مسيحيون يحتجون على مناهج دراسية في مناطق الإدارة الكردية

TT

مسيحيون يحتجون على مناهج دراسية في مناطق الإدارة الكردية

شهدت سلطات الإدارة الذاتية المعلنة من جانب واحد في المناطق الكردية في سوريا احتجاجات من المسيحيين السرْيان على المناهج الدراسية، إذ تفضل مدارس عديدة يديرها السرْيان تدريس المناهج الحكومية.
وتسبب الخلاف في إغلاق مدارس عدة تعتمد المنهج الحكومي في محافظة الحسكة في شمال شرقي سوريا، ما يؤشر إلى الانقسام في الأراضي الكردية بين مؤيدين للإدارة الذاتية التي أُعلنت خلال النزاع المستمر منذ 2011، وآخرين موالين لسلطات دمشق.
وتصاعد نفوذ الأكراد الذين عانوا من التهميش على مدى سنوات طويلة في سوريا، في سنوات النزاع الأولى في شمال وشمال شرقي البلاد مع انسحاب النظام تدريجياً منها. وينضوي بعض الأحزاب السريانية وبينها الاتحاد السرياني، في الإدارة الذاتية التي أنشأها الأكراد بحكم الأمر الواقع اعتباراً من 2012 قبل إعلان النظام الفيدرالي في مناطقهم في 2016.
كما قاتل المجلس العسكري السرياني إلى جانب الأكراد ضمن قوات سوريا الديمقراطية، وشارك في معارك عدة ضد تنظيم داعش بينها معركة مدينة الرقة.
في المقابل، يؤيد آخرون النظام، وعلى رأسهم «قوات الحماية السريانية» (سوتورو) التي قاتلت إلى جانب الجيش السوري في معارك عدة خصوصاً تلك التي هدفت إلى استعادة السيطرة على قرى مسيحية في وسط البلاد.
وفي 28 أغسطس (آب)، تظاهر عشرات السريان في مدينة القامشلي احتجاجاً على إغلاق الإدارة الذاتية الكردية 14 مدرسة في مدن القامشلي والحسكة والمالكية، ورفع المتظاهرون الأعلام السورية وأطلقوا الهتافات المؤيدة للرئيس بشار الأسد.
وتفرض الإدارة الذاتية التي تشدد دائماً على حقوق الأقليات، في مناطقها، اعتماد منهجها الدراسي الذي يختلف بين مدارس الأكراد والسريان، إذ يجدر بكل أقلية أن تدرس كل المواد بلغتها الأم.
ويقول مدرس مادة العلوم في القامشلي داني صليبا: «التعلم باللغة الأم حق من حقوق كل الشعوب في المنطقة (...) لكن المشكلة تكمن في الاعتراف بهذه المناهج». ويضيف: «ليست هناك أي جامعة سواء داخل سوريا أو خارجها تعترف بهذه المناهج أو حتى بالشهادة الممنوحة من هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية».
ولا تعترف دمشق بالإدارة الذاتية الكردية وتؤكد إصرارها على استعادة كل الأراضي التي خرجت عن سيطرتها بما فيها مناطق الأكراد التي توجد فيها قوات أميركية وفرنسية ضمن التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وبدأت الحكومة السورية مؤخراً مفاوضات مع الأكراد تهدف للتوصل إلى حل وسط بين الطرفين. وفي وقت يصر الأكراد على الحكم «اللامركزي» في مستقبل سوريا، تسلط دمشق الضوء على قانون يمنح صلاحيات أكبر للبلديات.
ويتبع السريان التقليد المسيحي الشرقي ويصلّون باللغة الآرامية. ويشكل السريان الأرثوذكس والكاثوليك نحو 15 في المائة من مسيحيي سوريا البالغ عددهم 1,2 مليون. ويمثل السريان المذهب المسيحي الأكبر في القامشلي. وتصاعد الاحتقان بعد إغلاق المدارس، وتجري مفاوضات بين رافضي المناهج السريانية وعلى رأسهم كنيسة السريان الأرثوذكس والإدارة الذاتية للتوصل إلى حل.
وأعلنت مطرانية السريان الأرثوذكس في المنطقة أول من أمس (الثلاثاء)، إعادة «افتتاح المدارس الخاصة»، ما يوحي بأنه تم التوصل إلى حلٍّ ما لم يكن في إمكان الصحافة الفرنسية التأكد منه على الفور.
ويُحسب المسيحيون إجمالاً في سوريا على النظام الذي يعتبرونه حامياً للأقليات، وإن كان قسمٌ منهم انضم إلى المعارضة.
ويدافع السريان عن موقفهم في اعتماد المنهج الدراسي الحكومي. ويتساءل صليبا العبد الله في القامشلي «مَن يعترف بهذه المناهج دولياً؟ هل هناك دولة تعترف بالواقع الموجود في الجزيرة؟»، في إشارة إلى محافظة الحسكة، وهو الاسم الذي يطلقه الأكراد على المحافظة التي تشكل أحد أقاليم إدارتهم الذاتية الثلاثة.
ويوضح العبد الله: «إذا كانت هناك دولة أو أكثر تعترف بهذا الواقع، عندها لن تكون هناك مشكلة، لكننا تحت سلطة الأمر الواقع»، مشدداً على أن «شرعية مدارسنا هي من شرعية حكومة الجمهورية العربية السورية».
في المقابل، تقول إليزابيت كورية، رئيسة الجمعية الثقافية السريانية التابعة للإدارة الذاتية: «هدفنا إبقاء أبواب مدارسنا مفتوحة لا إغلاقها (...) لكن منهج الدولة السورية كان فيه الكثير من الإقصاء». وتضيف: «هناك فرق كبير مع أن يتعلم الطفل بلغته الأم ليرتبط بشعبه وأرضه ووطنه وكنيسته (...) كي لا يتقمص أولادنا شخصية الغير بل ليحافظوا على هويتهم»، مشيرة إلى أن «المنهج البعثي (في إشارة إلى حزب البعث الحاكم في سوريا) الإقصائي كان هدفه تحويل هذا الشعب من هوية إلى مذهب ودين، وإفراغ شخصيته القومية».
في معهد لتعليم اللغة السريانية في حي الوسطى ذي الغالبية الكردية، يجلس طلاب بلباسهم السرياني التقليدي يستمعون لمدرّستهم سميرة حنا (47 عاماً). وتقول حنا: «في مدارس الدولة في السابق كنا نتعلم المواد باللغة العربية، ولم نكن نتلقى سوى دروس دينية باللغة السريانية». أما اليوم فقد تغير الحال تماماً، «بتنا ندرس الرياضيات والتاريخ والجغرافيا باللغة السريانية»، مضيفة: «أنا سعيدة جداً لأنني أعلّم أطفالي بالسريانية».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.