الهيئة تستهدف جذب أكبر عدد من الشركات في هذا المجال.

كما أعلن عن قرب إطلاق أول مشروع لشركة «دان» في المملكة، التابعة لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، والذي يتضمن نُزُلاً ريفية توفر تجربة بيئية وزراعية فريدة، حيث يمكنهم ليس فقط زيارة المزارع بل العيش فيها أيضاً.

وأشار إلى أن الأحساء منطقة يمتد تاريخها لأكثر من 6000 عام، وتضم بيوتاً وطرقاً تاريخية قديمة، إضافةً إلى وجود المزارع على طرق الوجهات السياحية، التي يصعب المساس بها تماشياً مع السياحة المستدامة.

يُذكر أنه يجمع بين الأحساء والمحميات الطبيعية هدف مشترك يتمثل في الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، مع تعزيز السياحة المستدامة بوصفها وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلاهما تمثل رمزاً للتوازن بين الماضي والحاضر، وتبرزان جهود المملكة في تقديم تجربة سياحية مسؤولة تُحافظ على التراث والبيئة.