كتاب «ثورة أمة» لأنور مالك، المراقب الجزائري في أول بعثة للجامعة العربية لاستقصاء الحقائق في سوريا عام 2011، مؤلم حد الوجع على أكثر من مستوى. أولا، لأن الشهادات الواردة تأتي من رجل محايد كانت مهمته كمراقب محايد تسجيل ما يحدث، والحيلولة دون حدوثه إن أمكن. وثانيا، من صدق هذه الشهادات الموثقة بالوقائع، أزمنة وأمكنة وأشخاصا. لقد قرأنا الكثير وربما شاهدنا أكثر، لكن البعض، المسكون بالشك أصلا، واختلاطات الوضع السوري، وإعلام النظام المضاد، عوامل نجحت إلى حد ما في حجب مجازر لا تقل في فظاعتها عن المجازر التي أصبحت معروفة في عصرنا الحالي بفضل التوثيق منذ النازية والفاشية.
وكان من سوء حظ الشعب السوري أن البعثة الأممية الأولى لاستقصاء الحقائق لم تستقص شيئا للأسف، بل غطت على كثير منها منذ البداية بسبب من توجهات رئيسها، صاحب التصريح الشهير «حمص؟ ماذا في حمص؟»، في الوقت التي كانت فيه هذه المدينة تحترق.
وإذا كان قسم من أعضاء تلك اللجنة السيئة الصيت قد صمتوا لاعتبارات عديدة، فإن ضمير أنور مالك لم يرتض له ذلك، وسجل لنا مشاهداته كما هي في كتابه الضخم «ثورة أمة». والحقيقة، من الصعوبة بمكان أن تقرأ هذا الكتاب - الشهادة من دون أن تشعر بالغضب من سير عمل تلك اللجنة، وحرف مهمتها الجليلة من قبل القائمين عليها، ومن قبل النظام السوري معا. بل يمكن القول إن الاثنين تعاونا بشكل من الأشكال على وأد عملها حتى قبل أن يبدأ.
يقول المؤلف في مقدمته للكتاب «الحديث عن التجارب الشخصية والسير الذاتية مهما كان نوعها في كتاب أو مسلسل أو رواية أو ديوان شعر ليس بالأمر الهين، أو أنه في متناول كل من هبَّ ودبَّ؛ لأن في ذلك تشعبات كثيرة، وزوايا مفتوحة، وأخرى مغلقة، تجد الكثير من الناس يتفادونها أو يجهلون حيثياتها، ولو كانوا طرفا في صناعة قرار ما، وإن الخوض في تجارب الآخرين وقصصهم ومواقفهم إذا تعلق الأمر بالتاريخ هو بدوره صعب للغاية. دائما توجد دوائر مظلمة، إما لأن الذين لديهم علاقة بالحدث يطمسونه، أو لأن الفاعلين الأساسيين غائبون، أو لأنه يفضح جهة متنفذة لا تزال لديها سطوتها في صناعة المشهد وتطوراته».
وفي الحقيقة، من الصعب استعراض هذا الكتاب، الذي أهداه مالك إلى الثورة السورية، وبالأخص إلى أهالي حمص «الذين عايشتهم على مدار أيام قضيتها بينهم بصفتي مراقبا عربيا، فأحببت فيهم بساطتهم وإخلاصهم وصدقهم ورباطة جأشهم على الرغم من النار والدمار»، فهو عبارة عن حكايات وقصص عاشها مالك أثناء عمله، ورواها كما هي. شهادة على جرائم نظام لم يدفع ثمنها بعد. ومن الوقائع المرعبة الواردة في الكتاب هذا المثال «عندما شاهدت جثة منزوعة الجلد لأسير كان في المستشفى وقتل بعد تعرضه لتعذيب.. واعترفوا بأنه مات بسبب إصابات، وكان حيا عندما أخذوه إلى المستشفى وكان أصيب بنزف شديد ومات».
وأضاف «لقد نزعوا جلده، وأصيب بنزف شديد، نزعوا جلده من أماكن حساسة جدا في جهازه التناسلي بغرض التعذيب. لا أستطيع وصف ما رأيت. كان المشهد صعبا وفظيعا جدا. رأيت أمه وهي عمياء فاقدة البصر تحتضنه وتقبله وتبكي، وتقيأت في تلك اللحظة». وتابع «كان هناك مشهد آخر تناقلته فضائيات لطفل عمره ست سنوات جرى قنصه وكنت أصوره بالكاميرا، وقد حملوه ميتا. وهناك أطفال تعرضوا للقنص وبيوت مهدمة. وشاهدت أشخاصا لا يجدون لقمة يأكلونها أو خبزا يابسا فبكيت. لا أستطيع أن أتجرد من إنسانيتي وأنا أرى تلك المشاهد». وغير ذلك من المشاهدات التي لا تقل روعا عن هذه الحادثة.
أما عن مشاركته في عملية المراقبة، فيقول مالك «في اليوم الأول رافقت رئيس بعثة المراقبين الفريق أول محمد أحمد مصطفى الدابي إلى بابا عمرو، ووجدنا مدينة حمص خاوية مدمرة لا علاقة لها بالحياة. وبعدما رآنا الناس خرجوا من بيوتهم وصار عددهم بالآلاف في دقائق معدودة وبدأوا يهتفون بإسقاط النظام، ومنهم من قال إنه مكث داخل بيته أسبوعين أو ثلاثة أسابيع لأن القناصة موزعون في مناطق تحيط بمنازلهم».
يقع الكتاب في 523 صفحة من القطع المتوسط، وصدر عن مكتبة «العبيكان» في السعودية.
9:44 دقيقه
أنور مالك يسجل يومياته عن الوجع السوري
https://aawsat.com/home/article/139411
أنور مالك يسجل يومياته عن الوجع السوري
أنور مالك يسجل يومياته عن الوجع السوري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة



